صفحات الرأي

حركات المهمشين: من الزنج إلى “داعش”/ إبراهيم غرايبة

 

 

يتكرر القول على سبيل الانتقاد والذم لتجربة «الإخوان» السياسية بأنهم لا خبرة لهم، وفي ذلك يؤكد خصوم «الإخوان» من حيث لا يريدون جانباً أساسياً في الصراع السياسي القائم في المنطقة اليوم. إنه في غالبه صراع بين من يملكون الخبرة والفرص ومن لا يملكونها. وتؤكد النخب المصرية والعربية بعامة في تكرارها هذه المقولة طبيعة الصراع والخطيئة التي تضع نفسها فيها، الشعور بالأفضلية والعجرفة المستمدة من هيمنتها على الفرص والموارد والحقد على المحرومين، وكأن جريمة المحرومين أنهم كذلك وكأن فضيلة النخب في التسلط والاحتكار والفساد.

ولا يخطئ المتابع العام للجماعات الإسلامية السياسية ملاحظة التحالف الاجتماعي القائم بينها وبين فئات اجتماعية واقتصادية مهمشة في مواجهة الأوليغارشية المهيمنة، ويبدو ذلك واضحاً بحسم في التحالف بين العرب السنّة في سورية والعراق وجماعات «القاعدة» من «النصرة» و «داعش» والإسلام السياسي بعامة، وبين العرب والطوارق مع «القاعدة» في مالي، وبين البشتون وطالبان في أفغانستان وباكستان. كما تمكن ملاحظة الظاهرة نفسها على مدى التاريخ الإسلامي في ثورات وحركات الزنج والخوارج والحرافيش والعيارين والصفارين والقرامطة، وكانت هذه الجماعات على الدوام تستلهم المصادر الإسلامية وجوانبها الاجتماعية والاحتجاجية لتشكيل منظومة جامعة للناس واكتساب الشرعية السياسية والدينية.

وقد أدهشني وأنا أطالع في أدب الخــــوارج أن كثــراً من عباراتهم وأشعارهم ومصطلحاتهم تمثل أيضاً نماذج وأمثلة تردد في صفوف «الإخوان» وخطابهم من دون أن يلاحظوا على الأغلب أنها للخـــوارج. ذلك أنهم لا يفتأون ينتقدونهم ويتبرأون منهم، ولكنهم في استلهامهم التـــراث التاريخي والأدب العربي وجدوا أن أدب الخوارج أفضل ما يعبر عنهم.

ما أظهرته حوادث السنوات الأربع الماضية أن الطبقة «السوبر» التي هيمنت على الدولة والموارد والمجتمعات، وأورثت الفرص ووزعتها في عملية احتكار وإغلاق قاسية، لا تجد لها فرصة للبقاء والاستمرار إلا في حرب على المجتمعات والطبقات والناس مهما كان الثمن، بل عدم الاكتفاء بالانتصار على الخصم الذي هو المستضغفون والمهمشون. فما حدث ويحدث عمليات إخضاع نفسية، وكسر لإرادات الشعوب والمجتمعات، وتنكيل بها وبضمائرها أيضاً، استعادة حرفية شغوفة لما فعله الخليفة الأموي الأندلسي الحكم بن هشام في الحدادين والصناع المحتجين على الظلم والإهانة عندما قتلهم وأحرق بيوتهم وصلب المئات منهم في شوارع قرطبة وأسواقها، ومثل ما فعل أيضاً القائد الروماني ماركوس لوشيوس كراسوس عندما انتصر على الثائر المستضعف سبارتكوس، إذ لم يكتف بالنصر، ولم تكن الحركة ابتداء ثورة تحتاج إلى جيش، بل كان بإمكانه أن يدع الناس يعودون إلى بلادهم، فلم يكونوا يريدون سوى ذلك. لكنه صلب الآلاف وهم على قيد الحياة ليظلوا عبرة للتاريخ! أو للتأكيد الراسخ أن مصيرك ليس بيدك!

وبالطبع، فإن الكاتب لا يجد نفسه في صف «الإخوان المسلمين» وجماعات الإسلام السياسي، فضلاً عن تنظيم «القاعدة» وأخواته، ولكن يجب القول إن فئة واسعة من المجتمعات لا تجد نفسها في الصراع القائم بين فسطاطي الهيمنة والاحتكار أو الإسلام السياسي والعنف والتطرف، وأن الفسطاطين متفقان أو متواطئان على نحو ما على أن الديموقراطية مثل زائدة دودية يجب استئصالها. فالنخب تجدها خطراً على مصالحها والمجتمعات لا تربط بها مصالحها وأولوياتها. ثمة شبكة عميقة متينة متراكمة من المصالح والأعمال والعلاقات والمصاهرات والصداقات، والفساد والخراب الهائل الذي يفوق الخيال… كل ذلك يفترض أن تفككه الديموقراطية، لكنها لم تقترب من ذلك! فلا هي أصلحت شيئاً، ولا الفساد يشعر بالأمان.

وتبدو الطبقات الوسطى اليوم غير معنيّة بما يدور، أو غير قادرة على التأثير في اللعبة، إن كان ثمة لعبة بالفعل بمعنى صراع تنظمه قواعد وحدود ونتائج، ولا خيار أمامها سوى الانسحاب بصمت أو التحالف مع النخب المهيمنة. وليس من مخرج من هذه الدوامة اللعينة سوى مشاركة واسعة لجميع الفئات الاجتماعية والاقتصادية، وفي توزيع عادل للفرص، ومؤسسات وبرامج خدماتية تستهدف جميع الناس على اختلاف فئاتهم وطبقاتهم ولا تدع محروماً واحداً من ثمار التنمية والإنفاق العام!

* كاتب أردني

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى