صفحات سورية

النظام السوري يستنكر زيارة السفير الامريكي لحماة قبل تهجير أهلها!!


محمود ماهر الزيبق

لا تعجبوا أبدا من العنوان.. فهنا تكمن المشكلة.. أن يزور السفير الأمريكي روبرت فورد مدينة فيها سكانها الأصليين. تعالوا لنرجع معا إلى كلمات الوزير المعلم والتي قال فيها في مؤتمره الصحفي الاخير ‘إن السفراء كانوا شهود عيان لما حصل في جسر الشغور’ إذن فما المشكلة ان يكونوا شهودا أيضا في حماة.. المشكلة أن جسر الشغور التي طاف عليها السفراء بما فيهم السفير الامريكي كانت خاوية على عروشها إلا من بعض سكان مصطنعين جلبتهم باصات الأمن للمنطقة وعنصر من الاستخبارات العسكرية قال السفراء أنه كان مرافقا لهم في رحلتهم ليخبرهم رواية النظام الرسمية عن الأحداث بينما كان سكان المدينة الأصليون يصفون للعالم من تركيا مرارة اللجوء في المخيمات.

تلك هي المصيبة الكبرى من الزيارة أن يشاهد احد في سورية صورا غير التي يحاول النظام إظهارها للعالم برواية كتاب قصصه ومخرجيه الفاشلين الذين يخطون أغبى الروايات وأسوأ السيناريوهات يفصلونها لباسا يغطي سوءات النظام وجرائمه.

في غياب كثير من الحقائق عن الإعلام لا تبدو زيارة السفير إشكالية لو كانت من باب الاطلاع فقط.. ولكني أظن أن الجميع يتفق على أن بوصلة التحرك الأمريكي هي المصلحة الأمريكية وحسب ذلك علينا أن نعاين الامور من خلال التصريحات الأمريكية الأخيرة من السفير فورد نفسه والتي أشار فيها إلى دعمه للحوار بعد أن سربت صحيفة ‘الغارديان’ البريطانية أخبارا عن ضغطه على المعارضة للجلوس على طاولة واحدة للحوار مع النظام.. وهي تصرفات تتناغم بوضوح مع خارطة التصريحات الأمريكية التي تغزلت بالنظام السوري وقدرته على الاصلاح خلال الأشهر الماضية بينما لم تعط حليفها مبارك في مصرإلا أسابيع قليلة للرحيل وفقدان الشرعية مع الفارق الهائل في مستوى الجرائم بين نظامي مبارك والأسد.

كل ما قدمته الولايات المتحدة في الفترات الماضية من تصريحات ضد النظام لم تكن أكثر من محاولات لامتصاص الغضب العالمي من المجازر في سورية وتماهيا مع حركة الصحافة الامريكية والمنظمات الحقوقية الدولية مع بقاء الحرص على النظام ودعم مسيرة الاصلاح في ظله.. وهي معطيات تجعلنا نشكك في حقيقة المهمة التي كان فيها السفير الامريكي في حماة إذ تبدو محاولة لإنقاذ النظام السوري من غباء بعض أفراده ومنعه من ارتكاب مجزرة كبرى في حماة تحرج الموقف الأمريكي الداعم للحوار لا سيما مع اتخاذ النظام مؤخرا خطوات شبيهة بتلك التي حدثت في درعا وقدمت لمذبحتها وهي إقالة المحافظ وحصار حماة بالدبابات.. وإلا فالسفير الامريكي كان في دمشق طوال الفترة الماضية ولا تبعد الاعتقالات التي جرت في المهاجرين والصالحية وساحة عرنوس سوى أمتار عن نافذة سفارته.. دماء الشهداء جرت قريبا منه في دمشق أيضا في برزة والقابون والميدان والقدم الحجر الأسود ناهيك عن المجازر و الدبابات والحواجز التي يستطيع مطالعتها بجولة قصيرة في سيارته في ضواحي دمشق وريفها ومع ذلك لم يزد السفير وحكومة بلاده على طرح الاصلاح..

ما أظنه أن الغالبية العظمى من المعارضة مصحوبة بدعم الشارع السوري لا تعبأ بتحركات الولايات المتحدة وسفيرها لا أدل على ذلك من حوار فاروق الشرع لنفسه في مؤتمر الصحارى المنعوت بمسمى الحوار الوطني مع ما ذكرناه من ضغط أمريكي يطالب المعارضة بقبول الدعوات الرسمية للحوار.

إعلام النظام الذي لم يعد لديه إلا اجترار بعض المفردات المكررة على شاشاته وجد في الزيارة صيدا ثمينا وصاغ على خطواتها الاتهامات والروايات وكان السفير لم يكن في دمشق أصلا وحضر ليقدم اوراق اعتماده لحماة.

المفاجأة أن وليد المعلم لم يخرج ليلغي الولايات المتحدة من الخارطة كما تشي حملة النظام الشعواء على الزيارة.. وبينما كانت واشنطن توبخ السفير السوري عماد مصطفى على تصوير موظفي السفارة السورية للمتظاهرين في الولايات المتحدة كان السفير الأمريكي فورد يتهكم على ادعاءات النظام بان زيارته كانت غير مصرح بها في حين يفترض طبيعيا في ظل هذا التصرف ان تتخذ الخارجية السورية خطوات عقابية تتراوح بين استدعاء السفير ومساءلته او توبيخه أو حتى طرد بعض موظفي السفارة أو طرده شخصيا إذا ثبتت رواية النظام بتحريضه على التظاهر.

لكن الحقيقة ان الموقف السوري المهلهل والذي يبدو جعجعة لا طحين فيها تقاصر عن مثل هذا الاحترام للذات لأسباب أولها إدراك النظام لحقيقة المسرحية ودورها الدعائي وببساطة أقول لكم إن صحيفة ‘الوطن’ السورية تحدثت في العشرين من الشهر الماضي أي قبل أكثر من 20 يوما على الزيارة عن طلب أمريكي لزيارة حماة.. في الأسباب الاخرى يبدو النظام أضعف من اتخاذ أي خطوات تصعيدية والصور تلتقط لرئيسه إلى جانب نائب امريكي صغير من هنا وهناك وروسيا تستقبل المعارضة بديلا عن خارجية النظام والقصر الرئاسي يستعطف الرئيس الفنزولي هوغو تشافيز لزيارة دعم للنظام تخفف عنه وطاة العزلة واختفاء اوروبا عن الخارطة. اما آخر الأسباب واهمها فهو طبيعة العلاقة بين النظام والولايات المتحدة التي لا تعدو في جوهرها وحقيقتها علاقة التابع بالمتبوع.

‘ كاتب من سورية

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى