صفحات سوريةفايز ساره

السوريون والتدخل الدولي


فايز سارة

يمثل موقف السوريين من قضية التدخل الدولي أحد أهم الإشكالات المطروحة على السياسيين والمجتمع أيا ما كان موقفهم في السلطة كما في المعارضة وفي الداخل والخارج على السواء. والأساس في إشكالية الموقف السوري، بالنسبة للسوريين، هو الالتباس القائم في فهمهم للتدخل الدولي، وهو فهم يحاول كل طرف أن يضع له ملامح معينة تخدمه من الناحية السياسية. لكنه، في الوقت نفسه، يصر على تجاوز ملامح ذلك التعريف طالما اقتضت مصلحته ذلك، كما في مثال موقف النظام الذي يعارض التدخل الدولي في الشأن السوري الداخلي، لكنه يقبل بدور تقوم به الحكومة الروسية وغيرها، طالما كان هذا الدور قريبا من تصورات النظام، أو أنه يخدم تلك التصورات في مرحلة من المراحل، وهو يرفض تدخلات الجار التركي الذي كان على مدى السنوات الماضية أكثر حلفاء النظام قربا، وكان التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بينهما الأهم في علاقات سوريا الخارجية بما فيها علاقاتها العربية، التي طالما أكدت الحرص عليها، وتباهت بمسارها في العلاقات القومية، بينما يظهر تناقض فهم بعض جماعات المعارضة في رفضها التدخل الدولي في وقت تدرك فيه أهمية العوامل الخارجية في تأثيراتها على الوضع في سوريا.

 وحسب فكرة التدخل الدولي، يمكن القول: إن التدخلات الدولية اليوم في الشؤون الداخلية لأي دولة في العالم هي أمر واقع، نتيجة شبكة معقدة من الوقائع والمعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تضاف إليها شبكة مماثلة من التطورات التقنية والمعرفية. وبفعل ما تقدم، مضافا إليه تداخل المصالح، فإنه لم يعد بإمكان أي دولة العيش داخل ستار عازل والهروب من تأثيرات الدول الأخرى في شؤونها الداخلية بدرجة أو بأخرى وفي مجالات مختلفة وفي مستويات من هذه المجالات، إن لم يكن في أغلب المجالات والمستويات، وبالنتيجة فقد أدت هذه التبدلات إلى تغيير جوهري في فكرة ومفهوم السيادة الوطنية على نحو ما كان معروفا وشائعا في القرن الماضي. وإذا كانت التدخلات الدولية على نحو ما تقدم تحدث في عموم الدول، بما فيها دول كبرى وعظمى، فمن البديهي القول: إن هذه التدخلات تكون أشد وأوضح في حالة الدول الصغرى والدول محدودة القوة، وتزداد هذه التدخلات في الحالات التي تعاني فيها الدول اضطرابات أو أزمات داخلية، ولعل الواقع السوري في لحظته الراهنة يمثل حالة هي الأكثر استعدادا للتدخلات الدولية؛ ذلك أن سوريا بلد صغير ومحدود القوة، وله موقع خاص في الإطار الإقليمي، وهو إلى ذلك يواجه أزمة داخلية عميقة، تشمل جوانب سياسة واقتصادية واجتماعية وثقافية، تعبر عن نفسها في الصراع القائم بين النظام والحراك الشعبي العام.

إن التعبير الأبرز عن التدخلات الخارجية في الموضوع السوري، يمكن ملاحظته في مستويين اثنين، أولهما: تدخل إقليمي كما في تدخلات دول الإقليم من جوار سوريا، وأهمه موقف تركيا وإيران، والثاني: تدخل دولي، يظهر في بعدين، أحدهما: تدخلات الدول الكبرى التي لها مصالح في سوريا والمنطقة، والثاني يجسده تدخل الهيئات والمنظمات الدولية، وبخاصة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة.

وعلى الرغم من الفارق في عدد ومحتوى المواقف من الوضع السوري، فقد تبلور اتجاه مؤيد وقريب من مواقف السلطات السورية، اتخذته قلة من الدول بينها إيران ولبنان في منطقة الإقليم وكل من روسيا والصين في المستوى الدولي، بينما ظهر الاتجاه المعارض إقليميا للموقف الرسمي بصورته الأوضح في موقف تركيا، وفي المستوى الدولي برزت أوروبا والولايات المتحدة، وكانت العلاقات الإقليمية والدولية والمواقف في الهيئات الدولية محكومة بهذا التجاذب في أشهر الأزمة الماضية، ولا تزال بانتظار تبدلات حاسمة، يتغلب على أساسها أحد التجاذبين على الآخر ويضع أفقا معينا لحسم الموقف من السياسات السورية في التعامل مع الأزمة الداخلية.

وإذا كانت أشكال التدخل الدولي، سواء في الموضوع السوري أو غيره، أشكالا مختلفة ومتعددة وذات مستويات متنوعة في السياسة والاقتصاد والأمن، فإن الأهم فيها هي تدخلات القوة المسلحة، التي يمكن أن تكون في إطار الشرعية الدولية إذا حازت موافقة مجلس الأمن الدولي على نحو ما كان التدخل الدولي في ليبيا إبان أزمتها الأخيرة، أو أن التدخل يتم خارج ذلك الإطار بتوافق دول وتشاركها على نحو ما كانت الحرب على العراق عام 2003، التي لم يوافق عليها مجلس الأمن الدولي في حينها. لقد أظهر السوريون معارضة واضحة لفكرة التدخلات العسكرية في بلدهم، غير أن هذه المعارضة قد تتعرض للتبدل في حال استمر تطور الأزمة على نحو ما هو مسارها الحالي؛ إذ لا يمكن رؤية الأفق الذي تتوالى فيه سياسات السلطات السورية الأمنية – العسكرية، واستمرار عمليات القتل والاعتقال إلا باعتبارها استدعاء للتدخلات الخارجية العسكرية سواء تحت غطاء الشرعية الدولية أو من خارجها؛ لأن المجتمع الدولي لن يستطيع الصبر إلى ما لا نهاية على تلك السياسات، كما أن مواقف المعارضة والشارع السوري، بما فيه قوى الحراك، ستذهب في اتجاه تأييد تدخل دولي عسكري، إذا تواصلت السياسات الأمنية – العسكرية في سياقها الحالي، والأمر في الحالتين يعكس موافقة ضمنية على الحد الأقصى من التدخلات الدولية في الشأن السوري، وإن كانت مشروطة ومستقبلية.

إن مكمن الخطورة في الأزمة السورية الراهنة هو أن النظام لم يفتح أي أفق لمعالجة الأزمة في مستواها الداخلي عندما بدأت في مارس (آذار) الماضي، مما جعلها تمتد خارجا، ومرة ثانية، أدت مواقف السلطات في امتناعها عن معالجة الأزمة، ورفض التعامل مع مبادرات معالجتها، إلى مفاقمة الوضع، فتصاعدت التدخلات من الاصطفافات في الموقف من الأزمة إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية على مسؤولين ومؤسسات، تهيئ الوضع للتدخلات الأعنف.

وعلى الرغم من أنه من الصعب القول: إن ثمة مخرجا ظاهرا يأخذ سوريا بعيدا عن التدخلات الدولية والحد من تصاعدها، فقد تكون هناك فرصة ضعيفة، بينما إذا قرر النظام تغيير استراتيجيته الحالية، واعتماد أخرى، تقوم وقف المعالجات الأمنية – العسكرية وإطلاق المعتقلين وتقديم المسؤولين عن عمليات القتل للقضاء والسماح بالتظاهر وإطلاق حزمة إصلاحات قانونية وإجرائية، تضع البلاد في مرحلة انتقالية، وما لم تحصل هذه المعجزة، فإن السوريين يسيرون نحو خيار التدخل الدولي بحده الأقصى في شؤون بلدهم ولو بتوافقات غير معلنة.

الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى