صفحات سوريةمنذر خدام

الائتلاف الوطني السوري إضافة نوعية أم تراكمية؟

 

منذر خدام

كان لافتا تزامن نعي هيلاري كلينتون المجلس الوطني مع تقديم مبادرة رياض سيف لتشكيل تحالف جديد بدلا منه. وفيما ارتفعت اسهم بورصة الائتلاف الوطني الجديد عربيا ودوليا كان الفتور المحلي لافتا. يبدو ان الحراك الشعبي السوري صار أكثر ميلا للحكم عليه وعلى غيره من خلال الافعال لا الاقوال.

صار معلوماً أن انتفاضة الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة والديموقراطية فاجأت القوى السياسية التقليدية المعارضة، أو بقاياها على الأصح، لأن النظام البعثي لم يسمح بوجود معارضة حقيقية وفاعلة على الأرض. لذلك ما إن بدأ الشعب بالتحرك سلما ضد النظام حتى انتعشت هذه القوى المعارضة وجرت الدماء في عروقها وأخذت تبحث عن موقع لها في الحراك الشعبي أو دور وقد حصل عليه معظمها ادعاء في الغالب الأعم.

على الأرض، للأسف، لم تكن هناك قوى سياسية معارضة تقود الحراك وتوجهه وتصوغ له شعاراته لذلك وقع في تجريبية فجة لا يتحمل هو مسؤوليتها. ورغم ولادة معارضات جديدة من جراء تفعيل الحراك ودفعه قوى مجتمعية وثقافية إلى ساحة العمل السياسي إلا أنها لم تشكل إضافة نوعية تتجاوز المعارضات التقليدية، بل صارت أكثر صخبا في ترداد شعارات الشارع للأسف. هذا الواقع المؤلم للمعارضة السياسية السورية الذي يغلب عليه طابع التفتت والمنافسة، بل الصراع في بعض الأحيان أفاد منه النظام كثيراً.

إن ميل المعارضات السورية إلى الفرقة والتنافس بل الصراع، لم يمنع قيام محاولات كثيرة من أجل توحيدها، أو تنسيق نشاطها السياسي على أساس رؤية مشتركة. وكان من الطبيعي أن تبادر إلى ذلك القوى السياسية التقليدية التي كانت موزعة على أربعة اطر تنظيمية هي التجمع الوطني الديموقراطي وقوى إعلان دمشق، وقوى الإسلام السياسي والأحزاب الكردية. من بين هذه القوى كان التجمع الوطني الديموقراطي أول إطار تحالفي جبهوي تشكل في سوريا عام 1979 كرد على جبهة النظام، وقد ضم في عضويته في ذلك الوقت خمسة أحزاب يسارية وقومية هي عبارة عن انشقاقات عن أحزاب جبهة النظام.

وفي أواسط عام 2005 تم تشكيل ما صار يعرف بتحالف قوى إعلان دمشق كأوسع تحالف معارض تشهده سوريا طوال تاريخها الحديث إذ ضم إلى جانب الأحزاب المنضوية في إطار التجمع الوطني الديموقراطيي جميع القوى السياسية الأخرى العربية والكردية، اليسارية والقومية والإسلامية، والعديد من النخب الثقافية التي كانت قد تجمعت في إطار ما عرف في حينه بلجان إحياء المجتمع المدني والمنتديات الثقافية السياسية وغيرها.  لكن هذا الإطار التحالفي الجديد للمعارضات السورية ما لبث أن تمزق من جراء قمع النظام لما عرف بربيع دمشق وزج كثير من رموزه السياسية والثقافية في السجن، وهروب البعض منهم إلى خارج البلاد.

لكن هذه القوى عادت من جديد تنشط حواراتها تزامنا مع انتفاضة الشعب السوري من اجل توحيد قواها استجابة لمطالب الحراك الشعبي. وبالفعل ونتيجة لحوارات استمرت نحو ثلاثة أشهر شاركت فيها جميع القوى السياسية التقليدية في سوريا تمت ولادة ما صار يعرف بهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي، لكنها على عكس ما كان مأمولا لم تضم جميع القوى المعارضة السورية بل بعضها فقط. لقد بقيت قوى أساسية خارجها مثل بعض قوى إعلان دمشق وخصوصا حزب الشعب السوري، وكذلك جماعة الإخوان المسلمين وغالبية الأحزاب الكردية وغيرها.

رغم ذلك لم تتوقف المساعي لتوحيد المعارضات السورية خصوصا بعد أن أخذ الحراك الشعبي طابعاً جماهيرياً وصار بأمس الحاجة إلى وجود قيادة سياسية تحوّل شعاراته ومطالبه إلى ممكنات سياسية عبر صوغ رؤية سياسية شاملة. إضافة إلى ذلك صار هدف توحيد المعارضات السياسية السورية مطلباً لدول عربية وإقليمية ودولية مهتمة بالشأن السوري ومنخرطة فيه بأشكال مختلفة، وقد بادرت بالفعل إلى تشجيع السوريين على الوحدة كل على طريقتها. في هذا المجال لعبت تركيا وقطر دورا بارزا، فعلى أراضيهما اجتمع السوريون مراراً وعقدوا مؤتمرات لهم كانت تتمخض عن ولادة تكتلات جديدة لكنها غير جامعة.

من بين هذه التكتلات كانت ولادة المجلس الوطني السوري، بقيادة برهان غليون، أكثرها جدية، وأكثرها إشكالية في الوقت ذاته. لقد علقت عليه أمال كبيرة  من قبل الحراك الشعبي وخصص له جمعة من جمعاته للتعبير عن قوته التمثيلية له. لكنه وبعد أكثر من سنة على ولادته لم يقدم خلالها أية إضافة نوعية للعمل السياسي المعارض في سوريا، جرى نعيه أولاً من قبل الكثير من قادته الذين خرجوا منه ثم عليه في مراحل مختلفة من بداية تشكيله، لتنعيه أخيراً السيدة هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية.

لكن اللافت هنا هو تزامن نعي السيدة كلينتون للمجلس الوطني مع تقدم مبادرة السيد رياض سيف لتشكيل تحالف جديد بدلا منه. وبالفعل اجتمعت في الدوحة عاصمة دولة قطر قوى سياسية وحركية وعسكرية سورية معارضة بحضور العديد من ممثلي الدول العربية والأجنبية لتشهد ولادة “الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة” الذي انضم إليه المجلس الوطني السوري كأحد مكوناته الرئيسية. ومن جديد ارتفعت أسهم بورصة الرهان عليه عربيا ودولياً، لكن مع فتور محلي لافت. يبدو أن الحراك الشعبي السوري صار أكثر ميلا للحكم عليه وعلى غيره من خلال الأفعال لا الأقوال.

إن طريقة ولادة الائتلاف الوطني السوري ورغم الرهان الكبير عليه من قبل قوى عربية وإقليمية ودولية عديدة إلى درجة الاعتراف به كممثل “لتطلعات الشعب السوري”، والسماح له (بل دعوته) لتعيين سفراء له في عواصمها، فهو في حالته الراهنة لا يشكل إضافة نوعية على طريق توحيد المعارضات السورية إذ لا تزال معظم القوى السياسية والعسكرية المعارضة غير منضوية في إطاره. اليوم المعارضات السياسية السورية موزعة على ثلاثة تشكيلات رئيسية هي الائتلاف الوطني السوري، والتحالف الوطني السوري الذي أعلن عنه في القاهرة اخيرا إضافة إلى قوى المعارضة في الداخل التي اجتمعت في مؤتمر إنقاذ سوريا.

ما يجمع هذه التشكيلات السياسية المعارضة هو رؤيتها لسورية المنشودة بعد إسقاط النظام القائم (وثيقة العهد)، وكذلك رؤيتها المتقاربة جداً لمتطلبات المرحلة الانتقالية (وثيقة المرحلة الانتقالية) وهما وثيقتان كانت قد اتفقت عليهما مختلف فصائل المعارضة السورية في مؤتمرها الأول في القاهرة في بداية مطلع شهر تموز من عام 2012، وبقليل من الجهد والحوار البناء والجدي يمكن توحيد رؤيتها للمرحلة الجارية حتى إسقاط النظام. وإذا ما نجح الائتلاف في إنجاز هذه المهمة إضافة إلى مهمة أخرى أكثر تعقيدا وهي مهمة توحيد القوى العسكرية على الأرض، عندئذ فقط يمكن القول بأنه بات يشكل إضافة نوعية بامتياز.

معارض سوري

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى