صفحات العالم

انتفاضة درعا السورية

 


رأي القدس

شرارة الانتفاضة السورية انطلقت من مدينة درعا في الجنوب، عندما اعتقلت قوات الامن السورية مجموعة من الاطفال في سن العاشرة كتبوا شعارات تطالب باسقاط النظام، ومن غير المستبعد ان تشتعل ثورة تجتاح المدن والقرى والنجوع السورية كلها بسبب التعاطي القمعي لرجال الامن السوري معها.

يوم امس الاول اطلقت هذه القوات النار على المعزين في وفاة احد ضحايا هذه الانتفاضة، فقتلت اثنين منهم، وامس كررت المأساة نفسها عندما ارتكبت مجزرة في حق بعض الشباب المتضامنين الذين جاءوا من القرى المجاورة فقتلت اكثر من 13 منهم والعدد مرشح للزيادة.

الكثيرون توقعوا ان تنفجر الاوضاع في سورية قبل انفجارها في ليبيا، بل وحتى قبل مصر، لان سجل النظام السوري على صعيد حقوق الانسان والقمع الامني ومصادرة الحريات هو الاسوأ في الوطن العربي دون اي منازع.

مشكلة النظام في سورية انه لا يسمع مطالب الشعب، ولا يسمع نصائح الآخرين، بمن في ذلك أقرب حلفائه، ويصر على ان القبضة الحديدية الامنية يمكن ان تحل جميع مشاكله، وتخرجه من كل الازمات التي يواجهها.

هذا الاسلوب القمعي في معالجة الازمات لم يحم نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي من السقوط وبعد اسابيع معدودة، ولم يطل من عمر نظام الرئيس المصري حسني مبارك الا بضعة ايام. وشاهدنا النظامين ينهاران مثل بيت العنكبوت بعد ان اتضح للعيان هشاشتهما من الداخل.

النظام السوري، وفي حال امتداد الاحتجاجات الى مدن سورية اخرى، لن يستسلم بسهولة، وربما يلجأ الى النهج نفسه الذي لجأ اليه الزعيم الليبي معمر القذافي، اي القتال حتى اللحظة الاخيرة، مهما كان حجم الخسائر، لان تركيبته تختلف عن تركيبتي النظامين المصري والتونسي، وهي اقرب الى النموذجين الليبي واليمني، اي الاستناد الى قاعدة قبلية طائفية.

الايام التي كان يتغول فيها النظام في سحق معارضيه بالقوة ودون ان يعرف احد قد ولت، بسبب ثورة التكنولوجيا الحديثة من انترنت وفيس بوك وهواتف نقالة، وبمعنى آخر فان تجربة مجزرة حماة التي استهدفت معارضي النظام من حركة الاخوان المسلمين وانصارهم من الصعب ان تتكرر.

 

صحيح ان النظام السوري مستهدف من قوى غربية عديدة، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية بسبب تحالفه مع ايران ودعمه لحزب الله، واحتضانه لحركات مقاومة فلسطينية، وهي ميزة تحسب له على اي حال، ولكن هذا لا يعطيه التفويض المفتوح لاضطهاد شعبه وقمع الحريات، وانتهاك حقوق الانسان، والتستر على فساد الاقارب.

الرئيس بشار الاسد اثار حالة من الارتياح عندما جاء الى الحكم خلفا لوالده قبل عشر سنوات، حيث كان (وما زال) شابا متعلما في الغرب، واغدق على مواطنيه الوعود باجراء اصلاحات سياسية جذرية واطلاق الحريات، وكف يد الامن، ولكن ايا من هذه الوعود لم تطبق، واذا جرى تطبيق اي منها فهي اصلاحات هامشية فقط، واقتصرت على بعض الجوانب الاقتصادية وببطء شديد.

ويجادل بعض المدافعين عن النظام السوري بالقول ان مراكز القوى الامنية خاصة، التي ورثها مع الحكم هي التي عرقلت مسيرة الاصلاح، وقيدت يدي الرئيس الشاب، ووضعت عقبات كبرى في طريق مخططاته، وربما ينطوي هذا الجدل على بعض الصحة، ولكنه لا يبرر الاستسلام الكامل لهؤلاء، خاصة بعد ان كرس الرئيس الشاب موقعه في قمة الرئاسة لاكثر من عشر سنوات.

النظام السوري الذي تجنب وعلى مدى السنوات الاربعين الماضية الدخول في اي حروب او صراعات اقليمية، سواء مع اسرائيل، او في مواجهة الهجمة الاستعمارية الامريكية على العراق، الشق الآخر من حزب البعث، يجد نفسه الآن امام استحقاقات كبيرة لا يستطيع الهروب من مواجهتها مجتمعة او متفرقة، ابرزها الاصلاحات الداخلية من ناحية ومحاولات الغرب زعزعة اسسه وربما تغييره.

الاسابيع المقبلة هي الاخطر بالنسبة الى هذا النظام، فالنزول الى الحلبة وقمع رغبة الملايين في التغيير قد يؤديان الى قرارات دولية بالحظر الجوي على غرار ما حدث في ليبيا، والتعامل بمرونة ونعومة، طريق قد يؤدي الى النتائج نفسها التي رأيناها في كل من مصر وتونس.

النظام السوري، مثلما تؤكد تجارب الماضي، سيختار حتما النموذج الليبي، وهذا ما يفسر دعمه للعقيد معمر القذافي بالجنود والطائرات في السر على الاقل، ولذلك علينا ان نتوقع مفاجآت عديدة، من بينها مفاجأة الهروب الى الامام، اي الدخول في حرب اقليمية، او في اسوأ الاحوال مجازر محلية لانهاء اي ثورة مستقبلية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى