صفحات الرأي

صعود الأخوات السوريات

 

مؤسسة كارنيغي

يزداد تأثير النساء في جماعة “الإخوان المسلمين” السورية، لكنهن سيواجهن منافسة من جماعة القبيسيات.

أتاحت الانتفاضة السورية فرصةً لجماعة “الإخوان المسلمين” سمحت لها بالظهور في موقع المكوِّن الأساسي في المعارضة السورية. فبعد سنوات من العمل في المنفى، ومواجهة أزمات قيادية والعديد من التحدّيات السياسية، باتت الجماعة الآن لاعباً سياسياً محورياً في البلاد. واللافت هو أن النساء يتحوّلن جزءاً مهماً من “الإخوان المسلمين”. فهؤلاء الناشطات، اللواتي يُشار إليهن عادةً بـ”الأخوات السوريات”، يضطلعن بدور يزداد اتّساعاً داخل التنظيم وفي إطار حضوره على الساحة الوطنية. ومنذ وقت قصير، انتُخِبت ست نساء في مجلس شورى الإخوان، مع الإشارة إلى أن اثنتين منهن تنتميان الآن إلى الهرمية القيادية في التنظيم، ومن المتوقّع أن يزداد هذا الرقم سريعاً، بحسب مصدر مقرّب من قياديي الجماعة.

تعود جذور المشاركة النسائية في جماعة “الإخوان المسلمين” السورية إلى مطلع الخمسينيات عندما التقت الناشطة الشابّة أمينة الشيخة مصطفى السباعي، القائد الكاريزماتي للتنظيم السوري، وقرّرت إنشاء جماعة “الأخوات السوريات” التي كانت مهمّتها تجنيد النساء في التنظيم. في ذلك الوقت، اضطلعت “الأخوات السوريات”، بحسب التقارير والمعلومات، بدور قيادي في التنظيم والتأثير في الدوائر العليا لصنع القرارات في جماعة “الإخوان المسلمين”. بيد أن القمع العنيف الذي مارسه النظام في أواخر السبعينيات ومطلع التسعينيات أدّى إلى تعليق مؤقّت لنشاطاتهن.

تتذكّر ناشطة بارزة في جماعة “الأخوات السوريات”: “بسبب الوضع الأمني، اعتبر بعض قادة الإخوان المسلمين أنه لافائدة من مشاركة النساء في القيادة”. إذ سرعان ماتحوّلت الناشطات البارزات أهدافاً لأجهزة المخابرات بسبب أفكارهن السياسية، ولاسيما بسبب روابطهن العائلية مع قادة التنظيم. فهذا كان مصير بنان الطنطاوي، زوجة الزعيم السابق للإخوان المسلمين، عصام العطار، عندما اغتيلت في منزلها في غياب زوجها في آذار/مارس 1981. وقد وثّقت هبة الدباغ، وهي أيضاً من الناشطات الإسلاميات البارزات، التعذيب الذي تعرّضت إليه خلال الأعوام التسعة التي أمضتها في السجن بسبب رفضها الكشف عن مكان شقيقها الذي كان ناشطاً في مدينة حماه . قالت إحدى النساء المنتميات حالياً إلى جماعة “الأخوات السوريات” في تعبير واضح عن إعجابها بهؤلاء الناشطات: “لاتزال هؤلاء النساء يقدّمن لنا حتى الآن أمثلة حيّة عن التضحية من أجل تحدّي الظالم”.

مع حلول مطلع القرن الحادي والعشرين، كان “الإخوان المسلمون” قد صمدوا في وجه سنوات من النفي والصراعات الداخلية، ونجحوا في إعادة هيكلة التنظيم، وتأدية دور أكثر نشاطاً في دوائر المعارضة السورية في الخارج. وفي تلك المرحلة بالتحديد، ظهرت الناشطات من جديد قوّةً نافذة في التنظيم لايمكن الاستهانة بها. واضطلعت “الأخوات السوريات”، انطلاقاً من الأردن تحديداً، بدور أكبر في النشاطات الإنسانية والخيرية التي خصّص لها التنظيم حيّزاً أكبر، فأنشأن منظّمات أهلية لتأمين الخدمات للسوريين في المنفى. وعندما وصل الربيع العربي إلى سوريا واتّخذ منحى عنفياً، مادفع بأعداد كبيرة من السوريين إلى اللجوء إلى الخارج، شكّلت هذه الجمعيات الخيرية العمود الفقري لجهود الإغاثة التي يبذلها “الإخوان المسلمون”، الأمر الذي ساعد النساء على تحسين مكانتهن داخل التنظيم وبلوغ مواقع قيادية في جماعة “الإخوان المسلمين”.

يتعزّز أيضاً حضور “الأخوات السوريات” في “فرع الشباب” في جماعة الإخوان المسلمين، حيث يشكّلن، بحسب المعلومات1، 10 في المئة من عدد أعضائه. فخلال الاجتماع الذي عقده الفرع على امتداد ثلاثة أيام في اسطنبول في كانون الأول/ديسمبر 2012، برزت هؤلاء الناشطات الإسلاميات الشابّات اللواتي طرحن أفكاراً مبتكرة، منها إعداد برنامج لتقديم قروض صغيرة للتجّار الراغبين في إعادة إطلاق أعمالهم في المناطق التي يسيطر عليها الثوّار، وبرنامج لتأهيل النساء اللواتي يغتصبهن الشبيحة. وتشارك بعض هؤلاء “الأخوات السوريات” في إعداد صحيفة “العهد” الصادرة عن الإخوان المسلمين، والتي بدأ توزيعها في المناطق الخاضعة إلى سيطرة الثوّار في شباط/فبراير 2013. لكن على الرغم من أن “الأخوات السوريات” ناشطات خارج البلاد، إلا أنهن سوف يجدن أنفسهن، عند العودة إلى سوريا، في تنافس على التأثير والنفوذ مع جماعة “القبيسيات” الغامضة.

تأسّست “القبيسيات”، وهي جماعة دعوية تصوّفية تركّز على دورة المرأة في الحياة الإسلامية، على يد منيرة القبيسي – من هنا اسم الجماعة – واكتسبت انتشاراً كبيراً خلال العقد المنصرم، وسرعان ماباتت تؤدّي دوراً واسع التأثير في المجتمع السوري إلى درجة أنها أصبحت تسيطر بحلول نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بحسب التقديرات، على ما لايقل عن نصف المدارس الدينية المخصّصة لتعليم النساء في دمشق. ونظراً إلى التزام منيرة القبيسي بالابتعاد عن السياسة، سمح النظام السوري لجماعتها بالعمل بصورة أكثر علنية في عدد كبير من مساجد البلاد، مايعني منحها موافقةً ضمنية. أقرّت سيّدة ناشطة في جماعة “الأخوات السوريات” تنتمي عمّتاها وبناتهما إلى جماعة “القبيسيات”: “نعم، لابد من الإقرار بفضل القبيسيات في دعوة النساء إلى التديّن خلال سنوات حكم النظام السوري، وحضّهن على حفظ القرآن وارتداء الحجاب، مع إيلاء عناية خاصة أيضاً للجانب الروحي في الإسلام”. إلا أنها أردفت: “لكن الجماعة تجنّبت الخوض في غمار السياسة، ودعمت النظام”.

الطبيعة غير السياسية لهذه المجموعة هي عامل الاختلاف الأهم مع جماعة “الإخوان المسلمين”. وقد قالت إحدى المنتميات إلى جماعة الإخوان المسلمين: “نعتبر، بصفتنا مسلمين وأخوات، أننا ورثة الله على هذه الأرض لجعلها مكاناً أفضل للبشرية”. وتابعت “في حين نركّز على الحفاظ على خلق الله عبر الخوض في السياسة والروحانية والاقتصاد بهدف نشر قيمة العدالة، تعمل جماعة القبيسيات من جهتها على تعزيز ثقافة النأي بالنفس عن الانخراط في كل مايُسبّب الاضطرابات، وتركّز حصراً على العلاقة مع الخالق، وتلتزم ببناء تنظيم قوي مستند إلى الهرمية والطاعة لقائد شبه مقدّس”. وظهر التناقض بين المجموعتَين بالطريقة الأوضح على الإطلاق بعد اندلاع الانتفاضة السورية. وتوضح إحدى الناشطات الإسلاميات التي تربطها صلات بجمعية القبيسيات: “لم تدعم شريحة كبيرة من المنتميات إلى القبيسيات الثورة، فقد اعتبرن أن الثوّار يعرّضون حياة السوريين إلى الخطر بسبب اهتمامهم المفرط بالحياة الدنيوية فيما يجدر بهم أن يكونوا أكثر زهداً لإنقاذ أرواحهم”.

لكن ثمة تقارير تفيد بأن عدداً صغيراً، إنما متزايداً، من أعضاء “القبيسيات” ينفصل عن الجمعية ويلتحق بالثورة. تقول شابة تنتمي إلى جماعة “الأخوات السوريات”: “انضمّ عدد كبير من هؤلاء الناشطات الإسلاميات إلى جمعية القبيسيات لأنها تتيح لهنّ وسيلة آمنة لقراءة القرآن وتعلّمه. لكنهن أصبحن يدركن الآن أن الإسلام هو أيضاً بناء حضارة”. من شأن الانشقاق والالتحاق بجماعة “الأخوات السوريات”، وبالتالي “الإخوان المسلمين”، أن تترتّب عنه نتائج مهمة في مايتعلّق بمستقبل الانتفاضة السورية، ولاسيما في دمشق، حيث لعدد كبير من رجال الأعمال الذين تربطهم علاقات بالنظام، زوجات أو بنات أو أخوات ينتمين إلى جماعة “الأخوات السوريات”. ومن شأن الإقبال على العضوية في هذه المجموعة أن يساعد الإخوان المسلمين على إعادة بناء تأثيرهم في العاصمة، عن طريق جناح “الأخوات السوريات”.

رافاييل لوفيفر طالب حائز على منحة غايتس، يُعدّ لنيل الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة كامبريدج حيث يتخصّص في الإسلام السياسي في لبنان وسوريا. مؤلّف “رماد حماه: الإخوان المسلمون في سوريا” (لندن، هورست، 2013).

1. مقابلات أجراها الكاتب مع فرع الشباب في جماعة “الإخوان المسلمين” السورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى