صفحات العالم

هلْوَسات الممانعين: نجاة بشّار الأسد من “الضربة الأولى”


وسام سعادة

ما هو المنطق الذي يزهو به “عشّاق الإجرام” على شاشات الممانعة؟

إذا ما نحينا الهلوسة المذعورة جانباً، ويدخل ضمنها طبعاً التوعّد بقصف العواصم، وإشعال الحروب الأهليّة، واستقدام المخلوقات الفضائية، والصحون الطائرة، واستنساخ حافظ الأسد، فإنّنا سنجد فكرة واحدة تستحق أن تؤخذ على محمل الجدّ وتناقش.

تقول هذه الفكرة إنّ النظام البعثيّ، أو نظام الرئيس بشّار الأسد، صمد في الأسابيع الأولى أمام الثورة أو المؤامرة، وبالتالي أفلت من الضربة القاضية العاجلة، وكتبت لنظامه حياة ثانية، بمجرّد أنّ الأمور انتقلت من استراتيجية الإطاحة به بالضربة القاضية إلى استراتيجية استنزافه يوماً بيوم وعلى مدى طويل.

وهنا يتفاوت “عشّاق الإجرام” طبعاً. الأكثر هلوسة بينهم يرى أنّ النظام، وما دام أفلت من الضربة القاضية في الأسابيع الأولى من الثورة أو المؤامرة، فإنّه يستطيع أن يعتمد على هذه الأزمة لإعادة شحن نفسه بأسباب القوة والمنعة والحيوية، بل يذهب هذا الرهط إلى أنّ النظام سيعود أقوى مما كان، ومعه منظومة الممانعة.

وإذا كان لينين في بدايات القرن العشرين، قد وظّف لحسابه جملة للإشتراكيّ الألمانيّ فردينان لاسال تقول إنّ “الحزب يقوى بتطهير نفسه”، فلا عجب إذاً أن يبتدع لينينيوّ الممانعة، وقناديلها، نظريّة على هذا المنوال، فيقولون انّ “النظام يقوى بتطهير شعبه”، ويلمّحون إلى أنّ نظام الملالي في إيران خرج أقوى بعد قمعه النازيّ للثورة الخضراء، وبالتالي ينبغي انتظار “النهاية السعيدة” نفسها بالنسبة إلى النظام السوريّ.

أمّا الأقل هلوسة بين “عشّاق الإجرام” فيحصرون حججهم في أنّ النظام البعثيّ أفلت من السكتة الدماغية لكنه أصيب بشلل نصفي لا تمكن المكابرة عليه، لكن من الضرورة بذل المستطاع كي لا يستغلّ ذلك “المتطرّفون”، “الحاقدون” على الأقليّات.

فالهلوسة الكبرى ترى أنّ دعم النظام البعثيّ واجب على كل ممانع وممانعة، ما دام هذا النظام سيعود أقوى مما كان، وسيحاسب كل من لم يقف معه في لحظات مصيريّة، ملحميّة، كهذه.

والهلوسة الصغرى ترى أنّ دعم النظام البعثيّ واجب على كل ممانع وممانعة، ليسَ لأنّه سيعود أقوى مما كان، بل لأنّه صار أضعف مما كان، وقوّته الزائدة ما كانت تسمح له بإعطاء “تحالف الأقليّات” الأهميّة الكافية، في حين أنّ ضعفه سيضطره إلى الإعتماد أكثر فأكثر على الأقليّات، فتحتمي به ويحتمي بها.

وطبعاً، يربط أهل الهلوستين فكرة أنّ النظام نجا من الضربة القاضية، بجملة مقارنات مع الحالات العربيّة الأخرى. فالنظامان التونسيّ والمصريّ لم يستطيعا الصمود في تلك “الفترة الحرجة” أي الأسابيع الأولى للثورة، أمّا النظام الليبيّ فصمد قسم منه، لكنه انشق في صميمه، وفي صميم الجغرافيا الليبية، منذ البدء.

ومن حيث يدري البعض أو لا يدري، فهم ينجرون الى أهل الهلوستين من خلال توهّم أنّ الأزمة راكدة في سوريا، وأنّها ستراوح مكانها لفترة طويلة، وأنّ النزيف الدمويّ سيبقى على حاله.

لكن ما رجّحناه في الأسبوعين الماضيين، وما بدأت المبادرة العربية الأخيرة تومئ به، هو أنّ الأمور ستتسارع، مع الإنتقال من “التجريد” (إسقاط النظام) إلى التعيين والتخصيص: الطلب من بشّار الأسد التنازل عن صلاحياته، ثم عن رئاسته، ثم الطلب منه مغادرة البلاد، ثم تسليم نفسه، وهكذا.

وعلّة ذلك أنّ بشّار الأسد استفاد مما لم يتح لأي طاغية عربيّ آخر في العام الماضي. الآخرون لم يعطوا أي فترة سماح دولية أو حتى عربية، هو أعطي هكذا فترة، ومدّدت له مراراً، مع أنّه اظهر مبكراً ميلاً إلى سفك الدماء لا يقبل المقارنة مع ما حصل في البلدان العربية الأخرى. والأهم من ذلك أنّ العالم كلّف بشّار الأسد في الأسابيع الأولى للثورة، أن يقود حركة الإصلاح، أو حركة الثورة، بمعنى من المعاني، وأن يجترح إصلاحات حقيقية، وينحاز بوضوح ضدّ الذين يسفكون الدماء السوريّة الزكيّة.

لكنه فعل العكس تماماً، لأنّه منذ وصوله إلى الرئاسة وهو يدمن الأمر نفسه: يعطى فترة سماح وراء فترة سماح، من الولايات المتحدة أو من فرنسا أو من تركيا أو من البلدان العربية، ولا يكذّب خبراً في كل مرّة، أي يستخدم هذه الفترة لما فيه دائماً مصلحة العائلة الأسديّة والنظام البعثيّ العسكريّ الأقلويّ الدمويّ، ومصلحة المنظومة التي يقودها الحرس الثوريّ الإيرانيّ.

لهذا السبب نفسه، فإنّ من أفلت من “الضربة القاضية” في الأسابيع الأولى على ما يزهو الممانعون التلفزيونيون، لن يفلت من مديونيّة “فترات السماح” التي استلفها منذ وصوله إلى الرئاسة حتى اليوم: التهديف عليه شخصياً سيتضاعف في الأيام والأسابيع المقبلة. الإجماع حول رحيله سيتحقق بأسرع مما يعتقده المشككون. وثمة آمال كثيرة بأن تستقبل سوريا فصل الربيع، بحلّة ربيعية!

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى