صفحات العالم

الحقيقة الوحشية في حملة النظام السوري

 


كيم سينغوبتا، وجوستين فيلا

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

إدلب، سورية- ما تزال الذكريات المؤرقة للعنف الوحشي ومشاعر الفقدان طازجة في أذهانهم. والآن، ومع إطباق قوات النظام الانتقامية على الأنحاء، ينتظر سيل المنهكين والمرعوبين من السوريين الهاربين من الصراع في سورية مصيراً مجهولاً. وقد توجه أكثر من 10.000 شخص إلى الحدود التركية، في محاولة للهروب من الهجوم الذي أطلق عنانه بشار الأسد. وهم يعيشون في ظروف مزرية، على القليل من الطعام والماء، وبلا مأوى. لكنهم كانوا مستعدين لتحمل كل ذلك من أجل الوصول إلى مكان آمن نسبياً، بعيد عن الدبابات والمدفعية وطائرات الهليكوبتر الحربية، وما تحمل من الموت.

وليس من المعروف كم ستطول فترة هذه الاستراحة الطارئة، إذ توجد قوات النظام على بعد أقل من 15 كيلومتراً فقط من المكان. وكانت دمشق قد أعلنت قبل يوم من كتابة هذا التقرير عن الهجوم المزمع في محافظة إدلب، التي شهدت اجتياح جسر الشغور -وهي المدينة التي أصبحت رمزا للمعارضة المسلحة- وقالت السلطات إن الهجوم سيستمر حتى يتم سحق “العصابات الإجرامية”.

التقت صحيفة “إندبندنت” بعض هؤلاء الضحايا الذين فروا من حرب تشنها عليهم دولتهم نفسها، وعبروا إلى تركيا مستخدمين طرق المهربين المهجورة في الوديان والتلال. وكان أدلاؤنا شبانا يحملون زوادتهم الضئيلة في أيديهم: زجاجات مياه وأرغفة خبز: فهذه هي المساعدة التي تجد طريقها إلى مشهد الأزمة الإنسانية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

وكانت القصص التي سمعناها مروعة -عن إطلاق النار العشوائي وعمليات القتل المتكررة؛ وعن الدفن السريع للقتلى وحرق المنازل. ويحتاج المرء إلى الحذر إزاء صدقية هذه الروايات التي ربما لا تكون دقيقة، لكن شعوراً من الحيرة يخالط المرء إزاء هؤلاء الذين كانوا يتحدثون معاً عما حدث. ثمّ هناك أيضاً مشهد الأطفال الصغار جداً وكبار السن المعصوبين بالضمادات. وعلى التلال المنحدرة، تمتد سلسلة من قبور أولئك الذين قضوا متأثرين بجراحهم، في غياب المساعدة الطبية.

بين الحشد، كان هناك بعض الجنود الذين غيروا اصطفافاتهم وانحازوا إلى الناس. وقد أقروا بأنهم كانوا يخدمون نظاماً قمعياً من دون طرح أسئلة، لكنهم توقفوا عن القيام بذلك، كما أصروا على القول، بسبب الطبيعة المفزعة للعمليات العسكرية الحالية. وكان الجنود عصبيين وهم محاطون بالناس الذين عانوا على يد مواطنيهم. وكان إسماعيل شير صالح، وهو رقيب سابق عمره 25 عاماً من المشاة، قد ترك الجيش قبل وقت قصير فقط من قيام وحدة القوات المدرعة الرابعة بقيادة شقيق الرئيس، ماهر الأسد، بشن هجومها على جسر الشغور.

وقال وهو يلوي كوفية سوداء وبيضاء بين أصابعه: “كان يمكن أن يقتلوني لو أنهم أمسكوا بي”. وأضاف: “يمكن أن تقوم بذلك عناصر المخابرات أو حتى الناس أنفسهم الذين كنت أخدم معهم. هناك أشياء فظيعة يفعلونها: لقد رأيت أناساً تطلق عليهم النار من دون سبب، وكانوا سيقتلوني لأنهم يعدونني خائناً أو لأنني أعرف ما فعلوه”.

وبينما تحتضن “سابيا”؛ الطفلة ذات الثلاث سنوات من العمر بين ذراعيها، تمرر حليمة أم قيس إصبعها على الشرائط اللاصقة الثلاث على جبهة ابنتها. وتقول: “شيء كبير جداً انفجر بالقرب من منزلنا، وأصيبت بجروح من قطع المعدن التي جاءت مع الهواء. إننا مزارعون فقراء -ولا أعرف لماذا يريدون قصفنا”. وأضافت: “سوف نحاول أخذها إلى مستشفى. إننا قلقون لأن إصابتها في الرأس، ويمكن أن تكون خطيرة”.

هذه الأسرة واحدة من بين المئات التي تعبر الحدود إلى داخل تركيا كل يوم. وقد وضع مسؤولون الرقم حتى الآن عند 6000 شخص، على الرغم من أن العديد منهم قد تسللوا إلى الداخل التركي. وفي حين يتم نقل الجرحى لتلقي العلاج، يتم إرسال الباقين مباشرة إلى مراكز احتجاز حدودية. وقد ازداد عدد هذه المخيمات من مخيم واحد إلى ثلاثة في سبعة أيام، وهناك رابع تحت الإنشاء، وهي تقع جميعاً بعيداً عن أماكن الاتصال مع السكان المحليين، وبشكل أكثر تحديداً، مع وسائل الإعلام.

وكان رئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوغان، الذي فاز حزبه في الانتخابات الوطنية التي أجريت مؤخراً، يراقب الفوضى في سورية بقلق متزايد. ودعا الرئيس الأسد، الذي كان قد أقام معه صلات قوية، إلى كبح جماح قواته، وندد بالإجراءات “البربرية” التي ما يزال يجري اتخاذها. وأثناء تلقيه مكالمة هاتفية للتهنئة من ديفيد كاميرون، أعلن دعمه لمشروع القرار البريطاني-الفرنسي المقترح في الأمم المتحدة والذي يدين تصرفات النظام السوري.

وفي الأثناء، منعت القوات التركية على الحدود وسائل الإعلام من المغامرة بالدخول إلى سورية -وكان على مراسلي “الإندبندنت” أن يسلكوا طريقاً التفافية لتجنب الدوريات والوصول إلى العائلات الممتدة على طول ضفة نهر. وكان هناك اشتباه في المخيم، وإشاعات تدور عن عملاء مخابرات جرى إرسالهم لجمع المعلومات والبحث عن مستهدفين بين اللاجئين من أجل محاسبتهم مستقبلاً. وقد تفحص رجل طويل القامة يظهر انتفاخ تحت سترته الزرقاء بطاقة هوية دليلنا التركي، واستجوبوني حول أسباب رحلتنا. وقال: “أرجوك، اعذرنا. علينا بأن نكون حذرين من الجواسيس. إن جنود (النظام) ليسوا بعيدين كثيراً، ويمكن أن يأتوا بهذه الطريقة؛ وأنا هنا لأعتني بالأمن”.

وقد أفادت تقارير أن بعض “اللاجئين” جاؤوا مسلحين ببنادق كلاشنيكوف وقاذفات قنابل يدوية، وبما يعطي مصداقية لادعاءات دمشق عن وجود جماعات مسلحة تتحرك بين المتظاهرين. وقال رجل الأمن: “كلا، إننا مجرد أناس عاديين”. وهل كان يحمل مسدسا؟ هزّ رأسه وقال: “كلا، على الإطلاق”.

وكانت الغالبية العظمى من الموجودين هنا ينامون تحت الأشجار التي تقدم غطاءً ضئيلاً من المطر، وتمكن عدد قليل من قيادة شاحناتهم الصغيرة عبر الريف، وهم يستخدمون عرباتها للنوم، فيما نصب البعض الآخر خياماً مؤقتة من الخرق والأغطية البلاستيكية. ويستخدم سكان المخيم المؤقت بركة صغيرة تعوم فوقها القمامة، ومياه النهر الضحلة التي تتمرغ فيها الحيوانات، من أجل الغسيل والشرب.

وقال سيراز عبد الله، وهو طالب عمره 19 عاماً من قرية بجوار جسر الشغور: “أعرف أن هذا سيئ، لكننا ما نزال على قيد الحياة”. وأضاف: “لم يبق لنا شيء هناك. هناك مدافع كبيرة استخدمت (ضدنا)، ثم كانت هناك طائرات عمودية، تحلق على ارتفاع منخفض، بحيث كان بوسع ركابها رؤية أنهم يطلقون النار على الناس. وقد أطلقوا النار وقتلوا أناساً لم يكونوا يقاتلون، وإنما كانوا يحاولون الهرب بأرواحهم. ورأيت رجلين وهما يصابان بينما كانا يركضان هاربين”.

ثمة مزاعم متكررة بأن مقاتلين من “الشبيبة”، وهي ميليشيا من الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد ونخبة البلاد، قد شاركوا في ارتكاب الفظائع. وقال محمد حافظ، وهو نجار من قرية تقع في جنوب جسر الشغور: “لم يكونوا من الجيش، لكنهم جاؤوا مباشرة في أعقابه. وكان هؤلاء الرجال عدوانيين جداً: كانوا يستمتعون بإطلاق النار على الناس”.

وأضاف: “لقد صعدوا إلى أسطح المنازل، وأطلقوا النار على المظاهرات. لا أحد يعرف من الذي أرسلهم. وقد جدنا أن الجميع كانوا خائفين من هذه الميليشيات، فقد كان أفرادها هم الذين بدأوا المشكلة الحقيقية عندما أطلقوا النار على المشيعين في جنازة”.

وكان أحمد عبد الرحمن متعباً جداً، بحيث لم يستطع أن يواصل الحديث. وبينما يجلس مع زوجته وشقيقه على سجادة مفروشة على الغبار، تنهد قائلاً: “أريد العودة إلى بلدي. لدي منزل هناك وأريد أن أعود إليه”. ويقع منزل السيد عبد الرحمن في معرة النعمان. وكان متحدث عسكري في دمشق قد أعلن أن هذه هي المدينة التالية التي سيتم “التعامل معها” في الأيام القليلة المقبلة.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان:

‘They shot people who were trying to get away

(الإندبندنت) 14/6/2011

كلنا شركاء

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى