صفحات المستقبل

سلامة كيلة .. حق العودتين


                                            فادي دهوك

” ـ “مين أنتِ ؟

– أنا تلفزيون الدنيا.

– حلّي عنّي .. لما بتصيروا أوادم بحكي معكم ..

– نحنا صحافة حرّة ..

– إنتو مش حرّة .. إنتو خاضعين لسياسة أمنيّة”.

هكذا خاطب المفكر الفلسطيني سلامة كيلة مذيعة قناة “الدنيا” التي حضرت إلى فندق سميراميس في العاصمة دمشق لتغطية وقائع مؤتمر المعارضة السورية الأول والذي عرفَ بمؤتمر “سميراميس” ، إلاّ أن القائمين عليه منعوا وسائل الإعلام السّورية من الدخول إلى القاعة.

لم يكن كيلة يومها الشخص الوحيد الذي عامل مراسلة تلفزيون “الدنيا” بهذه الطريقة، فالقناة التي وصفها تلفزيون “الجديد” على خلفية استشهاد المصوّر علي شعبان بـ”البوتوغاز” الذي يجب على السلطات في سوريا قبل تطبيق خطّة كوفي انان “أن تُطبِقَ أفواه هذهِ المَحطةِ التي تَرشَحُ غباءً يُسيءُ إلى الحلّ”، عرضَت هذا الحوار على شاشتها طالبة من المشاهد “تقييم ردّات فعل المعارضين” على تواجدها في المؤتمر وتلّقت نفس الأجوبة والسخط من الكاتب فايز سارة والفنانة لويز عبد الكريم والكاتب ميشيل كيلو وآخرين .

سلامة كيلة من مواليد 1955 في مدينة بيرزيت الفلسطينية حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة بغداد العام 1979. حلمُ كيلة هو العودة إلى فلسطين محررة، وعلى هذا الحلم عمل المفكر الماركسي ليصبح مطلوباً لاسرائيل العام 1976 وللنظام السوري في عهد حافظ الأسد في الثمانينات، أكثر الأيام دموية وقهراً في حياة السوريين حيث اعتقله حافظ الأسد ثماني سنوات.

مع انطلاق الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، كان كيلة من أوّل الملتحمين معها مُخاطراً بكلّ شيء لتنتصر ويعلمُ مثلَ أي شخصٍ يقرر رفعَ صوته في وجه النظام السوري ويعلن رفضه ممارساته ويدعو إلى رحيله، أنه يتخذ قراراً مصيرياً قد يكلفه حياته، وهذا ما كانَ واضحاً في ما حصل مع المناضل الكردي مشعل تمو شهيد الثّورة والملازم حسين هرموش الذي نكّل نظام بشّار الأسد به وبكل من ينتمي لآل هرموش في قرية أبلين في جبل الزاوية بمحافظة إدلب وآلاف الشهداء الذين قتلتهم قوات الأمن والجيش السوري.

سلامة كيلة الرافض أي تدخل عسكري في سوريا والواثقُ حدّ الإيمان بانتصار الشارع السوري الثائر لوحده على نظام الأسد، اعتقل فجر الثالث والعشرين من نيسان (ابريل) 2012 ليفرجَ عنهُ نهائيّاً يوم الاثنين الفائت مجبراً على مغادرة سوريا المقيم فيها منذُ ثلاثين سنة، دون السماح له بزيارة بيته أو رؤية زوجته الأديبة والسجينة السابقة لأكثر من اربع سنوات ناهد بدوية حيث كتبت على صفحتها الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك:

” تكلم معي سلامة على التلفون من نظارة إيداع الهجرة وطلب مني شراء بطاقة طائرة إلى عمان بدون أن يسمحوا له حتى المرور بمنزله. السؤال: لماذا يخرج من السجن إلى مكان آخر غير سوريا، حيث وطنه ومنزله وزوجته وجيرانه وأصدقاؤه منذ عشرات السنين، أليس من حقي منحه الجنسية السورية، فكيف مجرد إقامة؟ !هل هناك من يجيبني؟”.

بعد نداءِ الأديبة ناهد بدوية أصدرَ المرصد السوري لحقوق الإنسان ورابطة الصحافيين السوريين والمركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية والاشتراكيين الثوريين في مصر والحزب الشيوعي المصري وعدد من الكتاب والمثقفين في لبنان والأردن بيانات إدانة واستنكار لقرار النظام السوري بترحيل المفكر سلامة كيلة إلى الأردن.

ومع وصول كيلة إلى الأردن كشفَ المرصد السوري لحقوق الإنسان عن تعذيب شديد تعرض له أثناء فترة اعتقاله ووزّع صوراً تظهرُ حروقاً ورضوضاً على جسده. وفي معلومات جديدة تكشّفت مؤخراً فإن كيلة وصل إلى مرحلة خطيرة من التعذيب نُقلَ على إثرها إلى مستشفى المزة 601 التابع لوزارة الدفاع، وتحدثت المعلومات عن أنّه وصل إلى المستشفى وهو “مقيد” الى السرير.

مع هذه الحقيقة الجديدة والآلاف من سابقاتها يصبحُ كيلة أثراً من آثارِ الثورة السورية وبرهاناً جديداً على ادعاء نظام الممانعة والمقاومة بمحاربة إرهابيين وتكفيريين، فسلامة كيلة اليساري الماركسي المقاومِ للاحتلال ومرض السّرطان والنّظام السوري هو عربي فلسطيني عاشَ التغريبة الفلسطينية على يد الاحتلال الاسرائيلي ويعيشُ اليوم تغريبة سورية على يد النّظام السوري، حاملاً بينَ أوراقه في يومِ الرّحيل حق عودتين، واحدة قديمة إلى بيته في فلسطين وثانية جديدة إلى بيته في دمشق حيثُ عاشَ منذُ ثلاثين سنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى