صفحات العالم

اتساع التباين بين الأولويات الأميركية والعربية فهل تخلط الصدمة السعودية الأوراق الدولية؟/ روزانا بومنصف

من المفارقات اللافتة ان تعطي الولايات المتحدة تقديرا ايجابيا لا بأس به للمحادثات التي جرت مع ايران مطلع الاسبوع الحالي في جنيف من ضمن مجموعة الدول الخمس الكبرى زائد المانيا، وعلى هامشه اكثر بكثير من التقدير الذي اعطاه احد الديبلوماسيين الروس المنتدبين الى الاجتماع وعلى نحو يتخطى تحفظ وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لهذا الاجتماع ايضا واعلانه ابداء بلاده الحذر بناء على تجارب الماضي. ومع انه لم يتم تسريب الكثير من مضمون المحادثات، فان الانطباعات التي عممت لاحقا كفيلة باعطاء مؤشرات معينة ولو انها غير مكتملة حتى الآن. الا ان ذلك بدا لافتا كونه اتى متناغما او موازيا بالنسبة الى اسباغ واشنطن نفحة تفاؤلية كبيرة على المفاوضات مع ايران مع تراجع علاقاتها او توترها مع دول حليفة لها في المنطقة حيث لم تبد اي اشارة ايجابية من جانبها تعبر عن رغبتها في اخذ مواقف حلفائها او مصالحهم في الاعتبار، كأن يزور وزير الخارجية الاميركي او ديبلوماسيون كبار هذه الدول للوقوف على آرائها، علما انه قد يكون مجحفا ان يعزى الجفاء او التوتر في العلاقات الى موضوع المفاوضات مع ايران وحدها والتي تبدو مشجعة اكثر من اي وقت اخر علما ان هناك مخاوف من ان الرغبة القوية في وصول الادارة الاميركية الى اتفاق ينهي العداء مع ايران قد تترك المجال لهذه الاخيرة لان تفوز باعتراف بموقعها ونفوذها في المنطقة او التسليم لها بنفوذ اضافي على غرار ما جرى بالنسبة الى العراق او افغانستان.

والتوتر أثاره في الاساس سعي الولايات المتحدة الى حشد الدعم لها من اجل توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري ما لبثت الادارة الاميركية ان تراجعت عنها عبر اتفاق ثنائي مع روسيا قضى بازالة الاسلحة الكيميائية التي يملكها النظام السوري وترجمت ذلك في قرار في مجلس الامن اهمل جوهر الازمة السورية وموقع الافرقاء الاقليميين وافسح في المجال امام بقاء النظام بموافقة اميركية. ومع ان هناك عناصر اخرى للتوتر بين الولايات المتحدة وبعض الدول العربية على خلفية مسائل اخرى كموضوع مصر مثلا والارتباك الاميركي في التعاطي مع السلطة الانتقالية فيها واتخاذ قرار بتعليق المساعدات العسكرية لها جنبا الى جنب مع ازمة سوريا، فان مصادر سياسية تقول ان الازمة في عناوينها الكبرى تتمثل في شقين : الاول ان هناك تفاوضا جوهريا واساسيا في المنطقة حيث يمكن ان تنطلق منه معالم مرحلة سياسية مختلفة وادوار يهم كل الدول المؤثرة ان تكون لاعبا فيها لا ان تجري في معزل عنها او تكلف لاحقا المشاركة في التنفيذ فيما تغيب عن صياغة عناوينها او مضمونها. والاعتراضات على التجاهل او التجاوز تتصل بالولايات المتحدة الاميركية اكثر من سواها من الدول في هذا الاطار، علما ان هذا التجاهل قد يفضي الى حلول جزئية تأتي على حساب هذه الدول ومصالحها الاستراتيجية. وتاليا فانه يعود لهذه الدول ان تسجل اعتراضها بالطريقة التي تراها مناسبة من اجل تقديم مصالحها وعدم تجاهلها في حال لم يكن لها مقعد على طاولة المفاوضات فمن اجل مواقف او مصالح لا يمكن تجاوزها، كما جرى في الاتفاق الروسي الاميركي حول الاسلحة الكيميائية السورية الذي اخذ في الحسبان مصلحة الولايات المتحدة واسرائيل في تجريد النظام من اسلحته وضمان عدم وقوعها في ايدي المتطرفين لكن مع بقاء الازمة وترشيحها للاستمرار سنوات اضافية.

والشق الاخر يرتبط بواقع انه يظهر هناك تباعد تتزايد مؤشراته بين اولويات الادارة الاميركية وبين اولويات دول عربية حليفة لها في المنطقة من مجموعة مسائل وازمات كما هي الحال مثلا بالنسبة الى ازمة سوريا او موضوع حل ازمة الملف النووي الايراني الذي لا تختصر المسألة فيه تحديدا بالنسبة الى دول اساسية في المنطقة على رغم اهميته او ايضا بالنسبة الى المقاربة الاميركية لأزمة مصر. فأداء الادارة الاميركية اخيرا كان محبطا ومخيبا عربيا واوروبيا ويستمر عربيا على الاقل حتى اشعار آخر.

واذ اقدمت المملكة العربية السعودية على خطوة مفاجئة وغير مسبوقة بالاعتذار عن شغل المقعد غير الدائم الذي انتخبت له في مجلس الامن بعد يوم واحد على هذا الانتخاب علما انها المرة الاولى التي تنتخب المملكة في المجلس معترضة على فشل هذا الاخير في مقاربة مسائل شائكة تتعلق بالمنطقة و” على اسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في المجلس “، فان لذلك وقع الصدمة الديبلوماسية ورسالة لها مفاعيل لا يمكن انكارها. وسبق ان ساقت دول عدة مؤثرة اعتراضات على مجلس الامن لعجزه عن مقاربة المواضيع الخلافية، وكان آخرها الاستياء الذي عبرت عنه دول اوروبية عدة كما الولايات المتحدة من الفيتو الذي استخدمته كل من روسيا والصين في شأن اتخاذ قرار في مجلس الامن يوقف استمرار القتل ويمهد لحل سياسي. حتى ان هذا الاستياء عبر عنه الامين العام للامم المتحدة بان كي مون مرارا منتقدا ” شلل ” المجلس خصوصا ازاء معالجة الازمة السورية. الا ان الصدمة التي احدثتها المملكة السعودية من خلال اعتذارها عن قبول عضويتها في مجلس الامن وبعد خطوة الغائها كلمتها امام الجمعية العمومية للامم المتحدة مطلع هذا الشهر، تتخطى هذه المواقف وتعطي ابعادا لمواقف تتفاعل خارج اطار مجلس الامن فيما يفترض ان يتولى هو مسؤوليتها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى