صفحات العالم

لا تنقذوا سورية… إنقذوا انفسكم

 

عبدالله إسكندر

لا مؤشرات الى ان الحرب السورية تتجه الى اي تسوية من اي نوع كان. رغم كل ما استخدمت فيها من اسلحة، وصولا الى ما تردد عن قنابل غاز، ورغم كل الجهود السياسية التي ما تزال تتعثر على اعتاب مهمة الاخضر الابراهيمي.

وغياب التسوية في ذاته يعني ان سورية مهددة بالدمار الشامل، حجرا وبشرا، بنى تحتية واقتصاد، مؤسسات ادارية وعسكرية. ولا مبالغة ان مشاهد من حمص وحماة وادلب ودير الزور ودرعا، وحتى في العاصمة، تناظر ما نراه من الصومال حيث تحول بلد باكمله الى ركام وشعبه الى مشردين.

وهذا ما ينتظر سورية، مع مرور كل ساعة من الوقت. ففي كل ساعة يقتل تدمر عشرات الابنية ويقتل عشرات الاشخاص ويهجر المئات من منازلهم. ومع مرور الايام باتت الحصيلة مروعة على المستوى الانساني والعمراني.

لكن سورية ليست الصومال. سورية كانت ولا تزال القلب النابض لحضارة المنطقة. وعمرانها كان الدليل على ما انجبته هذه المنطقة من رقي وتقدم. وشعبها كان الدليل على قدرة هذه المنطقة على التعايش والمواطنية. كل هذا مهدد اليوم بالصوملة.

قد نجد تبريرات للموقف اللامبالي للعرب من الصومال. فهو بلد طرفي وغير مؤثر في المنطقة، والاثار السلبية لتدميره وتشريد اهله انحصرت في القرن الافريقي ولم تمس المنطقة العرب، باستثناء اليمن الذي نزح اليه لاجئون صوماليون.

وعلى ذكر اليمن الذي عانى بدوره ازمة خطيرة لا يزال يبحث عن كيفية الخروج منها، يمكن ان نلاحظ ان حدا ادنى من الضغط والتدخل من مجلس التعاون الخليجي اقنع المجتمع الدولي بان يفرض على الرئيس السابق علي عبدالله صالح التنازل وتسهيل التسوية. اي ان تحركا عربيا يمكن ان تكون له انعكاسات على المواقف الدولية وعلى تسهيل الحلول.

المبررات التي جعلت العرب يبتعدون عن الصومال لا يمكن احضارها في الحالة السورية. واذا كان بعض العرب غير مهتم بسورية الوطن، كما اهملوا يوما لبنان الدولة وتركوه نهشا للاقتتال، فان من مصلحة العرب ان يهتموا بالآثار الناتجة عن المآل السوري، لانها ستنعكس مباشرة على دولهم ومصالحهم. والتدخل العربي في الشأن السوري لم يعد تدخلا في شأن داخلي لدولة مستقلة، انما بات ضرورة للدفاع عن المصالح الوطنية لكل دولة في المنطقة.

سورية تواجه، في ظل غياب الحل السريع، اسوأ السيناريوات. دمار كامل وشامل ولجوء اهلها الى الجوار الذي يعاني ما يعانيه من ضائقة ومعضلات، هذا الدمار الذي يفرخ كل اشكال الشلل الاجتماعي والتطرف الايديولوجي والتشدد الديني، ما سينعكس وبالا على الجوار العربي. او سينعزل الحكم السوري الحالي في منطقة ذات غالبية طائفية، ما يجعل البلاد في طور يدخل تعديلا جيو استراتيجية على منطقة تعاني من الهشاشة الشيء الكثير، ولن تتأخر بذور مماثلة في اكثر من بلد عربي في البزوغ.

لذلك لم يعد مفهوما ان يقتصر سلوك العرب وجامعتهم على تلمس كلمة ملتبسة من موسكو، علها تحرك حلا دوليا مبهما او توافقا اميركيا – روسيا على اقتسام المصالح. كما لم يعد مفهوما ان يقتصر السلوك العربي على دعوات الى مؤتمرات لمساعدة الشعب السوري او ارسال شاحنات الى هذا المخيم او ذاك للاجئين السوريين. فكل ذلك ليس اكثر من مخدر لضمير، ولا يتصدى لعمق الازمة ولضرورة محاصرتها وايجاد الحل السريع لها.

ليس من الواضح تماما ان قيمة الوطن السوري، بحضارته وتجربته وثقافته، مسألة تشغل كثيرا بال العرب. فالتجارب الكثيرة اظهرت ان مثل هذا الاعتبار ليس اساسيا، وتجربة العرب مع لبنان خير مثال على ذلك، لقد تدمرت هذه التجربة من دون ان تلقي وزرا عليهم. اما سورية فشأن آخر، فدمارها المستمر سيكون وبالا عليهم جميعا. وهم، إن لم يكونوا يرغبون في انقاذ التجربة السورية والوطن السوري، فعلى الاقل ان يعملوا على انقاذ انفسهم من ويلات تدميرها.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى