صفحات الرأيمنير الخطيب

البلشفيّة وحفيدتها البوتينيّة… عندنا/ منير الخطيب

 

 

افتتحت الثورة البلشفية، بداية القرن الماضي، مساراً لمحاولات الخروج من النظام الرأسمالي العالمي من طريق العنف والعسكرة، ولحقتها النازية والفاشية والحركات القومية والخمينية والقاعدية وحركات الإسلام السياسي المختلفة والأنظمة الاشتراكية.

لكن، لم تستطع جميع هذه الحركات، التي شكّلت سياقاً عالمياً واحداً، أن تُخرج بلدانها من خطوط التبعية للنظام الرأسمالي العالمي، بل أخرجتها فعلياً من فضاء الحداثة الكونية. فقضايا كالدولة التعاقدية، والقانون العام، والمجتمع المدني، والديموقراطية، والإنسية، كانت ضحايا هيمنة وتسلّط الأوليغارشيات التي أنتجتها تلك التجارب.

وعلى خطى ذاك «الديزاين» الذي وضعت مبادئه الناظمة البلشفية، وتولّت وريثتها الستالينية، لاحقاً، تعميمه عالمياً بوسائل مختلفة، تحت غطاء الشعار الشهير «سمة العصر هي الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية»، نشأت «دولة البعث – التسلّطية»، وتأسست مقدمات النكبة السورية الراهنة في ذلك الحين، أي نهاية الخمسينات، عندما نجح «الثوريون» الذين تغذوا من مناخ «سمة العصر» الستاليني، في الانقلاب على جنين الحياة الدستورية في سورية.

فليس مستغرباً اليوم أن تكون البوتينية، حفيدة البلشفية، من مهندسي الانقلاب الثاني عام 2011 على ثورة الحرية والكرامة عند السوريين، إن كان ذلك سياسياً عبر تبديدها فكرة «هيئة الحكم الانتقالي»، ودعمها غير المحدود للنظام في مجلس الأمن، أو عسكرياً بواسطة تزويده وميليشياته بالسلاح، وأخيراً عبر تدخّلها العسكري المباشر.

وتأتي البوتينية إلى الميدان السوري معلنة منطق كسر الإرادات بمواجـهة القوى العسكرية السنيــة، فـي الوقـت الذي تنـحاز فيـه انحيــازاً مطلقاً الى مصفـوفــة الميليشيات المذهبية ذات المرجعية الإيرانية، بعدما نسّقت تدخلها العسكري في سوريـة مع الجنرال قـاسم سليماني، «مــايـسترو» الميليشيات المذهبية في المشرق العربي، إضــافــة إلى قصف طائراتها مناطق المدنيين السوريين، وارتــكابها مجازر بحقهم، ومحاولاتها الدائمة تركيب «معارضات» سورية هامشية، تفتقد غالبيتها إلى النزاهة والمصداقية والوزن السياسي.

وإذا عطفنا ذلك على تاريخها الزاخر بسياسات الأرض المحروقة في مواجهة المسلمين السنة، سواء في غروزني أو غيرها، وما ولّده هذا من مشاعر عدائية تجاهها لدى غالبية المسلمين، يصير حضورها في سورية، في كل أشكاله، محفزاً صارخاً لحروب الهويات.

لهذا ولغيره الكثير، فإن سياسات الغطرسة والقوة البوتينية العارية من الأغلفة الأيديولوجية، والمبادئ الأخلاقية، والتي تُنسّق وجودها العسكري في سورية مع أشرس نظامين عنصريين وعدوانيين في المنطقة، هما النظامان الإيراني والإسرائيلي، وتفيض منها «المكيافيلية» فيضاً غزيراً، لن تستطيع رعاية حل سياسي جدي في سورية، ولا يغدو كلامها المتكرر عن احترام رأي «الشعب السوري» في تقرير مصيره، وضرورة بقاء سورية موحدة في ظل دولة علمانية منشودة، أكثر من لغو رخيص فاقد للمعنى.

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى