خولة دنياصفحات الثقافة

جورج أورويل تعال انظرنا نعيش بقايا حكايتك

 


خولة دنيا

امرأة تظهر على التلفاز وتقول: أنا من طلب الأمن ليأخذ ابني… فهو ضد الحكومة.. ويريد النزول في المظاهرات.. ولا أستطيع أن أضبطه.. عند الأمن أأمن له..!!.

‘شابٌ يظهر على التلفاز ليعلن تبرأه من أبيه الذي يدير موقعا الكترونيا ينقل تفاصيل ما يحدث في سورية، تنزل دموعه وهو يتكلم، فتقول المذيعة مبتسمة: ( هي دموع الفرح، لأنه مخلص لوطنه..!)

أهالي مدينة درعا ( حسب التلفزيون الرسمي) يطالبون الجيش بالتدخل لتخليصهم من أبنائهم المندسين، السلفيين، المخربين، الخونة…. فيتدخل الجيش ويغلق الباب وراءه على الصمت والحواجز..!!

أصوات فنانين وفنانات وسينمائيين ومهتمين تناشد الحكومة بالتدخل لتأمين الغذاء والدواء لأطفال درعا، فيتم اتهامهم بالعمالة والخيانة والسير حسب أجندات خارجية…!!!

***

نتكلم على الهاتف همساً.. نحاول إيجاد لغة عادية كي تعبّر عما نريده علَّ الآخر يلتقط الرسالة التي نريد إيصالها…

نخاف أن الهاتف مراقب .. البيت مراقب.. الأصدقاء مراقبون… نفكر هل حان وقت مغادرة البيت، أم ما زال من مجال للنوم على أسرّتنا..؟؟؟

نودع أحباءنا كل صباح، وكأنه الوداع الأخير.. ونستقبلهم في المساء وكأنهم عائدون من السفر..!!

***

نراقب الطرقات، وتراقبنا الطرقات..

نراقب الناس المنتشرين في الشوارع، ويراقبنا الناس المنتشرون في الشوارع…

نضع لافتاتنا الصغيرة في الجزادين وبين الكتب.. علنا نتحين فرصة ما لنرفعها قائلةً: لا للقتل، لا للحصار…. أوقفوا المجازر.

***

نحاول تسقط أخبار الحقيقة من بين الأخبار المنتشرة في كل مكان..

نسأل سائق التاكسي عن الطرقات المفتوحة، والطرقات المغلقة…

نغلق الهاتف وننزع البطارية منه، إذا أردنا فتح حديث بالسياسة….

نراقب الكاميرات الجديدة، والكاميرات في أيدي من نشك فيه، خشية أن يلتقط صورنا في تجمع إحدى الساحات.

***

نجتمع لمظاهرة مُعدّ لها سلفاً..

نجد أن عددنا قليل فننسحب ونحن نرفع حواجبنا بسلامات لمن خاب ظنهم مثلنا دون أن نجسر على الوقوف معهم…

***

يقرر أهل بانياس أن ينزلوا مظاهرة لفك الحصار عن درعا، يحملوا خبز يومهم في أيديهم دلالة على رغبتهم في إيصاله للمحاصرين فيتم حصارهم بعد حصارهم من جديد.

***

أين أنت منا يا جورج أورويل بعد طول زمان؟. هل هو التاريخ نفسه، والعود على بدء؟

يومياً نعد:

شهداءنا

معتقلينا

من أفرج عنهم

من غيبهم الفقدان

من تم ضربه

من نزف جرحه

من تلقى رصاصة لم تشف خشية الذهاب إلى المشفى

ومن ….

ومن

***

أين أنت منا يا جورج أورويل؟ مرة أخرى أسألك

هل هي التفاصيل نفسها يعاد خياطتها على مقاس بلدنا؟..

لسنوات اعتدنا الاسترخاء في صمتنا وقمعنا، حتى اعتاد علينا، ولم نجد أي مشكلة في هذا، كنا نسمع الأصوات النشاز عن القطيع، والكل يهاجمها، ولكنها تعود للصمت بعد سنوات سجن أو تقرر النفي الطوعي لتصدح خارج السرب.

كنا نضحك على تهم غريبة عجيبة مثل المس بهيبة الدولة ( والدولة هنا لا تتجاوز حفنة أفراد قلصوا الدولة لتصبح على مقاس أحذيتهم وربما أضيق)، ولكن هذه التهمة تعود لتشهر أمام أعيننا في كل مرة نجسر فيها على الكلام بعد صمت..

***

وبعد يا جورج أورويل

تعال حاول أن تصف ما نمر به مما لم يتضمنه كتابك الرائع..

فالمزيد سوف يدهشك

دول القمع والصمت التي وصفتها زالت

وجدراننا لا تزال تحتاج للهدم بعد ازديادها

جدران ترتفع كل يوم بين كل مدينة ومدينة

تصنعها الدبابات وأرتال الجنود الذين غادروا الحدود ليحرسوا الجدران وليصبحوا جدراناً لا يمكن لنا النفاذ منها

فتعال وأخبرنا كيف لنا إزالة جدراننا..

أم أنك أنت أيضاً قررت تركنا لمصيرنا

بعد أن أصبح صعباً علينا مخاطبة أي آذان صماء في الداخل، ولا نجسر على مخاطبة أي آذان مفتوحة في الخارج خوفاً من تهم الخيانة والعمالة؟

فلنمت بصمتنا.

 

أو أقول لك:

قررنا أن نموت بصخب هذه المرة..

صخب يصل حتى السماء السابعة

وليكن ما يكون…

نعم ليكن مايكون.. من موتنا، أو’حريتنا

‘ كاتبة من سورية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى