صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت الحرب على “داعش” والأوضاع في سورية

 

اتجاهات الحرب الدولية على تنظيم الدولة الإسلامية

مركز الجزيرة للدراسات

ملخص

تكاتفت عدة عوامل للدفع بالإدارة الأمريكية إلى الشروع في شن علميات عسكرية على تنظيم الدولة الإسلامية، لعل أهمها: الخطر الداهم على أربيل وبغداد، والوضع الإنساني المتفاقم، والدور الذي أخذت إيران في لعبه لتعزيز وضع حكومتي بغداد وأربيل العسكري، والضغط على إدارة أوباما من مجتمع واشنطن السياسي. وقد عزز خيار الرد العسكري لجوء تنظيم الدولة الإسلامية للرد على التدخل الأميركي الأولي بقطع رؤوس رهائن أميركيين.

بيد أن أكثر الشكوك السياسية يتعلق بمجمل هدف الحرب، وانعكاساتها على الرأي العام الإسلامي في سوريا والعراق ودول الجوار، بما في ذلك السعودية. فمن ناحية، يصعب تعهد عملية قصف جوي واسعة النطاق، مثل تلك التي تشهدها سوريا والعراق اليوم، بدون أن تُرتَكب أخطاء مميتة بحق المدنيين، أو حتى عسكريين أصدقاء، ومن جهة أخرى فتتعلق بحقيقة بنك الأهداف، وهل هي ضد تنظيم الدولة وحسب، أم أنها تشمل أيضًا تنظيمات تراها واشنطن راديكالية، مثل جبهة النصرة وأحرار الشام. كما أن عدم وضوح أهداف الحرب فيما يتعلق بالموقف من النظام السوري، يجعل هذه المشاركة أكثر صعوبة، بالرغم من وعود التدريب ومساعدة ما يصفه الأميركيون بمعتدلي الجيش الحر.

مقدمة

عقد الرئيس أوباما، طبقًا للنيويورك تايمز (النسخة الدولية، 21 سبتمبر/أيلول 2014 )، عددًا من اللقاءات مع شخصيات من خارج إدارته، لبحث خطوات إدارته تجاه التوسع الكبير والمفاجئ لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. كان آخر هذه اللقاءات في 10 سبتمبر/ أيلول، قبل ساعات فقط من إعلانه الحرب على التنظيم. قال أوباما لزواره من كتّاب الأعمدة في الصحف الأميركية الرئيسية، إنه أخبر أعضاء إدارته بأن عليهم تجاهل الضغوط الخارجية التي ولَّدتها حادثتا الإعدام البشع للصحفيين الأميركيين على يد تنظيم الدولة الإسلامية. ما أراده أوباما، الذي كان يستشعر الضغوط الهائلة على إدارته في واشنطن، أن يكون رده على التطورات في العراق وسوريا هادئًا، مفَكَّرًا فيه بعناية، وأن يتجنب التورط الذي وقعت فيه إدارة بوش الابن في سياسة “الحرب على الإرهاب”، التي انتهت بفشل ذريع في العراق وأفغانستان.

قبل اللقاء مع الكتَّاب الصحفيين بيومين، دعا أوباما عشر شخصيات من خبراء السياسة الخارجية ورجال الحكم السابقين لعشاء طويل، التحق به أيضًا نائب الرئيس جوزيف بايدن، ووزير الخارجية جون كيري، وسكرتيرة مجلس الأمن القومي سوزان رايس. اعترف أوباما في هذا اللقاء بالانتقادات التي وجهتها له وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، وآخرون من كبار السياسيين الأميركيين، لإحجامه عن تقديم العون المبكر للثورة السورية، ولكنه أبدى شكوكًا حول ما إن كان مثل هذا العون سيوقف صعود تنظيم الدولة الإسلامية. وفي رده على من يتهمونه بالتردد، أشار أوباما إلى قرار الرئيس الأسبق رونالد ريغان المتسرع بإرسال قوات أميركية للبنان في 1982، ومن ثم سحبهم بصورة مهينة بعد تعرضهم لهجوم انتحاري من أنصار إيران وسوريا.

ما يتركه تقرير نيويورك تايمز التفصيلي من انطباع حول الطريقة التي طوَّر بها أوباما استراتيجيته، أن الرئيس الأميركي لم يكن يرغب بالفعل في التدخل المباشر في العراق وسوريا؛ وأنه بدا مضطرًا لاتخاذ قرار التدخل بعد أن أدرك حجم المخاطر التي يمثلها التوسع الهائل لتنظيم الدلة الإسلامية؛ وأن الاستراتيجية التي سيتبعها تختلف كلية عن تلك التي اتبعتها إدارة بوش الابن بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001.

فلماذا، إذن، قرَّر أوباما الذهاب لحرب جديدة في الشرق الأوسط؟ وما هي استراتيجيته؟ وأية مخاطر تحملها هذه الاستراتيجية؟

من الانسحاب من الشرق الأوسط إلى الحرب

بدأت التطورات التي صنعت مناخ التدخل الأجنبي يوم العاشر من يونيو/حزيران 2014، عندما تعرض الجيش العراقي في محافظتي نينوى (الموصل) وصلاح الدين (تكريت) لحالة انهيار مفاجئ، سمحت بسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ومجموعات متحالفة معها على مدينتي الموصل وتكريت. ولأن فرقًا عسكرية عراقية فرَّت بأكملها من معسكراتها ومواقعها، لم ينجح تنظيم الدولة الإسلامية في توسيع نطاق سيطرتها بصورة كبيرة وحسب، ولكنها أيضًا حصلت على سلاح ومعدات عسكرية ثقيلة بكميات هائلة. في البداية، كان التقدير أن جنود الطريقة النقشبندية، الموالين لنائب الرئيس العراقي السابق، عزة الدوري، وثوارًا عشائريين سنّة، وضباطًا من الجيش العراقي السابق، ومجموعات من تنظيمات المقاومة العراقية، لعبت دورًا رئيسًا في الهجوم على الموصل وتكريت، وأنها ستكون شريكة في السيطرة على المدينتين. في الأيام القليلة التالية، اتضح أن تنظيم الدولة الإسلامية، على أية حال، كانت القوة المنظمة الرئيسة، وأنها في طريقها للتفرد بإدارة المدينتين، وأن أعدادًا متزايدة من أبناء العشائر تلتحق بقوات التنظيم الذي يعتبر أكثر تطرفًا من القاعدة ذاتها.

وسرعان ما بسطت المجموعات المسلحة بقيادة تنظيم الدولة الإسلامية سيطرتها على بلدات أخرى في محافظتي صلاح الدين والتأميم (كركوك)، وبدأت محاولة السيطرة على القطاع الشمالي من محافظة ديالى والمدخل الشمالي للعاصمة بغداد، إضافة إلى سيطرتها على مساحات متسعة من محافظة الأنبار. وقد أدى الفراغ العسكري والأمني إلى انتشار لقوات البشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان خلف حدود الإقليم، سواء في مدينة كركوك المتنازع عليها، أو في مناطق من محافظتي نينوى وديالى؛ وهذا ما دفع تنظيم الدولة الإسلامية في النهاية إلى الاشتباك مع البشمركة. ولعدة أيام، ونظرًا للتراجع السريع لقوات البشمركة، بدا أن أربيل، عاصمة الإقليم الكردي، باتت مهددة.

مع نهاية يوليو/تموز، وبعد أن أعلن تنظيم الدولة الإسلامية للعراق والشام تحوله إلى الدولة الإسلامية، وأعلن زعيمه أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين، ونظرًا للنهج الذي اختطه في التعامل بالقوة مع السكان المسيحيين واليزيديين والشيعة والأكراد في المناطق التي سيطر عليها، أخذ شمال العراق يشهد موجة هجرة ولجوء واسعة النطاق. ليس من السهل التحقق مما أُشيع حول اختطاف تنظيم الدولة الإسلامية لنساء يزيديات، ولكن سجل التنظيم الصادم في التعامل مع مخالفيه كان كافيًا لأن يأخذ العالم روايات الخطف والانتهاك مأخذ الجد. وقد صنع هذا المناخ، ومن ثم الحصار الذي فرضته قوات تنظيم الدولة الإسلامية لجبل سنجار، إضافة إلى التهديد الاستراتيجي الذي مثَّله توسع تنظيم الدولة في إقليم الكردي وبغداد، الدافع الأول لبدء قصف أميركي غير منتظم لمواقع تنظيم الدولة، سيما في جبل سنجار وعلى حدود إقليم كردستان.

لم تعلن إدارة أوباما الحرب على تنظيم الدولة، ولم يكن واضحًا في نهاية الأسبوع الأول من أغسطس/آب، عندما قامت الطائرات الأميركية بأول طلعاتها في شمال العراق، ما إن كان أوباما على استعداد لالتزام عسكري طويل المدى بالدفاع عن حكومتي بغداد وأربيل. ما بدا واضحًا، أن الخطر الداهم على أربيل وبغداد، والوضع الإنساني المتفاقم، والدور الذي أخذت إيران في لعبه لتعزيز وضع حكومتي بغداد وأربيل العسكري، والضغط على إدارة أوباما من مجتمع واشنطن السياسي، كانت الدوافع الرئيسة للتدخل الأميركي المحدود. ولكن تنظيم الدولة الإسلامية لم يلجأ لتطمين الأطراف المتعددة حول نفوذه المتسع، ولجأ بدلاً من ذلك للرد على التدخل الأميركي الأولي بقطع رؤوس رهائن أميركيين. وهنا، وجد أوباما نفسه أمام ضغوط مضاعفة للتقدم باستراتيجية مقنعة للتعامل مع تنظيم الدولة؛ وهو الأمر الذي أدى لبيان الرئيس الأميركي في 10 سبتمبر/أيلول، الذي تضمَّن ما يشبه إعلان حرب على تنظيم الدولة في العراق وسوريا على السواء.

استراتيجية أوباما: الانتصار عن بعد

ترتكز استراتيجية إدارة الرئيس باراك أوباما للتدخل في مواجهة داعش إلى عدد من المحاور:

استخدام الحاجة العراقية الملحة للدعم الأميركي للضغط من أجل تغيير توازنات الحكم في بغداد، وقد نجحت الضغوط الأميركية بالفعل في الإطاحة برئيس الحكومة السابق نوري المالكي، وبناء توافق واسع حول بديله حيدر العبادي، على أساس من تفاهمات بين العبادي والكتلة العربية السُّنِّية، وتفاهمات أخرى مع الكتلة الكردية. والواضح أن هدف واشنطن الرئيس كان منع الأكراد من الذهاب إلى استفتاء لتقرير المصير، وإقناع العرب السنة بأنهم باتوا جزءًا من مؤسسة الحكم والسلطة في العراق. ويعتقد الأميركيون أن بالإمكان في النهاية دفع حكومة بغداد نحو تشكيل قوات حرس وطني محلية في المحافظات ذات الأغلبية السنية، تأتمر بأمر الإدارات المحلية، بهدف حماية هذه المحافظات والمشاركة في الحرب ضد تنظيم الدولة. ولكن التفاهمات بين بغداد والأكراد ظلت ناقصة، سيما بخصوص المناطق المتنازع عليها؛ ولا يبدو حتى الآن، وبالرغم من عدد من الإجراءات المتواضعة، أن ثقة السنة العرب في حكومة العبادي تنمو بصورة كافية. ولابد من الانتظار قليلاً لرؤية ما إن كان لدى العبادي قوة وشرعية تؤهله لاتخاذ خطوات تستجيب لمظالم ومطالب السنة العرب، أو إن كان لديه أصلاً النية للقيام بذلك.

تشكيل تحالف واسع النطاق من الدول الغربية وغير الغربية، سيما الدول العربية التي تُسمَّى أحيانًا بالدول السنية، مثل السعودية ودول الخليج الأخرى، وتركيا. لإقامة مثل هذا التحالف، دعت السعودية لاجتماع دولي في جدة في 11 سبتمبر/أيلول، ونظَّمت فرنسا اجتماعًا شبيهًا في باريس في 14 سبتمبر/أيلول. وبالرغم من أن هذه الجهود انتهت إلى تقدم عدد ملموس من الدول بالمشاركة في الحرب ضد تنظيم الدولة، وإنْ بوسائل مختلفة بين دولة وأخرى، لكن يُستَشفّ من الاجتماعين، أن السعودية، التي تعوِّل واشنطن كثيرًا على دورها ومساهمتها، اشترطت لمشاركتها استبعاد إيران. وهذا ما جعل المسؤولين الإيرانيين، بمن في ذلك المرشد الأعلى علي خامنئي ووزير الخارجية جواد ظريف، ينددون بالاجتماعين وبالتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة وحقيقة أهدافه. ولكن هذا لا يعني أن واشنطن وحلفاءها الغربيين لا يريدون مشاركة إيران.

ما يستهدفه هذا التحالف ليس حربًا بالمعنى الذي خاض به بوش الأب وبوش الابن حربي الخليج الأولى والثانية؛ فما عدا إيفاد خبراء عسكريين أميركيين لبغداد وأربيل للمساعدة في إعادة بناء الجيش العراق وقوات البشمركة، وربما أيضًا المشاركة في التوجيه العملياتي، استبعد الرئيس الأميركي إرسال قوات أميركية إلى أرض المعركة خلال ما تبقى من ولايته. ما خططت له إدارة أوباما هو حملة قصف جوي، قد تستمر شهورًا أو سنوات، بمشاركة ظاهرة من الدول العربية الخليجية، ومن لديه استعداد للمشاركة في الجهد العسكري من الدول الغربية، بهدف استنزاف تنظيم الدولة، وتدمير مراكز التحكم والقيادة لديها، ونقاط تمركز معداتها وقواتها، وتدمير مصادرها المالية، مثل آبار النفط ومصافيه؛ إضافة لتوفير المساندة الجوية للقوات الكردية والعراقية في عملياتها ضد قوات تنظيم الدولة، وفي جهدها لاسترداد المناطق الي سيطرت عليها. وبينما يرى عدد من الدول الحليفة للولايات المتحدة أن طلب الحكومة العراقية للمساعدة الدولية يوفر أرضية قانونية للتدخل في العراق، وليس في سوريا، فإن واشنطن تنظر إلى أن عمليات القصف لمواقع تنظيم الدولة في سوريا قانونية أيضًا، نظرًا لضعف الحكومة السورية البالغ وفقدانها السيادة على قطاعات واسعة من بلادها، والتهديد الذي يمثله وجود تنظيم الدولة في سوريا للعراق.

عداد معسكرات في جوار سوريا لتدريب وإعداد عدة آلاف من الثوار السوريين، للمساهمة في الحرب ضد تنظيم الدولة داخل الأراضي السورية؛ إلى جانب تقديم مساعدات عسكرية إضافية لمجموعات الثوار السوريين التي توصف بالاعتدال، والتي تواجه تنظيم الدولة بالفعل.

في موازاة الجهد العسكري الجوي وجهود إعادة بناء وتأهيل القوات العراقية وقوات البشمركة، يفترض أن تبذل دول العالم الراغبة جهدًا كافيًا لمنع ذهاب المزيد من المتطوعين لمساندة تنظيم الدولة، وقطع حركة الأموال عنها، والمساهمة في الحرب الإعلامية والفكرية ضدها.

وتعتقد إدارة أوباما أن تضافر هذه الجهود معًا يمكن أن ينتج عنه في النهاية إضعاف ملموس لتنظيم الدولة وتقويض لمقدراته العسكرية والمالية؛ مما سيوقف اندفاعه في سوريا والعراق، ويسمح للقوات العراقية والكردية، ومجموعات الثوار السوريين المعارضين لها، باسترداد المناطق التي تسيطر عليها.

معضلات استراتيجية

يكتنف الاستراتيجية الأميركية الكثير من الشكوك، سواء في بعدها السياسي أو العسكري:

على المستوى السياسي، تتحدث إدارة أوباما عن أن التحالف ضد تنظيم الدولة يضم أكثر من مائة دولة حتى الآن، ولكن اعتبارات السياسة والجغرافية معًا تستدعي دورًا تركيًا مهمًا في هذا التحالف. لتبلور هذا الدور، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (26 سبتمبر/أيلول) أن بلاده تريد توافق دول التحالف على إقامة منطقة عازلة في سوريا، ومنع الطيران السوري من التحليق، وتدريب وتسليح الجيش الحر. تتعلق هذه المطالب بقناعة أنقرة بأن أصل المشكلة هو سوريا وليس العراق، وأن تركيا لا تستطيع منفردة تحمل أعباء مليون ونصف المليون لاجيء من السوريين والأكراد واليزيديين.

وبالرغم من أن الدول الغربية الرئيسة استجابت لرغبة السعودية بعدم دعوة إيران لاجتماعي جدة وباريس، إلا أن الولايات المتحدة، وأغلب الدول الأوروبية، ترغب في مشاركة إيرانية ما في الحرب ضد تنظيم الدولة. يصطدم مثل هذا الدور بموقف إيران الداعم للنظام السوري، الذي يتناقض مع دعوة تركيا والسعودية لتطوير الحرب نحو الإطاحة بالنظام السوري، كما يصطدم بإخفاق جولة التفاوض الأخيرة حول الملف النووي الإيراني في الوصول إلى اتفاق بين إيران ومجموعة خمسة+واحد. بل إن وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، صرَّح في نهاية هذه الجولة (26 سبتمبر/أيلول) بأن المباحثات لم تحرز أي تقدم يُذكر.

أما المشكلة السياسية الأخرى، فتتعلق بحقيقة أهداف الحرب، وهل هي ضد تنظيم الدولة وحسب، أم أنها تشمل أيضًا تنظيمات تراها واشنطن راديكالية، مثل جبهة النصرة وأحرار الشام. وقد يجعل بروز شواهد في أسابيع القصف الأولى على اتساع نطاق التنظيمات السورية المستهدفة، مثل قصف تنظيم أسماه الأميركيون: “جماعة خراسان”، وهو في الحقيقة موقع يتبع جبهة النصرة في ريف حلب، من الصعب على كتائب الثوار السوريين القبول بالمشاركة في الحرب ضد تنظيم الدولة. كما أن عدم وضوح أهداف الحرب فيما يتعلق بالموقف من النظام السوري، يجعل هذه المشاركة أكثر صعوبة، بالرغم من وعود التدريب ومساعدة ما يصفه الأميركيون بمعتدلي الجيش الحر.

ولا يقل الوضع السياسي العراقي تعقيدًا؛ فالإنجاز الذي تحقق باستبعاد المالكي وتشكيل حكومة تحالف وطني قد لا يتقدم كثيرًا أبعد من ذلك، سيما في ظل المصالح المتضاربة لأطراف الحكم. وإذ يعترف الجميع بضرورة تشجيع تحرك عربي-سني ضد تنظيم الدولة، فليس ثمة بوادر على أن سكان الأنبار والموصل وتكريت قد تخلوا بالفعل عن تنظيم الدولة. ليس ثمة شك في أن القبول بوجود تنظيم الدولة في هذه المناطق يعكس كرهًا وفقدان ثقة بقوات الحكومة المركزية، أكثر منه ولاءً لتنظيم الدولة أو قبولاً بحكمه. والمؤكد أن الهوة بين سكان محافظات الأغلبية السنية وحكومة بغداد، المسيطر عليها من القوى الشيعية، لم تزل واسعة؛ كما أن انتهاكات الميليشيات الشيعية الطائفية، المستمرة بلا هوادة، ضد السكان السنة، لا تساعد كثيرًا في بناء هذ الثقة.

بيد أن أكثر الشكوك السياسية يتعلق بمجمل هدف الحرب، وانعكاساتها على الرأي العام الإسلامي في سوريا والعراق ودول الجوار، بما في ذلك السعودية. فمن ناحية، يصعب تعهد عملية قصف جوي واسعة النطاق، مثل تلك التي تشهدها سوريا والعراق اليوم، بدون أن تُرتَكب أخطاء مميتة بحق المدنيين، أو حتى عسكريين أصدقاء؛ وهذا ما وقع بالفعل في ريفي إدلب وحلب، عندما أودت غارات طائرات التحالف بحياة عشرات المدنيين، وما حدث جنوب تكريت، عندما قتلت غارات أخرى العشرات من الجنود العراقيين. خلال أسابيع، قد تتصاعد مظاهرات السوريين ضد الحرب، التي انطلقت في عدة مدن يوم 26 سبتمبر/أيلول، لتشمل قطاعات واسعة من العرب المسلمين، الذين سيأخذون بالتساؤل حول حقيقة أهداف هذه الحرب، سيما وهم يرون صمتًا عربيًا وغربيًا يصم الآذان عن أفعال الميليشيات الشيعية في سوريا والعراق واليمن ولبنان. وبالرغم من أن إدارة أوباما حرصت على مشاركة طائرات دول عربية وإسلامية-سنية في الحرب، مثل السعودية والإمارات، لتفنيد الاتهامات بأنها تشنّ حربًا جديدة على الإسلام والمسلمين، فقد تنتهي هذه السياسة بضرر كبير على الدول المشاركة نفسها.

أخيرًا، فسواء استطاعت تركيا والسعودية إقناع واشنطن ببذل جهود أكثر جدية لمساعدة الثورة السورية ضد النظام، أم لا، فإن قانونية قصف طائرات التحالف لأهداف في سوريا لن تظل بلا جدل في المحافل الدولية. وستبرز هذه المسألة بلا شك إن شعرت دول مثل روسيا بأن الحرب ضد تنظيم الدولة توشك أن تطول النظام السوري، أو أنها تساهم بصورة غير مباشرة في إضعافه.

عسكريًا، يكرر الأميركيون وحلفاؤهم الغربيون أن الحرب الجوية وحدها لن تؤدي إلى هزيمة تنظيم الدولة واستئصالها، وأن الحرب، على أية حال، قد تستمر سنوات. ولكن حربًا لسنوات في منطقة بالغة القلق وفقدان اليقين ليست مضمونة النتائج. ثمة تضخيم واضح لقوة تنظيم الدولة من قبل السياسيين الغربيين ووسائل الإعلام الغربية، يبدو أنه صُمِّم كجزء من الحرب نفسها ومن عملية حشد الرأي العام في الولايات المتحدة وأوروبا. والواضح، أن الرئيس الأميركي لا يرغب في تورط قوات بلاده على الأرض، ولكن تحقيق نتائج ملموسة في الحرب قبل أن تنتهي ولايته يتطلب مشاركة قوات غربية أو غير غربية في الحرب. وحتى بمعزل عن المبالغات الغربية في تقدير قوة تنظيم الدولة ومقدراته، لا يبدو، بعد أسابيع من القصف، أن نفوذ تنظيم الدولة في العراق قد تراجع إلا بصورة محدودة، بينما تحرز قوات التنظيم تقدمًا مستمرًا في شمالي شرق سوريا. وليس ثمة دليل على أن قوات البشمركة وقوات حكومة بغداد قادرة في المدى المنظور على استعادة مدن مثل تكريت والموصل بدون وجود دعم عسكري أرضي، أما دحر تنظيم الدولة في سوريا عن مدن مثل الرقة ودير الزور فيبدو أكثر صعوبة.

بكلمة أخرى، ستجد واشنطن وحلفاؤها، آجلاً أو عاجلاً، أن لا مناص من التورط في القتال على الأرض وتعهد دور عسكري بري؛ وعندها، لابد من إجراء حسابات جديدة للشكوك والمخاطر السياسية والعسكرية التي تحف بهذه الحرب.

حسابات المستقبل

جاء أوباما إلى الحكم محمولاً على وعود وضع نهاية لحروب أميركا في المشرق، والانسحاب من العراق وأفغانستان؛ وحاول طوال السنوات الست الماضية من ولايته الابتعاد عن التورط في أزمات دول المشرق المتعددة والمتلاحقة. الآن، يجد الرئيس الأميركي أن ليس بإمكان إدارته الاستمرار في سياسة تجنب هذه الأزمات، بينما تسكنه هواجس مغامرة بوش الابن باهظة التكاليف في العراق وأفغانستان. أراد أوباما أن تأخذ إدارته وقتًا كافيًا لإعداد استراتيجية تقضي على تنظيم الدولة، ولكن الاستراتيجية التي أعلن عنها الرئيس، والتي يجري تطبيقها الآن، تبدو مليئة بالفجوات، وتحيط بها علامات استفهام لا حد لها.

لا أحد في واشنطن يعرف متى ستنتهي هذه الحرب، وما هي معايير الحكم عليها بالنجاح أو الفشل، وأي مدى يمكن أن تذهب إليه. ولا أحد يعرف ماذا سيؤول إليه مصير العراق وسوريا، أرض العمليات الرئيسية، بعد الحرب، أو كيف ستتم الاستجابة لمطالب وهموم الأطراف المختلفة في كلا البلدين وفي الإقليم. وبالرغم من أن إدارة أوباما تعتقد أنها نجحت، بانخراط عدد من الدول العربية “السنية” في التحالف، في توفير غطاء إسلامي سني للحرب، فليس من الواضح إن كانت هذه الدول قد أقنعت شعوبها بأن تنظيم الدولة يمثل خطرًا ملموسًا عليها، يستدعي المشاركة في الحرب، أو بطبيعة الدور الذي ستتعهده هذه الدول في حال انتقال التحالف إلى الحرب البرية.

في نهاية الأمر، يعبِّر صعود تنظيم الدولة وتوسعها، في أحد أهم وجوهه، عن تدهور فادح في مقدرات الدولة الوطنية المشرقية ووصول النظام الإقليمي المشرقي إلى نهاية الطريق، بعد مرور زهاء المائة عام على تشكله على أيدي القوى الإمبريالية الغربية. فكيف يمكن أن تسيطر قوة عابرة للحدود، على مناطق واسعة في دولتين اعتُبرتا دائمًا قاعدتي النظام الإقليمي، تعانيان من حرب أهلية متفاوتة الحدة منذ سنوات، بدون أن يعاد التفكير في النظام الإقليمي كله؟

 

 

 

أوباما ينهي حروب الإسلام الصغرى بحربه الكبرى الدائمة ضده/ مطاع صفدي

كل الذرائع التي تمسكت بها أطروحة التردد السياسي إزاء تحولات المحنة السورية تهاوت جميعها، واختفت تدريجياً في خطابات أوباما وسلوكياته. فإذا كانت حجته الكبرى في فقدان البديل المعتدل والديمقراطي ما بعد السقوط الأسدي، هذا البعبع صار له اسم وواقع وخطر عظيم، إنه داعش ومشتقاتها. فالبعبع لم يعد نائياً في احتمالات المستقبل، إنه محور الحدث الشرق أوسطي هذه الأيام، ولأيام أخرى غير محدودة. لكن أوباما الذي يلجأ إلى الاعتراف العلني بأخطاء مواقفه، وإن كان ينسب أسبابها إلى أعطال في أجهزته الاستخبارية، إلا أنه لا يسعى حقاً إلى التعويض عن الضلالات ببعض التصحيحات لقراراته وتصرفاته الحالية.. ليس هناك أي تراجع عملي؛ فالرجل يكاد لا تحركه سوى رغبة واحدة وحيدة منذ اندلاع المحنة، وهي حماية الحد الأدنى من وجود النظام الأسدي. هذه الرغبة العجيبة التي تشبه هوساً عاطفياً لا معقولاً، لعبت دور العامل الثابت الوحيد في مسلسل متغيرات السلوك الأمريكي الأوبامي منذ أكثر من ثلاث سنوات. فلقد ارتكبت سياسة أمريكا السورية كل أصناف التحويلات المفهومة وغير المفهومة إزاء حدثيات الثورة السورية المجهضة، لكنها لم ترتكب، ولو لمرة واحدة «خطيئة» التخلي عن ديكتاتور دمشق خاصة حين يكون على وشك المواجهة الحاسمة مع نهايته. لقد أنقذته أمريكا من أخطر عثراته الكبرى. كانت له أشبه بملاك الرحمة الذي يسارع إلى تلبية المستغيث به.

اليوم لا يجد أوباما أية غضاضة في التصريح العلني أنه أخطأ في تقدير الموقف من سوريا جملة وتفصيلاً، لم يوضح لماذا كان يستمع إلى نوع من الاستشارات الاستخبارية في الوقت الذي يهمل فيه آراء الأهم من زملائه من حوله. فقد خرج الكثيرون من بطانة رئاسته احتجاجاً على خياراته المترددة. فيما يتعلق بالمواقف غير المبررة تجاه الثورة السورية. كأن تردّي أحوال المنطقة العربية عامة لا يثير لدى الرئيس، الإنساني جداً، أية تساؤلات عن الجدوى السلبية لمنهجه.

فما هو هذا اللغز العجيب الذي يربط أوباما بعدوه أو صديقه الألد الأسد. هل هو واحد من ألغاز الاستراتيجية (العميقة) لسياسة أمريكا الدولية،أم أن المشكلة تعود كلياً إلى مجرد خطأ في التقدير الشخصي، لكنه عندئذ سيكون ذلك الخطأ الذي لا يمحو آثاره اعترافُ صاحبه بعد فوات الأوان بآثاره المدمرة ؛ حتى وإن كانت مصائر شعوب وأمم كاملة تكاد أن تتساقط تحت سيول من الأهوال الكلية غير المسبوقة في تاريخ المجازر الإنسانية الكبرى. فإن إعطاء حرية القرار والحركة لأعتى عتاة العصر يفعلون ما يشاؤون بشعوبهم تحت أنظار العالم كله، لا يشكل هذا الموقف، مجرد خيار سياسي عابر. ذلك أن استعصاء الحل في سوريا كان يعني شيئاً واحداً وهو ترك الحرب بلا نهاية. وإطلاق حرية العمل لمنطق المقتلات الجماعية المتواصلة. فهل كان ما يسمى بالمجتمع الدولي مصمماً على سحق الوجود العربي كلياً من خارطة الحضارة الإنسانية، بتفجير مكوناته الدولانية والمجتمعية وجعله قاتلاً ومقتولاً بأيدي أبنائه.

عندما اختار أوباما، ووراءه آلته الدبلوماسية الجبارة، موقف الحياد إزاء المقتلة السورية المطلقة، لم يكن صادقاً كذلك مع الحد الأدنى من أخلاقيات هذا الحياد المستعار. فلقد عملت إدارته طيلة ثلاث سنوات على تحريف وحرق وتشويه كيان المعارضة بمختلف أساليب الخداع، اللفّ والدوران، والاستغلال الرخيص لكل الأهداف وعكسها في وقت واحد. هناك موسوعة (مبدعة؟) من أفانين الدبلوماسية القذرة التي اتبعتها دبلوماسية أمة كبرى كأمريكا تجاه حفنة من رجال مغتربين تائهين بين شعارات عظمى للتحرير المقدس وبين مطامح شخصية عابرة. كانت مكامن الضعف الإنساني لدى الكثيرين من هؤلاء المتعاطين للعمل العام باسم الثورة، عُرضةً للاستثمار السياسوي الخبيث من دهاة تلك الدبلوماسية الأمبريالية.

ها هو أوباما، عندما يصرح علناً عن أخطائه. لا يبدو نادماً على أفعاله، بل كأنه لايزال يتابع مقتلات الثورة المضادة الشعبوية في سوريا والعراق، بذات وسيلة هذا التحشيد العالمي للمقتلة الكلية العظمى. كأنه ينوي أن يتمم أو يختم مسلسل المذابح الأسدية والداعشية، وذلك بإطلاق وقائع المذبحة الكلية للشعوب، ولكن تحت تسميات حروب الأحلاف العالمية والإقليمية. لن يغير أوباما شيئاً من منطق السلسلة القاتلة نفسها، وإن كان يفترض أنه حان الوقت لابتكار حلقتها النهائية الشاملة، بهذا الجحيم الجديد الذي سوف يملأ أرض وسماء الوطن العربي المعذب، فلم تعد لدى أساتذة الأكاديمية الأمبريالية حلولُ عجائبية أخرى للكوارث الإنسانية التي تسوّغها مذاهبهم الإيديولوجية قبل أن تتسلَّمها أيدي قادتهم العسكريين.

وخلال هذه الأيام الدموية تُساق قطعان الأغنام العربية إلى مسالخها من دون أي اعتراض. حتى عندما يتناطح بعض ثيرانها ضد بعضهم الآخر، فلا خوف من تشتيت القطيع، ذلك أن وحدته التجانسية كقطيع لا تلبث أن تعيد تجمعه؛ كذلك الأمر في مسيرته العمومية الواحدة، لم يستطع «الربيع العربي» أن يحدث ثمة فرقاً ما، كأنْ يطرح نوعاً آخر من وجود الجماعة، أن يتيح الاعتراف بوجود الجماعات ليس كقطعان أغنام فحسب، بل كذلك كأفراد أحرار، ليسوا بَعْدُ حكاماً ولا محكومين.

خبراء العلوم الإنسانية في مراكز «التفكير» الأمريكية راهنوا منذ بداية المسألة الاستشراقية على استمرارية الصياغة القطيعية لمكونات الاجتماع العربي. ولقد اعتُبرت هذه الصياغة أنها ليست فعلاً خارجياً، بل هي وليدة لاصقة بالظهور العربي والإسلامي في التاريخ. ولقد دعاها بعض الأوروبيين بالنزعة الخلاصية. فالبنية الجمعية تلعب دوراً أشبه بالقوقعة التي تحمي أجساد حيواناتها الرخوة. إنها ملجأ الأمن للفرد الفاقد لوسائل حمايته من العوامل الطبيعية أو الخارجية. وهنا يلعب تشكيل القطيع دوره المميز. إنه يسلب الفرد حريته مقابل منحه شيئاً من الرعاية أو الحماية الجماعية. لكن وظيفة الحماية هذه لا تلبث أن تنزاح وتتلاشى أمام تصاعد غرائز التسلط الجمعي التي ستمارسها الكتل الأقوى في الفضاء العمومي. فتنبثق (مؤسسة الدولة) باعتبارها تشكل مركزية العنف المشروع وحده، المولج بمبدأ حماية النظام العمومي. فهي المشرّعة الأولى لأحقية الطاعة التي من دونها لن تقوم قائمة لكينونة الاجتماع الإنساني عامة.

لكن هنا مكمن الإشكال الفلسفي وليس الحقوقي فقط، فاختلفت الآراء والمذاهب حول معايير المعادلة الدقيقة التي ستحدد العلاقة ما بين حدّي الحرية والطاعة. والثقافة العربية، وفي جانبها الديني خاصة، تعاني من تداعيات هذه الإشكالية، وإنعكاساتها على خلفية قضايا السياسة والدين والثورة؛ فالاستعمار، قديمه وجديده، استوعب تطبيقات مهمة وخطيرة من تقاليد الطاعة وتربيتها المتأصلة دينياً وأخلاقياً، كطبيعة ثانية لدى الأجيال العربية المتلاحقة. هكذا اشتغلت مؤسساته على تنمية بذور الخضوع الجماعي وأسبابها الثقافية والمدنية، في تنشئة كل جيل على حدة. وكان التدين هو المعين الأول الذي اغترفت منه مذاهب الاستبداد الحاكمة، والحليفة الدائمة لقوى الاستعمار، وتسويغاته القديمة.

هذه التربية الرعوية المعممة أنتجت في النهاية أقسى الصياغات المتعضية للروح الجمعانية. فالنكسة الهائلة نحو أعنف السلوكيات المتطرفة للتدين، لا يمكن فهمها إلا بإنحسار فعالية الفكر الحر من مجالات التحشيد الاجتماعي.. إنها إعادة انصباب الوجود الجماهيري في قوالب الكتل العقائدية،مما يسهل على أصحاب المخططات الخبيثة، استثمارات لا نهائية لنفسيات الطاعة والانجذاب إلى القطبيات التحريفية هنا وهناك، القائدة للجماعات الكبيرة. أوباما اليوم، ومعه كامل سياسة الغرب إزاء المسائل العربية والإسلامية، يجدد الثقة لدى فئة الأستراتيجيين المعادين لحريات الأمم، باعتماد القدرة المعرفية لتنويعات من الدبلوماسية المتذاكية التي سجلت انتصارات عنيفة لاستخدام العقل العلمي في تدمير الأمم، كما مارسها هذا الرجل الذي يصرح بالفم الملآن بأضاليله حين يقولها بلهجة المنتصر وحتى المفتخر. فلقد خاض معركة كبرى واكتسب نتائجها.. أبطل ثورة الربيع العربي، أو أنه عطلّ مواسمها إلى حين. دافع عن، وحمى (الغرب). من خطر آخر ثورات الربيع الثقافي العالمي، ولا يزال يدعي أنه متحكم في قطعان الأغنام، الذين لن يبنوا مدنية أخرى لهم وللإنسانية المقهورة معهم يوماً ما..

٭ مفكر عربي مقيم في باريس

القدس العربي

 

 

 

 

“داعش” في محيط بغداد… ينتظر اكتمال حبات السبحة قبل رأسها/ مشرق عباس

«بغداد ليست صيداً سهلاً»… يدرك خليفة «داعش» أبو بكر البغدادي هذه الحقيقة، ويبدو أنه اختار منذ اندفاع مقاتليه من الموصل إلى كركوك وتكريت وديالى والأنبار، أن يقترب من حدود بغداد من جهاتها الأربع، ويستثمر نقاط ضعف المدينة التي يعتبرها أنصاره درة تاج خلافتهم، وهدفاً استراتيجياً يقلب موازين القوى في المنطقة إلى الأبد.

ثمة عاملان أساسيان يشكلان جوهر استراتيجية البغدادي ومجموعة المخططين لتنظيمه:

الأول: الوقت، فالتقدم الكبير والسريع الذي أحرزه التنظيم بإمكاناته المحدودة في العراق ومن ثم في سورية، يحسب عسكرياً باعتباره نقطة ضعف، ولهذا تحديداً لم يحاول التنظيم الاندفاع كثيراً للسيطرة على مدن كبيرة، وساحة المعركة في العراق قد تكون شبه ثابتة منذ منتصف حزيران (يونيو) الماضي، وحتى بداية تشرين الأول (اكتوبر) الجاري، والقتال جرى طوال تلك الفترة حول قرى وبلدات لا تعد استراتيجية في الميزان العسكري، وجميعها خارج الحدود الأولية للمدن الأساسية التي استقر فيها التنظيم في العراق وهي الموصل وتكريت والفلوجة والقائم.

الثاني: الاقتصاد العسكري، فالتنظيم حرص في شكل لافت على استثمار الإمكانات البشرية والعسكرية التي بحوزته، للوصول إلى الأهداف التي يخطط لها بأقل خسائر ممكنة، ولم يكن يتردد في الانسحاب من مواقع احتلها، إذا قدّر أن القوة المهاجمة له كبيرة، لكنه يعود مرة أخرى إلى احتلالها مستثمراً التخبط في خطة الحرب التي تديرها القوات العسكرية العراقية مصحوبة بالميليشيات.

حول استدراج واشنطن

بعض الأسئلة التي انطلقت منذ شهور حول إصرار تنظيم «داعش» على استدراج قوات «البيشمركة» الكردية إلى المعركة، ومن ثم استدراج الولايات المتحدة إليها قبل خوض معركة بغداد، يتم صوغها بطريقة منفصلة عن النظرة الشاملة التي يراها البغدادي، فذلك الاستدراج يبدو مخططاً له بعناية استناداً إلى:

– أن البغدادي أراد منذ البداية الفصل بين تنظيمه ومجموعات العشائر السنّية الثائرة التي يتخذ قادتها من أربيل مقراً لهم، وتوقيت هذا الفصل تم اختياره بعد أن استنفدت ضرورات «الثورة السنّية» وبدأت مرحلة «الخلافة الإسلامية».

– أن البغدادي يدرك تعقيدات المنطقة، وطبيعة الصراع الطائفي والسياسي فيها، ناهيك عن التعقيدات العراقية، مثلما يدرك أن مستوى التحدي الذي يمثله لن يدفع بالولايات المتحدة إلى خوض حرب برية في العراق عاجلاً، وأنها ستضطر في النهاية إلى الاستعانة بدول الجوار للقيام بهذه المهمة، واستدراج الأكراد، يعجل من دخول الولايات المتحدة إلى المعركة وهذا ما كان، كما أنه يطرح الأسئلة المؤجلة: كيف يتصرف الشيعة إذا تدخلت تركيا أو تدخلت دول عربية؟ وكيف يتصرف السنّة إذا تدخلت إيران؟

– أن الإبقاء على قوة «البيشمركة» سيشكل خطراً كبيراً على الموصل في حال قرر التنظيم التوسع جنوباً، وكان من الضروري إيجاد منطقة فاصلة كبيرة (سهل نينوى وسنجار) بين الموصل و «البيشمركة» تكون ميدان استنزاف عسكري للأكراد، ومحور مشاغلة كبير يجيده التنظيم، يهدر الكثير من الجهد العسكري الأميركي والكردي، ولا بد من التذكير أن التنظيم لم يخض معارك كبيرة، ولم يقدم خسائر كبيرة، لا في مرحلة احتلال قرى سهل نيوى وسنجار، ولا في مرحلة، تقدم البيشمركة بدعم جوي دولي إلا لتحرير بعض البلدات والقرى التي خسرها.

– أن القوى التي ستجتمع لقتال «داعش» برياً ستحتاج إلى الوقت لترتيب أوراقها، وتقدير الأخطار، ونقاط الضعف، وأنها ستنشغل لوقت طويل في عمليات القصف الجوي التي لا يمكنها حسم المعركة، وهذا الوقت يصب في مصلحة التنظيم الذي أوجد حوالى 20 ساحة معركة حساسة ومنفصلة عن بعضها، يشغل بها خصومه، ويعيق إمكاناتهم، ويربك قدرتهم على مجاراته في تنقلاته السريعة بين الجبهات، وقدرته على تغيير سياقات المعارك واختيار توقيتاتها، وساحاتها.

بغداد ليست قبل طهران

لا يقرأ «داعش» أهمية بغداد في مستواها الرمزي فقط، بل ينظر إليها باعتبارها هدفاً استراتيجياً حاسماً، والدخول إلى بغداد لا يعني خوض حرب مناورات في شوارعها، بل يعني الاستقرار فيها أو في جانب الكرخ منها على الأقل على غرار الموصل، وهذه النتيجة لا تجعل بغداد هدفاً آنياً، في الحرب، بل هي غاية الحرب نفسها، ويجب أن تكون الساحة العسكرية مهيأة تماماً للوصول إلى بغداد، مثلما يجب أن تكون الصدامات السياسية والمذهبية والإقليمية قد وصلت إلى أقصى حدودها.

قبل أيام أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن بلاده لن تتردد في الدخول إلى المعركة إذا ما تعرضت المراقد الشيعية المقدسة للخطر.

وهذه في الواقع ورقة استراتيجية مؤجلة بيد «داعش» الذي فوجئ كما يبدو ببراغماتية الجمهورية الإسلامية التي يشكل دخولها العسكري العلني في الحرب، متغيراً أساسياً يعول عليه «داعش» في تثبيت وجوده كأمر واقع ومقبول إقليمياً ودولياً وقبل ذلك لدى الأوساط السنّية العراقية.

قرأت طهران منذ البداية حساسية وضعها، وفضلت أن تكون الحرب على «داعش» بقرار أميركي، لكنها كدولة متداخلة في الصراع الإقليمي من البحر المتوسط إلى الخليج العربي وبحر العرب، لن تسمح أن تترتب على التدخل الأميركي أضرار بمصالحها الاستراتيجية، ولن تسمح أن يتم التحشيد الدولي ضد «داعش» بعيداً منها. لهذا، كان مبرراً أن تندفع في شكل رسمي وعبر أصابعها في العراق إلى تحريك ممانعات شيعية وإقليمية حول نيات هذه الحرب، وتعميق الشكوك التي تحول تنظيم «داعش» إلى مجرد أداة في لعبة أقليمية ودولية.

ليس «داعش» بعيداً من هذا التوصيف على أية حال، لكن التنظيم كما كل الكائنات المليشيوية عبر التاريخ، ركب سريعاً اللعبة الإقليمية ليتحول من أداة تتبادل دول المنطقة الاتهامات لبعضها باستخدامها، إلى لاعب يمتلك أهدافاً مغايرة عن أهداف الجميع.

«المراقد الشيعية المقدسة»… هدف استراتيجي لـ «داعش»، لكنه ليس هدفاً آنياً أيضاً، بل مرحلة تسمح بالقفزات النهائية إلى بغداد.

لم يلجأ التنظيم إلى تهديد مرقد سامراء، على رغم أنه يحاصر المدينة من كل جهاتها تقريباً، كما أنه لم يحاول الاندفاع من مناطق جرف الصخر والإسكندرية والهندية والمسيب ومن صحراء النخيب لتهديد كربلاء، على رغم أنه قادر على هذا الاندفاع، واكتفى بوضع العتبات المقدسة الشيعية تحت التهديد الافتراضي، لتعطيل القدرات القتالية للجيش والميليشيات فيها.

واقع الحال أن البغدادي لن يحاول احتلال بغداد، قبل اشتراك إيران فعلياً وعبر جيشها في المعركة، والعتبات المقدسة في سامراء وكربلاء هي المدخل الأكثر حساسية لتحقيق هذه الغاية، ولكن ليس قبل أن تكون حرب بغداد قد نضجت واكتملت معادلاتها.

مدن الفرات

قضية اختيار التوقيتات، لا تبدو خطيرة لدى القيادات العسكرية العراقية على الأقل، لهذا لم يتم طرح السؤال المنهجي الآتي:

«لماذا تأخر تنظيم داعش، في السيطرة الكاملة على محافظة الأنبار، على رغم أنه يسيطر منذ يوم 1 كانون الثاني (يناير) على «الفلوجة» ومنذ 15 حزيران على «القائم»، وهما في الحقيقة أهم مدينتين في هذه المحافظة؟». تقع مدن الأنبار جميعها بامتداد نهر الفرات، وتقع «القائم» في نقطة دخول الفرات إلى العراق (شمال غربس الرمادي عاصمة الأنبار)، فيما تقع الفلوجة في نقطة خروج الفرات من الأنبار (جنوب شرقي الرمادي).

وهذه الخريطة تترك المدن والبلدات الأساسية الأخرى «الرمادي، وهيت، وحديثة، وعانة وراوة» داخل نطاق سيطرة التنظيم، حتى لو لم يكن قد غامر بدخولها بقوات عسكرية كبيرة.

لكن التنظيم حرص طوال الشهور الماضية، على تأمين مناطق استراتيجية أكثر أهمية بالنسبة إليه، تمتد على مساحات شاسعة في الأنبار من الحدود السورية والأردنية والسعودية، وصولاً إلى مناطق شمال كربلاء، وجنوب بغداد، وشمال غربي بابل، وتضم مناطق طريبيل وعكاشات والرطبة والنخيب، في أقصى غرب العراق، وصولاً إلى اليوسفية واللطيفية والاسكندرية وجرف الصخر والمسيب وسط البلاد.

لم يكن تحرك «داعش»، إلى الصحراء بديلاً عن مدن الفرات التقليدية بلا هدف، فالتنظيم يسيطر على مداخل العراق الاستراتيجية مع سورية والأردن والسعودية، وحيث ليس ثمة أهمية اقتصادية كبيرة في معابر الوليد (سورية) والنخيب (السعودية) فإن معبر طريبيل مع الأردن يشكل أهمية كبرى لـ «داعش» الذي سيطر على المعبر في 22 حزيران، لكنه انسحب بعد أيام، عندما أدرك أن سيطرته على المعبر ستكبده خسائر مالية كبيرة.

ما لا ينشر في وسائل الإعلام، ولا تعترف به السلطات في العراق وفي الأردن على حد سواء، أن هناك معبرين جديدين أقامهما «داعش» في منطقتي الرطبة (الطريق الدولي باتجاه بغداد) والنخيب (الطريق القديم باتجاه كربلاء)، يقومان باستيفاء ضرائب عن كل حركة التجارة بين العراق والأردن ومن ضمنها ناقلات النفط ومراقبة حركة المسافرين، وهذان المعبران مستقران تماماً ويصدران وصولات بالضرائب المستوفاة من حركة التجارة البرية، وهي تصل إلى ملايين الدولارات أسبوعياً.

لكن العامل الاقتصادي ليس الوحيد في لعبة الصحراء التي يجيدها «داعش»، فالسيطرة على هذه المنطقة الكبيرة، تتيح للتنظيم (في خاصية اختيار التوقيتات نفسها) أفضلية استراتيجية للاندفاع باتجاه محاصرة بغداد من ريفها الجنوبي، وتهديد كربلاء عبر حدودها الغربية والشمالية.

محيط بغداد

على الخريطة، يمكن القول إن «داعش» يحيط بغداد اليوم من جميع جهاتها، ولكن هذه الإحاطة ليست مستقرة.

فمن شرق بغداد حيث محافظة ديالى، تقع بلدات الخالص وهبهب وبني سعد ملاصقة لحدود بغداد الشرقية، فيما يمتد قضاء بلدروز الأكبر في ديالى على مساحة واسعة معقدة جغرافياً، ويرتبط جنوبه بحدود واسط وجنوب بغداد، فيما يمتد من شماله إلى بلدات جلولاء والسعدية التي تخضع لسيطرة «داعش» من حزيران الماضي.

الواقع أن بلدروز يشكل نمطاً جغرافياً مشابهاً لصحراء الأنبار لجهة تعقيده، ولهذا كان على الدوام، هدفاً نموذجياً لـ «داعش» الذي ينتشر بين قراه المتباعدة بين التلال الصخرية، وصولاً إلى البلدات الملاصقة لبغداد، متجنباً بعقوبة والعظيم والخالص التي تقع تحت السيطرة الرسمية العراقية.

تلك المناطق لن تكون مؤثرة كثيراً في معركة بغداد، فهي تجاور أكبر تجمعات سكانية شيعية في المدينة (الحسينية، الشعب، مدينة الصدر، العبيدي، الكمالية، بغداد الجديدة)، لكن قيمة هذه المنطقة أنها تشرف على سلسلة من أكبر الحقول النفطية غير المستخرجة في العراق إلى الشرق من بغداد.

في المقابل، تبدو بغداد مكشوفة أمام «داعش» من جهاتها الجنوبية والشمالية والغربية.

فإلى جنوب بغداد حيث تمتد مساحات شاسعة تربط مناطق اللطيفية وجرف الصخر واليوسفية بالمدائن وصولاً إلى العزيزية والصويرة شمال واسط، ثمة بيئة ديموغرافية وجغرافية أكثر هشاشة، حيث مناطق بغداد المحاذية مثل جسر ديالى وهور رجب وعرب جبور وصولاً إلى المحمودية والدورة، والمعالف، تمتد كمساحات إما زراعية أو صحراوية أو صناعية، تعقبها تجمعات سكانية سنّية في الغالب.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن السياسات التي انتهجت بعد عام 2003، مع السكان السنة في بغداد، لم تكن مغايرة لتلك التي واجهها سكان الموصل، وأن هذه السياسات عمقت مفهوم البيئة الاجتماعية الحاضنة «داعش»، حيث يمتلك التنظيم خلايا نائمة في معظم البيئات السنّية داخل بغداد وفي محيطها.

كان تنظيم «داعش» أجرى استعراضاً عسكرياً نادراً في بلدة أبو غريب (غرب بغداد) في نيسان (أبريل) من العام الحالي، أي قبل شهرين من احتلاله الموصل، ثم اختفى تماماً لاحقاً ولم تظهر له نشاطات في البلدة.

و «أبو غريب» حيث يقع السجن الشهير، ما زالت تقع داخل الحدود الإدارية لبغداد، على رغم ضمها إلى محافظة الأنبار في قرار لم يتم تنفيذه، وتعد النقطة الأكثر خطورة في مخطط «داعش»، حيث تحدها من الغرب مناطق خان ضاري وعامرية الفلوجة وصولاً إلى مدينة الفلوجة، وترتبط من الشرق بأحياء العامرية والخضراء، وحي الجهاد وكلها أصبحت اليوم أحياء سنّية مغلقة، تشرف على مطار بغداد الدولي وتصل امتداداتها إلى نهر دجلة حيث المنطقة الخضراء.

إلى الشمال من بغداد تبدو الخريطة أكثر تعقيداً، فمدينتا الكاظمية (الشيعية) والأعظمية (السنّية) تمتلكان امتدادات عميقة على المستويات السكانية والتاريخية والرمزية، وكلاهما تحدّ مناطق مفتوحة بعضها يشكل محيط بغداد الجغرافي، وآخر يشمل حدود محافظة صلاح الدين الجنوبية مثل التاجي والطارمية والمشاهدة وصولاً إلى الدجيل وبلد والضلوعية، وكل هذه المناطق تعد ساحة عمليات اليوم لتحركات «داعش» الذي يركز منذ شهور على احتلال بلدة «الضلوعية» كمعبر استراتيجي حصين، يشكل منطلقاً أساسياً لتهديد سامراء شمالاً وبغداد جنوباً.

في محيط بغداد لم تكتمل اليوم لدى «داعش» سوى 60 في المئة من حبات السبحة التي تمثل البلدات والقرى والمحيطة بها والمتداخلة معها، واكتمالها، يتطلب إسقاط كل الأهداف المحيطة ببغداد، مع الإبقاء على قدرة التنظيم على إشغال الخصوم بمعارك على بلدات وقرى بعيدة.

أما رأس السبحة فهو تفجير صراع طائفي صريح وكبير داخل بغداد نفسها يستثمر الاحتكاكات الخطيرة بين الميليشيات الشيعية وسنّة العاصمة.

خدمات تقدم إلى «داعش»

لم يكن البغدادي يحلم وهو يتأمل هذه الخرائط المعقدة، بأكثر من أن تقدم إليه هدايا تخدم مخطط حرب بغداد، وأولى تلك الهدايا هي نشر الميليشيات في مناطق الاحتكاك السنّية – الشيعية الحساسة سواء داخل بغداد أو في محيطها الجغرافي.

وتنتشر التشكيلات التي يطلق عليها اليوم «الحشد الشعبي» وأهمها، «سرايا السلام» بزعامة السيد مقتدى الصدر، و «عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، و «كتائب حزب الله» وكتائب أبو الفضل العباس» و «قوات بدر»، في مناطق مختلفة من بغداد، إضافة إلى محافظتي ديالى وصلاح الدين.

وتتركز «سرايا السلام» في مناطق جنوب بغداد، فيما «تتركز بدر» في محافظة ديالى، وتنتشر «كتائب حزب الله» وسط بغداد وشرقها، وتتوزع «عصائب اهل الحق» على جبهات مختلفة، لكنها في شكل واضح في مناطق غرب بغداد، وتشهد مدينة سامراء تجمعاً من كل تلك الفصائل.

على رغم أن الفصائل الشيعية المسلحة نجحت في إيقاف زخم تقدم «داعش» في عدد من الجبهات، وحققت تقدماً واضحاً في ديالى تحديداً، غير أن موقف السكان السنّة في بغداد منها ما زال سلبياً.

وبدا غريباً أن يتم اختيار ميليشيا «عصائب أهل الحق» للانتشار في مناطق غرب بغداد ذات الغالبية السنّية، بديلاً من «سرايا السلام» التي كان يمكن أن تكون أكثر قبولاً لدى السكان، بسبب مواقف الصدر نفسه.

في المجمل، إن الاستعانة بالميليشيات كانت حلاً اضطرارياً لإيقاف الانهيارات المهولة في الجيش العراقي، ولم يكن هناك بديل جاهز منها، خصوصاً أنها تضم مقاتلين مدربين خاض بعضهم معارك مشابهة في سورية.

لكن هذا الحل الاضطراري، يشكل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار، وهي قنبلة ينتظر البغدادي انفجارها منذ شهور عبر أعمال عنف طائفية تسود العاصمة، وهو يحاول إشعال فتيلها عبر التركيز على عمليات تفجير تستهدف أحياء شيعية على غرار تفجيرات الكاظمية الأخيرة، وسيستمر في تلك المحاولات لتهيئة الأجواء، قبل اللجوء إلى تهديد المراقد الشيعية المقدسة.

سوء التخطيط للعمليات والتخبط في توزيع القوى، وإهداء «داعش» مخازن هائلة للأسلحة والأعتدة بدل تدميرها، وعدم منح الثقة للسكان السنّة في بغداد لتخفيف الاحتقان داخل مناطقهم، وعدم الانتقال بالعمليات الرسمية إلى الهجوم لانتزاع عامل اختيار الزمان والمكان من مقاتلي البغدادي، كلها خدمات مجانية يستقبلها البغدادي، ويعيد إنتاجها في معاركه المقبلة.

الحياة

 

 

 

“راية” التحالف بين… الهلالين التركي والإيراني/ جورج سمعان

مدينة كوباني ليست فخاً لتركيا وحدها. بدأت تثير كماً من أسئلة لا أجوبة واضحة عنها. وغبار القتال الدائر في شوارعها طغى على كثير من الأحداث لكنه لم يغيّبها، عين العرب حاضرة في عين المواقف التي تتناول تركيبة التحالف الدولي – الإقليمي وخططه وأدوار أطرافه. ما يحكم مواقف هذه الأطراف هو غياب خريطة الطريق والأهداف الواحدة، ومآل هذه الحرب التي يتفق الجميع على أنها ليست الحل الوحيد، أو الأساسي للقضاء على الإرهاب. لذلك، تدور تحت سقف الطائرات وغاراتها في العراق وسورية حروب أخرى ترفع وتيرة الصراع المذهبي في المشرق العربي وشبه الجزيرة. وتنذر باتساع رقعة المواجهة الإقليمية بين إيران وخصومها، بخلاف الآمال التي أشاعها التغيير في بغداد، حيث يبدو أن قطار السيد حيدر العبادي توقف في العقبة. وصور الحرب المفتوحة بين «القواعد» والشيعة من صنعاء إلى البقاع وطرابلس تنذر بالمزيد، وربما كانت سبباً رئيسياً في إطالة أمد المواجهة مع «داعش» والإرهاب في الإقليم الذي قد ينزلق إلى حرب واسعة تكسر الاستعصاء المستحكم، وترغم الجميع على العودة إلى جادة السياسة والتسويات.

كوباني التي يجب إنقاذها ونصرة أهلها من سكاكين الهجمة الوحشية ليست سوى رأس جبل الجليد الذي يقف حجر عثرة في طريق التحالف. ما خلف هذا الجبل لا تعالجه الآلة العسكرية مهما عظمت. والدليل أن كل هذه الغارات والجبهات المفتوحة لم تحل دون تقدم «داعش» على الأرض في العراق وسورية، ولم يتوقف إمداد التنظيم بالشباب طوعاً أو كرهاً. والجدال الدائر بين تركيا والآخرين يجب أن يتجاوز الكلام على مسؤوليتها الأخلاقية عن إنقاذ المهددين بسيوف «الدولة الإسلامية». الحاجة ملحة إلى تحرك سياسي دولي وإقليمي يواكب الحملة العسكرية على الإرهاب… وإلا فلا شيء يرجى من هذه الحرب، بل قد تزداد عنفاً واتساعاً وتطول وتطول. حري بأطراف التحالف أن يناقشوا قبل توزيع المهمات التي وعد وزير الخارجية الأميركي جون كيري بإنجازها في الأسابيع المقبلة فتح الملفات السياسية ليحددوا الأهداف النهائية من هذه الحرب.

جميعهم تحدثوا عن الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الجماعات لكنهم لم يطرحوا حلولاً لمعالجتها وإزالتها لتكون الحرب الميدانية أكثر نجاعة في استئصال «داعش» وأخواته. وخير دليل ما يجري في العراق. حتى الآن لم يكمل حيدر العبادي تشكيلة حكومته. ينقصها الوزيران الأساسيان للداخلية والدفاع. ولم يفلح الأميركيون في التفاهم مع العشائر السنّية. وفكرة إنشاء قوات الحرس لكل محافظة لا تزال قيد الدرس. فيما «الخليفة أبو بكر» يسعى إلى مزيد من «الولايات». والقرى والنواحي القليلة التي حُررت من مقاتليه لم يعد إليها أهلها. يشكون من تغول الميليشيات و «قوات الحشد الشعبي» التي يتهمونها بممارسات مذهبية انتقامية، سعياً إلى تغيير معالم هذه المناطق ديموغرافياً! في ظل هذه المشاعر كيف يمكن التحالف إقناع أبناء العشائر السنّية بالانضمام إلى المعركة؟

لا يقتصر هذا الصراع المفتوح على الشارع العراقي، بل بدأ يتجاوز إلى مواقف الناس والحكومات، من اليمن إلى سورية ولبنان. وينذر بخطر تفاقم الصراع المذهبي في الإقليم. كأن الباب الذي فتح في بغداد لإعادة بعث السياسة أُعيد إقفاله سريعاً. الحرب الشيعية – السنّية تتسع. يتنامى سكوت الشارع السنّي عن الحركات الجهادية، وإن لم يتماهَ مع أفكارها وتشددها العقائدي ووحشيتها، ما دامت تأكل من رصيد إيران وحضورها وتأثيرها في العالم العربي. ففي اليمن أعلن «القاعدة» الذي ينتشر على مساحات في الجنوب وشرق الجنوب، الحرب على الحوثيين. وهي بلا شك ستستقطب مجاميع من السنّة الذين أغضبهم ويغضبهم ما فعله «أنصار الله» في صنعاء. ولن يكون بمقدور «الحراك الجنوبي» المتحالف مع عبدالملك الحوثي، أن يمسك بشؤون جنوب البلاد. ستكون المنطقة تحت قبضة «القاعدة» الذي لم تفلح الطائرات الأميركية والجيش اليمني في اقتلاعه. هذا الاختراق الإيراني لجنوب شبه الجزيرة لم يثر مخاوف أهل مجلس التعاون وغضبهم فحسب. الرئيس السوداني عمر البشير الذي تربطه علاقات جيدة مع طهران، وصف الحوثيين بأنهم أشد خطراً من «داعش»! وكان أقفل المؤسسات الثقافية للجمهورية الإسلامية في بلاده في خطوة سماها «استراتيجية وليست تمويهاً للخليجيين».

اليمن الذي يكاد يغيب عن جدول الأعمال الدولي صورة أخرى من صور الحرب المفتوحة في المنطقة التي تقلقها سياسة إيران في العالم العربي. كأن إمساك طهران بصنعاء ورقةٌ احترازية في مواجهة عودة الأميركيين إلى العراق، وما يمكن أن تقود إليه الحملة على «داعش» في سورية، وخطط أنقرة في هذا المجال. ولا جدال في أن الجمهورية الإسلامية – ومعها روسيا أيضاً – لا ترغب في رؤية مثل هذه العودة. لم تنحنِ تماماً أمام عاصفة «داعش» في العراق وإن قدمت بعض التنازلات. ما تخشاه أكثر ما يعد لسورية. هنا، لا يضع التحالف القضاء على مقاتلي «الدولة الإسلامية» هدفاً ملحاً ما داموا يستنزفون النظام. كما أن «حزب الله» الذي زج بعناصره في الميدان السوري سيضطر إلى إعادة النظر في حساباته بعدما نقل من يسميهم «التكفيريون» المعركة إلى حضنه وحواضنه. وبعدما بدأت الساحة اللبنانية تغلي استعداداً للأسوأ، من الجنوب الشرقي والبقاع إلى طرابلس شمالاً. وليس أسهل من اتساعها مع اتساع الصراع المكبوت بين تجمعات اللاجئين وبعض المكونات اللبنانية التي باتت تنظر إليهم مشروع حاضنة للجهاديين.

هذه الجبهات التي بدأ تسخينها ليست وحدها مصدر قلق لطهران وحلفائها. عملية «حزب الله» ضد دورية إسرائيلية تحمل جملة من الرسائل، لعل من أهمها التعبير عن قلقه من تمدد «جبهة النصرة» على طول الحدود في الجولان. أن تصبح هذه الحدود بيد فصائل المعارضة السورية يعني أن التماس بين إيران والدولة العبرية لن يعود قائماً، إذا أخذنا في الاعتبار أن الحدود في جنوب لبنان يحرسها المجتمع الدولي عبر قوات الأمم المتحدة.

وتبقى تركيا هاجساً كبيراً لإيران التي حذرتها من أي تدخل في سورية. بالطبع، ليس هذا التحذير ما يعوق أنقرة. وإذا حدث مثل هذا التدخل قد لا يكون أمام الجمهورية الإسلامية سوى الاندفاع إلى الساحة العراقية. وليس في وارد أي من اللاعبين انزلاق الأوضاع في المنطقة هذا المنزلق. قيل الكثير في أسباب إحجام تركيا عن التدخل لمنع سقوط كوباني: تريد الثأر من موقف حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي الذي هادن دمشق وخرج على تحالف المعارضة. وتخشى الانجرار إلى حرب مع «داعش» على مساحة واسعة من الحدود. وتخشى أيضاً خلايا نائمة في أراضيها لمجموعات إرهابية. ولا تريد تعزيز قدرات الكرد عموماً، خصوصاً عناصر حزب العمال. وكانت ولا تزال تنادي بمنطقة آمنة، وبأن يكون بين أهداف التحالف إسقاط نظام بشار الأسد. إلى كل ذلك تتنازعها رغبتان: لا تريد الخوض في هذا الصراع المذهبي في الإقليم، لأنها لا تريد المواجهة المباشرة مع إيران، ومن ثم مع وروسيا بعدما كانت حتى اليوم تنأى بنفسها عن هذا الصراع. من جهة أخرى لا تخفي مشاعرها حيال ما تعرض ويتعرض له أهل السنّة في كل من العراق وسورية. تسعى الى استعادة راية السنة في الاقليم، واستعادة هلال الاقليم من إيران وغيرها. ويتساءل المسؤولون الأتراك علناً عن هذه الهبّة الدولية لحماية كوباني وكردها، في حين يرتكب النظام في دمشق مجازر يومية في حق أحياء وقرًى سنّية ولا يحرك أحد ساكناً؟

في غياب استراتيجية واضحة للتحالف، لا ترغب تركيا في أن تزج بنفسها وحيدة في هذا الأتون. ولا يمكنها أن تجازف باجتياز الحدود مع سورية من دون غطاء دولي. ما الفرق بينها وبين ما فعلته وتفعله روسيا في أوكرانيا؟ هل تلتف وحدها على القانون الدولي وتجازف بحرب مع النظام في دمشق ومن وراءه؟ وترفض بالطبع اتهامها بأنها سهلت وصول كل أنواع المقاتلين إلى سورية وأنها مسؤولة عن هذا الوضع. موقفها تبدل الآن بعد انضمامها إلى التحالف. وتحسب اليوم ألف حساب للتعامل مع القوة الجديدة على حدودها، وما يمكن أن تشكله من تهديد مستقبلي لهذه الحدود. وترى أن من حقها السؤال هل قيام «داعش» مسؤوليتها وحدها؟ ماذا عن الولايات المتحدة التي تعامت ولا تزال تتعامى ومعظم شركائها الأوروبيين عن السياسة التي نهجتها حكومتا نوري المالكي في العراق، وتعامت وتتعامى عما يحصل في سورية؟ وماذا عن مسؤولية إيران التي لا تنفك إلى اليوم تعتمد سياسة «التغول والتمكين» في كل أرجاء العالم العربي؟ لماذا لا يتحرك أقطاب التحالف لوقف ما يحدث في اليمن؟ لماذا لا يوقف القتل والتدمير والتهجير في سورية؟

موقف تركيا لا يلتقي مع موقف أميركا. وليست وحدها في هذا الموقف. تشاركها فرنسا والأطراف العربية في التحالف. لكل من هذه الأطراف نظرته وحساباته الخاصة. ولا يستبعد أن يعيد بعض المنخرطين فيه النظر في مشاركتهم ما لم توضع خطة واضحة تحدد الأهداف النهائية من هذه الحرب عسكرياً وسياسياً، خصوصاً في الساحة السورية. الأمر الذي سيهدد تماسكه. وليس سراً أن واشنطن لا ترغب في مشروع حرب لإطاحة الرئيس الأسد. تحاذر أن يجر ذلك إلى إطاحة رهانها الطويل على تسوية ديبلوماسية للملف النووي الإيراني. ليس هذا فحسب، بل تنظر إدارة الرئيس باراك أوباما إلى الفصائل السورية المقاتلة على الأرض فتجد أن الفصائل المعتدلة هي الأضعف. وهي تراهن اليوم على أن تدفع التطورات في المسرح الشامي إيران وحلفاءها وروسيا إلى استعجال تسوية سياسية ربما بات أهل النظام في دمشق مستعدين لها في ضوء الخيبات والخسائر الكبيرة التي أصابتهم وتصيبهم.

الحياة

 

 

 

 

 

ذبّاحون… وعراة/ غسان شربل

ملأت كلمة «داعش» الدنيا وشغلت الناس. احتلت الشاشات والصفحات الأولى واستولت على المقالات. تسللت إلى مكاتب أصحاب القرار في المنطقة والعالم. شغلت الحاكم ومستشاريه وجنرالاته. منذ عقود لم تُثِر كلمة واحدة هذا القدر من الذُّعر. دول تتحسّس أطرافها. وأقليات تتحسّس أعناقها.

لم يسبق لكلمة واحدة أن دخلت وبمثل هذه السرعة إلى كل مكان. حضرت فجأة في المكتب البيضاوي وأرغمت الرئيس الهارب على العودة إلى الشرق الأوسط. حضرت أيضاً في مكاتب أصحاب القرار في باريس ولندن وبرلين وطهران وعواصم أخرى كثيرة. غرق العالم في سؤالين متلازمين: ماذا يفعل «داعش»؟ وماذا سنفعل بـ «داعش»؟

لو كان أسامة بن لادن حياً لشعر بالغيرة من البغدادي. قدرة «الخليفة» على الترويج والتسويق والترويع فاقت كل أساتذته. احتاج اسم «القاعدة» إلى ارتكابات كثيرة ليحتل الصدارة. ثمة فارق بين التخفي في أفغانستان وباكستان وإعلان دولة تمتد من بلاد العباسيين إلى بلاد الأمويين. ومَنْ يدري فقد يذكر التاريخ أن غزوات الموصل والرقة وكوباني كانت أشدّ وقعاً وهَوْلاً من «غزوتي نيويورك وواشنطن».

غيَّر تنظيم «داعش» الحسابات والأولويات. ها نحن نرى تحالفاً دولياً- عربياً يضم عشرات الدول تشارك طائراته في حرب على التنظيم. وها نحن نسمع أن هذه الحرب قد تستغرق سنوات أو عقوداً، وأنها تحتاج إلى الصبر والتكيُّف والتنسيق. ونسمع أيضاً سيناريوات كثيرة، وأن ما بعد «داعش» ليس كما قبله. وأن الخرائط تحتاج إلى جراحات في داخلها إذا أرادت الاحتفاظ بما كانت عليه قبل إطلالة التنظيم، وأن على المكوّنات تجرُّع سمّ التعايش ومتطلباته إن هي أرادت النجاة من سم «داعش».

«داعش» تنظيم رهيب، شديد الخطورة. التعايش معه مستحيل، والحل الوحيد هو استئصاله. لكن عملية الاستئصال هذه تحتاج إلى قراءة حقيقية لما حدث ويحدث. ثمة محاولة للإيحاء بأن المشاكل الفعلية بدأت مع إطلالة «داعش» وبسببها، وهذا غير صحيح على الإطلاق.

قبل استيلاء «داعش» على الموصل في 10 حزيران (يونيو) الماضي كان العراق متجهاً نحو مزيد من التفكُّك. تدهور مستمر في العلاقات الشيعية- السنية وتدهور واضح في العلاقات بين بغداد وأربيل. كشفت مناورات ما بعد الانتخابات الأخيرة هشاشة المؤسسات العراقية، وكشفت غزوة الموصل فضيحة إعادة بناء الجيش العراقي. وقبل إعلان «دولة الخلافة» كان التفكُّك السوري واضحاً للعيان، وكانت أرقام القتلى والنازحين ترشّح الأزمة السورية لدخول موسوعة «غينيس». وقبل أن يشغل «داعش» المنطقة والعالم كان الانحدار اللبناني خياراً راسخاً في بلاد الأرز.

أُصيبت الطبقة السياسية العراقية بالذُّعر من استيلاء «داعش» على مساحات واسعة من البلاد. استنجَدَت بالجيش ذاته الذي كانت ابتهجت بانتهاء احتلاله أراضيها. دفع القائد العام نوري المالكي ثمن انهيار فرق من الجيش أمام «داعش». تخيّلنا للوهلة الأولى أن الشعور بالخطر الذي يشكّله «داعش» سيدفع السياسيين العراقيين إلى استخلاص العِبَر والعودة سريعاً إلى الشراكة بعد سنوات من الشراهة. اخطأنا في الحساب. إذا استثنينا غارات التحالف على مواقع «داعش» والدعم العسكري فإن شيئاً لم يتغيّر. كيف تربح دولة الحرب على «داعش» إذا كانت عاجزة عن تعيين وزيرين، الأول للدفاع والثاني للداخلية. هذا فظيع.

وكما في العراق كذلك في سورية. هجاء شديد لـ «داعش» والفكر التكفيري والمؤامرة ومموّليها. لم نسمع مثلاً أن الكتائب المعتدلة في المعارضة السورية وحّدت قوّاتها. لم نسمع أن النظام الذي يراقب غارات تُشنّ على أرض بلاده من دون استئذانه، أقدم على مبادرة ولو محدودة. لم نسمعه مثلاً يقول إنه مستعد لوقف النار مع المعارضة غير التكفيرية وإنه مستعد لنقل صلاحيات جدّية إلى رئيس حكومة ذات تمثيل فعلي لمختلف المكونات. هذا فظيع.

وكذلك في لبنان. مشاهد مريعة ومعيبة. بلد يشكِّل اللاجئون السوريون ما يقرب من ثلث سكانه. وتتسرب النار عبر حدوده وداخل بعض مدنه. بلد لم يبقَ من وحدته إلا جيشه، وهو مهدَّد، وعلى رغم ذلك يستمر مسلسل احتقار اللبنانيين. منطق الشراهة يحول دون انتخاب رئيس للجمهورية، ويضاعف هشاشة الحكومة. هجاء عنيف لـ «داعش» والتكفيريين واستمتاع ساديّ برؤية القصر بلا رئيس. هذا فظيع.

كشفت إطلالة «داعش» عمق أزمتنا. أزمة علاقتنا بتاريخنا وحاضرنا. أزمة علاقتنا بالآخر في مجتمعنا. أزمة علاقتنا بفكرة الدولة والمؤسسات. كشفت الأزمة كم نحن عراة أمام نهج الذبّاحين. وعلى رغم ذلك نتغطى بهجاء «داعش» ولا نستكمل حكومة في بغداد ولا نُطلق مبادرة في دمشق ولا ننتخب رئيساً في بيروت. نهجو «داعش» ونواصل انحدارنا فيما تدور على أرضنا حرب يمكن اعتبار الغموض أحد جنرالاتها.

الحياة

 

 

 

تركيا في سوريا كما دمشق في لبنان! تلازم ضرب النظام و”داعش” الشرط المربك/ روزانا بومنصف

تابع المراقبون والمتابعون باهتمام الاسبوع الماضي عملية الأخذ والرد المتوترة بين الولايات المتحدة وتركيا على خلفية اصرار واشنطن على ضرورة تدخل تركيا من اجل انقاذ مدينة كوباني الكردية في الجانب السوري القريب من الحدود مع تركيا من هجوم لتنظيم الدولة الاسلامية يهدد بتهجيرها كلياً والسيطرة عليها وذلك انطلاقاً من حاجة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم الى مواكبة ميدانية على الارض. وبغض النظر عن المسألة الانسانية المتعلقة بضرورة انقاذ كوباني او الحسابات التركية سلباً او ايجاباً المتصلة بذلك، راقب هؤلاء باهتمام الجدل حول المطالب التي رفعتها تركيا أقله في الشق المتعلق بالمطالب العلنية كشرط من اجل مساهمتها العملية في الدفاع عن كوباني والتي اختصرتها بثلاثة هي حسم مسألة رحيل او اسقاط نظام الاسد واقامة منطقة عازلة على الحدود مع تركيا تؤمن لجوء الاكراد واللاجئين السوريين اليها وفرض منطقة حظر طيران فوق هذه المنطقة.

كثير من محطات الحرب في العراق او في سوريا تذكر المراقبين بزمن الحرب في لبنان والتدخلات الاقليمية والدولية فيها. ولذا اهتم كثر بمتابعة ما اذا كان الاصرار الاميركي على التدخل التركي سيكون مماثلاً لبدايات الحرب اللبنانية حين احتاجت الولايات المتحدة الى من “يضبط” وقع التطورات الدرامية اللبنانية الفلسطينية والتي كانت انطلقت بمساهمة فاعلة من النظام السوري يومئذ فاوكلت واشنطن الى النظام السوري التصرف بالوضع اللبناني من ضمن ضوابط محددة غالباً ما تجاوزها النظام السوري لقدرته على التلاعب بمكونات هذا الوضع الى ان استتبت له الوصاية على لبنان بعد عقود من انخراطه في حرب داخلية ضد جميع الطوائف قبل ان يسحب قواته اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وثورة غالبية اللبنانيين ضده. واذ لا يجوز التقليل من أهمية المصالح التركية في سوريا ان بالنسبة الى تحجيم الاكراد السوريين او بالنسبة الى منع داعش من تهديد الحدود التركية، وهي ذرائع مماثلة لتلك التي استخدمها النظام السوري قبل الحرب وخلالها وبعدها للتدخل في لبنان في اي وقت، فانه بدا لافتاً بالنسبة الى هؤلاء المراقبين عدم ايلاء واشنطن أي أهمية للتحذيرات الايرانية لتركيا من التدخل في سوريا والتي بدت مشابهة مقارنة بموضوع لبنان مطلع الحرب بالاحتجاج الاسرائيلي على التدخل السوري فيه والذي كان حصل على موافقة اسرائيلية وقتذاك خصوصاً اذا كانت تركيا ستساهم في وضع حد لداعش فقط كما كانت سوريا ستضع حدا للمنظمات الفلسطينية في لبنان.

الا ان عدم التجاوب الاميركي مع المطالب التركية شكل مؤشراً متزايداً بالنسبة الى هؤلاء المراقبين الى جملة أمور وتساؤلات من بينها: أولاً اذا كانت تركيا تشترط على واشنطن حسم اسقاط نظام الاسد من اجل ان تقدم مساهمتها في الدفاع عن كوباني، فعلى اي اساس اشتركت دول عربية اساسية في الغارات ضمن التحالف الدولي على تنظيم الدولة الاسلامية وهل ثمة ضمانات تلقتها بمنع استفادة النظام من هذه الضربات لمصلحته ام لا استناداً الى ان الشرط التركي باسقاط الاسد لا يوحي بوجود هذا البند على الطاولة في السياق الراهن للامور على الاقل، فضلاً عن ان النظام يحاول من خلال توجيه ضربات عسكرية الى مناطق المعارضة ان يوحي انه جزء من التحالف ويعمل بهديه او ان العكس هو الصحيح وفق منطقه. فالشرط التركي لهذه الجهة يكشف الدول العربية ويحرجها من زاوية ان الولايات المتحدة فرضت أولوية وقف تقدم داعش على سائر الاولويات الاخرى، بالتوازي مع تظهير وجود اختلاف لا يزال قائماً بين الفريق الواحد اي التحالف الدولي المضاد لبشار الاسد وحلفائه على طبيعة النهايات او الحلول المرجوة ومداها. فتركيا لا تريد ان ترمي بنفسها في وحول ازمة سورية مستعرة من دون ضمانات بوجود استراتيجية خروج من الازمة او نهاية لها فيما أيدت فرنسا التي لا تشارك الولايات المتحدة غاراتها على مواقع تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا سعي تركيا الى اقامة منطقة عازلة، الامر الذي أظهر أكثر فأكثر غياب استراتيجية ابعد من محاولة التخلص من داعش راهناً وتقييد قدرتها في سوريا من اجل ضمان نجاح تقييدها في العراق.

ثانياً ان الضمانات التي قدمتها واشنطن لكل من ايران وروسيا بعدم استهداف مواقع النظام السوري او مراكزه لا يعتقد المراقبون انها يمكن ان تؤمن الضغط اللازم من اجل دفع هؤلاء الى القبول بحل سياسي مقدار ما يوحي بان استهداف تنظيم الدولة الاسلامية قد يخدم النظام وحلفاءه ويقوي موقع هذا الفريق اكثر خصوصاً ان دعم المعارضة المعتدلة لا يسير بالزخم الكافي لاضعاف النظام. فخلال ثلاث سنوات ونصف السنة من عمر الازمة السورية راعت الولايات المتحدة روسيا ومصالحها في سوريا الى حد كبير في هذه الازمة كما راعت ايران من منطلق سعيها الى اتفاق حول الملف النووي الايراني وعدم استفزاز ايران بما يمكن ان يضر بالمفاوضات حول هذا الملف. وتالياً فإن الاصرار الاميركي على تركيا للتدخل انما هو من اجل هدف محدد يتصل بوقف تقدم داعش ومواجهته لكن من دون وجود استراتيجية بعيدة المدى نحو تغيير جذري في المعادلة السورية الداخلية بحيث يؤدي الى حل او يسمح بالوصول اليه اقله في المدى المنظور. وهي امور مقلقة جنباً الى جنب مع اعلان واشنطن ان الحرب طويلة ضد داعش قد تستغرق سنوات.

النهار

 

 

 

لماذا تسكت تركيا؟/ عبد الرحمن الراشد

القوة المؤثرة القادرة فعلا على إسقاط النظام السوري، ومحاصرة الجماعات المتطرفة في سوريا، والقادرة على دعم النظام العراقي وحماية إقليم كردستان العراق، هي تركيا. مع هذا امتنع الأتراك عن فعل شيء مهم، وبسبب ذلك بقي نظام الأسد يعيث ويقتل على مدى أكثر من 3 سنوات، وانتشرت الجماعات المتطرفة، وبقي ظهر إقليم كردستان عاريا بلا حماية.

فلماذا ترفض أنقرة أن تلعب دورا حاسما، وتترك الساحة للآخرين؟

هل تخشى من التورط العسكري؟

سوريا على حدودها، وما يجري هناك يمس أمن تركيا أكثر من السعودية والخليج وإيران، ومع هذا فإنها أكثر ترددا، حتى إن إيران أرسلت قوات من الحرس الثوري يقاتلون في صفوف نظام الأسد، ويقومون بتزويده بكل شيء من المال والمدافع والخبز، أما الحكومة التركية فإن دعمها حذر ومحدود، فتحت الحدود للمقاتلين مع شيء من الرعاية السياسية والعسكرية.

فقط انحازت أنقرة سياسيا مع الثورة السورية، لكنها عطلت قدرتها العسكرية الضخمة عن التدخل، تاركة الجارة المهمة مسرحا للقوى الإقليمية والكبرى يلعبون على حساب السوريين وعلى حساب مصالح تركيا. ولو أن الأتراك نفذوا وعيدهم المتكرر، وساعدوا على إسقاط نظام الأسد، لأصبحت أنقرة العاصمة التي تدار منها الحلول المستقبلية، بدلا من الفوضى التي نراها اليوم. ولا يستطيع بلد أن ينازع تركيا هذا الحق، حق التدخل، بحكم الجيرة، فهي أكبر الدول المجاورة، والأقرب للأغلبية السنية، والأقرب أيضا للأقلية العلوية، عدا عن الرابطين التاريخي والاقتصادي.

لا ينقص الأتراك الذريعة للتدخل، بل سيجدون دعما دوليا كبيرا، وشعبية واسعة في العالم الإسلامي. لقد تحرش النظام السوري بتركيا عدة مرات، وقصف أراضيها، وأسقط لها طائرة، واختطف ناشطين سوريين من داخل أراضيها، وقتل مواطنين أتراكا على أراض سورية. هل هناك محظور قانوني يردعها؟ الولايات المتحدة ردت على دمشق، التي وصفت نشاط التحالف العسكري في أجوائها، بأنها خرق للسيادة، قائلة إنه لم يعد هناك نظام له شرعية في سوريا، ومن حق أي دولة الدفاع عن مواطنيها في حال عجزت السلطة المحلية عن بسط نفوذها. تدخلت بعد قتل رهائن أميركيين وبريطانيين، واعتبرته مبررا كافيا لملاحقة الجماعات المسلحة، دون الحاجة إلى موافقة السلطات السورية، أو إذن من مجلس الأمن.

لقد خيبت تركيا آمال ملايين السوريين الذين رفعوا العلم التركي منذ بداية الثورة، آملين أن تنجدهم حكومة أنقرة، وأحبطت مشاعر ملايين العرب الغاضبين الذين صاروا يتطلعون لدعم فرنسا وبريطانيا، بعد أن أصبحت الوعود التركية بلا معنى. وقد استغل الإيرانيون هذا العجز التركي وفضحوه عربيا، حيث قام بالتشهير بالأتراك حسين أمير عبد اللهيان، الذي قال إن الحكومة الإيرانية حذرت الحكومة التركية من أي تواجد عسكري بري في سوريا، ومن أي عمل يؤدي إلى تغيير جذري في سوريا!

ما قيمة تركيا العسكرية إذا كانت لا تستطيع أن تنجد شعبا ذبح منه ربع مليون إنسان؟ لماذا تكون عضوا في حلف الناتو الغربي وتشاركه التوازن الاستراتيجي ضد الروس وهي تعجز عن حسم نزاع إقليمي على حدودها؟ لماذا تسكت على تدخل الإيرانيين الصارخ في سوريا وهي أقوى وأكبر وأقرب جغرافيا؟ تركيا التي أدبت في التسعينات الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، عندما أخافته بتحريك بضع دبابات باتجاه المنفذ الحدودي السوري باب الهوى، وسارع الأب الأسد بعدها إلى تسليم المعارض التركي المطلوب عبد الله أوجلان. الآن يموت آلاف السوريين الأبرياء، ويقتل عشرات الأتراك، وأنقرة تكتفي بالتهديدات الكلامية.

اعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط” ومدير عام قناة العربيّة

الشرق الأوسط

 

 

 

شريك مجهول يحمي نظام الأسد؟/ سركيس نعوم

أكَّد صديق عزيز قريب من “حزب الله” ومن نظام الرئيس السوري أن الأخير صمد في وجه الثورة التي قامت عليه، وانه سينتصر في النهاية إذ لا حل من دونه. ثم تساءل (تساؤل العارف ربما) عن شريك مجهول للنظام المذكور سيتولى مستقبلاً “إخراج” الحل للأزمة – الحرب السورية بموافقة الأسد واستمراره في السلطة. وفي النهاية اعترف الصديق العزيز بجميل إيران وابنها اللبناني “حزب الله”، وروسيا الاتحادية والصين إذ مكّنوا حليفهم الأسد من الصمود في قسم واسع من بلاده ومن الاستمرار في الهجمات الناجحة على الثائرين عليه.

طبعاً حاول الصديق المشار إليه الإيحاء أن أميركا هي الشريك المجهول لأسد سوريا، ودعا إلى البحث العميق للتأكد من ذلك. فهل تأكيده هذا في محله؟

لا شك في أنه يستند في تأكيده إلى جملة معطيات لا يمكن التقليل من أهميتها أبرزها الآتي:

1 – إمتناع الإدارة الأميركية برئاسة أوباما عن تزويد المعارضة السورية وخصوصاً بعد تحولها ثورة مسلحة، وبعد تكوّن ما سمّي “الجيش السوري الحر” إثر فرار عشرات الآلاف من جنود الجيش النظامي وضباطه، ما تحتاج إليه من سلاح وتدريب.

2 – إمتناع الإدارة الأميركية عن الضغط على الدول الحليفة لها في المنطقة المؤيدة للثورة ولإسقاط الأسد ونظامه، وأبرزها تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، لكي توحّد “تدخُّلها” في سوريا، أي لكي توحِّد فصائل الثوار، وتساعدها على تشكيل قيادة سياسية واحدة لها في الداخل وقيادة مماثلة في الخارج. وسمح ذلك للدول المذكورة بالعمل منفردة مع الثوار وبالتنافس على “تشغيلهم” لتنفيذ “أجندة” كل منها. وامتناع الإدارة أيضاً عن “إقناع” الدول الحليفة نفسها بأنها لن تتدخّل عسكرياً وبأن تدخلاً كهذا يفترض أن تقوم به هي، لأن الشعوب العربية والمسلمة لم تعد تقبل جيوشاً مسيحية (صليبية) على أراضيها، وإن لمساعدتها، جراء انتشار الأفكار الأصولية المتشددة.

3 – إمتناع الإدارة الأميركية عن إعطاء الضوء الأخضر لإقامة منطقة حظر طيران داخل سوريا آمنة رغم المطالبات العربية والتركية بها منذ بداية الثورة. وهو يتكرر الآن بعد تكرار تركيا المطالبة. وأعطى ذلك انطباعاً أن أميركا لا تستهدف نظام الأسد بل “داعش” والإرهابيين فقط.

4 – تفضيل الإدارة الأميركية تسوية سياسية للأزمة – الحرب السورية. وأظهرت ذلك بتفاهمها مع روسيا التي وجدت لها مخرجاً من التورط العسكري هو الأسلحة الكيميائية السورية ثم “إعلان جنيف – 1” ومؤتمر جنيف – 2. والموقف الاميركي لا يزال من دون تغيير.

5 – تبادل المعلومات الاستخبارية عن الإرهابيين في سوريا والعراق وربما خارجهما بين الأسد وواشنطن، وحرص الأخيرة على عدم استهداف قوات الاول وآلته العسكرية شرط عدم استغلاله الغارات الجوية “للتحالف الدولي” على “داعش” و”النصرة” وأمثالهما لتعزيز مواقعه.

لكن لا شك أيضاً في أن تأكيد الصديق العزيز يستند إلى تمنيات في رأي المناهضين لموقفه من أحداث سوريا. فتركيا حليفة أميركا والعضو في حلف شمال الأطلسي ونقطة الارتكاز المهمة في مكافحة الإرهاب في سوريا تصر على إسقاط الأسد وعلى إقامة منطقة حظر طيران آمنة وعلى رفض كيان كردي داخل سوريا. والمملكة العربية السعودية وقطر وغالبية العالم العربي والإسلامي السنّي تريد إنهاء نظام الأسد. وعدم التجاوب معها في الحد الأدنى يعرض “التحالف” إلى الإخفاق وربما يفرض على دوله الكبرى إرسال جيوش برية رغم رفضها ذلك. فضلاً عن أنه قد يؤلب العالم السنّي كله على أميركا. ولا بد أن يشجع ذلك التيارات المتشددة وتنظيماتها. أليس هذا ما حصل بعد التردُّد الأميركي الدولي في سوريا؟ وألم تكن “النصرة” و”داعش” من نتاج الغضب العربي – الاسلامي من عدم الاهتمام الأميركي؟

في اختصار، هناك دول لا تمانع في استمرار الأسد مثل إسرائيل وحتى مثل الأردن الذي لا يريد مشكلات في بلاده. لكن ذلك صار أمراً صعباً. أما الأمر الأكثر سهولة – أميركياً – فهو إضعاف التنظيمات المتطرفة الإرهابية وتقوية الأخرى المعتدلة ومنع الأسد من الإفادة من ذلك، ومن ثم إدارة تقسيم واقعي على الأرض والتعامل مع الأسد كزعيم أقلية وليس كنظام ريثما يأتي وقت الحلول.

طبعاً ليس هذا الكلام دفاعاً عن أحد أو ضد أحد، فالدول الكبرى لا يؤمَن جانبها إجمالاً.

النهار

 

 

 

طهران: خذوا الأسد واتركوا النظام!/ راجح الخوري

غريب… إذا كان سقوط نظام بشار الاسد يمثل تهديداً لأمن اسرائيل كما قال مساعد وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان، فمن المفترض ان تعمل ايران على إسقاطه قبل المعارضة السورية، انطلاقاً من طروحاتها انها تحارب الكيان الصهيوني وتريد اقتلاعه، فلماذا هذا الحرص على أمن اسرائيل؟!

وغريب ان يقفز عبد اللهيان فوق ثلاثة عقود من الشعارات التي طالما صوّرت الاسد على أنه حليف أساسي ومهم في “محور المقاومة”، وانه يهدد اسرائيل ويتصدى للحلول الإستسلامية التي تحاول اميركا فرضها على الفلسطينيين والعرب، وفجأة أصبح سقوطه يهدد أمن اسرائيل!

عبد اللهيان يقول: “ان حدوث التغيير السياسي في سوريا ستترتب عليه تبعات كثيرة، وأننا قمنا بنقل هذه الرسالة بصورة جيدة الى اميركا، واذا كان من المقرر ان تجري سياسة تغيير النظام السوري عبر أداة مكافحة الإرهاب، فان الكيان الصهيوني لن ينعم بالأمن”، ولكأنه يعتبر ان هذا النظام يضمن أمن اسرائيل، ثم لماذا الحرص الايراني على هذا الأمن؟!

غريب ايضاً ان تبلغ ايران المستكبرين الاميركيين بموقفها، ولكأنها تريد استدعاء اسرائيل بطريقة غير مباشرة، للضغط على واشنطن لمنعها من العمل على اسقاط النظام السوري، ومعلوم ان طهران سارعت الى مضاعفة دعمها للنظام السوري، بعدما اعلنت واشنطن انها قررت دعم “الجيش السوري الحر” ورصدت لهذا الأمر نصف مليار دولار.

واضح ان القلق الإيراني بلغ مداه الأقصى حيال ما يبدو حتمية سقوط النظام السوري، وخصوصاً في ظل الإقتراب النسبي الاميركي – الأوروبي من مطالبة تركيا بالمنطقة العازلة وضرورة إسقاط الاسد مع “داعش”، لكن ليس من الواضح ماذا يمكن ان تفعل ايران للحيلولة دون خسارتها سوريا بعد ثلاثة عقود ونيف شكّل نظام الاسد خلالها قاعدة الجسر الايراني للوصول الى شاطئ المتوسط، ولمنافسة العرب في تبني القضية الفلسطينية، عبر “حزب الله” في لبنان وقطاع غزة الذي ينزلق من يدها الآن.

فعندما يقول عبد اللهيان: “ان ايران ستتخذ أي اجراء في اطار القانون الدولي لدعم حلفائها… وان تغيير النظام السوري بذريعة مكافحة “داعش” سيرتب عواقب وخيمة على التحالف واميركا والصهاينة”، يبدو كمن يلوّح بالتدخل بشكل أوسع في سوريا، وهذا يعني ان ايران قد تدخل في مواجهة مع تركيا المدعوة الى التدخل البري انطلاقاً من كوباني، والتي تريد إسقاط الاسد قبل “داعش”.

طهران تقدم رأس الاسد شرط بقاء النظام: “نحن لا نريد ان يبقى الاسد الى الأبد، لكننا لن نسمح بإطاحة الحكومة السورية ومحور المقاومة”، هذه خيارات مُرّة بين أن تتوسع “داعش” في سوريا والعراق، او أن يتهاوى النظام مخلّفاً تداعيات تؤلم ايران إقليمياً.

النهار

 

 

 

 

إيران “وأمن إسرائيل”: النظام ورقة طهران/ روزانا بومنصف

استأثر الجانب المتعلق باعلان نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان عن تبادل بلاده رسائل مع واشنطن في شأن مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية بأهمية طغت على الشق الآخر من تصريحه الذي قال فيه ان بلاده حذرت الولايات المتحدة من ان امن اسرائيل سيكون في خطر في حال سعت واشنطن مع حلفائها الى اطاحة بشار الاسد تحت مسمى الجماعات المتطرفة. فالشق الاول من هذا الموقف جديد من حيث الكشف عن حصوله فيما لا يزال ينفيه الاميركيون ربما تحت ذريعة عدم الرغبة في الاعلان عن التنسيق مع ايران الشيعية من اجل مواجهة جماعات سنية في العراق وسوريا. اما الموقف المتعلق بربط امن اسرائيل ببقاء الاسد فهو اعاد التذكير بموقف لابن خال بشار الاسد رامي مخلوف في الاشهر الاولى بعد انطلاق الانتفاضة الشعبية ضد النظام وبدء اهتزاز سيطرة النظام على قرى وبلدات سورية حين ربط استقرار اسرائيل باستقرار النظام في حديث ادلى به الى صحيفة النيويورك تايمس. واذ يتعذر على النظام اللجوء الى هذا المنطق الذي اثار وقتها الكثير من الجدل لجهة ما عناه من ضمان اسرائيل بقاء الاسد وسقوط الذرائع التي كان يتحصن بها النظام لاشاعة التمحور في ما يسمى محور الممانعة والمقاومة، بدا لافتا استخدام ايران المنطق نفسه كثابتة من ثوابت السياسة الخارجية لهذا المحور في الدفاع عن النظام وربط استمراره باسرائيل ومحاولة اغراء الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص التي تعتبر امن اسرائيل وسلامها اولوية الاولويات في المنطقة بضرورة المحافظة على بقاء الاسد في السلطة. والموقف الايراني اذ يتم التوقف عند رمزيته، فانما يشدد على اعطاء الانطباع اكثر فاكثر بان ايران ممسكة بورقة النظام وببقائه وهي تقف في موقف من يدعم ورقته هو في الوقت نفسه من خلال استخدام الذريعة التي لطالما خدمت “فائدة” نظام الاسد بالنسبة الى الغرب.

خلال هذه السنوات الثلاث من عمر الازمة في سوريا غدا اكثر سهولة بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية الكشف ان الاسد استمد احد مقومات بقائه من عدم رغبة اسرائيلية في رحيله، اذ ان اسرائيل لم تظهر حماسة ابدا لاندفاع الغرب نحو مد المعارضة السورية بالاسلحة التي تسمح لها بالتغلب على الرئيس السوري. وهي باتت اكثر راحة لاستمراره في موقعه الذي اشترى تمديدا عمليا له من خلال تسليم اسلحته الكيميائية والتخلي عنها الى الدول الغربية بعد الاتفاق الاميركي الروسي الذي قضى بوقف استعداد الولايات المتحدة لتوجيه ضربة عسكرية للنظام اثر تخطيه خطا احمر وضعه الرئيس الاميركي لاستخدام النظام اسلحة كيميائية ضد شعبه . وتاليا اسرائيل لا تمانع في بقائه رئيسا ضعيفا لا يملك القدرة على اعادة السيطرة على المدن والمناطق التي فقدها . ومع انه لم يزعجها مرة في الجولان الذي تحتله منذ اربعة عقود فانها ستكون في حل من البحث في ابقائه لوقت طويل جدا ما دامت سوريا مدمّرة ومفكّكة. ومصلحة اسرائيل ببقاء النظام تتلاقى في هذا الاطار مع مصلحة ايران مع فارق ان الاخيرة متورطة ماديا وعسكريا في سوريا دفاعا عن النظام على نحو يستنزفها فضلا عن مواجهة الدول العربية والغرب على هذا الاساس وعن توريط “حزب الله” في الدفاع ميدانيا ايضا عن النظام. كما تتلاقى مع جملة مصالح دولية واقليمية لخصوم متناقضين في الشأن السوري لا يرون، لاسباب واهداف مختلفة تعود لكل واحد منهم، ضرورة ماسّة لاحداث اي تغيير جوهري في الواقع السوري راهنا ويفضلون بقاء الستاتيكو الحالي.

النهار

 

 

 

باراك أوباما، مخيِّب الآمال/ آرون ديفيد ميلر

جميع الرؤساء يُخيّبون الآمال. فهذا جزء من المنصب، انطلاقاً من الآمال غير المنطقية التي يعقدها الأميركيون على رؤسائهم، والصراع الداخلي، والاختلاف بين الحملة الانتخابية والحكم.

إذاً ليس باراك أوباما أول رئيس يفشل في تلبية التوقّعات – ولن يكون الأخير. لكنه بات يجسّد أمراً آخر أيضاً: المخاطر والمتاعب التي تُرافق محاولة تحقيق العظمة في الرئاسة في غياب الأزمة التي تساعد الرئيس على بلوغ العظمة، وكذلك في ظل افتقاره إلى الشخصية والقدرات اللازمة.

فبعد مقارنة أوباما في البداية بأبراهام لينكولن وفرانكلين روزفلت وجون ف. كينيدي، تراجع كثيراً إلى درجة أن الصحافيين باتوا يتساءلون إن لم يكن من الأنسب مقارنته بجيمي كارتر.

لقد بدا الرئيس في معظم الأحيان في حالة حرب مع نفسه لتحديد إلى أي مدى يريد أن يكون طموحاً، سواء في مسألة التغير المناخي أو الإصلاح الضريبي أو حجم التحفيز المالي. وهذا الصراع الشخصي جعله يجد صعوبة كبيرة في التصالح مع الرأي العام. ليس أوباما بطبيعته حزبياً أو شعبوياً أو ثورياً. بل يحبّذ التوفيق والتسويات، والتحليل المنطقي للسياسات. قد تكون هذه الخصال مفيدة في ظروف كثيرة، لكنها لا تجعل من الشخص رئيساً تحوّلياً.

لا شك في أن أوباما يرغب في تحقيق إنجازات كبيرة؛ لكن ذلك يقتضي من القائد أن يرى العالم بوضوح على ما هو عليه قبل أن يحاول قولبته من جديد كما يريده هو أن يكون.

سعى أوباما إلى تحقيق العظمة لكنه خيّب آمال كثر ممّن صوّتوا له مرة أو حتى مرتين لأنهم أرادوا من صميم قلبهم أن يصدّقوا؛ أولئك الذين اعتقدوا أنه سيضع حداً للانقسام الحزبي ويحدث تغييراً في واشنطن لكنه عجز عن ذلك؛ أولئك الذين صدّقوا أنه سيتمكّن من إحداث تحوّل في البلاد والسياسة الخارجية الأميركية أيضاً، إلا أنه فشل في ذلك؛ وأولئك الذين اعتقدوا أنه سيكون رئيس أحلامهم على غرار كينيدي.

كي يتمكّن الرؤساء من تحقيق العظمة، كما فعل جورج واشنطن ولينكولن وروزفلت، يجب أن تتوافر ثلاثة عناصر: أزمة تلحق تهديداً خطيراً بالبلاد لفترة طويلة، ما يُهيئ الساحة لتغيير تاريخي؛ والقدرة على استخراج بعض التغييرات التحوّلية الطويلة المدى من تلك الأزمة من خلال الدهاء السياسي والإقناع وعقد الصفقات مع الكونغرس؛ والتمتّع بالشخصية اللازمة من أجل قيادة فاعلة.

كانت الأزمة التي واجهها أوباما – الركود الناجم عن القطاعَين المالي والسكني – حادة بما يكفي إلى درجة أنه لم يستطع إنهاءها بسهولة أو بسرعة، لكنها لم تثقل كاهل البلاد بطريقة كارثية، ولم تمكّنه تالياً من ترويض السياسة في واشنطن كما فعل لينكولن أو فرانكلين روزفلت. قال ثيودور روزفلت: “لو عاش لينكولن في زمن السلم، لما سمع أحد باسمه”.

أما في ما يتعلق بقدرات أوباما في الحكم، فهو لم يتمتّع بالسيطرة الحزبية التي تؤمّنها الأكثريات الكبيرة في الكونغرس، كما كانت حال روزفلت وجونسون، كما أنه لم يتمكّن من تحقيق ثنائية حزبية ناجحة مع الجمهوريين. أبرز إنجازات أوباما التشريعية “قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة” لعام 2010، وقد يُنظَر إليه في السنوات المقبلة بأنه إنجاز معنوي واقتصادي. لكن التعقيدات والالتباسات كثيرة إلى درجة أنه لا يمكن تصنيفه الآن في خانة الإنجازات التي تحدث تحوّلاً.

المصدر: “الواشنطن بوست” – ترجمة نسرين ناضر

النهار

 

 

 

اوباما يدشن «الدولة الكردية» على انقاض العراق؟

رأي القدس

تتوالى الانتكاسات الامنية لقوات الحكومة العراقية امام تنظيم «الدولة الاسلامية» او «داعش» في محافظة الانبار، وكان اخرها امس سقوط معسكر «هيت»، حتى ان مجلس المحافظة طلب رسميا من التحالف تدخلا بريا لتفادي سقوطها. وحسب رئيس المجلس صباح كرحوت فان ضعف الدعم الحكومي يتصدر اسباب الانهيار الامني، الذي أدى الى نزوح نحو مليون ونصف المليون من ابناء الانبار الى محافظات اخرى.

ويبدو واضحا ان تركيز «داعش» على الانبار يستهدف احكام الحصار على بغداد سعيا الى الاستيلاء عليها، واعلانها عاصمة للخلافة. وهو ما تدعمه انباء اكدت ان قوات التنظيم كادت ان تحتل مطار بغداد مؤخرا، وانها اصبحت على مسافة ثمانية اميال فقط من ضواحي المدينة.

وبينما تتدهور الاوضاع بشكل متسارع في غرب العراق ووسطه، المح رئيس هيئة الاركان الامريكية الجنرال مارتن ديمبسي الى احتمال حدوث «تدخل بري لتحرير الموصل»، مع اقراره بأن «تعقيدات كثيرة تكتنف هذا القرار»، وهو ما يثير اسئلة بشأن الاهداف الحقيقية للتحالف في ظل التركيز على الشمال العراقي الذي سيؤدي الى تحصين «مشروع الدولة» في اقليم كردستان، واهمال الانبار التي هي اكبر المحافظات العراقية، بل وأكثر أهمية حيث يمكن ان تكون منفذا للسيطرة على بغداد.

وبكلمات اخرى هل تهدف «استراتيجية اوباما»، التي مثلت اساسا لانشاء التحالف، الى اضعاف داعش وانقاذ العراق منه؟ ام «تدشين الدولة الكردية» عمليا عبر تحييد الاخطار التي تواجهها باستمرار سيطرة داعش على الموصل؟

ومن الجدير هنا تذكر ان اوباما لم يغير موقفه الرافض للتدخل عسكريا في العراق، الا عندما وصلت قوات داعش الى ابواب اربيل في شهر اب / اغسطس الماضي، ما اكد ما تمثله كـ «عاصمة للدولة الكردية»، من اهمية استراتيجية للولايات المتحدة.

ويكشف التجاهل الامريكي لنداءات الاستغاثة التي اطلقها سكان مدينة عين العرب او كوباني السورية، حقيقة ان دوافع تدخلهم السريع في شمال العراق، لم تكن قط لـ «حماية الاقلية الكردية»، بل لحماية « مشروع الدولة الكردية» التي يعتبر البعض انها ستكون بمثابة «اسرائيل جديدة» في موقع بالغ الاهمية من الناحية الاستراتيجية كرأس جسر على الحدود الايرانية ومنابع النفط، خاصة بعد احتلال البيشمركة للآبار الغنية في كركوك، مستغلين انهزام الجيش العراقي امام داعش.

ولايخفي مسؤولون اكراد اصرارهم على اقامة «الدولة»، حتى ان النائب شوان قلادزي اكد قبل يومين ان اعلانها بات «قريبا جدا». فهل تنم هذه السياسة الامريكية عن قناعة بأن العراق كما نعرفه قد انتهى عمليا، ولم يعد ممكنا انقاذه، وبالتالي فان الرهان على «الدولة الكردية» اصبح خيارا استراتيجيا، للحفاظ على مصالح واشنطن الحيوية في الاقليم؟

الواقع ان ثمة تعقيدات وحسابات خاطئة من كافة الاطراف اصبحت تخدم داعش، بالرغم مما يتعرض له من غارات، لم تمنعه من حشد عشرة آلاف من مقاتليه للزحف نحو بغداد حسب ما نشرته صحيفة «الصانداي تلغراف».

وتصر الحكومة العراقية على انها «لا تحتاج الى قوات برية على الارض لمواجهة داعش بل الى اجهزة واسلحة حديثة» حسب تصريحات وزير الخارجية ابراهيم الجعفري امس. لكن الواقع يشير بوضوح الى ان الجيش العراقي قد انهار عمليا، ولعل الاتجاه الى انشاء «الحرس الوطني» يؤكد «ان العراق يحتاج جيشا جديدا، بعد ان اصبح الجيش الحالي غير قابل للاصلاح» حسبما نصح خبراء عسكريون.

في الوقت نفسه، تعاني الولايات المتحدة تخبطا واضحا في قيادتها للتحالف، وهو ما بدا في نفي انقرة امس لما اعلنته ادارة اوباما قبل يومين عن موافقتها على استخدام قاعدة انجيرليك في الغارات، وهو ما يؤكد مجددا ان تركيا تفضل وجود داعش على حدودها سواء في سوريا او العراق، على قيام دولة كردية في تصادم للاجندات والمصالح مع واشنطن.

وحتى اشعار آخر، تبدو المحصلة ان تدخل واشنطن يدفع باتجاه تدشين «دولة كردية» على انقاض العراق، سواء عن قصد او سوء تخطيط او تخبط، وكأن ما عاناه العراقيون من عواقب غزو اجرامي امريكي في العام 2003 لم يكن كافيا. ولكن هذا الخطأ الاستراتيجي قد لايكون بدون ثمن.

القدس العربي

 

 

 

حب الأكراد المستجد!/ حازم صاغية

فيما مدينة كوباني (عين عرب) محاصَرة ومنتهَكَة، تتجاهل دول المنطقة ودول العالم مأساتها بسلوك يجمع بين الخفة وانعدام الأخلاق، تبدأ قصة حب غير مألوف للأكراد. أما المحبون الذين يدبجون رسائل الغرام هذه المرة، فهم الممانعون إياهم.

فالأكراد، وفقاً للوَلَه المستجد، هم الذين يقفون في وجه تنظيمٍ «فبركته أميركا وتركيا وبلدان الخليج»، فيما لا ينجدهم التحالف الدولي الذي تتحكم به رغبات إمبريالية- شيطانية، كما يحاصرهم «العثماني الجديد» رجب طيب أردوغان، فلا يكتفي بعدم إنجادهم بل يذهب أبعد، قاتلاً متظاهريهم المحتجين في مدن بلاده نفسها. والأكراد أيضاً هم الذين حالفوا النظام السوري وحالفهم، فسلمهم المناطق التي انسحبت منها قواته في شمال سورية الشرقي.

لكنْ، وما دام أن الواقع يؤتى من زوايا مختلفة ومستويات متباينة، فإن ما قد يكون صحيحاً في الوصف السابق ينفيه وصف آخر لا يوافق الهوى المستجد، فالأكراد الذين بات الممانعون يحبونهم هم الذين حرم البعث السوري الكثيرين منهم حق الجنسية لعقود مديدة، وهم الذين تخلى حافظ الأسد، قبيل رحيله، عن زعيمهم في تركيا عبد الله أوجلان، فكان ذلك مقدمة لاصطياده وإيداعه السجن الذي لا يزال قابعاً فيه. وهم أيضاً الذين جرد البعث العراقي عليهم حملة الأنفال ولم يتورع عن قصفهم، في حلبجة، بالسلاح الكيماوي. أما إيران، شيخة الممانعة والممانعين، فيشكو الأكراد فيها القهر والتهميش اللذين تشكوهما باقي الأقليات العرقية والدينية في ذاك البلد. ولا ينسى أكرادها اغتيال المخابرات الإيرانية زعيمَهم عبد الرحمن قاسملو في فيينا عام 1989.

وأهم من ذلك كله، أن الأكراد الذين تحبهم الممانعة اليوم هم الذين يقيمون، بحسب الأدبيات الممانعة نفسها، دويلة في شمال العراق هي تعريفاً عميلة لأميركا ومتحالفة مع إسرائيل للتآمر معها ضد العرب وضد عروبة العراق. وهم، في معرض التحريض عليهم، مَن كانوا، مرتين على الأقل، ضالعين في المشاريع والمخططات الأميركية الكبرى، مرة بعد حرب تحرير الكويت في 1991 حين ولدت منطقة حكمهم الذاتي، ومرة بعد حرب العراق في 2003 حين استقرت تلك المنطقة وكُرست. وطبعاً فإن أميركا الشيطانة لا تعين إلا الشياطين.

وأن يكون الكردي الخائن هو الكردي المحبوب فذاك حب رخيص في ابتذاله وانتقائيته. لكن ذلك لا يشذ عن طريقة في التحكم بالعواطف وإعادة تدويرها لدى من أوشكوا على أن يحبوا أميركا نفسها، يوم تراءى لهم أنها تحجز مقعدين لإيران وسورية في تحالفها الجديد.

وهذا في عمومه نفاق من نوع ذاك النفاق الذي يشيع أصحابه إياهم أنهم مولعون بالجيش اللبناني لأن أفراده يُقتلون أو يُخطفون على أيدي خصومهم. وهذا علماً بأن الجيش المذكور تبوأ لديهم بعض أهم «مناصب» الفئوية والانعزالية والعمالة.

وهو نفاق لا يتفرد به الممانعون ولا يحتكرونه، إذ النذالة التركية الأخيرة ظاهرة واسعة ومعممة في منطقة تأبى إنتاج موقف تاريخي واحد من الأكراد يعلو فوق السياسة وتحالفاتها، فيما مشاريعها القومية والعسكرية، وهي في غالبها مشاريع مجهضة وبالغة الكلفة، لا تتقاطع إلا عند تسويغ العدوان على الأكراد. وما الحب الأخير الذي تبديه الممانعة لهم سوى آخر تجليات الظاهرة هذه وأكثرها وقاحة.

الحياة

 

 

أية أثمان ستدفعها الشعوب العربية؟/ خالد غزال

لا تزال الأسئلة مطروحة بإلحاح عن التحالف الدولي الذي جرى تشكيله بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وهي اسئلة تتراوح عن حجم المبالغة في تصوير حجم الإرهاب ومخاطره العالمية، مما يستدعي استنفار دول العالم للانضمام الى التحالف. كما تطاول الأسئلة الأهداف المباشرة والخفية من حرب تتجند لها قوى إقليمية ودول لا صلة لها بالأصل في محاربة الإرهاب، لتصل الأسئلة الى الأثمان التي ستدفعها الشعوب العربية لقاء هذا التجييش غير المسبوق.

من المعروف ان أحداً لا يخوض حرباً مجانية لطرد قوى تشكل خطراً على بلد ما، فوراء كل تدخل تكمن أهداف واضحة وثمن يجب ان يدفعه البلد المهدد أمنه والمستعين بالخارج لنجدته. بما ان التحالف الدولي يقدم نفسه منقذاً للشعوب العربية من الإرهاب والتطرف، فمن البديهي ان هذه الشعوب ستدفع أثماناً متعددة المشارب. الثمن الأول يتصل بالكلفة المادية لهذه الحرب التي يبشرنا الاميركيون بأنها قد تمتد لثلاث سنوات وأكثر، وأن الكلفة الأولية لها لن تقل عن ستمئة مليار دولار. لم يعد خافياً ان هذه الحرب ستقع كلفتها على البلدان العربية خصوصاً منها ذات الثروات النفطية، وهي كلفة ستكون على حساب تنمية هذه الشعوب. كما ان هذا المبلغ الذي سيزداد بالتأكيد يستنزف الموارد الاحتياطية لبلدان الخليج، والتي يصعب تعويضها في فترة زمنية غير بعيدة.

الثمن الثاني الذي سيدفع يتمثل بالتدمير الهائل الذي سيصيب ما تبقى من بنى تحتية في أكثر من بلد عربي، وان كان سيقتصر الآن على العراق وسورية. وقد بدأت طلائع هذا التدمير تظهر من خلال القصف الجوي لمواقع مؤسسات في كلا البلدين. يخفي التدمير الممنهج سياسة غربية معروفة بأن هذا التدمير مقدمة لإعمار مقبل ستقوم به الشركات الأجنبية، الأميركية منها والأوروبية، ناهيك عن امتيازات في الثروات النفطية. هذه السياسة ليست جديدة على الولايات المتحدة الأميركية وجيوشها، ففي العام 1991، وخلال حرب الخليج الأولى، وبعد هزيمة الجيش العراقي، قام الطيران الأميركي بعملية تدمير ممنهج لمصافي النفط ومحطات التكرير في الكويت وتدمير آبار النفط، وهي كلها كانت في حالة سليمة قبل قصفها. الأمر نفسه تكرر في ليبيا عند اندلاع الانتفاضة عام 2011.

الثمن الثالث يتصل بمخططات تطاول اقتسام المنطقة واحتلال اقسام من بلدان معينة، وقد بدأت تباشير هذا التوجه بالشروط التي تضعها تركيا للانخراط في الحرب، ومنها ما تضمره باستعادة أقسام من العراق خصوصاً الموصل وأقسام من سورية على الأخص منطقة حلب، حيث تدعي تركيا ان هذه المناطق كانت تركية في الأصل وأجبرت على التخلي عنها في الربع الأول من القرن العشرين. وليس مستبعداً ان تستجيب واشنطن في هذا المجال. يعلن الأتراك صراحة انهم لن يتدخلوا لإنقاذ المناطق الكردية اذا لم تلبَ مطالبهم في المناطق الآمنية ومعها الهيمنة على أقسام من الجغراقيا المجاورة.

ما يثير القلق في الحرب الجارية هو انبعاث تلك النظرية الأميركية التي انطلقت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج في العقد الأخير من القرن العشرين، والتي أطلق عليها «الفوضى البناءة»، وجرت استعادتها على لسان وزيرة الخارجية الاميركية عام 2006 خلال حرب تموز في لبنان وسميت بـ «الفوضى الخلاقة». تقوم النظرية على منطق تدمير المجتمعات العربية وخلط أوراق القوى السياسية، يقوم على انقاضه بناء كيانات سياسية وفق قواعد مختلفة عما كان سائداً، وعلى انقاض التركيبات السياسية القائمة تقوم كيانات جديدة على رأسها قوى اجتماعية واقتصادية وسياسية تتوافق والتوجهات العالمية لتركيب البلدان على أسس ديموقراطية تكفل حقوق المجموعات المتواجدة وحقوق الإنسان في الآن نفسه. وهي نظرية لم تكن بلا تطبيق على مدار العقدين السابقين، ولكنها لم تنتج سوى تدمير وتخريب من دون ان يتحقق اي بند من بنود الديموقراطية الموعودة.

لا يخفى على المتابع للحروب الأميركية، ان أميركا تحتاج كل عقد من الزمن الى حرب لتصريف مخزون من السلاح يعتبر بالنسبة الى قياداتها العسكرية بأن الزمن تقادم عليه. كما ان الحرب ضرورة لاختبار أنواع جديدة من الأسلحة تكون مصانع السلاح قد انتجتها. وأخيراً تمثل الحرب لدى الشركات الأميركية مناسبة لتوظيف قوى عاملة جديدة واستخدام خبرات تقنية عالية.

* كاتب لبناني

الحياة

 

 

 

طموحات إيران والردّ السعودي/ موناليزا فريحة

التراشق بالاتهامات اللاذعة بين الرياض وطهران يناقض الاجواء المتفائلة باختراق ممكن في العلاقات بين الدولتين اللدودتين، بعد لقاء وزيري خارجيتهما في نيويورك. وهو يعكس ريبة متبادلة راسخة لم يبددها تعاون موضعي في العراق أتاح ازاحة نوري المالكي، وتاليا يبدو أن البناء على هذا التعاون تعثر في ظل المخططات التوسعية لايران من سوريا والعراق ولبنان وصولا الى اليمن.

ليست خطط ايران في المنطقة طارئة في أي حال، غير أن تحركاتها الراهنة ، قولا أو فعلاً، مباشرة أو بالواسطة، قد تعكس مخاوفها من تغيرات محتملة في سوريا، على رغم تطمينات واشنطن الى أن حرب الائتلاف الدولي على “الدولة الاسلامية” لا تستهدف بشار الاسد، حليف طهران.

الضغوط الغربية على تركيا للتدخل ضد “الدولة الاسلامية” في سوريا تقلق طهران. وتزيدها قلقاً مطالبة تركيا باقامة منطقة عازلة في شمال سوريا منطقة وحظر للطيران. تخشى أن يتطور ذلك الى اطاحة بشار الاسد، وهو طلب أساسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

من الواضح أن خوف ايران جدي على النظام في دمشق، وهي تاليا تتحرك في أكثر من اتجاه للتحذير من المس بحليفها. فقد أقر نائب وزير الخارجية الايراني للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان بأن بلاده ناقشت للمرة الاولى مع واشنطن موضوع “الدولة الاسلامية”، وهو ما كانت ترفضه سابقاً بحجة وجوب معالجة الملف النووي أولاً. أما العملية التي نفذها “حزب الله” في تلال كفرشوبا ضد دورية اسرائيلية، فلم تكن مسألة تعزيز للردع لاسرائيل فحسب أو اظهار قدرة الحزب على القتال على أكثر من جبهة.انها أيضاً رسالة في نقاش أوسع بين ايران من جهة وخصومها الاقليميين وواشنطن من جهة أخرى، دونما اعتبار للعواقب المحتملة لهذه اللعبة الخطرة على لبنان.

من الواضح أن طهران ماضية في استراتيجية ابقاء نظام الاسد في السلطة بالغا ما بلغ الثمن. وتوحي رسائلها بأنها لن تقبل الا بتجيير المكاسب المفترضة على حساب “داعش” لمصلحة الاسد، وهو ما لا يمكن أن تقبل به السعودية ولا اية دولة عربية أخرى تشارك في الائتلاف.

خطط ايران لا تقتصر على سوريا ولبنان.ففي العراق حيث تخلت عن المالكي، تسعى الى انشاء سلطات رديفة تدين لها بالولاء. وقد ألقى تقرير لـ”فورين – توليسي” الضوء على اكثر من 50 ميليشيا شيعية يرتبط أكثرها بصلات ايديولوجية وتنظيمية عميقة مع الجمهورية الاسلامية. تنظيمات كهذه قادرة على القضاء على ما تبقى من فكرة هيبة الحكومة في بغداد، وتشكل تحدياً جدياً للجهود المبذولة للعمل مع حكومة عراقية شاملة لمواجهة “داعش”. أما في اليمن فباتت ايران حاضرة لا في “الانقلابات” العسكرية فحسب، وإنما صارت شريكا اساسيا في تسمية رئيس الوزراء.

النهار

 

 

التحالف يقصف… “داعش” يتقدم!/ راجح الخوري

في ٨ آب الماضي بدأت اميركا غاراتها الجوية على الموصل، وقبل اربعة اسابيع باشر التحالف الدولي عملياته الجوية ضد مواقع “داعش” في سوريا والعراق، وعلى رغم البيانات التي تتحدث عن تدمير المواقع وغيرها يواصل الارهابيون تقدمهم على كل الجبهات!

ليس من المتوقع ان يحسّن اجتماع رؤساء اركان جيوش التحالف الذي عقد امس في قاعدة اندروز الجوية الاميركية من الواقع الميداني فينهي وتيرة الفشل والقصور عن وقف تقدم “داعش”، والدليل ان اميركا لا تريد تغيير قواعد الاشتباك في حرب “يا ربي تجي في عينو”!

يكفي ان نقرأ كلام مارتن ديمبسي قبل اجتماعه مع ضيوفه العسكريين، لنتأكد ان واشنطن ليست مستعجلة لوضع استراتيجية توزع الأدوار، فهو يقول: “حتى الآن لم يحصل ميدانياً اي تطور يدلّ على ان وجود قوات اميركية على الأرض كان سيجعل الضربات الجوية اكثر فاعلية”!

لم يحصل شيء؟

ولكن ماذا عن كوباني التي تذبح، ويقول جون كيري انها “لا تمثّل هدفاً استراتيجياً” لأميركا بينما يرى تشاك هيغل “انها تمثّل مشكلة صعبة”، في حين تحوّلت موضع مساومات فظّة مع تركيا، التي تريد اقتلاع “داعش” والأسد في وقت واحد، لكن واشنطن تستمهل الخلاص من الأسد بانتظار احياء صيغة “جنيف -١” للانتقال السياسي!

ثم ماذا عن بغداد بعدما كشفت واشنطن ان مطارها كاد ان يسقط في يد “داعش” لولا تدخل مروحيات الأباتشي، والتي يقول هيغل انها محمية في حين يبعث مسؤولون عراقيون بنداءات استغاثة الى واشنطن لترسل بسرعة قوات برية لحمايتها؟

وهل بالغت “الصنداي تلغراف” باعتبارها استغاثة يائسة لأن واشنطن لن تستجيب، فها هو ديمبسي يوحي بأنه لن يرسل قوات اميركية الى الأرض قبل المعركة الحاسمة في الموصل، التي قال جون آلن ان استعادتها تحتاج الى سنة؟

سقوط معسكر هيت امس بعدما انسحب الجيش العراقي منه يؤكد مخاوف رئيس مجلس محافظة الأنبار صباح كرحوت من ان إكمال “داعش” السيطرة على الأنبار سيفتح الطريق امام الإرهابيين الى بغداد وقد باتوا على تخومها! ولمزيد من الضياع اعلنت واشنطن ان انقرة سمحت للجيش الأميركي بإستعمال منشآتها وخصوصاً قاعدة انجرليك لشن غارات على “داعش”، فسارعت تركيا الى النفي، بما يؤكّد انها لن تدخل في التحالف إلا اذا ضمنت اقامة المنطقة العازلة واسقاط الاسد و”داعش”… وان في وسعها الانتظار والتفرج على كوباني المدينة الكردية وهي تذبح!

ربما كان على ديمبسي ان يوجّه الدعوة الى نالين عفرين قائدة “وحدات حماية المرأة” التي تواجه “داعش” في كوباني ببسالة مدهشة منذ شهر، واضعة اصبعاً في الزناد واصبعاً في عين التحالف الدولي!

النهار

 

 

توقُّع غير المُتوَقَّع”… من “داعش”/ عبد الوهاب بدرخان

“تم نزع فتيل التفجير في طرابلس… كل من في طرابلس يعرف أن المعتدين على الجيش لا علاقة لهم بالمدينة… طرابلس لن تصطدم بالجيش اللبناني… هناك امتداد لـ “حزب الله” يريد توريط الجيش في الشمال… وهناك قائمة بالأسماء المتورّطة”… تلك عيّنة مما يقال للتطمين بأن الوضع في عاصمة الشمال على ما يرام باستثناء بعض “التضخيم الاعلامي”! خصوصاً إعلام “حزب الله” الذي يواصل الإيحاء بأنه يعرف عما يعتمل في العالم السفلي لطرابلس أكثر مما يعرفه أبناء المدينة، لكنه ينكشف حين يتمنّى تكرار سيناريو صيدا في طرابلس. الواقع أنه يجب “توقّع غير المتوقّع”، كما يقال، فالوباء “الداعشي”، مثل رديفه “ايبولا”، يعدي خلسةً وسريعاً مهما تكثّفت الوقاية. واذا كان قائد الجيش يتحدث عن “خلايا نائمة” فمن شأن ذلك أن يقلق الجميع.

كان السياسيّون السنّة العراقيون ينبّهون الى خطورة “داعش” في مناطقهم لكنهم لم يتوقّعوا أن يجتاحها كما فعل، فصاروا مهجّرين قسراً حتى لو كانوا أعضاء في الحكومة. قد يختلف الأمر في لبنان، لكن مضت عليه أعوام كثيرة وهو، في وضعه الموبوء سياسياً وطائفياً، يدور في دوامة ايران و”حزب الله” وبحثهما الدائب عن استثمار هيمنة مصطنعة لن تدوم ولن تجدي، لكنها تدفع دفعاً بالمزيد من الشبان الى تطرف يقابل تطرفهما. غير أن اللبنانيين جميعاً يشعرون بأن بلدهم مُصادَر، ويخدع نفسه كل من يعتقد، مثل العماد ميشال عون، أنهم راضون بذلك. في “ذكرى 13 تشرين” تحدث الجنرال عن الأزمات (شغور الرئاسة، النازحون السوريون، العسكريون المأسورون وابتزاز الارهابيين للحكومة). وعندما سأل “لماذا وصلنا الى هذه الحال؟” أعطى إجابة سياسية ترضي حليفه (“حزب الله”) ولا تقنع سوى جمهوره. نقترح إجابة مختلفة: وصلنا الى هذه الحال لأن عون أصبح في وادٍ و”ذكرى 13 تشرين” في وادٍ آخر.

خذوا عيّنة أخرى: “يجب عدم الاستخفاف بظاهرة الهروب من الجيش والمطلوب بيئة حاضنة لأفراد الجيش… ليس مقبولاً تضخيم ظاهرة فرار العسكريين من الجيش، فمن المعروف أن هناك بيئات حاضنة لهؤلاء (أي الارهابيين)”… لم يستطع اثنان من السياسيين أن يوضحا ما إذا كانت المسألة جديرة بالاهتمام أم إنها فردية ومعزولة. أربعة أو خمسة أشخاص لا يصنعون ظاهرة، لكن الكلام الذي يبررون به “انشقاقهم” هو المقلق، لا لأنه يقال بصيغة “النصرة” أو “داعش” بل لأنه منسوخ من النقاش اللبناني الداخلي. وحدهم أبناء “البيئة” المفترضة كانوا واضحين ومؤثّرين: فعائلة الجندي عبدالله شحادة اجتمعت لتقول إنها تحتضن الجيش، ومنذ زمن طويل لا خيار لها سواه، حتى لو كان “الهارب” أو “المنشقّ” ابنها. كانت أكثر اقناعاً من جميع السياسيين.

النهار

 

 

 

 

مجلس حرب أميركي لمواجهة طويلة تتجاوز عين العرب/ وسام متى

نصف العراق وثلث سوريا أرض معركة عنوانها «داعش»

يبدو أن الحرب الاميركية في الوطن العربي قد باتت على أعتاب مرحلة جديدة، أذن لها بالأمس مجلس الحرب الذي عقده الرئيس الاميركي باراك اوباما مع قادة جيوش «التحالف الدولي» في واشنطن، لبحث السيناريوهات العسكرية المستقبلية، بما يشمل خيار التدخل البرّي… أو بمعنى اصح عودة الاحتلال!

هي مرحلة جديدة من شأنها أن تحسم الجدل بشأن الفرضيات القائلة بأن التدخل العسكري ضد تنظيم «داعش» في سوريا والعراق سيستغرق سنوات طويلة قد تشهد نكسات، بشهادة اوباما نفسه، في وقت يقترب شعار «الدولة الإسلامية باقية وتتمدد» الذي يرفعه التنظيم المتشدد من أن يصبح حقيقة ثابتة، بعدما راحت عصاباته التكفيرية تدق ابواب بغداد وحلب، بما تحمله هاتان المدينتان من رمزية لـ«دولة الخلافة» التي صارت مساحتها توازي نصف العراق وثلث سوريا.

وفي موازاة اجتماع الحرب الاميركي، الذي يملي فيه باراك اوباما على قادة جيوش العالم، بما في ذلك لبنان، خريطة العمليات العسكرية للمرحلة الجديدة من الحملة العسكرية ضد «داعش» ـ او ربما عبر «داعش» ـ فإنّ خطط العمليات قد تخفي وراءها خريطة طريق سياسية يجري الإعداد لها في مراكز القرار الدولية والإقليمية، يمكن استشرافها من التطورات السياسية والميدانية الاخيرة مع مرور ثلاثة اسابيع على بدء الضربات الجوية على سوريا ـ وهي ضربات اميركية بنسبة 90 في المئة وفقاً لإحصاءات البنتاغون ـ واكثر من شهرين على بدء الغارات في العراق.

وفي وقت ترتسم ملامح الخريطة الجديدة، من نينوى والأنبار وبغداد شرقاً، مروراً بدير الزور والحسكة والرقة وحلب، وصولاً إلى محور شبعا ـ عرسال غرباً، يبدو ان ثمة قراراً اتخذه العرب بالإجماع في هذه المعركة المصيرية، وهو الغياب.

ومن أبرز مظاهر هذا الغياب أن الطبقة السياسية في لبنان تخوض مناورات استعراضية تنذر بفراغ دستوري، رئاسي وبرلماني، فيما التنظيمات الارهابية تعبث على الحدود وفي الداخل وتحتجز اكثر من 30 عسكرياً، و«حكومة وحدة وطنية» في العراق ما زال اقطابها مختلفين على وزارتي الداخلية والدفاع فيما العصابات التكفيرية على بعد اميال قليلة من بغداد، واطراف متناحرة في سوريا ما زالت ترفض الاعتراف بالواقع الجديد، وتأبى تقديم تنازلات متبادلة من شأنها أن توقف النزيف المستمر منذ اكثر من ثلاث سنوات.

وعلى تخوم نيران الجحيم «الداعشي»، يعمد عرب «التحالف الدولي» الخليجيون، إلى تجديد الصراع مع ايران، من سوريا والعراق وصولاً إلى اليمن، وها هم اليوم مختلفون على مقاربة موحدة ازاء الوحش التكفيري، فيما فرضت التحديات الامنية، على المحور الممتد بين الصحراء الليبية وشبه جزيرة سيناء، تحييد مصر، بما تمثله من ثقل جيوسياسي تاريخي، عن المعركة الجارية في المشرق العربي، في وقت تخوض قيادتها معركة مصيرية للحفاظ على آخر الدول العربية تماسكاً، واعادة بناء ما هدّمته التجربة «الاخوانية».

اما «العثمانية الجديدة»، الممثلة برجب طيب اردوغان، فتبدو مصّرة على استخدام كل الاسلحة، تمهيداً لاقامة مناطق عازلة في شمال سوريا وسهل نينوى وكركوك، ولتصفية الحسابات مع الاكراد من بوابة عين العرب (كوباني) السورية، التي يدخل صمود اهلها أمام هجمة العصابات التكفيرية شهره الثاني، والتي باتت النقطة التي اجتمعت عندها كل التعقيدات، وسقطت على جبهاتها الثلاث كل الاقنعة، وتم فيها الفرز بين الصديق والعدو، حتى في الوسط الكردي نفسه، حيث يبدو التناغم الاميركي التركي واضحاً في مسألة المنطقة العازلة، كمقدمة لرسم خطوط تقسيمية جديدة في الوطن العربي، فيما الصديق المشترك للطرفين، مسعود البرزاني، يعطي صك براءة لأردوغان «متفهماً» موقفه من عين العرب، ومسقطاً عنه تهمة دعم «داعش»، ليناقض بذلك وجهة نظر كردية أخرى ومؤثرة، ممثلة بـ«حزب العمال الكردستاني» الذي عاد مجدداً إلى دائرة الاستهداف التركي، على خلفية ما يجري في عين العرب، وهو ما تبدّى بالأمس في الغارات التي نفذتها المقاتلات على مقاتليه العائدين من جبال قنديل الى الداخل التركي المشتعل بالتظاهرات.

ووسط ذلك كله، ما زالت فلسطين متروكة لمصيرها، وقد أدار الكل لها ظهره، فيما يواجه أبناؤها منفردين مشاريع جديدة – قديمة، كلها يصب في المجرى الصهيوني، بدءاً بمخططات الاستيطان والتهويد التي ينتهجها الاحتلال الاسرائيلي – وآخر فصولها تمرير 2160 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية قبل اسبوعين – وصولاً إلى شروط المانحين الدوليين، الذين ربطوا اعادة اعمار غزة بتقدم مفاوضات التسوية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية «حتى لا تذهب الاموال هباءً»، وهو ما ردده اكثر من مسؤول دولي خلال المؤتمر الاخير الذي انعقد في القاهرة الاحد الماضي.

اجتماع التحالف

اجتماع الحرب الاميركي، الذي انعقد في قاعدة اندروز الجوية قرب واشنطن، أراده رئيس اركان الجيوش الاميركية مارتن ديمبسي اجتماعاً استثنائياً، يستهدف تحديد الاستراتيجية المستقبلية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي تفيد المعطيات الميدانية بأنه لم يتأثر حتى الآن بالضربات الجوية ( 266 غارة حتى نهاية الاسبوع الماضي، بكلفة نحو 62 مليون دولار)، ومناقشة «إجراءات اضافية يمكن ان يتخذها التحالف لإضعاف (داعش) والقضاء عليه نهائياً»، حسبما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض اليستير باسكي، الذي اشار إلى ان «الاجتماع هو فرصة لمناقشة التقدم (الذي حققه) التحالف حتى اليوم، ومواصلة تنسيق ودمج القدرات الفريدة لشركاء التحالف بشكل كامل».

وشارك في الاجتماع ضباط كبار، بينهم رؤساء اركان، من استراليا والبحرين وبلجيكا وبريطانيا وكندا والدنمارك ومصر وفرنسا وألمانيا والعراق وايطاليا والأردن والكويت ولبنان وهولندا ونيوزيلندا وقطر والسعودية واسبانيا وتركيا والإمارات والولايات المتحدة.

الرئيس الاميركي باراك اوباما، الذي انضم لاحقاً الى القادة العسكريين، اكد بعد الاجتماع أن «هدف التحالف ضد الدولة الاسلامية هو تدميره كي لا يصبح خطراً على المنطقة والعالم»، لكنه اقر بأن «الحرب على داعش ستكون حملة طويلة الأمد بها تقدم وانتكاسات».

وسبق هذا التصريح المقتضب لأوباما بشأن «داعش»، والذي استفاض بعده في حديث عن فيروس «ايبولا»، تأكيد من قبل المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست بأنّ الاستراتيجية المعتمدة ضد «داعش» تحقق «نجاحاً»، وتشديده في المقابل على أن أثر الضربات الجوية يضعفه «غياب قوات برية على الأرض يمكنها متابعة تلك الهجمات الجوية من أجل إنهاء ذلك الحصار».

ويفتح حديث ارنست الباب على مصراعيه امام سيناريوهات جديدة يتم تداولها في وسائل الإعلام الغربية، والاميركية بشكل خاص، بشأن التدخل العسكري البري، تحت مسمّيات مختلفة.

كيري ولافروف

وفي موازاة الاجتماع العسكري في واشنطن، كان منزل القنصل الاميركي في باريس يستضيف لقاءً بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، اتفقا خلاله على «تكثيف» تبادل المعلومات الاستخباراتية حول «داعش»، حسبما اشار الوزير الاميركي، الذي اكد ان «لا تناقض بين أميركا وتركيا بشأن الاستراتيجية ضد الدولة الإسلامية»، وهو ما أكده الوزير الروسي، وإن بعبارات اقل حماسة، حين قال إن «بإمكان روسيا والولايات المتحدة التعاون بصورة أكثر فعالية في مكافحة الإرهاب».

عين العرب.. و«الكردستاني»

يأتي ذلك، في وقت تدخل معركة عين العرب (كوباني)، اليوم، شهرها الثاني. وفي ظل صمود مثير للدهشة أبداه المقاتلون والمقاتلات الأكراد في البلدة السورية، اكدت «وحدات حماية الشعب» انها تمكنت من صد هجمات مسلحي «داعش» على ثلاث جبهات، مؤكدة أن «المقاومة البطولية لوحداتنا قضت على الأحلام الوردية للمرتزقة»، فيما ذكرت القيادة الأميركية الوسطى، في بيان، أن «طائرات أميركية وسعودية شنت 21 غارة جوية على مقاتلي داعش قرب عين العرب، أدت إلى إبطاء تقدم التنظيم».

ويبدو أن تداعيات معركة عين العرب قد بدأت تتخذ ابعاداً تتجاوز تلك المدينة الصغيرة المحاذية للحدود السورية – العراقية، خصوصاً أن الاكراد في سوريا باتوا يعتبرونها معركة وجودية، في ظل الحديث عن مساعٍ تركية لتصفية القضية الكردية، عبر فكرة «المنطقة العازلة»، التي تستهدف بنظرهم احتلال القرى السورية ذات الغالبية الكردية، كمقدمة لمناطق عازلة في العراق وسوريا، من شأنها أن تكرّس تقسيماً مناطقياً على اسس طائفية وعرقية.

وفي آخر تداعيات معركة عين العرب في الداخل التركي، وفي خضم الانتفاضة الشعبية التي أطلقها اكراد تركيا، وخلفت حتى الآن عشرات القتلى والجرحى، يبدو أن عملية السلام بين السلطات التركية و«حزب العمال الكردستاني» قد دخلت منعطفاً خطيراً، حيث شنت الطائرات التركية غارات على مواقع لمقاتلي «الكردستاني» قرب الحدود العراقية، وذلك للمرة الأولى منذ وقف إطلاق النار الذي أعلنه «حزب العمال الكردستاني» في آذار العام 2013، والذي وصف حينها بأنه الخطوة الاولى على طريق تسوية النزاع التاريخي بين تركيا والاكراد سلمياً.

السفير

 

 

 

“داعش” والحرب البرية المحتملة/ عصام فاهم العامري

يثور جدل بين الأوساط الاستراتيجية والسياسية في أرجاء العالم بشأن مستقبل الحرب على «داعش»، وتكاد معظم هذه الأوساط تجمع على ان القصف الجوي الذي يشنه الحلفاء على مواقع «داعش» سواء في العراق أو سوريا لا يستطيع ان يحقق انتصارا عليها. بل يرجح بعض المحللين الاستراتيجيين ان «داعش» تتغذى بالتحديد على بعض النجاحات العملياتية والتكتيكية لغارات التحالف عليها، فهي تستفيد استراتيجياً من أخطاء بعض الغارات كما حصل قبل أيام عندما اسهمت بعض الغارات بمقتل 22 مدنيا في بعض المواقع التي تسيطر عليها «داعش» في سوريا، مما تسبب بولادة ضغينة ضد غارات التحالف من قبل السكان المدنيين السوريين. كما تستثمر «داعش» القصف الأمريكيي – الاوروبي وتصور القصف بأنه حملة ضد « المجاهدين المسلمين « في الأراضي الإسلامية، بغية تجنيد أعداد إضافية من الأمريكيين والبريطانيين والبلجيك والدنماركيين والأوروبيين الآخرين من خلال دعوتهم إلى حمل السلاح والقتال بين صفوفها.

غير ان التطورات الميدانية جراء تقدم مسلحي تنظيم «داعش» في مدينة عين العرب في سوريا في ذات الوقت الذي يبدو فيه ان مسلحي التنظيم يوسعون من سيطرتهم على مدن محافظة الانبار القريبة من بغداد أثارت أجواء من القلق والإحباط والإرباك في الولايات المتحدة في الوقت الذي ظهرت الأوضاع في العراق وسورية أكثر إرباكاً مع مرور كل يوم. وانعكست الأوضاع الميدانية على الرأي العام الأمريكي الذي انقلب مرة أخرى على الرئيس أوباما، في ظل توسيع مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية من سيطرتهم على المزيد من الأراضي في العراق وسوريا .. وتلقى «الخليفة» ( أبو بكر البغدادي ) المزيد من المبايعة من التنظيمات الجهادية في شمال افريقيا وجنوب آسيا. واعتبرت أوساط بين قادة الرأي في أمريكا تصريحات الإدارة الأمريكية من ان كوباني أو عين العرب لا تمثل أهمية استراتيجية وبالتالي سيطرة داعش عليها لا تشكل مصدر قلق رئيسيا للولايات المتحدة. وأوضحت هذه الأوساط ان هذه التصريحات محاولة لإخفاء الهزيمة أمام «داعش». وأشار بعض المعلقين الأمريكيين ان عين العرب ليس المكان الوحيد الذي فشلت فيه قوات التحالف في ردع مسلحي تنظيم الدولة الذي استطاع ان يوسع من سيطرته في محافظة الانبار وبات نحو عشرة آلاف من مقاتلي التنظيم يهددون العاصمة العراقية باقترابهم من سجن ( أبو غريب )، حتى ان الجنرال ديمبسي اعترف ان «داعش» كادت تصل إلى مطار بغداد.

وشكلت حالة الارباك والتضعضع التي برزت عليها استراتيجية اوباما لحرب «داعش» والنتائج الميدانية الأولية لها رافعة للتشكيك في الدور الأمريكي بل واتهام أمريكا بانها وراء ظهور «داعش» وبغض النظر عن فظاعتها وبالتالي التمهل في مواجهتها. حتى ان البعض خرج ليقول علنا ان القوات الأمريكية باستطاعتها تدمير تنظيم «داعش» بسرعة فائقة، لكن واشنطن تهدف من وراء مماطلتها تلك إلى إبقاء المنطقة في أزمة متواصلة لاستنزاف إيران أولا والحصول على الدعم المالي المستمر من دول المنطقة في حربها المعلنة ضد «داعش» في مرحلة ثانية. وتحدثت أرقام عن ان شركات السلاح الأمريكية تدفع باتجاه إطالة أمد المواجهة بهدف تحقيق المزيد من الأرباح خصوصا مع ارتفاع مبيعات الأسلحة لدول المنطقة .. وبالتالي فإن الاقتصاد الأمريكي من المرجح ان يتجاوز أزماته على نحو أسرع مما كان متوقعا. وفي هذا الإطار زعم تشارلز شويبردج، الضابط السابق في جهاز مكافحة الإرهاب البريطاني ان وكالة المخابرات الأمريكية «سي.آي.آيه» والاستخبارات البريطانية دفعتا دولا إلى تمـويل وتسليح تنظيمات مسلحة في مقدمتها تنظيم «الدولة الإسلامية»، متهما جهازي الاستخبارات البريطانية والأمريكية بأنهما يقفان وراء كل الأحداث الدراماتيكية التي تعصف بدول الشرق الأوسط، متهما إياهما بصناعة الإرهاب في المنطقة وبتأجيج الأوضاع هناك.

وبعيدا عن التفكير التآمري فإن أسئلة عديدة تدور في الأذهان عما إذا كان هدف التحالف هو إخراج تنظيم « الدولة « من العراق واحتواؤه في سوريا، فلماذا لم يحصل شيء حتى الآن ؟ هل الحملة الجوية الدولية على «داعش» في كل من سوريا والعراق مجرد عرض جوي أم ان لها أهدافا لتحقيقها على الأرض؟ فما نفع الضربات الجوية إذا كانت «داعش» تحقق المزيد من المكاسب على الأرض سواء في سوريا أو العراق؟

والحقيقة ان المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين كانوا يتوقعون ان تُضعِف الحملة الجوية «داعش» وتحد من مصادرها وقدراتها على التمويل، ولكن ذلك لن يقضي عليها أو يلحق الهزيمة النهائية بها. ولعل هزيمتها تحتاج إلى أمرين أساسيين: الأول قوات برية مؤهلة والثاني العمل على تغيير وجهة نظر الأهالي الذين يعيشون في المناطق الموجود فيها «داعش» ويشكلون بيئة حاضنة لها. وبالنسبة للعراق كان المخططون الاستراتيجيون يسعون إلى تشكيل قوات للحرس الوطني من شأنها ان تلعب دورا حاسما في الحصول على دعم السكان المحليين وبالتالي ابتعادهم عن «داعش». كما ان تدريب عناصر المعارضة السورية المعتدلة وتجهيزها بالسلاح من شأنه ان يلحق هزائم متوالية بـ «داعش « كما بالنظام السوري. ولذا كانت التوقعات ان تتم هزيمة «داعش» إذا سارت الأمور وفق ما هو مخطط له في العراق خلال ستة أشهر وفي سوريا خلال سنتين.

بيد ان هذا التخطيط يقع في ذات الأخطاء السابقة التي ارتكبتها أمريكا في مخططاتها للمنطقة على الأقل منذ عام 1980 وحتى الآن، حيث خاضت نحو أربع عشرة حربا مباشرة في المنطقة، وكثيرا ما تكرر الأخطاء نفسها .. فالتخطيط لهزيمة «داعش « في العراق يرتكز على إنشاء قوة حرس وطني مقاتلة تمثل «البلدوزر» الذي يطرد «داعش» من الأماكن التي استولت عليها. والسؤال المطروح: لو كان قُدر للعراق ان ينشئ قوة أمنية فعالة لما تمكن مقاتلو»داعش» من تحقيق أية امكانية للبقاء والتمدد والانتشار. ولكن ما حدث هو ان الجيش العراقي الذي أنشأه الأمريكان لا يمتلك عزيمة وحميّة القتال. ويعود سبب ذلك بكل بساطة إلى ان الحكومة العراقية التي أوجدها الأمريكان أنفسهم أيضاً غير قادرة على بناء البلد.

وبغض النظر عن كل ذلك فالواضح ان قدرات العراق القتالية الحالية غير قادرة على هزيمة «داعش» أو على الأقل وقف زخمها، ولذلك فقد تحدثت تقارير مؤخراعن ان المسؤولين العراقيين طلبوا من واشنطن إعادة جنودها إلى العراق للقتال على الأرض، وخاصة مع اقتراب قوات تنظيم « الدولة « من أعتاب بغداد. وبحسب مسؤولين في وزارة الدفاع العراقية فإنه من المفترض ان يعقد قريبا اجتماع لرؤوساء أركان القوات المسلحة لنحو 20 دولة عضوا في التحالف للحرب على «داعش» لبحث إمكانية تشكيل قوة برية لدعم الضربات الجوية. ولكن الواضح حتى الآن ان الرئيس اوباما يرفض ان يكون هناك دور بري مباشر للقوات الأمريكية. ولكن بعض السيناريوهات تتحدث عن مشاركة استرالية ومن جانب دول غربية أخرى في هذه القوات ولكن تحت إشراف وقيادة أمريكية. ولم تستبعد سيناريوهات أخرى الاستعانة بمرتزقة وشركات أمن من أجل خوض المواجهة على الأرض مع مقاتلي «داعش». والسؤال الآن هل يستطيع مرتزقة أو مقاتلون مأجورون من هزيمة تنظيم عقائدي؟ أو هل يستطيع مقاتلون من جنسيات مختلفة لا ينتمون للبيئة الاجتماعية والجغرافية للمنطقة من هزيمة عناصر «داعش» الذين معظمهم ينتمون للمنطقة ويتغذون في مواقفهم وثباتهم من «إيمان عقائدي « موجود أصلا في المنطقة، فالفكر المتطرف الذي تنتمي له «داعش « ليس وليد الساعة، بل هو ضارب في التاريخ، وظهر بمسميات وأزمان مختلفة، وكان يتوالد، وفقاً للظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة، ويستند إلى مرجعيات دينية وفتاوى وكتب أساسها التكفير للمخالفين واستحلال دمائهم وأموالهم. وكانت تتطور مع تطور المجتمعات وتتعسف في أحكامها في تطبيق الشريعة فكراً وممارسة بناء على تصور يقوم بتقسيم العالم إلى دار كفر ودار إيمان.

ومهما يكن من أمــــر، فالواضح حتى الان ان الحرب على «داعش» ســــتكون حربا طويلة وصعبة جدا وعالمية.

٭ كاتب وصحافي عراقي

القدس العربي

 

 

 

 

 

حين لا تكترث طهران بالتصعيد السعودي “الكلامي”/ معن البياري

التقى وزيرا الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، والإيراني، جواد ظريف، في نيويورك في الثاني والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، على هامش أعمال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، من دون أن يُنقل ما يفيد بأن الوزير ظريف سمع من نظيره السعودي رفض الرياض “الاحتلال” الإيراني في سورية، مثلاً، بحسب التوصيف الذي أطلقه الفيصل نفسه، يوم الاثنين، في تصريحاته في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، في جدة. وكان لافتاً في تلك التصريحات، أيضاً، أنها جاءت على “ما يحدث من تدخل (إيراني) أيضاً في اليمن والعراق وأماكن أخرى”. والمعلوم أن اجتياح الحوثيين في اليمن، والمدعومين سرا وعلنا، من طهران، صنعاء، كان يتم فيما كان اللقاء بين ظريف والفيصل جارياً في نيويورك، وهو اللقاء الأول بين الوزيرين، واللقاء الإيراني ــ السعودي الأرفع منذ تولى الرئيس حسن روحاني الرئاسة في إيران، في أغسطس/آب 2013.

لم يسعف لقاء نيويورك العلاقات السعودية الإيرانية في شيء، ليس فقط بسبب التصريحات الجديدة للفيصل، وإنما بسبب مضي طهران في خياراتها الساعية إلى مزيد من تحقيق النفوذ الإقليمي في غير بلد عربي، ولا سيما في العراق وسورية، والأخيرة تخوض فيها طهران حرب حياة أو موت، بشأن إبقاء نظام الرئيس بشار الأسد في السلطة في دمشق، أيا كان الوضع الأمني في سورية كلها. وليس واضحاً أن طهران في وارد أن تلتفت إلى تصريحات الوزير السعودي بأي مقادير من الجدية، لا سيما وأنها سارعت إلى التعقيب على هذه التصريحات، في قول مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الدول العربية والأفريقية، حسين أمير عبد اللهيان، إن “بلاده إنما تدعم الحكومتين العراقية والسورية أمام قوى الإرهاب، وفقاً للمقررات الدولية”. كلام يؤشر إلى توظيف أو استثمار إيراني مستجد للجهد الدولي، والمسنود بقرارات من مجلس الأمن، في مواجهة إرهاب “داعش” وغيرها في سورية والعراق. وآثر المسؤول الإيراني أن يصرف الأنظار عن جوهر ما أدلى به الفيصل، وراح يتحدث عما أسماه “الوجود العسكري السعودي في البحرين”، والذي اعتبره عائقاً منع المنامة من تجاوز أزمتها عبر الحوار الداخلي.

وتحمل إشارة اللهيان هذه إلى موضوع البحرين، رسالة مبطنة إلى الرياض أن ملف المملكة الخليجية ليس منسياً في أجندة طهران، وأن ما يجري في اليمن (وهو شأن داخلي بحسب اللهيان)، وكذا في سورية والعراق، لا يصرف الأنظار في إيران عن الجاري في البحرين، وفي جديده أن المعارضة لوحت، أو ربما قررت، مقاطعة الانتخابات التشريعية المقرر تنظيمها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ما يعني أن تسخيناً سياسياً للأزمة الداخلية في البحرين، الجار الاستراتيجي للسعودية، على وشك الحدوث، ومن المرجح أن ييسر لإيران مدخلاً يغريها بأن تطمح إلى التفكير في المنامة، عاصمة عربية خامسة في مجالها، بعد صنعاء ودمشق وبيروت وبغداد، على ما قال بشأن هذه العواصم الأربع، نائب في البرلمان الإيراني، من دون حرج أو حياء.

والرسالة الأوضح في تعقيب عبد اللهيان على سعود الفيصل أن طهران تؤثر المضي في “المباحثات الدبلوماسية السائدة بين البلدين”، والتي قال إن ما أدلى به الوزير السعودية يتعارض مع “أجوائها”، على أن تنفصل هذه “المباحثات” و”الأجواء” عما يجري في غير أرض عربية، مما تنشط في إحداثه الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وإذا ما تم فحص “الرغبة” الإيرانية في هذا الحوار، لن نجدها مؤكدة، فقد دعا وزير الخارجية السعودي نظيره الإيراني إلى زيارة الرياض، وقال إن زيارة مثل هذه مرحب بها في أي وقت، و”إن السعودية مستعدة للتفاوض والتحدث مع إيران”، وذلك في مايو/أيار الماضي، غير أن الأخير امتنع عن الترحيب بهذه الدعوة، وهو الذي سبق أن زار الدوحة والكويت ومسقط وأبوظبي. وقد عمد بعد لقائه الفيصل في نيويورك، قبل نحو أسبوعين، إلى اعتبار هذا اللقاء “صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين”، وأبدى أملاً في أن يكون لهذه “الصفحة” “آثار إيجابية لإحلال السلام والأمن في المنطقة والعالم، ولمصالح الأمة الإسلامية”.

ولا يخطئ الناظر في راهن الأداء الإيراني النشط في المنطقة إذا ما ذهب إلى أن “معسول الكلام” الذي يصدر عن طهران بصدد علاقات جوار طيبة مع السعودية وعموم الجوار الخليجي والعربي إنما هو علاقات عامة، له فاعليته في إشاعة انطباعات خادعة، وهذه من لوازم السياسة الإيرانية، في لبنان، حيث تكمن مصلحة طهران في تأجيل انتخاب رئيس للجمهورية، ما لم يكن وفق هوى حزب الله، وتعمل على إبقاء حلفائها في العراق متحفزين ومتكتلين ومنتبهين. أما سورية، فبقاء نظام الأسد فوق أي اعتبار بالنسبة لطهران، ولو لم يبق حجر على حجر في سورية. وإخضاع الداخل اليمني إلى قوة حوثيين، كانت لهم مطالب محقة، فذلك من لوازم النفوذ الإيراني النشط. وبينما هذا هو الحال، لا يلحظ المتابع للسياسة الخارجية السعودية غير العجز الكامل عن أي مبادرة أو أي فعالية أو تأثير على مجريات الأمور، بل إن الحليف الأميركي لا يتردد في اتهام الرياض بدعم الإرهاب، وإن يتراجع قليلا عن الاهتمام، حرصا على الإسناد المالي السعودي للتحالف الدولي المستجد ضد “داعش”.

ليست السياسة السعودية الراهنة في حال القادر على إجبار طهران على شيء، أو وقف التمدد الإيراني في الجوار اليمني وفي غير ملف. وهذه هي جولات الحوار الأميركية الإيرانية مستمرة، وهذا هو ملف البرنامج النووي يجد سبله للحلحلة، وليس ثمة ما يغري إيران إلى إعطاء الرياض شيئاً في هذا الملف، أو غيره، في لبنان مثلا. ومن المفارقات أن أجواء التفاؤل بأن تشهد العلاقات الإيرانية السعودية اندفاعة حسنة مع مجيء حسن روحاني رئيساً لم تقع على ما يسندها، ذلك أن التحولات والمستجدات الإقليمية جاءت مناسبة لطهران، بأحسن ما تتمنى، وعلى ما يرى مراقبون مطلعون، فإن هذه المستجدات أظهرت أن حجم الخلافات بين المملكة والجمهورية الإسلامية على القضايا الإقليمية، لم يعد كبيراً فحسب، وإنما بات مصيرياً، والرياح لا تمشي في الوجهة التي تشتهيها سفن الرياض.

العربي الجديد

 

 

 

 

كارثة الإرهاب بين حدّيها/ عمر كيلاني

قد تكون الحرب المعلنة على الإرهاب حرب القرن بطوله، وبفواجعها الكارثية المتوقعة، وهذا ما تشير إليه تصريحات من هناك وهناك، وما تشي به استعدادات ظاهرة وباطنة، توحي بأن العالم على وشك درء كارثة كبرى، لكنه بقدر ما يظهر اندفاعاً لمنعها، يؤسس لكوارث، تبدو أقل منها، إذا ما أخذت على انفراد، وأكبر إذا ما جُمعت سوياً.

يحرص مسؤولون أميركيون كثيرون على القول إن الحرب المستجدة قد تستغرق أعواماً، وذهب مسؤول التنسيق بين أطراف الائتلاف الدولي للحرب على الإرهاب إلى القول إن التخطيط فقط لمعركة استعادة مدينة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” قد يستغرق عاماً، من دون أن يفصح عن المدة التي ستستغرقها المعركة لاستعادتها، أشهرا أم سنوات. وقال نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، إن المعركة ستكون طويلة وطويلة جداً. وقال وزير الدفاع الأميركي السابق، ليون بانيتا، إن القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية سيكون صعباً، وقد يستغرق عقوداً، وإن الحرب ستستمر نحو ثلاثين عاماً.

أخطر التوقعات بشأن الزمن الذي ستستغرقه الحرب هو الذي توقعه بانيتا، والخطورة لا تأتي من طول المدة الزمنية وتقلباتها فقط، وإنما أيضاً من القائل، فليس مجرد دبلوماسي، أو باحثا في مركز دراسات، وإنما شخص يحمل الدكتوراة في الحقوق، وكان كبير موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق، بيل كلينتون، بين 1994 و1997، وتولى منصبي المدير العام لوكالة الاستخبارات المركزية ووزير الدفاع في إدارة الرئيس باراك أوباما من بداية 2009 حتى بداية 2013. وذلك كله يعني اطلاعه على تقارير ودراسات استخبارية وعسكرية أميركية كثيرة بشأن ملفات الإرهاب في المنطقة والعالم، والخطط الأميركية تجاهها، سواء على صعيد الفوائد أو الأضرار التي قد تعود على واشنطن منها، وسبل التعامل مع الضار منها، وتوظيفه في التعامل مع الخصوم والأصدقاء، تكتيكياً واستراتيجياً.

امتنع بانيتا في تصريحاته عن الحديث عمن سيكون المنتصر، ربما لتقديره أن أميركا وحلفاءها هم من سينتصرون، وامتنع عن ذكر الأسباب التي قد تجعل الحرب تستمر ثلاثة عقود، على الرغم من أنها حرب دول ضد تنظيمات، يكاد بعضها يكون مجهرياً، وليست حرب دول ضد دول، مثل الحربين العالميتين، الأولى والثانية، وقد استغرقت كل منهما بضع سنوات، أو كالحرب الباردة التي امتدت نحو أربعين عاماً، وبقيت باردة في أغلب فصولها. وربما كان سبب توقعه أن الحرب الجديدة ستكون فاترة، لا ساخنة ولا باردة، وربما توقع ضمناً أن تمتد هذه الحرب لتشمل دولاً أخرى، أو بعض دول ترتع فيها تنظيمات مماثلة.

من غير المستبعد إذا ما استمرت مباراة التوقعات أن يأتي من يقول، لاحقاً، إن المعركة قد تستغرق خمسين عاماً أو مائة عام. أما لماذا ستستمر كل هذا الوقت حتى الثلاثين عاماً أو أكثر، وماذا سيكون عليه حال المنطقة والعالم، عند انتهائها، فلا أحد ينبس ببنت شفة عن ذلك. فالحديث، هنا، يشير، ضمناً، إلى كارثة في انتظار الجميع، كارثة بقدر ما يتوقع هؤلاء أن تحل بالهدف المقصود أو المكروث (داعش وشقيقاتها) قد تحل، أيضاً، ببعض دول الائتلاف الكارث لها، فهكذا حرب قد تمتد في أعماق الزمن المقبل، وهكذا حرب قد تأتي على أعماق الجغرافيا السياسية ومكوناتها الأساسية، وكذلك الحال بالنسبة للديموغرافيا وغيرها من المكونات الدولتية.

أعلنت الولايات المتحدة وحلفاء أطلسيون الحرب على الإرهاب، بعيد 11 / 9 / 2000، مستهدفة، بالدرجة الأولى، حكم حركة طالبان في أفغانستان، ومعها تنظيم القاعدة، وتمكنت، في تلك الحرب التي ما تزال ذيولها قائمة من اجتثاث حكم حركة طالبان وتكبيدها وتنظيم القاعدة خسائر كبيرة ومهمة، في أفغانستان وفي دول أخرى، مثل باكستان والصومال واليمن. لكن، تلك الحرب لم تقض على الإرهاب وتنظيماته. فالاحتلال الأميركي للعراق، وبقدر ما أنجب مقاومة وطنية ضده، كان موضع جذب لتنظيمات أخرى، خرجت من عباءة القاعدة أكثر عنفاً وإرهاباً، تجتمع، اليوم، بعد خروج الأميركيين من العراق، تحت عباءة داعش، وتذهب إلى أبعد بإعلان دولة خلافة لها على بعض أراض ممتدة بين العراق وسورية، خرجت من تحت سيطرة الدولتين، ما استدعى هذا التجييش الأميركي والدولي والعربي لمحاربة داعش.

فوجئ كل أبناء المنطقة من ذوي النيات الحسنة بسرعة تشكل هذا الائتلاف، وبدء الحرب ضد الإرهاب، وهم في قلق متزايد أكثر فأكثر من التصريحات بأن الحرب قد تستغرق عقوداً، بسبب ما قد يترتب عليها من ويلات ومصائب وكوارث. فائتلاف هؤلاء المفتوح على ضم مزيد من الدول يعني أن حرباً دولية ستخاض على أرضنا، وبين ظهرانينا، نحن فيها الطرف الأضعف المستهدف من تنظيمات الإرهاب وشظايا الصواريخ التي تستهدفها.

ستكلف الحرب على الإرهاب الولايات المتحدة والمؤتلفين معها مئات، إن لم يكن آلاف الآلاف من مليارات الدولارات، وستكلف الدول التي ستدور رحى هذه الحرب على أرضها، عقودا، مليارات أكثر، والأهم ضحايا لا قدرة على حصر أعدادها. لكن، لا الولايات المتحدة، ولا المؤتلفون معها فكروا لحظة في برمجة ضخ هذه المليارات إلى الدول التي تعاني من تغول تنظيمات الإرهاب، لمساعدتها على مواجهة وتطوير قدراتها الاقتصادية والمجتمعية، لمنع نموه وازدهاره. والحرب الحالية، إذا ما استمرت عقداً أو ثلاثة عقود، ستتسع رحاها، ويزداد أوار نارها لتشمل مزيداً من الدول الإسلامية، عندما تشمل مزيداً من التنظيمات الإسلامية، بمختلف مذاهبها، حيثما وجدت.

قد لا يكون بالمقدور، الآن، قراءة ما يمكن أن تؤول إليه هذه الحرب على المدى الطويل، سواء بالنسبة للدول المؤتلفة، أو غير المؤتلفة، ومعها التنظيمات المستهدفة، علناً وسراً، والمجتمع الدولي بكل ما فيه. لكن، ما يمكن قوله، الآن، إن الكارثة، وهي تبعث بعض روائحها، وتطل ببعض ركامها، قد تنوس بفواجعها ما بين حديها الكارث المؤتلف وذاك المراد كرثه.

العربي الجديد

 

 

 

أزمة الحكومات السنية بعد “داعش”/ عبد الرحمن الراشد

نحن أمام وضع واضح إلى حد ما، من حيث العدو والصديق في الحرب على «داعش»، لكن قد تتغير الأوضاع لاحقا. فرئيس وزراء العراق الجديد، حيدر عبادي، يقول إن الخليج والسعودية أدركوا أن دعمهم للمتطرفين سيهدد أمنهم، لهذا بدلوا استراتيجيتهم! والسعوديون يؤكدون أن «داعش» ولدت في حضن النظام السوري. والإيرانيون يعترفون في العلن أن بعض قيادات «القاعدة» لا يزالون في ضيافتهم في داخل إيران. وتركيا، معروف أنها البوابة الواسعة لكل آلاف المقاتلين، المحترمين والإرهابيين معا، الذين تسللوا إلى سوريا. والجميع يتفق على أن تردد الحكومة الأميركية في التدخل لسنوات تسبب في تحول القط إلى وحش إرهابي يهدد العالم كله. والأميركيون، أنفسهم، يعترفون اليوم أنهم أساءوا التقدير، ويعترفون أن حكومة العراق السابقة تحت إدارة المالكي بسياستها الانتقامية الطائفية أدت إلى ولادة جيش «داعش» العراق المخيف.

رغم الاختلافات وصعوبة التعامل مع جماعات إرهابية، فإنه يوجد أمل بكبح الخطر. فالتحالف القائم وعاء سياسي وقانوني وعسكري يمكن تطويره لإيجاد حلول للأسباب الجذرية، بوقف التنافس السياسي الإقليمي وكبح الصراع الطائفي والتخلص من المسببات مثل النظام السوري. من دون ذلك يمكن أن تتغير المواقف وينقسم التحالف، ويتسع الصراع، وتتورط الأطراف في حروب إقليمية تستخدم فيها الجماعات الإرهابية من قبل الجميع.

الآن كل يلوم الآخر، وهناك ما يكفي من توزيع اللوم على الجميع، كل مسؤول بدرجة ما عن النتيجة السيئة التي وصلنا إليها اليوم في العراق وسوريا، ولن يستطيع أي طرف مهما كبرت مدافعه، أو بعدت حدوده عن منطقة الأزمة، أن ينجو من الخطر الآتي ما لم يعترف بحقيقة التهديد، ويعتبر نفسه شريكا في الحرب. إنما عندما تريد إيران الإبقاء على نظام الأسد، فإن هذا سيعني التخلص من إرهابيي السنة والإبقاء على إرهابيي إيران. أمر مرفوض تماما. سيؤدي فقط إلى تكبير قدرات «داعش»، لأن جرائم النظام السوري، الذي قتل ربع مليون من مواطنيه، وقاتلت إلى جانب الأسد التنظيمات الشيعية، ستفشل التحالف وجهوده العسكرية، وستزيد الكراهية في أنحاء العالم الإسلامي، وستعمل كجاذب للمزيد من المقاتلين، والدعم.

وعلينا أن نفهم البعد الديني في الأزمة، الانحياز فقط ضد «داعش» سيحرج الحكومات السنية مع مواطنيها. من دون إقصاء نظام الأسد، وعدم تصحيح الوضع الطائفي في العراق، سيرفع من وتيرة الصراع بين السنة والشيعة، على مستوى الحكومات والتنظيمات والأفراد. وهذا التنافس سيعزز من مكانة المتطرفين ويجعلهم المحرك الأساسي ومركز الاهتمام، وسيضعف سلطة الحكومات السنية التي ستجد نفسها متورطة في لعبة الاستقطاب، ومضطرة إلى الانحياز، إما مع إيران وإما مع «داعش». فهل سيستطيع العالم تحمل مثل هذا المشهد الواسع من الفوضى نتيجة التحالف العسكري ضد «داعش» الإرهابي السني، ويخرج منه الأسد وإرهابيو الشيعة منتصرين؟

السؤال الاستنتاجي: أليس ما نشهده اليوم -أصلا- حربا طائفية؟

جزئيا، بلى. لكن هناك الفصل الثاني من الأزمة لم يبدأ بعد، فالمنطقة ليست بعد منقسمة، لأن دول الخليج تحارب الجماعات السنية الإرهابية منذ ظهور «القاعدة» منذ عقد ونصف، ولا تزال في الصف الأول في ملاحقة هذه الجماعات، لأنها تعرف أن «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» و«أحرار الشام» تستهدف السعودية ودول الخليج ومصر وبقية الأنظمة السنية، أكثر من استهدافها للأنظمة الشيعية، لكن لن تستطيع هذه الدول المحافظة على موقفها في حال اتضح لاحقا وجود تكتل طائفي مدعوم من دول خارجية، أي أن إيران والدول الغربية مع نظام الأسد والحكومة العراقية والميليشيات الشيعية المتطرفة تعمل في جبهة واحدة. هنا لن تستطيع الدول الإقليمية مثل السعودية والخليج ومصر وتركيا البقاء في معسكرها الحالي.

اعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط” ومدير عام قناة العربيّة

الشرق الأوسط

 

 

 

إيران تساوم على «داعش» بالحوثي/ زهير قصيباتي

تتساقط مدن عربية، واحدة تلو الأخرى، تتهاوى مناطق على تخوم خطوط التماس المعلنة والخفية، على أيدي «داعش» في العراق وسورية، والحوثيين في اليمن… أي مدينة عربية أو عاصمة على اللائحة؟ فكما لـ «داعش» خلايا وأنصار، لإيران جيوش صغيرة تتحرك على مساحات متباعدة في المنطقة العربية.

ولكن، ألا تعلن طهران ليل نهار أنها لا تعمل ولا تتدخل ولا تتحرك إلا بنيّات طيبة، ولمصلحة المسلمين أينما كانوا؟ مع تنظيم «داعش» لا مشكلة في تصنيفه، وهو لا يخفي نيّاته مهما بلغ زيف ادعائه احتكار تطبيق الشريعة، أياً تكن هوية ضحاياه، ومَنْ يذبحهم ويشرّدهم وينكّل بهم، ويسبيهم.

لدى الإيرانيين، وبعد نحو 35 سنة على الثورة الخمينية، المرحلة الآن لاستكمال قطف ثمار «تصديرها»… صحيح أن احتواء القرار العراقي، ونفوذ طهران في بلاد الرافدين تلقّيا ضربة كبرى بعد فضيحة سقوط الموصل، وأن سورية الحليفة الطيّعة لم تعد الباحة الآمنة ولا نظامها قادراً على الدفاع عن نفسه، ولكن لمشروع طهران زوايا أخرى وخرائط لم تعد أسراراً.

هي تثير الملل كلما ادَّعت دفاعاً عن شيعة العراق أو شيعة البحرين، وتحت مسمّيات مختلفة، لكنها دائماً تحت سقف التشيّع السياسي. أنكرت مرات تدخّلها في شؤون الدول العربية، في حين ما زالت تفكك النسيج الاجتماعي المذهبي في المنطقة، وما على الجميع سوى أن يصدّق ان «الجمهورية الإسلامية في إيران» لا تسعى إلا لإخماد الفتنة. تحذّرنا منها وتحرّك أصابعها، فيصحو العرب على سقوط إحدى مدنهم، تكبر الهزائم والفضائح، لكن إيران مع العرب بنيّاتها «الطيّبة».

تدّعي ايضاً أن سياستها ليست طائفية ولا مذهبية، فلا حليفها في سورية يميّز ببراميله المتفجّرة بين مسلم ومسيحي، ولا دعمها لـ «حماس» السنّية بُني على حسابات غير مصير الفلسطينيين، والدليل تشجيع على الحرب وتمويل، انتهيا بتدمير غزة مرات، وبآلاف الشهداء.

بعد سقوط الموصل بيد «داعش»، وتخلي الجيش العراقي عنها بلا مقاومة، سقطت صنعاء بلا مقاومة في أيدي الحوثيين، ثم مدينة الحديدة على البحر الأحمر… بات اليمن على حافة الانهيار، والتشرذم ثلاث دويلات. هل من الأسرار علاقة الحوثيين بطهران، او احتضانها قضية علي سالم البيض، أحد رموز «الحراك الجنوبي» الساعي إلى سلخ جنوب اليمن في دولة «ديموقراطية»؟

تخلى الجيش العراقي عن الموصل في ليلة ظلماء، ترك قادة في الجيش اليمني صنعاء لمصيرها، بل منعوا قتال الحوثيين، كررت الجماعة التجربة في الحُديدة وفازت بموطئ على البحر الأحمر… مأرب على اللائحة؟ النفط خزانة تمويل.

لكن الفارق كبير بين جماعة الحوثي وجماعة أبو بكر البغدادي، الأول يريد «تطهيراً» من الفساد، والثاني يطمع بدولة «خلافة» يطهّرها من «الكفار». وإن كان من ناقة لإيران في ما يفعله عبدالملك الحوثي- وهذا أكيد- فالمفارقة هي تزامُن الزحف، تهاوي المدن والحواضر والمرافئ… لا قوة تصدّ الحوثي، ولا التحالف يمنع تقدم «داعش».

يَمَنٌ مفكّك ومشرذم، هل يكون الرد الإيراني على «الصفعة» العراقية التي مكّنت واشنطن من حرمان طهران من نوري المالكي، ومن احتكار تحريك المؤسسات في بغداد؟ ما بعد «داعش» ليس كما قبله، لذلك تتكيف إيران مع قواعد لعبة جديدة، على هوامش المفاوضات النووية. تعرض بلا لبس مقايضة بين تسهيل الغرب اتفاقاً على تخصيب اليورانيوم، في مقابل تسهيل مهمة التحالف في مواجهة «داعش». ولكن، ألا يثير الشق الثاني من مشروع الصفقة مزيداً من الارتياب بالدوافع، فيما محاربة التنظيم في العراق، يُفترض نظرياً أن تخدم أمن إيران في المواجهة مع التكفيريين؟

ذروة الأزمة مع إيران قد يكون أبرز تجلياتها طغيان التأزم السعودي- الإيراني، نتيجة خلافات تراكمت حول الكوارث التي تشهدها المنطقة، وفي كل منها لطهران أصابع، لونها لا يتطابق مع «النيّات الطيبة» ولا الصفحة الجديدة التي ادّعت انها تريدها، خصوصاً مع الرياض. وكلما أثارت المملكة مطلب سحب العناصر الإيرانية من سورية، كبادرة حسن نيّة، ولتسهيل مخرج للسوريين من نكباتهم، ردت إيران باتهامات للمملكة متناسية ان القوة السعودية في البحرين موجودة هناك بطلب من المنامة، وفي إطار قوة «درع الجزيرة».

بعد يومين من «النيّات الطيبة» التي حملها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى نظيره السعودي الأمير سعود الفيصل، خلال لقائهما في نيويورك، سقطت صنعاء في قبضة الحوثيين. وبين جولة وأخرى في ماراثون المفاوضات النووية، تفتح طهران أبواباً جديدة لمساومة الغرب على عواصم أخرى عربية.

الحياة

 

 

 

 

“داعش” وإيران يتحكّمان بحرب «التحالف» على الإرهاب/ عبدالوهاب بدرخان

عندما اجتمع قادة عسكريون من احدى وعشرين دولة، في قاعدة «اندروز» الجوية، لتقويم أداء «التحالف ضد داعش»، كانت المعطيات تفيد بأن عشرين منهم يعتقدون أن قائد «التحالف»، مضيفهم الاميركي، تأخر في تحديد نياته، ثم إنه لم يوضحها بعد. فالتنظيم الارهابي بدأ اجتياحاته في العاشر من حزيران (يونيو)، ولم يعلن باراك اوباما عزمه على «التحرك» إلا في العاشر من أيلول (سبتمبر). جميع هؤلاء القادة يدركون أن «داعش» فرض عليهم سباقاً لم يعترفوا به بعد، اذ أظهر ضباطه قدرات عسكرية تضاهي وحشيته وتفوقها. فقبل بدء الغارات الجوية تحركوا بسرعة قياسية فأنجزوا خلال ثلاثة شهور ما يستغرق إلغاؤه سنين. وفيما لا يزال «التحالف» يحاول بلورة أهدافه وبناء خطّته وقدراته، يمضي «داعش» في التمدّد جغرافياً فيضاعف الصعوبات أمام «التحالف» والإرباكات في صفوفه. اذاً، فالعدو هو الذي يقود الحرب ويتحكّم بالمسار.

بات الجنرالات يعرفون، بمن فيهم الاميركي، أن الضربات الجوية محدودة الفاعلية والنتائج، ومن شبه المؤكّد أنهم لا يعرفون جيداً ما هي حقيقة الوضع على الأرض في «دولة داعش»، بين العراق وسورية. قبل أقلّ من عام، كان أي هجوم من الجيش العراقي أو أي فصيل في المعارضة السورية يجبر التنظيم على الانكفاء. أما اليوم فلا أحد يريد مواجهته، حتى أن الاميركيين سجّلوا باندهاش أن محاولة عراقية للتقدّم في الأنبار «توقفت بعد كيلومتر واحد». اذاً، فالعدو مدرك أنه متفوّق في حرب برية، حتى أن أحداً لم يجرؤ على مساندة المقاومة الكردية في عين العرب (كوباني)، لكن الجميع يتبرّع يومياً بتوقعات عن سقوط وشيك للمدينة، التي قال جون كيري إن فك الحصار عنها ليس «هدفاً استراتيجياً» للحرب.

الحرب؟ لا يزال القادة العسكريون في «التحالف» يتساءلون هل إن دولهم مدعوة الى حرب؟ فهم لم يلمسوا من الجانب الاميركي أن هذا ما هم في صدده. هذا «تحرك عسكري» بالنسبة الى اوباما وليس حرباً، هدفه «إضعاف» التنظيم الارهابي «وفي النهاية القضاء عليه». لا يزال اوباما مصرّاً على أنه ليس «رجل حرب»، لكنه لدولة شغوفة بالحروب، وهناك أطنان من التقارير والمذكرات تبيّن له أن خذلان اميركا المجاهدين الأفغان ضد السوفيات استولد «القاعدة»، وأن «داعش» ثمرة غزو العراق واحتلاله، وربما تخبره حالياً أن «داعش» تلقّى تهديده بـ «إضعافه» كما سبق أن تلقّى بشار الأسد دعوته اليه لـ «التنحّي»، اذ فهم هذا وذاك أنه يستطيع البقاء لكن مع بعض المتاعب، فثمة وظيفة لوجودهما وبقائهما. ومنذ اللحظة الأولى كان مفهوماً أن الحاجة ماسّة الى قوات على الأرض، فالمعارك البريّة هي التي ستحسم. لكن «داعش»، الذي استوعب تجربة «القاعدة» واستفاد منها الى أقصى حدّ، كان أكثر درايةً بهشاشات كثيرة يتستّر عليها الجميع، فالجيشان العراقي والسوري لا يحتاجان الى اعادة تأهيل فحسب، بل انهما مكشوفان كجيشين فئويين وبالتالي غير مؤهلين موضوعياً لخوض حرب لا يراد لها أن تتحوّل فصلاً رئيساً في صراع سنّي – شيعي سعت ايران وتسعى لاستدراج «التحالف» الدولي اليه.

لدى «التحالف» مشكلتان يمكن اعتبارهما «عضويتين» أو «بنيويتين». فحتى اللحظة، ووفقاً للمقاربة الاوبامية، لا يزال تحالفاً من أجل «اللاحرب». المشكلة الأولى اسمها «اميركا»، فلا حرب من دون قيادة اميركية، لكن العلّة تكمن في هذه القيادة المكروهة وغير الموثوق بها من طرفي الصراع المباشرين ومجتمعاتهما. أما المشكلة الاخرى فنجدها في أن الحرب تبدو كأنها مصمّمة لتُخاض بنهج واحد لا غير، ولذا تشعر واشنطن بأن هناك من استدرجها وقيّدها في آن، اذ لا تزال جوانب كثيرة غامضة في وقائع الانهيار المفاجئ والسريع للجيش العراقي قبيل سقوط الموصل، وفي ظروف اصدار الأوامر للانسحاب من دون قتال، وفي مسارعة حكومة نوري المالكي وهي في ذروة التعبئة الشيعية الى طلب تدخل الولايات المتحدة (لا الأمم المتحدة) تفعيلاً للاتفاق الأمني والاستراتيجي بين البلدين (2008)، وكذلك في مبادرة ايران الى إبداء رغبتها في مؤازرة اميركا وعندما عرضت الأخيرة شروطها للتنسيق والتعاون تراجعت الأولى مفضّلة مسار «التفاهمات» غير العلنية (اطاحة المالكي، مساعدة الأكراد، تمرير ايران شروطها عبر حيدر العبادي…) لكنها واظبت على القول بلسان الرئيس حسن روحاني وغيره أن اميركا لن تستطيع محاربة الارهاب «من دون ايران».

وعلى رغم أن واشنطن أبدت استعداداً مؤكداً للمساعدة، فإنها ظلت تمانع التورّط، وعندئذ جاء ذبح الصحافيين الاميركيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف بمثابة محاصرة أخيرة لأوباما، لكنه طلب تحالفاً واسعاً وحافظ على أحد أبرز الشروط، وهو استمالة المجتمع السنّي والحصول على تأييده. بديهي أن في ذلك «فيتو» مبطناً على مشاركة قوات ايرانية أو قوات الاسد أو «جيش المالكي»، لذا وضعت ايران «فيتو» غير معلن على أي تدخل تركي أو عربي. في المقابل، حصلت طهران ودمشق على تعهّد اميركي بعدّم تعرّض الضربات الجوية لقوات الاسد. وعندما ردّت أنقرة بربط مشاركتها في «التحالف» بشرطين هما «اقامة منطقة عازلة» و «اسقاط نظام الاسد»، اتخذ الـ «فيتو» الايراني لهجة شديدة وواكبته تصريحات حكومية من دمشق وأخرى من حيدر العبادي في ما اعتبر أول تجاهل من جانبه لأعضاء سنّة في حكومته لا يعارضون دوراً تركياً، ما يعني ثباتاً على «نهج المالكي» أظهره العبادي أيضاً في استغرابه «اعتذار» نائب الرئيس الاميركي من تركيا والسعودية والإمارات بشأن اتهامه لها بدعم الارهاب.

وهكذا أجرى الاقليم خلطاً لأوراق «التحالف»، على وقع الغزو «الداعشي» لعين العرب (كوباني)، وعلى نحو يفضي الى مزيد من التردّد في دائرة صنع القرار الاميركي. هنا تقدّمت طهران لتبديد الشكوك في واشنطن، عبر تصريحات لحسين أمير عبداللهيان بأن اطاحة نظام الاسد و «محور المقاومة» «عبر الارهابيين» (ومن يدعمهم) ستنعكس «عواقب وخيمة» على «أمن اسرائيل». تلك رسالة واضحة تلقاها الاميركيون وتعاملوا مع الهجوم على عين العرب كحدث جانبي طارئ، علماً أن العالم نظر اليه كرمز للعجز الدولي ومؤشر الى هزيمة أولى لـ «تحالف» ليس مفكّكاً ومرتبكاً فحسب، بل أخفق حتى في إثبات ادعاءاته، إذ أخفق في دعم الموقع الوحيد الذي وفّر فيه السكان الأكراد قوة مقاتلة على الأرض. كان اللوم الاميركي لتركيا (على عدم مساعدتها الأكراد) ليكون مبرّراً لو أن أنقرة أعلنت مواقف طارئة ومفاجئة، لكن خلاف الطرفين على «المنطقة العازلة» و «إسقاط الأسد» يعود الى بدايات الأزمة في 2011، وقد تفاقم بعدما أيقنت تركيا أن الاميركيين ليسوا مهتمّين بالتداعيات السورية عليها (النازحون والاكراد، مع تكاثر الأعداء على حدودها)، وأنهم يميلون الى مقاربة روسيا – ايران – اسرائيل لمعالجة الأزمة بالإبقاء على الأسد ونظامه. لا شك في أن تخبّط تركيا لم يساعدها في تغيير الموقف الاميركي، بل أظهر تفضيلها تمكين «داعش» من احتلال عين العرب على دعم الأكراد في دفاعهم عن المدينة.

أحدثت تصريحات جو بايدن عن تورّط «حلفاء اميركا» في دعم «داعش» لغطاً، وكان يمكن اتهاماته أن تكتسب صدقية لو أنه ومسؤولي ادارته تبنوا السياسات الصحيحة وفي الوقت الصحيح حيال العراق وسورية. ذاك أن اعتراف اوباما بالخطأ في تقدير خطورة «داعش» ينطوي على أخطاء في إهمال المعارضين للأسد والمالكي. هذه الأخطاء تتضاعف لأن الاميركيين مرّروا تورّط ايران وأتباعها («حزب الله» والميليشيات العراقية وجماعة الحوثي) في تخريب سورية والعراق واليمن، فضلاً عن تدخلها في البحرين وفلسطين، بل سكتوا عنه عمداً كما لو أنه في سياق مقبول. ثم إن واشنطن لم تكشف يوماً ولو جزءاً يسيراً مما تعرفه عن علاقة ايران بـ «القاعدة» أو علاقة النظام السوري بما أصبح «داعش» و «جبهة النُصرة». لذلك تحصد اميركا التشكيك من «الحلفاء»، ولا سيما تركيا، تحديداً لأنها ذاهبة الى حرب يتشارك طرفان في توجيهها: «داعش» وايران.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

الرقص على قبور الأكراد!/ راجح الخوري

عندما كانت مقاتلات التحالف الدولي تقصف مواقع “داعش” في كوباني، المدينة الكردية الصامدة منذ شهر ونيف، كانت مقاتلات رجب طيب أردوغان تقصف في اتجاهات معاكسة مستهدفة مواقع “حزب العمال الكردستاني” الذي كان قد هدد بوقف المفاوضات مع أنقرة ما لم تقم بدعم كوباني ومنع سقوطها في يد الارهابيين او بالسماح للمتطوعين الأكراد بالعبور لمساندة رفاقهم هناك. وهكذا يقع الاكراد بين نارين، نار “داعش” التي تقاتلهم في العراق كما في كوباني، ونار أنقرة التي تستمر في قمع التظاهرات الكردية، وهو ما أوقع ٣٤ قتيلاً ومئات الجرحى من المحتجين، فضلا عن ترك الحكومة التركية مدينة كوباني تُذبح، رغم كل المطالبات والمناشدات الدولية لها بالتدخل.

لكن أردوغان يرفض التدخل مراهناً على كسب رهانات ثلاثة:

– اولاً، إسقاط بشار الاسد بما قد يعطيه دوراً مؤثراً في مستقبل سوريا يساعده في التوسع اقليمياً وراء حلم أشبه بالسراب، وهو استنساخ الأمبراطورية العثمانية لأنه يرى انه هو الخليفة الجديد وليس ابو بكر البغدادي!

– ثانياً، إسقاط الآمال الكردية المزدهرة بعد التطورات العراقية الأخيرة بقيام الدولة الكردية، وخصوصاً بعد موجة التسليح الدولي الحماسي للبشمركة، وايضاً بعد الصمود المثير للأكراد في كوباني، في حين انهار الجيش العراقي وسقطت محافظاته مثل هشيم أمام الإرهابيين، وهو ما يعطي الأكراد قوة دفع تزعج اردوغان.

– ثالثاً، الحيلولة دون حدوث اندفاعات معاكسة قد يقوم بها العلويون في جنوب تركيا، رداً على أي تدخل تركي ميداني على الأرض يبدأ بإنقاذ كوباني وينتهي باسقاط الاسد، وفقاً لشروط اردوغان المعلنة اقامة منطقة عازلة واسقاط النظام السوري.

على خلفية كل هذا لم يتردد أردوغان في الرقص على قبور الأكراد سواء في كوباني او في اربيل لأن قوتهم هنا تشدّ عضدهم هناك، وهو لاعب ماهر في هذه البورصة الدموية، والدليل انه بعدما صوّت البرلمان وأقرّ التصدي لـ”داعش” التي باتت تلامس الحدود الجنوبية التركية، ظهرت في الصحف التركية مقالات عنيفة تنتقده لقبوله فتح مكتب اتصالات يمثّل “داعش” في اسطنبول.

ومن الواضح انه يمارس لعبة عض الاصابع مع واشنطن لفرض شروطه، ويقوم بتسوية حساباته مع حزب “الاتحاد الديموقراطي الكردي” الذي تتهمه أنقرة بأنه وقف مع الاسد وأراد تشكيل “كانتون الحسكة الكردي”. وفي هذا السياق، خاطب نائب رئيس الوزراء التركي بولند أرينج اكراد كوباني بالقول: “لقد وقفتم مع الاسد… لماذا أردتم تشكيل دولة ولماذا عاديتم تركيا… هل ادركتم الآن ان لا حامٍيَ لكم غير تركيا؟”.

“مفهوم أفندوم”… أردوغان لا يمانع اذا اتّهمه البعض بأنه نيرون الذي يتفرج على حريق كوباني، فهو لم يحرقها وإن كان عندما ينقذها سيخنق احلامها!

النهار

 

 

 

داعش” يتحدّى الردع الأميركي/ هشام ملحم

بعد ستين يوما من القصف الجوي لمواقع “الدولة الاسلامية” (داعش)، في سوريا والعراق، يواصل الجيش العراقي تراجعه في وجه التنظيم المتطرف الذي اقترب بشكل خطير من مطار بغداد، وسيطر على محافظة الانبار، بينما يستمر الهجوم الداعشي على مدينة كوباني الكردية السورية،على الحدود التركية بلا هوادة. الحملة الجوية المحدودة ألحقت بعض الاضرار بـ”داعش” ومنعته من تهديد كردستان العراق، ولكن بما انها ليست حملة جوية استراتيجية – مماثلة للحملة التي شنتها الولايات المتحدة تمهيدا لغزو افغانستان في 2001 – فانها لم تنجح حتى الآن في تغيير المعادلة الاستراتيجية في العراق او سوريا.

هذا الوضع الميداني غير المستغرب – شكك الخبراء العسكريون في جدوى الاعتماد الرئيسي على الغارات الجوية – ادى الى ارتفاع الاصوات المشككة في فاعلية الاستراتيجية الاميركية من المحللين العسكريين ومن المعلقين السياسيين بمن فيهم بعض مؤيدي الرئيس باراك اوباما. وعندما تحدث اوباما الثلثاء عن ان الحملة العسكرية “ستكون فيها ايام نحرز خلالها تقدماً… وفترات نختبر فيها نكسات”، كان في الواقع يعترف بمحدودية العمليات العسكرية ضد تنظيم فاجأ الجميع بشراسته القتالية وقدرته على التحرك السريع والتأقلم مع الغارات الجوية، كما قال رئيس هيئة الاركان المشتركة الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي.

كل ما فعله اوباما حتى الآن، كان مرغما عليه، ورد فعل على مبادرات ميدانية وكوارث انسانية تسبب بها “داعش”، وليس نتيجة لتصور او خطة اميركية مبنية على معطيات تتحكم فيها واشنطن وحلفاؤها. وهذا كله يعكس اوباما “المحارب المتردد” المتمسك بالحد الادنى من المشاركة العسكرية والذي يعتمد مفهوم التصعيد التدريجي والبطيء للعمل العسكري. الرد الاميركي على “داعش” جاء بعد شهرين من احتلاله الموصل وذلك على رغم وجود تقارير استخبارية تنبأت بان التنظيم سينقل معاركه الى العراق. وبما ان “داعش” لا يملك قوات برية ثقيلة ولا قواعد كبيرة يمكن قصفها بقاذفات استراتيجية، نجد ان الطائرات تضيع ذخائرها وصواريخها الثمينة على سيارات “تويوتا” مجهزة برشاشات صغيرة لا يزيد سعرها عن 25 الف دولار. وأخيرا اضطرت وزارة الدفاع الى استخدام المروحيات الهجومية لوقف تقدم التنظيم قرب بغداد.

الاخفاق ليس عسكريا فحسب بل هو سياسي، لان بعض حلفاء واشنطن لا يتصرفون كحلفاء وتحديدا تركيا التي صبت الزيت على نار التطرف عندما سمحت بعبور الاسلاميين وسلاحهم الى سوريا وهي تتردد الآن في المشاركة في اطفاء الحرائق. واذا لم يغير اوباما استراتيجيته لتشمل استخدام القوات الخاصة واقامة مناطق آمنة، سوف يكشف “داعش” ضعف وربما عجز الردع الاميركي. وعندها سيتساءل الاميركيون مع المعلق يوجين روبنسون المؤيد لاوباما : “قولوا لي، ما الذي تحققه قنابلنا؟”.

النهار

 

 

الوصفة السحرية لإنهاء ملف داعش!/ د. صبري صيدم

غريب حال العالم الذي يحشد قواته في أرجاء العراق وسوريا ويحرك الأساطيل والغواصات والطائرات مدعومة بصنوف السلاح والرادارات وغرف العمليات المشتركة. غريب حال أهله ممن يرسمون خرائط القصف وخطط الهجوم وقواعد القتال ومحاور الاشتباك.

غريب حالهم وهم يقاتلون في عين العرب المسماة كوباني وعلى تخوم بغداد بينما يحقق الداعشيون زحفاً متواصلاً حتى انهم لم يبقوا عيوناً ولا عرباً ولا حتى فرصة لتأخير الزحف على بغداد.

غريب أمر اللاعبين في الحرب العالمية على داعش وهم يناقشون متى وكيف سينتهي هذا الكابوس ولمن سيسلمون الأراضي التي ينتصرون عليها في سوريا وكيف سيتعاملون مع الداعشين الأجانب ومع النازحين المشردين المنكوبين بفعل الفاعلين الكثر الذين اكتشفوا سيوف الوهم وشحنوا الأمة وغلّبوا شعاراتهم وأججوا مشاعر الناس فما نال البشر منهم إلا تلك الشعارات والوعود الواهية.

غريب أمر الجميع وهم لا يرون سبيلاً للتعامل مع التطرف في حياتنا فيختصرون المسافة بالدم والقصف والقتل. لم يقف أحد ليسأل لماذا يخسر الشباب حبهم للحياة ويلهثون وراء الموت ولماذا قُسمت دول المنطقة ووزعت آبار بترولها وجاءها من يحكمها بقوة السلطة. العلاج بالقتل وكان التاريخ أثبت بان القتل يعزز دائرة المحبين الراضين والمسترضين!

غريب حال الناس الذين لا يسألون عن الفقر والجهل والتخلف والقمع والجوع والعطش وسلب الموارد وضياع الثروات وظلم الانسان وتكديس السلاح وخلق وتوظيف أعلام الحرب لا أعلام السلام ودخول إسرائيل على الخط لصناعة التطرف واستلام جرحاه عبر الحدود لعلاجهم!

لكل هؤلاء اللاهثين وراء علاج التطرف الديني بالموت والقصف والدمار والقتل إليهم وصفة سحرية لمعالجة ذلك الحال وحل ملف داعش والتطرف المستشري وهي التالي:

حلكم ليس في عين العرب ولا بغداد ولا القائم ولا الحسكة ولا القامشلي ولا الرقة ولا الموصل ولا دير الزور ولا حتى أربيل. حلكم الوحيد موجود في تل أبيب عاصمة الاحتلال وصناعة النكبات والنكسات والقبب الحديدية والحروب الموسمية وأمراض التطرف والتعصب والمغالاة.

عالجوا تل أبيب بموجب القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وستزول الأسباب الموجبة لوجود التركيبات الصعبة للدول المحيطة وتكديس السلاح وتفشي الفقر والتخلي عن الحياة وتبني الموت. الاحتلال الإسرائيلي هو من وفر مناخات التطرف واليأس بعد ان استجلب شعارات رنانة وخطب لا تنتهي ووّلد التأجيج الأكبر لمشاعر الناس فلعب دور الضحية الدائمة بعد قصفه بالسكود من العراق والكاتيوشا من لبنان والغراد من غزة. الاحتلال الإسرائيلي هو من وظف الدسائس والمكائد والفرقة والتمزق والانقسام فخلق متلازمات عدة لدى الشعب العربي: كمتلازمة الفقر ومتلازمة الجوع ومتلازمة الانكسار ومتلازمة لا تلبث إلا وان تصل حد الذروة بين عام وآخر ألا وهي متلازمة خيبة الأمل.

نعم حل مشاكل التطرف والتعصب والانتصار للموت ومآسي المنطقة ونكباتها ونكساتها وربيعها وخريفها وشتائها هو في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية لتتغير معالم الحياة من حولنا فلا تستنزف الميزانيات لشراء أسلحة الموت وانما شراء سبل التسلح بالحياة من تعليم وتشغيل وريادة وإبداعٍ وأمل.

تعليق سمعته من أهل الاحتلال ومن قلب الماكنة العسكرية الإسرائيلية عبر وسائل الإعلام يقول صاحبه بأن التطرف يعني التمزق والشرذمة والتشتت وهذا من مصلحة ‘احتلالنا’ وبقائه وازدهاره حسب زعمه.

لذا نعود للمقولة الشهيرة: فرّق تسد، شتت تسد، مزق تسد!

في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لن يحتاج العالم إلى صاروخ بل إلى طاولة ومايكروفون ليقرأ بعض المتقاعسين قرارهم بالاعتراف بدولة فلسطين، حرة عربية عاصمتها القدس وعودة لاجئيها. الانتصار للاحتلال اليوم وكل يوم هو الانتصار للتطرف والتعصب وهو المنصة الدائمة للانتصار للموت لا الحياة!

 

٭ كاتب فلسطيني

القدس العربي

 

 

 

تركيا ترفض تحمل مسؤولية التخبط الأمريكي في المشرق/ د. بشير موسى نافع

كان أسبوعاً مدهشاً بلا شك؛ فخلال أيام قليلة من بدء تقدم قوات الدولة الإسلامية نحو مدينة عين العرب، بدأت حملة إعلامية غربية على تركيا، تطالبها بالتدخل لإنقاذ المدينة من السقوط. (وكوباني ليس اسماً كردياً للمدينة حسب التاريخ الإداري السوري، بل مجرد تحريف للفظة كومباني، أي الشركة، وتشير إلى شركة ألمانية عملت في المنطقة في مطلع القرن العشرين لمد خط سكة حديد.) معلقون غربيون، سيما من المتعاطفين مع الدولة العبرية، أو ليبراليين اعتادوا دعم كل تدخل غربي في العالم، أو خبراء قليلي المعرفة بشؤون المشرق وشعوبه، اصطفوا جميعاً لاتهام تركيا بالتخلي عن الأكراد، أو التعاطف مع داعش، أو خذلان التحالف الغربي المناهض للإرهاب. والأكثر مدعاة للدهشة كان تصريح مبعوث الأمم المتحدة لسوريا، المحترم ستيفن دي مستورا، الذي طالب تركيا بفتح الحدود للمقاتلين الأكراد (الأكراد الأتراك، كما يبدو)، لمساندة أشقائهم المدافعين عن عين العرب، بالرغم من أن مجلس الأمن كان قد مرر قراراً دولياً يؤكد على منع تدفق المقاتلين إلى سورية، وأن الدول الغربية تحاكم وتسجن وتجرد جنسية كل من يضبط عائداً من القتال في سوريا، بغض النظر عن الجهة التي يقاتل معها.

الموقف التركي، في الحقيقة، واضح، ولا يحتاج لكثير من البحث والتنقيب. معركة داعش في عين العرب، كما كانت معاركها في الرقة والباب وكثير من مواقع سورية الأخرى، لم تكن ضد الأكراد ولا ضد العرب. تخوض داعش، بمنطق أعوج ويصعب تفسيره منطقياً في كثير من الأحيان، معركة ضد النظام السوري، ومعركة أخرى ضد تنظيمات الثورة السورية أو أحزاب كردية من أجل السيطرة وتعزيز النفوذ. وعين العرب ليست سوى حلقة أخرى في هذه المعارك، صادف أن يكون أغلبية سكانها من الأكراد وأن يكون صاحب النفوذ والسيطرة فيها حزب الاتحاد الكردستاني السوري. وليس في تاريخ الحزب وممارساته ما يدعو للتعاطف، لا التعاطف التركي ولا تعاطف قوى الثورة السورية الأخرى. حافظ الاتحاد الكردستاني السوري دائماً على علاقات وثيقة بالجناح الأكثر تطرفاً في حزب العمال الكردستاني التركي، وعلى علاقات تفاهم، أقرب للتحالف، مع نظام الأسد في دمشق. وفي مناسبات سابقة، واجه الاتحاد الكردستاني قوى الثورة السورية الأخرى، وتعامل بفاشية لا تخفى مع العرب في القرى والبلدات بمحافظة الحسكة، حيث نفوذه الرئيسي، وفي ريف حلب. هذه، باختصار، معركة لا ناقة لتركيا فيها ولا جمل، وليس ثمة ما يدعو للتورط فيها.

بيد أن هناك ما هو أهم من ذلك. ليس ثمة خلاف على إدانة تصرفات داعش، في عين العرب، وفي مجمل الساحتين السورية والعراقية. ولكن هذا الصعود الهائل لداعش لم يأت من فراغ، أو بفعل قوى ميتافيزيقية، غامضة. بدون تداعيات الثورة السورية، تعهد النظام في دمشق لحرب دموية ضد شعبه، واضطرار قوى الشعب السوري للجوء إلى السلاح لمواجهة وحشية النظام وإجرامه، وصمت العالم طوال ما يزيد عن ثلاثة أعوام عن المجزرة التي تدور رحاها في سوريا، ما كان لداعش أن تحقق هذا الصعود الذي حققته. فكيف يمكن اختصار الأزمة السورية كلها في عين العرب، وكيف يمكن تبرير التباكي على عدة مئات من القتلى في عين العرب، من الجانبين، وتجاهل مئات الآلاف من الضحايا السوريين، والملايين من اللاجئين؟ هذه، بكلمة أخرى، أزمة سورية، وليست أزمة حزب كردي، وينبغي أن تعالج ويتم التعامل معها ككل، لا اختزالها، لسبب أو لآخر، في مدينة حدودية، لم يعد فيها أحد من السكان، على أية حال. وتركيا، قبل أوروبا والولايات المتحدة، المتضرر الأكبر مما تشهده سوريا من آلام. تستضيف تركيا ما يزيد على مليون ونصف المليون من اللاجئين السوريين، بينهم ما يقارب مائتي ألف من لاجئي عين العرب، عبروا الحدود خلال أقل من أسبوع. وفي الوقت الذي تضيق أوروبا بعدة آلاف من اللاجئين «غير الشرعيين»، تتحمل تركيا منفردة، وبدون أي عون دولي ملموس، العبء الكامل للاجئين على أرضها. فلماذا يفترض بالحكومة التركية الاستجابة لمطالب التحالف الغربي ضد داعش، بينما يجري تجاهل المطالب التركية من الأصدقاء الغربيين والمجتمع الدولي؟

خلف هذا الضجيج الكبير حول عين العرب، ومناخ الضغط الإعلامي الغربي على تركيا (إن افترضنا أن ليس هناك ضغوط سياسية، كذلك)، ثمة مشكلة أكبر، مشكلة استراتيجية إدارة أوباما لمواجهة داعش.

لم يكن خافياً طوال الأعوام الستة الماضية أن واشنطن أوباما تبنت سياسة انسحاب جزئي من الشرق الأوسط، وأن سلم أولوياتها في الساحة العالمية اختلف بصورة ملموسة عن أولويات إدارة بوش الابن. هذا، كما أشرت في هذا الموقع مراراً، لا يعني التخلي الكامل عن الوجود والتأثير الأمريكيين في المنطقة، ولكنه يعني تكريس جهد وموارد وطاقة عمل أقل بكثير من السابق. ثمة أسباب عديدة خلف هذه السياسة، منها إخفاق وتكاليف مغامرات بوش في أفغانستان والعراق، بروز تحديات أكثر خطراً بفعل الصعود المذهل للصين، تراجع الحاجات الأمريكية الكبير والمطرد لنفط المنطقة، وتقدير إدارة أوباما لضيق الرأي العام الأمريكي بالتورط في حروب طويلة، مكلفة بشرياً ومالياً. ولكن الرئيس الأمريكي واجه ضغوطاً هائلة في واشنطن للتعامل مع ما تمثله داعش من تهديد، سيما بعد عمليات القتل البشع التي قامت بها لغربيين أسرى، وما بدا في بعض اللحظات من تهديدها لأربيل أو بغداد. أخذت إدارة أوباما عدة أسابيع لإعداد استراتيجية عمل للتعامل مع داعش (مفكر فيها، كما قال مسؤولو الإدارة)، ولكن هذه الاستراتيجية لا تختلف كثيراً عن سياسة الانسحاب الجزئي من الشرق الأوسط، التي تبناها أوباما منذ تسلم مقاليد البيت الأبيض. بنيت خطة أوباما، باختصار، على توجيه ضربات جوية محدودة لمواقع داعش ومقدراتها في العراق وسوريا، تشارك فيها الدول الحليفة، سيما دول عربية وإسلامية (للتوكيد على أن هذه ليست حرب أميركا ضد الإسلام). أما الجهد الأكبر على الأرض، فلابد أن تقوم به قوات الإقليم الكردي، والجيش العراقي، وقوات عشائرية سنية، وقوات من «المعتدلين» السوريين، الذين سيجري أعدادهم وتجهيزهم خلال الشهور القادمة. ودائماً طبقاً لواشنطن أوباما، فإن هذه الخطة ستستهلك سنوات قبل أن توقع هزيمة فعلية بداعش، ربما بدون أن تقضي عليها كلية.

ليس هذا مجال الجدل حول الفعالية العسكرية لهذه الخطة، سيما في ضوء الانهيار شبه الكامل لجيش العراق، فقدان الثقة الفادح بين العرب السنة وحكومة بغداد، كون داعش جماعات متحركة وليست دولة بمقدرات ثابتة ومعروفة، وتمتعها بحاضنة شعبية ما، عززتها الصراعات الطائفية المفتاقمة في العراق وسورية. ولكن المشكلة الأكبر لمقاربة اوباما تتعلق بلا شك بإطارها السياسي. لا تقول إدارة أوباما شيئاً عن مستقبل سورية، ولا تمتلك تصوراً للمساعدة على إصلاح بنية الدولة العراقية، ولا تكترث بالتداخل المتسع بين طموحات إيران وأوضاع سورية والعراق، وتتجاهل كلية مطالب تركيا في إنشاء منطقة آمنة في الشريط السوري الشمالي. تدرك إدارة أوباما، وكل أطراف التحالف، الذي تشكل على عجل لمكافحة داعش، أن تركيا هي الدولة الأهم في أي جهد للتعامل مع أوضاع العراق وسورية المتدهورة. وسرعان ما اتضح، على أية حال، أن الضربات الجوية لم تغير كثيراً من الوضع على الأرض، وأن داعش تتراجع في مناطق وتتقدم في أخرى. هشاشة التحالف، الذي اعتقدت إدارة أوباما أنها نجحت في تشكيله في مؤتمر جدة، الوقائع الصلبة على الأرض، والغموض السياسي في استراتيجية واشنطن، اجتمعت معاً في عين العرب، الهامشية إلى حد كبير في مجمل الصورة، لتضاعف من الحاجة لدور تركي، ينقذ تحالف المئة دولة من الحرج.

٭ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

القدس العربي

 

 

 

إيران و«داعش»: شراكة وعداوة!/ الياس حرفوش

لم يكن الفريق قاسم سليماني قائد «الحرس الثوري» الإيراني حاضراً في الاجتماع الذي دعا اليه الرئيس باراك أوباما القادة العسكريين لـ 22 دولة غربية وعربية وشرق أوسطية لمناقشة الحملة على تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وبحث أفضل الوسائل لمتابعة الحرب على هذا التنظيم وكسبها.

كان سليماني في ذلك الوقت يتابع المعركة على الارض في العراق حيث ينتشر عناصر «داعش»، فيما كانت طائرات دول التحالف المشاركة في الحرب تقصف مواقع التنظيم من الجو. بالمعنى الاستراتيجي لا يمكن ان يعني هذا سوى ان أميركا وإيران تخوضان اليوم معركة واحدة ضد عدو واحد، وان كانت الدولتان تخجلان، حتى الآن، من المجاهرة بذلك، لما له من انعكاسات سلبية على سمعة البلدين وصدقيتهما لدى حلفائهما في المنطقة.

مع ذلك، لم يعد الإعلام الإيراني يتردد في نشر صور سليماني، الذي كان يندر الاعلان في السابق عن وجوده في مواقع المعارك التي تديرها إيران وحلفاؤها، سواء في العراق او سورية او لبنان. هكذا ظهرت صور سليماني على شاشة التلفزيون الإيراني الى جانب المقاتلين الاكراد في شمال العراق، فيما كان أحد مستشاري المرشد علي خامنئي يؤكد ان وجود الجمهورية الاسلامية ودعمها هو الذي حال دون سقوط بغداد. «وبمساعدة الجمهورية الاسلامية وخبرتها ومشورتها تمكن الشعب العراقي من وقف تقدم «داعش». واضاف ان سليماني تعرض لخطر «الاستشهاد» ليضمن بقاء الحدود الايرانية مع العراق في أمان.

تقدّم «داعش» في مناطق شمال العراق بعد سقوط الموصل بصورة مفاجئة وسريعة في مطلع حزيران (يونيو) الماضي تحوّل الى ورقة في يد إيران. إذ فيما كانت الدول الاقليمية والغربية تتردد حيال التدخل وتبحث الخطط لمواجهة الانقلاب الجديد في موازين القوى على الارض، كان الايرانيون أول من وصل الى أرض المعركة لمساعدة قوات «البيشمركا» وحماية أربيل وسائر المناطق الكردية من تقدم «داعش». ويعترف اكراد العراق انه لولا هذا العون الإيراني لكانت أربيل اليوم هي كوباني العراقية.

في هذه الاثناء، توصل الإيرانيون الى صفقة مع ادارة باراك اوباما دفع ثمنها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، الذي تمّ تحميله مسؤولية فشل الجيش العراقي في حماية الموصل. اشترط اوباما لمساعدة العراقيين ان يتم إبعاد المالكي، لكن التدخل الاميركي الخجول ترك الساحة فارغة فملأها الايرانيون. ادركوا ان الفرصة سانحة للوقوف في الصف ذاته الى جانب الحرب الكونية ضد الارهاب، متمثلاً في تنظيم «داعش». طوى الايرانيون بذلك صفحة محاسبة المالكي، رجلهم السابق في بغداد، عن سياسته الخرقاء والطائفية التي سمحت بنمو هذا التنظيم الارهابي، وحوّلت الجيش العراقي الى ميليشيا يغلب عليها الطابع الشيعي، ما جعل قياداته تنسحب من مسؤولياتها في الدفاع عن محافظة نينوى باعتبارها «محافظة سنّية». وبدل ان تكون طهران في موقع المتّهم نتيجة نفوذها في بغداد ايام المالكي، تريد الآن ان يُنظر اليها على انها المنقذ للعراق من شرور «داعش»، وهو ما أكده رئيس «المجلس» الايراني علي لاريجاني بقوله انه لو لم تتدخل ايران في العراق لكان الوضع في هذا البلد قد خرج عن السيطرة بالكامل.

تنتقد ايران الحلف الدولي القائم اليوم ضد تنظيم «داعش». ويعتبره علي خامنئي محاولة أميركية لزيادة الهيمنة وتوسيع الوجود العسكري الاميركي في المنطقة. غير ان الحقيقة وراء هذا الستار الكثيف من الغبار ان الايرانيين، المسؤولين عن صنع «داعش» وعن نموّه، والذين تتحمل سياساتهم (من بغداد الى صنعاء مروراً بدمشق وبيروت) المسؤولية عن توفير البيئة الحاضنة له في أماكن وجوده، هم الذين يستثمرون اليوم الحرب على هذا التنظيم، ويضعون أنفسهم في موقع الحليف الضروري فيها.

الحياة

 

 

 

 

اولويات متضاربة بين أعضاء التحالف ضد “داعش”/ راغدة درغام

لن يتنازل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن الشروط التي وضعها أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما إذا كان سيدخل حقاً طرفاً مباشراً في الحرب على تنظيم «داعش». فهو ليس مقتنعاً بالسياسة الزئبقية للولايات المتحدة في هذه الحرب، لا سيما بعدما تهرّبت ادارة أوباما من فكرة فرض منطقة عازلة في سورية لفرض حظر الطيران على قوات الرئيس بشار الأسد. أردوغان يريد ان يستخرج من أوباما حقيقة مواقفه من الأسد. وأنه مقتنع بأن انخراطه في حرب مفتوحة الأفق لسنوات تحت عنوان محاربة ارهاب «داعش» الصاعق سيضع تركيا في الجبهة الأمامية وستدفع الثمن بمفردها من بين دول التحالف. أردوغان يريد خريطة واضحة لأهداف هذه الحرب واستراتيجية تنفيذها. يعرف انه الباب الرئيس لدخول حلف شمال الأطلسي (ناتو) الى سورية ويفهم تماماً قيمة ذلك. يستذكر ان الرئيس أوباما تلكأ وتراجع فعلياً عن تعهده بأن أيام الأسد معدودة، وهو لن يرضى بمجرد الوعود بل يريد ضمانات قاطعة، من بينها انهاء النظام في دمشق. ويريد أكثر، يريد ضمانات بعدم قيام الدولة الكردية الممتدة من العراق الى سورية الى تركيا وإيران حيث الأقلية الكردية في كل هذه الدول عانت كثيراً انما احداث العراق وسورية أحيت لدى القيادات فكرة امكانية تحقيق حلم الدولة المستقلة ويريد أردوغان، أكثر ما يريد، دوراً اقليمياً يعبر حدوده التركية شرقاً ويطرحه قوة اقليمية تباركها الولايات المتحدة وأوروبا. طموحاته كبيرة. أوراقه ثمينة. تكتيكه مثير للغط والانتقاد. استراتيجيته معقدة، جزء فيها يرتكز على استخدام رعايته لـ «الاخوان المسلمين» حجر أساس لعودته اقليمياً، وجزء آخر يتهادن مع ايران على رغم الخلاف معها في سورية. كل هذا وفي ذهنه مصر والقوى الخليجية.

يعتقد الرئيس التركي انه طالما يحرص على علاقة مميزة مع قطر التي، في رأيه، تشاطره دعم «الإخوان المسلمين»، فإن صفوف الدول الخليجية في انشقاق دائم. وهذا يريحه لأن السعودية والإمارات عازمتان على قطع الطريق أمام صعود «الإخوان المسلمين» الى السلطة في المنطقة العربية.

قطر تنفي ان تكون داعماً وممولاً وراعياً لـ «الاخوان المسلمين» كما تركيا، وهي اتخذت في الآونة الأخيرة اجراءات تفيد بأنها لن تستمر في دعم «الاخوان» كما في الماضي. المشكلة تبقى في مصر حيث قطر مستمرة في دعم قناة موجهة ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أطاح الرئيس «الاخونجي» محمد مرسي باستدعاء شعبي له للقيام بهذه الإطاحة. وهذه نقطة خلاف مستمرة مع السعودية والإمارات رغم تحسين العلاقات الثلاثية أخيراً.

هذا الأسبوع، اجتمع كل من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود مع أمير قطر تميم بن حمد آل خليفة ليبحثا في مشاغلهما إزاء التطورات في المنطقة من تحالفهما معاًَ في الحرب على «داعش» الى اتفاقهما على ازالة النظام في سورية، الى قلقهما من ادوار ايران في العراق وسورية واليمن، الى خلافاتهما في شأن «الاخوان المسلمين»، الى توافق الأمر الواقع بين تركيا وقطر في السياسة نحو التطورات المصرية.

أثناء لقائه مع مؤسسة فكرية في نيويورك مطلع هذا الشهر، تطرق الأمير تميم بن حمد الى اتهامات عدة موجهة الى قطر. الجلسة كانت أعلنت مغلقة لا يمكن الاشارة الى مداولاتها، لكن وزير الخارجية خالد العطية أعطى لاحقاً حق نشر كل ما قاله الأمير وذلك تلبية لرغبته.

قال الأمير تميم ان سياسة توفير الملجأ لـ «الاخوان المسلمين» التي سبق وتبنتها قطر «انتهت»، إلا ان سياسة قطر القائمة على «الباب المفتوح» وعلى التوسط بين اللاعبين في المنطقة بغض النظر عمن هم «لا حدود لها».

وصف العلاقات بين قطر وإيران بأنها «علاقات جيدة… انما هناك مسائل نعارضها» في السياسة الإيرانية مثل «التدخل في الدول العربية» و «احتلال أراضٍ عربية» و «الدور السلبي الذي تلعبه في سورية». وتعليقاً على الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي يقال انه آتٍ باعتدال وسياسة جديدة في إيران، قال الأمير تميم «بصدق، لم نلمس تغييراً. لكننا نعرف أنه راغب» في التغيير.

أقر أمير قطر بالخلافات مع الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، السعودية والإمارات والبحرين، في شأن «السياسة الخارجية»، لكنه حرص على وصف العلاقة مع السعودية بأنها «تاريخية وقوية». قال ان الدوحة تتوقع عودة سفراء السعودية والإمارات قريباً مشدداً على رغبته «بتفاهم وعلاقة عظيمة مع دول مجلس التعاون، خصوصاً المملكة العربية السعودية». وحول البحرين قال «اننا نقف مع حكومة البحرين» فيما نحضّها على فتح الحوار مع المعارضة.

بالنسبة الى دور قطر في التحالف، قال الأمير تميم: «لنقل انه دور ما، لكنه ليس دوراً كبيراً». أضاف: «ان التحالف كان بالتأكيد ممكناً من دون قطر، ومشاركتنا فيه كانت قراراً صعباً»، بسبب عدم توافر الاجابة عن السؤال الأساسي وهو: ماذا بعد؟ ماذا في اليوم التالي؟

أقر بـ «أن لنا دوراً عميقاً في سورية» واتهم النظام في دمشق بأنه «يستفيد من الإرهابيين» وقال ان بشار الأسد «لن يتنحى ما لم يُفرض عليه التنحي وتتوافر وسائل إسقاطه». اضاف ان «اليوم التالي ليس آتياً فوراً»، ولكن، إذا توافرت «الوسائل» للمعارضة المعتدلة، فإن في وسعها «إلحاق الهزيمة بالمجموعات المتطرفة» شرط الوضوح نحو مصير الأسد، «فضحايا هذا النظام لن يحاربوا لمساعدة النظام الطاغية».

ما يجمع بين المواقف القطرية والتركية والسعودية والإماراتية هو اعتبار اسقاط بشار الأسد، وربما سقوط نظامه، أيضاً حجراً أساسياً في سياسة هذه الدول نحو سورية، ما يفرّق هذه الدول هو ذلك «اليوم التالي»، و «ماذا بعد».

السعودية والإمارات لا تريدان ان يعود «الاخوان المسلمون» ومشتقاتهم الى السلطة في بلد عربي، لا عبر البوابة التركية ولا عبر اسلوب الوساطة القطرية. خلافهما مع تركيا وقطر في الشأن المصري ليس عابراً، وهو لم ينته بعد، طالما لم يطرأ تغيير جذري على السياستين التركية والقطرية نحو مصر. فهذه مسألة استراتيجية للدولتين.

الرئيس التركي، يبدو ماضياً وعازماً على الاستنجاد بـ «الاخوان المسلمين» لتنفيذ استراتيجيته وتلبية طموحاته وتعزيز نفوذه اقليمياً، من البوابة السورية ثم العراقية واللبنانية والأردنية. هذا يمكّنه من ان يصبح قوة اقليمية تملأ الفراغ، تحل مكان مصر وإيران، فيصبح رجب طيب أردوغان حاكم المنطقة. هكذا تنظر السعودية والإمارات ودول أخرى خليجية الى ما يقوم به الرئيس التركي وهو يساوم على دوره وموقعه في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الحرب على «داعش». وهي ليست مرتاحة الى ذلك، بل قلقة وحائرة.

هذه الدول تعارض قطعاً معادلة اسقاط الأسد ونظامه ليحل مكانه «الاخوان المسلمون». تفضل اسقاط الأسد واستمرار جزء من نظامه في عملية سياسية جديدة تضم المعارضة المعتدلة وليس المعارضة الإسلامية.

ما تواجهه الدول الخليجية المشاركة في التحالف هو ركاكة التزام أوباما بإسقاط الأسد، من جهة، ومتانة تمسك أردوغان بصعود «الاخوان المسلمين» الى سدة الحكم في سورية ليحلوا مكان نظام الأسد.

فالأولويات والأجندات للدول المشاركة في التحالف – بقوة وبرخاوة أو بشروط مسبقة – مختلفة وبعضها متضارب. حتى عسكرياً، يقع التحالف في معمعة. الاجتماع الذي ضم القادة العسكريين للدول المشاركة في التحالف (وحضرته تركيا على مستوى أقل من رئيس الأركان) والذي عُقِدَ هذا الأسبوع في واشنطن بدا مُشتتاً اكثر مما هو متماسك.

فلا الأهداف متفق عليها باستثناء عنوان الحرب على «داعش». ولا الخطط العسكرية جاهزة في ضربات استباقية،لا سيما مع اصرار تركيا على وضوح الأهداف والالتزامات السياسية والعسكرية مسبقاً، وبضمانات. ليست هناك جاهزية أميركية لفرض حظر الطيران في سورية على الحدود التركية، ولا هناك جاهزية تركية للمساعدة عسكرياً في حرب أوباما على «داعش» من دون الجاهزية الأميركية. لا توجد قوات برية مدربة للقيام بما هو ضروري للتعويض عن قصور عملي للغارات العسكرية وحدها. فلا الأميركيون ولا الأوروبيون مستعدون لإرسال قوات، ولا الدول العربية في التحالف مستعدة لإرسال قوات برية بمفردها وتصر على ائتلاف اقليمي ودولي اذا كان عليها ارسال قوات. حتى في الغارات الجوية، هناك خلافات حول الأدوار.

أما المردود، أو المقابل، أو المكافأة، أو المقايضة، فهذه لغة يتحدث بها الرئيس التركي وحده، علناً، مع الرئيس الأميركي ويقول صراحة ما فحواه ان مشاركته في الحرب لن تكون مجاناً. الأطراف العربية في التحالف لا تطالب علناً بالمقابل لكنها تبلغ القيادة الأميركية بلطف ووراء الكواليس ان القاعدة الشعبية في بلادها، كما في سورية والعراق، تتململ بشدة من دخول هذه الدول شريكاً في التحالف في حرب أوباما، بلا أفق سياسي، ولا خريطة طريق، لا في سورية ولا في العراق. تقول ان هناك استياء متصاعداً من الإصرار الأميركي على استبعاد الحديث عن الأدوار الإيرانية المخرّبة في العراق وسورية ولبنان واليمن ومن التغطية على الفوائد الإيرانية من الحرب على «داعش» فيما حلفاء ايران من «أنصار الله» الحوثيين في اليمن يحتلون محافظة تلو المحافظة بعد السيطرة على العاصمة.

الأرجح ان الرئيس أوباما لن يصغي جيداً الى ما يُهمَس أمامه لأنه ليس مضطراً. فهو غارق في أولوياته من كيفية تدمير تنظيم ارهابي يتفشى عبر الحدود مثل «داعش» بغارات متناثرة الى كيفية التعاطي مع شريك ضروري في هذه الحرب يطالبه علناً بالمقابل. الرئيس أردوغان لا يتراجع ولا يعتذر على عناده وعنفه في التمسك بمواقفه. سعره كبير وعالٍ، والأدوات بين يديه غالية وغير متوافرة للآخرين. عدوه هو غطرسته لدرجة الاستفراد في لعب الأوراق. لا يهمه ان يبدو خالياً كلياً من العاطفة الإنسانية وهو يضرب الكرد ويرفض تسهيل خلاصهم في عين العرب من «داعش». ففي رأيه ان كرد سورية هم من ارتكب الخطأ الفادح عندما ارتبطوا بنظام رمى البراميل المتفجرة على شعبه. فهو ينظر الى نفسه من منظور الرجل الاستراتيجي الذي يقف على شاطئ بحر أمواجه تُغرق الآخرين، يحدق بالأفق أمامه فيرى نفسه يطفو بعنفوان مستكبراً ومنتصراً.

الحياة

 

 

في اضطرابات ثورة السوريين/ ماجد كيالي

افتقدت ثورة السوريين، منذ بداياتها، مرجعية سياسية ومفهومية وحزبية، إذ عرفت بأنها حالة ثورية عفوية، أو بمثابة حالة انفجارية، يفسرها اجتماع القهر والغضب والتوق للخلاص، عند معظم السوريين، كما تفسرها عقود من المحو والتهميش، واحتكار السياسة والسلطة والمجال العام من قبل النظام.

هذا الوضع سيفسّر، أيضاً، التطورات الحاصلة في ما بعد، وضمنها صعوبة انتظام السوريين في هيكلية سياسية معينة، وتعذّر خضوعهم لمرجعية فكرية محددة، واختلافهم على كل شيء، وتالياً تقوّض ادراكاتهم لذاتهم وتفرّق دروبهم في صراعهم مع نظامهم وفي ما يخص اجتهاداتهم حول مستقبلهم، على رغم كل الأهوال التي أحاقت بهم، وما زالت.

طوال الأعوام الماضية، واجه السوريون اختبارات عدة، ربما كان أولها ما يتعلق بطبيعة الثورة، أو الطريق الأنسب للتخلص من النظام، وهو ما تم حسمه بتغليب الشكل العسكري على غيره من الأشكال الكفاحية، الشعبية او المدنية.

وبغض النظر عن اعتبار ذلك بمثابة رد فعل على انتهاج النظام لأقصى اشكال العنف ضد السوريين، وثورتهم، إلا أن هذا التحول لم يحدث بنتيجة تطور تدريجي في عمل الثورة، ولا بنتيجة وعي ذاتي، وإنما بدفع من أطراف خارجية. وبالمحصلة فإن هذا الأمر، بغض النظر عن ضرورته، من عدم ذلك، لم يلق اجماعاً من النشطاء الفاعلين في الثورة، أو محركيها في عامها الأول، كما اثر بطريقة سلبية على نظرة مختلف مكونات المجتمع السوري لها، سيما ان الأمر لم يتوقف فقط على العسكرة، وتركيز المواجهة ضد النظام، وإنما كانت له ارتدادات أخرى.

لا تتعلق المسألة هنا بالمفاضلة بين الثورة الشعبية السلمية والثورة المسلحة، لأن الثورة السلمية لا يمكن ان تنجح في سورية، أيضاً، لسبب بسيط مفاده ان النظام يعتبر البلد بمثابة مزرعة خاصة، فهذه بالنسبه له «سورية الأسد إلى الأبد»، ولا مكان فيها لمفهوم الشعب، ولا للسياسة، والطريق الوحيد المعتمد عنده لمواجهة الخروج على هذه المعادلة هو انتهاج اقصى العنف والقمع. وقد نتج من ذلك مصرع حوالى 500 شخص في الشهر الواحد، في الأشهر الثماني الأولى من الثورة السلمية، برصاص أجهزة الأمن والشبيحة. ومعلوم أن هذا العدد ارتفع بعدها الى 2000 ثم إلى 4000 شهرياً، مع استخدام النظام للقصف من المدفعية والطائرات، بحسب معطيات «مركز توثيق الانتهاكات في سورية» (www.vdc-sy.info).

اذاًً الأمر هنا يتعلق تحديداً بكيفية العمل في ظل غياب الشروط المناسبة للثورة، سلمية او مسلحة، وخلق الظروف التي تسمح بمراكمة تلك الشروط والامكانات والخبرات، للتحول المتدرج من مستوى معين إلى غيره. وعلى سبيل المثال، فإن الثورة التي لا تستطيع تنظيم عصيان مدني، أو فك علاقة مجتمعها بأجهزة النظام/الدولة لا يمكن لها التحول دفعة واحدة الى ثورة مسلحة.

الأهم من ذلك أن الدفع نحو الثورة المسلحة جرى بدفع خارجي، وبوعود سخية بالدعم، وهو ما لم يحصل، بل إن هذين، أي الدفع المبكّر والمتسرع، وغير المدروس، نحو العسكرة، ومحدودية الدعم المالي والتسليحي، أديا إلى تعميق ارتهان ثورة السوريين بالداعمين الخارجيين، وتالياً الاشتغال وفقا لأجندتهم السياسية، ما أضر بالثورة وبالمجتمع السوريين. طبعاً هذا الكلام لا علاقة له بالتشكيلات المسلحة التي انبثقت نتيجة الانشقاق من الجيش النظامي لرفضها الأوامر، ولا بجماعات الحماية المحلية في بعض قرى واحياء المدن، والتي فرضتها ردود الفعل، على عنف النظام، وانما يخص الجماعات التي جرى تفريخها بدعم خارجي، ووفق اجندة معينة لا تراعي إمكانات السوريين، ولا درجة تطور ثورتهم وخبراتهم.

وقد انبثق من المعطى السابق، أي التعويل على الثورة المسلحة، وتالياً على الدعم الخارجي، توهم إمكان استجلاب تدخل دولي وإقليمي في الشأن السوري، حتى أن ثمة يوماً أطلق عيه اسم «جمعة التدخل الخارجي». في هذا الإطار لا نقلل من الإشارات التي وجهتها بعض الدول، في إشاعة هكذا وهم، وقيام سفراء دول اجنبية بزيارة المتظاهرين في ساحات الاعتصام في حماة وحمص، وتصريحات رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة التركية وقتها، والرئيس حالياً، بأن حلب خط أحمر، وانه لن يسمح بتكرار تجربة حماه. بيد أن كل ذلك لم يتحقق منه أي شيء، لا حظر جوي ولا إيجاد مناطق امنة، ولا دعم تسليحي مناسب، لوقف الغارات الجوية المدمرة على الأقل، وبالعكس فقد اعطي النظام فرصة لتدمير البيئات الشعبية الحاضنة للثورة، وتهجير ملايين السوريين. والفكرة هنا أن «الدول الصديقة»، اجنبية او عربية، لم تفعل شيئاً لوقف مأساة السوريين، وإنقاذهم، وان الطبقة السياسية المتحكمة بالثورة السورية ظلت على مراهناتها، ولم تراجع مسارها على ضوء هذا الخذلان الخارجي. ومن الواضح ان هكذا مراهنة ادخلت الثورة في حسابات ودفعتها إلى انتهاج استراتيجيات تفوق قدرتها على التحمل، وأكبر من امكاناتها، الأمر الذي اوقعها بمشكلات عديدة، دفع ثمنها السوريون باهظاً، من عمرانهم واستقرارهم ومن سلامة مسار ثورتهم، وهذا ينسحب حالياً على الاضطراب في الموقف من الضربات الجوية الموجهة ضد داعش.

ايضاً في الاختبار المتعلق بظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة، العنيفة والتكفيرية، بدا ان ثمة تضعضعاً في اجماعات السوريين، إذ هناك من اعتبر هذه الجماعات جزءا من معسكر اسقاط النظام، وثمة من رأى فيها، نبتا غريباً عن السوريين، وعن ثورتهم ومعتقداتهم، وأنها تشكل خطراً على سورية المستقبل والبيئات الشعبية الحاضنة للثورة، كما بينت ممارساتها في المناطق التي تسيطر عليها. في الغضون يبدو ان البعض نسي، في غمرة حماسه لإسقاط النظام، أن هذه الجماعات لا تعترف بالثورة، ولا تحسب نفسها عليها، ولا تقاتل النظام بسبب الاستبداد والفساد، وقضايا الحرية والديموقراطية، وانما لأسباب أخرى، ذات طبيعة دينية وطائفية.

وقصارى القول، يبدو أن ثورة السوريين باتت اليوم، في مظهرها الأغلب، خارج السياسة، وفي إطار الصراع الهوياتي والديني، وهو اكثر شيء يضر السوريين وثورتهم ومستقبلهم، وأكثر شيء يفيد النظام، وهو الأمر الذي يفترض بهم العمل على مواجهته وتصحيحه.

* كاتب فلسطيني – سوري

الحياة

 

 

“العزم التام” وسلاح “داعش” الكيميائي/ راجح الخوري

انتهى اجتماع رؤساء اركان التحالف الدولي الذي حضره باراك اوباما بإعلان مواقف اميركية متناقضة تماماً، إذ كان من المتوقع الإتفاق على استراتيجية موحدة تنظّم المعركة ضد “داعش” بعد شهرين من القصف الجوي الذي لم يحدث فرقاً، لأن الارهابيين يواصلون التقدم في سوريا كما في العراق، ولم تعد كوباني وحدها مهددة بالسقوط فقد تسقط بغداد قبلها!

لست ادري ما معنى “العزم التام” وهو الاسم الذي اختارته وزارة الدفاع الاميركية للحملة العسكرية، فالوقائع الميدانية تدفع المراقب الى التساؤل صراحة، هل هو عزم تام على ادارة ذلك الصراع الذي سيحرق المنطقة، وقد يستمر ثلاثين سنة كما يقول ليون بانيتا، أم هو عزم تام على ادارة حرب مذهبية تنتهي بدفع المنطقة الى التفتت والتقسيم؟

هذه اسئلة ضرورية ومشروعة عندما يقول منسق التحالف الجنرال المتقاعد جون آلن إن “داعش” احرز تقدماً كبيراً في العراق، وهذا اعتراف بأن بغداد باتت مهددة بالسقوط، وان كوباني لا تشكل هدفاً استراتيجياً بمعنى التسليم المسبق بإمكان سقوطها، وخصوصاً في ظل الإصرار التركي على عدم التدخل ما لم يطمئن اردوغان الى انه سيسقط بتدخله عصفورين بحجر واحد: الاسد وحلم الدولة الكردية!

المقلق في كلام ألن بعد جولته في المنطقة ان يخلص الى ان الضربات الجوية لن تحسم المعركة بل ستؤدي الى معادلة “لا غالب ولا مغلوب”، وهذه وصفة صريحة لصراع طويل سيدمّر المنطقة، وخصوصاً في ظل قول اوباما بعد اجتماع رؤساء اركان دول التحالف ان “داعش” ليست جيشاً نظامياً يمكن ان نهزمه في ارض المعركة، ما نحاربه هو نوع من الإيديولوجيا المتطرفة تنعكس على انقسامات مذهبية وسياسية في المنطقة وتتصل بحرمان اقتصادي وانعدام للفرص!

يوحي كلام آلن ان الخطر في العراق لا يقتصر على تقدم “داعش” في محافظة الأنبار التي باتت كلها تقريباً في يد التنظيم الارهابي الذي يهدد العاصمة، بل في القلق من انفراط حكومة حيدر العبادي التي يشدد على ضمان استقرارها، في وقت يشكو محافظ الأنبار وزعماء العشائر السنّية من تلكؤ الحكومة والتحالف في امدادهم بالسلاح لمقاتلة “داعش”، لتبرز وراء هذا الكلام اشباح الصراع المتأجج بين الشيعة والسنّة!

ما لا يصدّق ان ينصحنا الناطق باسم “البنتاغون” الأميرال جون كيربي بما سمّاه “الصبر الاستراتيجي”، وهو اعتراف استباقي بأن الحملة طويلة وان فيها نجاحات وإخفاقات كما قال اوباما، ولكن المقلق ليس الاخفاقات المتزايدة، بل الانباء التي تحدثت عن ان “داعش” استخدم اسلحة كيميائية في هجومه على كوباني، بعدما استولى من قاعدة المثنى العراقية على ٦٥ طناً من غاز الخردل و٢٥٠٠ صاروخ قادر على حمل رؤوس كيميائية!

فعن اي صبر استراتيجي يتحدثون؟

النهار

 

 

 

لا يستطيع أوباما محالفة الأسد سريِّاً!/ سركيس نعوم

شغل “الموقف هذا النهار” الذي نُشِر قبل أيام تحت عنوان “شريك مجهول يحمي نظام الأسد”! عدداً من المهتمين. فبعضهم المؤيد للنظام اعتبره مفيداً إذ يوحي أن أميركا هي الشريك وأن الأسد تبعاً لذلك لن يخسر. أما بعضهم الآخر المعارض له فلم يرتح له رغم التأكيد في نهايته أن النظام انتهى، وأن الأسد قد يبقى زعيماً لأقلية على جغرافية سورية محددة.

دفع “الموقف” المذكور، متابع أميركي صديق، للملف السوري إلى إرسال رأيه في السياسة السورية لبلاده حيالها استناداً طبعاً إلى معطيات ومعلومات جدّية.

ماذا تضمّن الرأي المشار إليه؟ تضمّن أولاً اعتبار كل من يعتبر أميركا شريكاً مجهولاً للأسد مؤمناً بالفكر الأمنياتي (Wishful Thinking).

وتضمّن ثانياً تأكيداً أن الرئيس بشار الأسد سيبقى على قيد الحياة سياسياً (Survive) ما دامت الحرب التي يشنها “التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب” على “تنظيم داعش” و”جبهة النصرة” وغيرهما مستمرة، وما دامت إيران وروسيا، وهما الحليفتان والداعمتان الأساسيتان له مصممتين على التمسّك بموقفهما هذا.

وتضمّن ثالثاً أن باراك أوباما سأل بعدما تسلَّم سلطاته الدستورية في ولايته الأولى فريق معاونيه عن أسباب كره الشعوب في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً التيارات الإسلامية المتشددة أميركا. وحصل على جواب واضح أشار إلى أن الولايات المتحدة كانت نشطة جداً في المنطقة، ودعمت كثيراً الأنظمة القمعية والاستبدادية، وبذلت جهوداً كثيرة لتغيير أنظمة في المنطقة، وانخرطت في عدد من الصراعات الشرق أوسطية، وأحجمت عن حل الصراع الذي كان عليها الاستماتة لحلِّه لأنه الوحيد الذي كان يمكن أن يساعدها لتغيير صورتها في المنطقة.

وتضمّن رابعاً أن أوباما واستناداً إلى جواب معاونيه قرَّر أن يخفض “المظهرية والاستعراضية” لبلاده. وأول خطوة تنفيذية لذلك كانت الانسحاب من العراق، والعمل الجاد لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وهو نجح في تنفيذ الأول. لكنه أخفق في تنفيذ الثاني رغم الجهود الكبيرة التي بذلها شخصياً وعبر وزيرة خارجيته الأولى هيلاري كلينتون. وتسبَّب إخفاقه بإحباط، زاد علاقته برئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو سوءاً دفعه إلى التردد في تكرار المحاولة الثانية. إلا أن إصرار وزير خارجيته جون كيري في ولايته الثانية على تكرارها جعله يوافق بتردد. إذ أبلغ إليه أن عليه التحرك وحده بين القدس وتل أبيب ورام الله والعواصم العربية، فإذا تأكد من النجاح يحصل منه على كل الدعم. لكن المحاولة الثانية فشلت أيضاً.

لماذا أحجم أوباما عن ضرب الأسد ونظامه عسكرياً عندما قرر ذلك؟

لأسباب عدة يجيب الصديق الأميركي المتابع نفسه. أولها الحرص على عدم تصعيب أو تعقيد المفاوضات الدائرة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية سواء على الملف النووي أو على الأزمات الكثيرة في الشرق الأوسط. وثانيها عدم إعطاء روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين الذريعة ليعمق تورطه أو تدخله في أوكرانيا، وليكرِّره في دول أخرى مجاورة لبلاده كانت يوماً جزءاً من الامبراطورية الحمراء. وثالثها الحرص على عدم تسبُّب أميركا بمجازر جديدة وكثيرة في سوريا. لكن ذلك كله، يضيف المتابع إياه، لم يمنع “إدارات” أميركية معنية أو ربما أجهزة من تدريب عدد مهم من عناصر المعارضة المعتدلة ولكن من دون إعلان وإعلام. كما أنه لم يغيّر إرادة أوباما رؤية الأسد ونظامه خارج السلطة نتيجة أي تسوية يتم التوصل إليها بالتفاوض. وهنا يؤكد: لا يستطيع أوباما أن يكون حليفاً سرياً للأسد. وإذا صار كذلك فإنه سيخسر قطعاً دعم دول الخليج (مجلس التعاون) وخصوصاً السعودية، وسيخسر أيضاً دعم تركيا رغم أنها لا تزال غاضبة لأن أميركا لم تنفِّذ ما وعد رئيسها بالقيام به ضد الأسد. فضلاً عن أنه (أي أوباما) سيواجه في حال كالمذكورة أعلاه مشكلات مع الكونغرس بجناحيه الديموقراطي والجمهوري.

في اختصار يشدِّد المتابع: ما يجدر الانتباه إليه هو أن أوباما يكره الأسد ويعتقد أنه ومحيطه ليسا إلا مجموعة من الخارجين على كل القوانين والأعراف والحقوق. وينهي: عاجلاً أو آجلاً سيجد الرئيس الأميركي نفسه مضطراً للتجاوب مع عدد من مطالب تركيا التي تريد مع السعودية الانتهاء من الأسد.

النهار

 

 

 

استراتيجية القضاء على “داعش”/ ويليام فاف

في يوم الأحد الماضي، تحدثت سوزان رايس مستشارة الرئيس أوباما للأمن القومي على قناة «إن بي سي» عن الاستراتيجية التي تتبعها الإدارة الأميركية لمحاربة «داعش»، التنظيم الإرهابي الذي يحتل الآن مناطق في سوريا والعراق، فسُئلت في البداية عما إنْ كانت ثمة أصلاً استراتيجية، لأن هنالك العديد من المتشككين في ذلك. فأجابت المسؤولة الأميركية بنبرة حازمة بأن ثمة فعلاً استراتيجية هي التي أعلن عنها أوباما، وتتمثل في ردع تنظيم «داعش» ثم «القضاء عليه».

والحال أن القضاء على «داعش» ليس استراتيجية وإنما هو هدف. أما الاستراتيجية، فهي ما سيمكّن التحالف الدولي الجديد الذي شكلته الولايات المتحدة من بلوغ الأهداف التي سطرها. ووقد وصفت رايس هذه الاستراتيجية بأنها تتمثل في تشكيل تحالف (وهو ما حققته منذ بعض الوقت الولايات المتحدة التي نصبت نفسها زعيمة له، وإن لم يتضح بعد ما هي المهام التي سيقوم بها زعيم التحالف عدا تنفيذ ضربات جوية ضد «داعش»). غير أن ما شددت عليه هو ما لن يقوم به التحالف، وهو إرسال قوات برية من أجل خوض القتال. وهذا غير صحيح تماماً على اعتبار أنه كان ثمة نشر لعدد من المدربين والمستشارين الأميركيين، وأن طائرات هليكوبتر هجومية أميركية استُعملت في بعض العمليات، على ما أفادت بذلك بعض التقارير الإخبارية.

وأكدت رايس على أن العراق هو الذي يجب أن يخوض الحرب البرية، حيث قالت: «يجب أن يكون العراقيون… فهذه حربهم، وهذه أراضيهم». وأضافت أنه حتى في الماضي «عندما كان لدينا أكثر من 100 ألف جندي أميركي في العراق، كان مناط الأمر هو ما إنْ كان العراقيون مستعدين وقادرين على القتال من أجل بلدهم». والواقع أن هذه نقطة حساسة، لأنه عندما تصادم الجيش العراقي في البداية مع «داعش» قبل بضعة أسابيع، انهار على نحو مثير وكان قادته من بين أولئك الذين فروا من الميدان.

وشرحت مستشارة الرئيس أن الجيش العراقي «ضعف» منذ أن انسحبت القوات الأميركية من البلاد، عقب مرور من الزمن قضته في تدريب الجيش، ومع أموال طائلة أنفقتها في سبيل إنشائه، ولكنه خُرِّب لأن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كان شيعياً «طائفياً»، وحوّل الجيش إلى أداة من أدوات قوته السياسية، وفشل في توفير القيادة القادرة على إلهام الجنود ورفع معنوياتهم.

والآن، تقول رايس، هناك حكومة عراقية جديدة تأمل إدارة أوباما أن تكون قادرة على إعادة بناء القوات المسلحة العراقية حتى تستطيع محاربة «داعش» بمفردها والانتصار. وقالت في هذا الصدد: «إن الأمر لن يكون سريعاً، ولا سهلاً. ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة لاستعادة الأراضي». وهذا سيستغرق ثلاث سنوات، حسب مصادر البيت الأبيض.

بيد أن المرء يشعر بالحرج لأنها كانت تقول كل ذلك للجمهور الأميركي والجمهور الدولي على رغم خبر قادم من العراق أذيع على قناة «إن بي سي» قبل وقت قصير على برنامج «ميت ذا برس» (واجه الصحافة) ضمن تقرير من بلاد الرافدين لريتشارد إنجل مراسل «إن بي سي»، الذي قال: «إن الجيش العراقي (اليوم) ليس أفضل حالاً مما كان عليه عندما انهار»، مضيفا أنه «من غير الواقعي كليّاً» الاعتقاد بأن الجيش والحكومة العراقية هما اليوم أفضل حالاً لمواجهة هجوم من «داعش» مقارنة مع الأمس.

والواقع أن الفكرة المتمثلة في أن العراق «سيقضي» على «داعش» بأمر من الأميركيين وهْم كبير، وربما كذلك الحال أيضاً بالنسبة للفكرة القائلة إن التحالف الذي شُكل للتو قادر على القيام بذلك بسرعة. كما أن الخطة التي تحدث عنها أوباما مؤخراً غير مقنعة أيضاً، وعلى إدارته أن تدرك ذلك. ولا شك أن البنتاجون يدرك هذا، فالتعليقات والتقييمات المسربة من قبل ضباط متقاعدين تشير جميعها إلى أنه لا شيء ذا بال سيتحقق إذا لم تذهب الولايات المتحدة إلى هناك للقيام بالمهمة.

ولكن، ما هي الخطة؟ حسناً، أولاً، نقوم مع الآخرين بقصف «داعش». وبعد ذلك، يقوم شركاؤنا في التحالف بحمل مسلحي «داعش» على التراجع (في الوقت الراهن، يقوم التنظيم بحمل القوات الكردية الصديقة على التراجع على الحدود التركية والسيطرة على مزيد من الأراضي العراقية والسورية). وبعد ذلك، نشارك نحن وقوات التحالف في «القضاء» على «داعش»، حسب خطة أوباما. ألا تبدو هذه خطة جيدة؟ أليس كذلك؟ ليس تماماً.

الواقع أن هناك ثلاثة أشياء يمكن أن تحدث. أولاً، الولايات المتحدة سترسل قوات مشابهة لتلك التي نشرتها في العراق سابقاً، ولكن هذا قد لا يحل أي شيء في المشكلة.

ثانياً، سيرفض أوباما على نحو مفهوم ومعقول الدخولَ في هذه الحرب الثالثة لفرض إرادة أميركا على الشرق الأوسط، وهو الذي سبق له أن قال إن هذه حرب العرب ليربحوها أو يخسروها.

شخصياً، أعتقد أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تدرك أن ثمة أزمة كبيرة في الشرق الأوسط، أزمة لا يمكن أن يحلها إلا المسلمون أنفسهم. فالولايات المتحدة تتحمل مسؤولية كبيرة عن هذه الأزمة بسبب تدخلاتها (وتدخلات إسرائيل والأوروبيين) السياسية والعسكرية منذ 1948، ولكنني أعتقد أنه ليس ثمة شيء يمكن أن يقوم به الغرب ويستطيع حل هذه الأزمة في جيلنا. ولذلك، يجدر بنا أن نراقب هذه المأساة بمشاعر ندم عما تسببنا فيه بسبب عجرفتنا أحياناً، وعن غير قصد أحياناً أخرى.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سرفيس»

 

 

 

 

 

معركة «داعش».. حرب بلا حدود/ جيفري كمب

بينما يلتئم في واشنطن اجتماع ممثلي الهيئة المشتركة لأركان جيوش التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش»، والمكون من ثلاثين دولة، لمناقشة أساليب التعاون والتكامل في الحرب ضد «داعش»، ما زال الغموض والشك يكتنف موقف تركيا فيما إذا كانت ستسمح للقوات المتحالفة باستخدام قواعدها الجوية من أجل الإسراع في احتواء التهديدات المتصاعدة للتنظيم الإرهابي في سوريا والعراق أم أنها سترفض ذلك وفقاً لحساباتها الاستراتيجية الخاصة بها. وتبدي تركيا عدم رغبتها في إقحام قواتها العسكرية في القتال. وهو ما يثير غضب أعضاء التحالف المنشغلين في كبح الهجوم الضاري لمقاتلي «داعش». ويتعلق أحد أهم أسباب المخاوف التركية من المشاركة في تلك الحرب، باعتقاد السياسيين الأتراك بأن إسقاط نظام بشار الأسد يجب أن يحظى بالأولوية في هذه الحرب، إن كان ثمّة حل حقيقي طويل الأمد لدحر المتطرفين. ولقد عبّر كبار صنّاع القرار الأتراك عن هذا الموقف بوضوح قبل بضعة أيام عندما وضعوا هدف إسقاط الأسد أحد شروطهم لفتح قواعدهم العسكرية أمام قوات التحالف.

على أن ذلك الاعتقاد لا يقتصر على تركيا وحدها، بل تشاركها فيه قيادات الثوار المعارضين للأسد من ذوي الميول المعتدلة والذين يرون بأن الضربات الجوية في سوريا تساعد الأسد أكثر مما تضرّ «داعش». وليس هناك أدنى شك في أن الضربات الجوية ضد «داعش» تحمل الفوائد الكبيرة لنظام الأسد على المدى القصير على أقل تقدير، طالما أنها تمثل عائقاً تكتيكياً يمنع التنظيم الإرهابي من تحقيق تفوق أكبر على نظام دمشق في المناطق الجنوبية من سوريا.

وفيما يتركز معظم اهتمام المجتمع الدولي الآن على تهديدات «داعش» في شمال سوريا، وخاصة في بلدة «عين العرب» (كوباني)، وعلى ضوء الاختراقات الميدانية التي حققها التنظيم على مشارف بغداد في الأيام الماضية عندما اقترب مقاتلوه إلى مسافة لا تزيد عن 20 كيلومتراً عن العاصمة العراقية، فإن جنوب سوريا يمكن أن يصبح مسرحاً جديداً (وخطيراً) لهذه الحرب. ومنذ اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد وحتى الآن، بقيت الحدود بين إسرائيل وسوريا المنطقة الأكثر هدوءاً في الشرق الأوسط. وقد وجدت الدولتان أن من مصلحتهما بقاء الحال كما هو عليه. إلا أن احتمال تسرّب الإسلاميين الراديكاليين إلى المنطقة الحدودية الجنوبية صعّد من التكهّنات حول وقوع أحد احتمالين، يتعلق الأول بدخول إسرائيل الصراع من أجل دعم الفصائل الثورية السورية المعتدلة، وربما يحدث ذلك عن طريق التعاون مع الأردن. ويتعلق الثاني باحتمال استخدام القوة العسكرية الإسرائيلية بشكل مباشر ضد تجمعات «داعش» من أجل ردعها ومنعها من الاقتراب من حدود إسرائيل. وفي كلتا الحالتين، فإن مثل هذا التطور يمكن أن يترتب عليه تغيير جذري في المعادلات القائمة على الأرض، كما يمكن أن يشكل معضلة صعبة أخرى لنظام الأسد. ولو رأى النظام أنه بات من المحتم عليه مواجهة إسرائيل بالقوة العسكرية، فسوف يفشل في ذلك بسبب الخلل الكبير في موازين القوة، وإذا سمح للفصائل الثورية بالإشراف على حدوده الجنوبية، فإن وضعه الاستراتيجي سوف يضعف أكثر.

وقد يعكس قرار تركيا لعب دور أكثر تأثيراً في سوريا مدى قوة الضغوط الواقعة عليها من بقية أعضاء التحالف. وبأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار إلى جانب احتمال انجرار إسرائيل للتورط في هذه الحرب، فسوف تتضح بجلاء الخطورة الكبيرة التي أصبح ينطوي عليها التصعيد في المواقف، كما أن ذلك يمكنه أن يوضح سبب استحالة الفصل بين المكوّنين السوري والعراقي عن بعضهما في هذا الصراع. ثم إن الدور المتزايد لإيران في دعم حكومة بغداد من جهة، والتعاون الضمني المستتر بين إيران والولايات المتحدة في محاربة «داعش» في العراق، يعد مؤشراً على ظهور نوع مثير للحيرة والاستغراب من إعادة النظر في تحالفات القوى القائمة على الأرض في الشرق الأوسط. إلا أن هذا التحالف الضمني غير واضح المعالم والنتائج، ولا أحد يعلم من الذي سيخرج منه منتصراً أو مستفيداً.

ومرة أخرى يتكرر ما حدث خلال الحرب العالمية الأولى عندما تحولت الحرب الأهلية في سوريا إلى صراع عسكري إقليمي شاركت فيه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة قوى خارجية عظمى. ومن ذلك، أن روسيا وإيران لا زالت تدعم الأسد فيما ترى دول الاتحاد الأوروبي وتركيا والولايات المتحدة والدول المحورية في الخليج العربي أن إسقاط نظامه يجب أن يمثل الهدف الأول لحملة التحالف الدولي.

ومن الناحية النظرية البحتة، يمكننا أن نلمس معارضة كل الدول لتنظيم «داعش» الإرهابي. إلا أن بعض الدول ذات المواقف الغامضة، وخاصة منها تركيا، أظهرت تساهلًا كبيراً في ضبط حدودها ومنع الجهاديين الذين يتدفقون عبرها من أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط والولايات المتحدة من الانخراط في صفوف مقاتلي «داعش». ولقد تمكن هذا التنظيم الإرهابي من تموين نشاطاته العسكرية من الأسلحة والمؤن والذخائر التي يستولي عليها من وحدات الجيش العراقي المهزومة، إلا أن الجهود العسكرية التحالفية التي تهدف إلى منع التموين الخارجي عنه بالرجال والعتاد سوف تحرمه من القدرة على توسيع حربه والسيطرة على مناطق جديدة. وتدل كافة المؤشرات على أن هذا الهدف سوف يتحقق إن عاجلا أم آجلا.

وخلاصة القول إن في وسع التحالف الدولي القوي أن يعثر على طريقة مثلى للعمل العسكري الذي يتميز بالتعاون والتكامل الاستراتيجي. ولا شك أن دحر «داعش» بعد ذلك سوف يكون هدفاً ممكن التحقيق، إلا أنه قد يستغرق شهوراً عدة، وربما سنوات.

الاتحاد

 

 

 

ملاحظات كيسنجر والحرب على “داعش”/ خالد الدخيل

في كتابه الذي صدر أخيراً، يقدم هنري كيسنجر رؤيته وخبرته السياسية بعد أن اقترب من الـ90 عاماً. عنوان الكتاب: «النظام العالمي أو World Order 2014»، يعبّر عن الإشكالية المركزية التي يتمحور حولها. في الكتاب فصل عن الولايات المتحدة وإيران، يقدم ملاحظات ومعلومات عن رؤية الجمهورية الإسلامية للنظام العالمي، وموقع ملفها النووي ضمن هذه الرؤية وعن مفاوضات هذا الملف التي أكملت عامها العاشر. تقدم هذه الملاحظات بمجموعها خلفية سياسية لموقف إدارة أوباما تجاه هذا الموضوع، واستتباعاً تلقي ضوءاً مهماً على الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية». يلاحظ أن انتشار السلاح النووي خارج نطاق الدول الكبرى يهدّد النظام الدولي. ومن السبل التي قد يتسبب فيها ذلك أن انتشار هذا السلاح يمكن أن يستخدم كدرع ضد الانتقام من أعمال قتالية لجماعات (ميليشيات) خارجة على الدولة non-state actor groups. وبما أن هذه الجماعات خارجة على الدولة، فهي تقع خارج النظام الدولي، وبالتالي تتحرك خارج نطاق قواعد هذا النظام وتقاليده. وعلى رغم أنه لا يعطي اسماً معيناً لدولة بعينها ولا للجماعات المرتبطة بها والتي يشير إلى أنها خارجة على الدولة، إلا أن من الواضح أن إشارته تتجه إلى إيران وبرنامجها النووي وإلى الجماعات الخارجة على الدولة، التي تتبناها مثل «حزب الله» في لبنان، والميليشيات في العراق، وجماعة الحوثي في اليمن. بعبارة أخرى، ما يقوله وزير الخارجية الأميركي السابق هنا أن أحد أهداف البرنامج النووي الإيراني قد يكون توفير مظلة لحماية هذه الجماعات، وحماية الدور الذي تقوم به في إطار السياسة الإقليمية لإيران في المنطقة. (ص 160)

إشارة كيسنجر إلى العلاقة التكاملية بين البرنامج النووي الإيراني، وتبني إيران ميليشيات أو جماعات عابرة للدول في سياستها الإقليمية لا يتفقان، بل قد يتناقضان مع رؤية إدارة الرئيس باراك أوباما الى الدور الإيراني، وموقع تلك الجماعات في هذا الدور. ولعل الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) مثال جلي على ذلك. يقال إن هذه الحرب جزء من الحرب على الإرهاب. فهي حرب على جماعة أو ميليشيا خارجة على الدولة تهدد بمواقفها وسلوكياتها أمن دول الإقليم، وبالتالي أمن النظام الدولي. من هذه الزاوية هي حرب مشروعة، لكن يكمن الإشكال في ما يبدو أن مصطلح «الإرهاب» يقتصر، حتى الآن، على التنظيمات السنّية. وهذا واضح في أن واشنطن تحركت عسكرياً، وجيشت تحالفاً إقليمياً ودولياً لمحاربة «داعش» بعد استيلائه على الموصل العراقية. في المقابل، التزمت الصمت بعد سقوط العاصمة اليمنية (صنعاء) وبعدها مدينة الحديدة في يد ميليشيا الحوثيين. ولا تزال تلتزم الصمت إزاء دخول ميليشيات شيعية الحرب في سورية إلى جانب النظام، وإزاء الدور البارز للميليشيات نفسها في العراق. سيقال إن التنظيمات السنّية تستهدف دول المنطقة، ومصالح الدول الغربية، على العكس من التنظيمات الشيعية. ومن حيث أن التنظيمات الأخيرة تتلقى الدعم المالي، والتدريب العسكري، والغطاء السياسي من إيران، فإنها في هذه الحال تخضع لمرجعية سياسية وأيديولوجية واحدة هي إيران. أما التنظيمات السنّية، على الناحية الأخرى، فتبدو منفلتة ليس لها مجتمعة، ولا لأية واحدة منها مرجعية سياسية واحدة. على العكس، جميعها تقريباً في حال صدام مع دول المنطقة السنّية ومع إيران والغرب. بل إن هذه التنظيمات في حال خلاف وصدام في ما بينها كما يحصل في سورية وليبيا. هنا تبدو التنظيمات السنّية خارج السياق، فهي ضد النظامين الإقليمي والدولي، وضد مفهوم الدولة الوطنية التي يستند إليها هذان النظامان، وتهدف بدلاً من ذلك الى العودة إلى الخلافة، أو نظام سياسي إسلامي عفا عليه الزمن. من هذه الزاوية تمثل التنظيمات أو الميليشيات السنّية مصدراً يهدد بالفوضى الإقليمية، وربما الدولية.

هذا توصيف صحيح ودقيق، لكن ما يستنتج منه مقارنة مع التنظيمات الشيعية يتسم بالاستعجال، ويعبّر عن خطل سطحي في النظر إلى الموضوع. فإيران باعتبارها مرجعية التنظيمات الشيعية هي دولة دينية ترتكز إلى مفهوم «ولاية الفقيه». و «ولاية الفقيه» هذه هي المفهوم الشيعي للخلافة. ومن ثم تهدف الجمهورية الإسلامية من تبني هذا المفهوم (ومسمى الجمهورية هنا ينطوي بالمناسبة على تناقض عميق في داخله) الى العودة بإيران والمنطقة الى تطبيق «ولاية الفقيه» التي لم يتسنّ تطبيقها من قبل كما حصل للخلافة السنّية. بهذا المعنى تكون إيران مناهضة في العمق، وبعنف واضح للنظام الإقليمي، وضمناً للنظام الدولي. وقد لاحظ هذا المنحى في السياسة الإيرانية هنري كيسنجر في كتابه المشار إليه، مستنداً في ذلك إلى خطابات المرشد الإيراني علي خامنئي (ص 149 – 151). وكان من الطبيعي في هذا السياق أن تتبنى إيران آلية الميليشيات الشيعية العربية كأداة مركزية في سياستها الإقليمية. لماذا؟ قبل الإجابة لاحظ أن إيران لا تسمح بوجود أي ميليشيا – عربية أو إيرانية – على أراضيها، ولا أي تنظيم عسكري خارج الإطار الرسمي لقواتها المسلحة. في المقابل، تتمسك إيران بمبدأ اقتصار وجود ودور الميليشيات العابرة للدول داخل حدود الدول العربية.

نعود للإجابة عن السؤال. في ظل النظام الإقليمي القائم تفتقد إيران عمقاً استراتيجياً في المنطقة يمكّنها من الاتكاء عليه لتحقيق طموحاتها الإقليمية، وتطلعاتها الأيديولوجية. العمق الوحيد الذي يمكن أن يوفر لها مثل هذا الطموح هو المخزون البشري للأقليات الشيعية في الدول العربية المجاورة لها، أو التي تقع في المجال الحيوي لمصالحها، مثل سورية ولبنان واليمن. وتحقق آلية الميليشيات لإيران هدفين أساسيين يعوضان فقدانها العمق الاستراتيجي، الهدف الأول أنها توفر لها نفوذاً قوياً داخل الدول التي توجد فيها هذه الأقليات. وهذا واضح الآن في لبنان والعراق، والنظام السياسي السوري بانتمائه العلوي. ثانياً أن وجود ميليشيات أو أحزاب على أساس شيعي أو أقلوي داخل هذه الدولة العربية أو تلك يبقي على انقسام النظام السياسي، وبالتالي على ضعف هذا النظام، الأمر الذي يحمي قناة النفوذ الإيراني على النظام السياسي. ولعل حال «حزب الله» في لبنان ونفوذه الكبير هناك، وحال حزب «الدعوة» في العراق بعد الاحتلال الأميركي، وتحديداً فرض نوري المالكي كرئيس للحكومة لفترتين متتاليتين، ثم حيدر العبادي من الحزب نفسه، وأخيراً تعاظم دور جماعة الحوثي في اليمن، كل تلك أمثلة عملية وواضحة على مدى فائدة أو فاعلية هذه القناة بالنسبة الى الدولة الفارسية. وقد ساهمت آلية الميليشيات الشيعية في تقويض الدولة في العراق أولاً، ثم في سورية.

ولعل من المفارقة أن النظام السوري الذي كان يوماً مظلة حماية لميليشيا «حزب الله» في لبنان بات يعتمد على هذه الميليشيا وغيرها للبقاء ومقاومة السقوط. والآن تهدد ميليشيا الحوثيين بسقوط الدولة في اليمن. انطلاقاً من ذلك، فإن القول إن الميليشيات السنية هي المصدر الوحيد الذي يهدد مفهوم الدولة في المنطقة، وبالتالي يهدد النظامين الإقليمي والدولي هو استنتاج مبتسر، إما بتعمد مقصود (من إيران وحلفائها)، أو بتسرع سياسي غير مبرر (من واشنطن وحلفائها). ما تؤكده ظاهرة الميليشيات العابرة للدول، السنّية منها والشيعية، هو أن ما يهدد مفهوم الدولة والنظام الإقليمي هو الطائفية، وليس هذه الميليشيا أو تلك. الميليشيا تعبير عن حال أوسع وأخطر، وليست الحال ذاتها. ولا أظن أن هذا يخفى على أحد. الانشغال بـ «داعش»، أو ما يبدو أنه كذلك، يعبر من ناحية عن رؤية سياسية آنية وضيقة في حال واشنطن ودول التحالف، ويعزز من ناحية أخرى رؤية طائفية متأصلة في حال إيران وحلفائها. ويكمن الخطر في التناقض العميق لمنطلقات الرؤيتين، وأن التقاءهما في لحظة سياسية حرجة ينبئ إما بأنهما تسيران في خط صدام قادم، أو بأن هناك ميلاً أميركياً للاعتراف بمجال حيوي لإيران في المنطقة، انطلاقاً من أن الطائفية قدر لهذه المنطقة حتى إشعار آخر.

* كاتب وأكاديمي سعودي

الحياة

 

 

أصداء الحرب في الولايات المتحدة: طعن وتضييق ويأس/ حسن منيمنة

مع عودة الحكومة الأميركية إلى الحرب في منطقة الشرق الأوسط، يشهد المواطنون والمقيمون من الخلفيات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة ارتفاعاً مقلقاً في حدة الخطاب المعادي لهم، وذلك مع تخلف السلطات عن الالتزام بموقف واضح لوقاية المجتمع والثقافة من الانحدار إلى مزيد من الإقصاء والتهميش.

ثمة جماعة في الولايات المتحدة تفرحها ممارسات «تنظيم الدولة» وطروحاته، إذ حين يقدم هذا التنظيم على الغزو والذبح والتقتيل والتقطيع والسبي والاسترقاق، ويؤصل أفعاله على أنها على نهج النبوة، تكاد أصوات البعض أن تصدح بالتهليل. وهذا البعض ليس مسلماً بالطبع، بل هو يرى أن الإسلام في جوهره دين خبيث وشرير يتناقض مع القيم والأعراف الإنسانية، وأن الكلام على السلام والرحمة فيه ضلال وتضليل، وتقية وتدليس. وإذا كان هذا البعض قد اتُّهم بالأمس بأنه متعسف وظالم، فهو اليوم يعتبر أن الحوادث جاءت لتثبت صواب رؤيته فانكفأ ناقدوه وتكاثر مؤيدوه، وأصبح خطابه المردود بالأمس محموداً ومعتمداً اليوم. ولا ينفع الاعتراض بأن «تنظيم الدولة» قلة قليلة أمام واقع أن استقطابه المؤيدين يطاول أرجاء العالم الإسلامي قاطبة، في حين أن من ينقضه من علماء المسلمين لا ينكر عليه مواقفه وأفعاله إلا من باب جلب المصالح ودرء المفاسد. فاللوم عليه يكاد أن يكون للاستعجال بالفعل والخروج على ولي الأمر، لا للفعل نفسه. فيوم نشطت حملة قبل أعوام في إحدى الولايات الأميركية لاستصدار تشريع يحرّم العمل بالشريعة الإسلامية لتنافيها مع القيم الأميركية، قوبلت من أوساط واسعة بالاعتراض على أنها تهويلية وتسطيحية. أما اليوم، والأميركيون يصغون بانتباه إلى ما يصدر عن «تنظيم الدولة» وما يزيده عليه أنصاره في الشرق والغرب، فإن الاقتناع يقترب أكثر من أن الإسلام بالفعل، وليس أحد توظيفاته الاختزالية، هو أصل المواجهة.

ولو توقف الإشكال عند هذا الحد، لأمكنت معالجته من خلال حوار ثقافي يبدد الالتباس، شرط أن يكون هذا الالتباس مبدداً ابتداءً في الوسط الفكري الإسلامي، وهي حالة تحتاج بحد ذاتها إلى النظر والمتابعة. إلا أن المعضلة، في الولايات المتحدة كما في غيرها، هي في صعوبة الفصل بين الموقف من الإسلام كدين ومفاهيم، والموقف من المسلمين كمكوّن اجتماعي قائم. فالريبة تحيط بالمسلمين، ومن تقع عليه شبهة أنه من المسلمين مثل سائر الأميركيين من أصول عربية وهندية، من المسيحيين والسيخ والهندوس وغيرهم. والخشية، لا سيما في ضوء تجربة التفجيرات خلال سباق الماراثون في مدينة بوسطن العام الماضي، والتي نفّذها شابان مندمجان في الحياة الأميركية، هي من «الخلايا النائمة» («الانغماسيون» وفق مصطلح جهابذة «تنظيم الدولة»). فالمقولة التي كانت إلى أمس قريب من أوهام الهامش الثقافي، والتي ترى أن كل مسلم مشروع جهاد، والجهاد طبعاً بمعنى الذبح والتشنيع، أصبحت سرّاً وجهاراً حال أوساط واسعة في الولايات المتحدة.

وحين يقبل الوسط بطروحات الهامش، فإن الهامش يعمد إلى التصعيد. فلم يعد من النادر، لا على صفحات التواصل الاجتماعي ولا على منابر بعض الكنائس الاستماع إلى الأقوال الطاعنة بالدين ومن يدين به، وصولاً إلى دعوات (وإن ندرت وكان الرد عليها نادراً) الى استئصال هذه الآفة وكفّ أذاها عن الولايات المتحدة والعالم، بأي شكل وأي سلاح. فإذا كانت قراءات «تنظيم الدولة» تترقب الملحمة الكبرى في دابق والأعماق، فإن قراءة الهامش الثقافي الديني في الولايات المتحدة لا تختلف عنها إلا بتفاصيل ثانوية. وفي خضمّ هذا التكامل والتفاضل بين هؤلاء وأولئك يجد المواطنون والمقيمون من الخلفيات المشبوهة أنفسهم عرضة للتشهير والاستهداف.

والولايات المتحدة حتماً دولة قانون ومؤسسات، وحقوق وضوابط، وبناءً عليه، فواجب الدولة هو التصدي للمضايقات. إلا أن الحكومة الأميركية الحالية لم ترتقِ إلى القدر المطلوب لاعتبارات متداخلة. فالرئيس باراك أوباما، وهو الذي اجتهد ولا يزال ليتبرأ من التهمة التي طعنته بالانتماء إلى الإسلام، لم يظهر ما أظهره خلفه جورج دبليو بوش من اندفاع باتجاه الجالية الإسلامية في الولايات المتحدة. بل جاءت خطواته على الدوام محصّنة إزاء الاتهامات (كأن يكون المتكلم الأول في إفطار البيت الأبيض السفير الإسرائيلي). وفي المقابل، فإن الحاجة إلى التعبئة مع الانتقال من التشديد على عدم التدخل في حروب الشرق الأوسط إلى الإعداد لتحالف دولي لمواجهة «تنظيم الدولة» قد استدعت بعض الالتواء في تقديم الوقائع. فكلام وزير الدفاع تشاك هيغل عن مئة مواطن أميركي نفروا إلى الجهاد في العراق والشام قد أوحى وكأنهم التحقوا جميعاً بـ «تنظيم الدولة» في حين أن هذا العدد يشمل كل الفصائل والمنظمات العاملة في سورية، بما في ذلك تلك التي يفترض أنها متآلفة مع التوجه الأميركي.

وعلى أي حال، فإن عدد المئة، الخارجين مما يزيد على ثلاثة ملايين مسلم في الولايات المتحدة، هو نسبة ضئيلة جداً، لا تبلغ نسبة المنضوين في النشاطات المشبوهة من عموم المجتمع الأميركي. إلا أن إبراز العدد تهويلياً يضاعف الريبة التي تعاني منها الأوساط المسلمة في الولايات المتحدة. هذا في حين تستمر الجهات الأمنية في تصيّد محاولات إرهابية مفترضة في هذه الأوساط، يتبين عند التمحيص أنها ناتجة، في مجموعها تقريباً، عن تشجيع المخبرين التابعين للأجهزة الأمنية لبعض الشباب المنزوي أو لبعض أصحاب الأحوال الخاصة للإقدام على أعمال إرهابية في خطوات هي أقرب إلى الافتراء منها إلى الاجتثاث. ومحاولات وجهاء الجالية التواصل مع هذه الأجهزة قلّ أن تنتج ما يتجاوز الدعوات الى التعاون الأمني، من خلال التطوع بالإخبار والتجسس على أبناء الجالية.

فبين الطعن والتهجم الصادرين عن مجتمع وثقافة مرتابين ومشمئزين من الرصيد الإسلامي، وبين مقاربة من السلطات تتأرجح بين التركيز على الجانب الأمني وتجنب الظهور بمظهر المتماهي، يقع الكثير من الأوساط العربية والإسلامية في الولايات المتحدة في حالة يأس، مع ما يستولده الإحباط من ردود فعل سلبية تضاعف بدورها الريبة والطعن والتضييق.

الحياة

 

 

أسئلة تستجرّ إجابات!/ محمد مشموشي

ليس سهلاً على العرب، ولا ربما على الأميركيين أنفسهم، تجميع نتف الأوراق والأفكار المتناثرة التي تطلقها إدارة الرئيس باراك أوباما حول استراتيجيتها للحرب على ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) منذ أكثر من شهرين.

فكيف مثلاً يستقيم إعلان أوباما عشية الحرب أن هدفها منع تمدد «داعش» باتجاه أربيل في العراق، على الطريق إلى اجتثاث «داعش» ولو بعد سنوات، وقول وزير خارجيته جون كيري بعد أيام من ذلك إن سقوط مدينة عين العرب (كوباني) السورية في يد هذا التنظيم يشكل كارثة فعلاً، إلا أنه لا حيلة لدى الولايات المتحدة لمنعها؟

وكيف يمكن أن يقول أوباما وكيري معاً إن الغارات الجوية التي يقوم بها التحالف العربي – الدولي على مواقع التنظيم في العراق وسورية، أثبتت نجاعتها حتى الآن، فيما يكرر قادة البنتاغون بعد كل غارة أن الغــارات من الجو لن تؤدي إلى نتيجة ما لم ترافقها، أو تليها بأقل تقدير، تحركات لقوات برية على الأرض؟

وكيف يفهم أن تلوم واشنطن حليفتها حكومة أنقرة لأنها لم تستخدم قواتها، البرية تحديداً، لمساعدة القـــوى الكردية التي تدافع عن كوباني لمنع سقــوطها، فيما ترفض طلب تركيا أن يكون عمل قواتها هذا، في حال حدوثه، تحت راية التحالف وبقرار من قيادته (أي واشنطن نفسها) وبتغطية سياسية منها؟

وكيف يستوي أن يشيد أوباما وأقطاب إدارته باستقبال تركيا والأردن ولبنان والعراق النازحين من سورية (حوالى خمسة ملايين إنسان) ورعايتهم داخل أراضيها منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ثم يرفض فرض حظر جوي وإقامة منطقة آمنة في شمال سورية لإسكان هؤلاء النازحين بمأمن من سلاح طيران النظام وبراميله المتفجرة؟

وبعد ذلك كله، كيف يستطيع أوباما أن يوفق بين ما سبق، على تناقضه وعلامات الاستفهام حوله، وبين كلامه المتكرر عن «فقدان بشار الأسد الشرعية وضرورة أن لا يكون له أي دور في مستقبل سورية»، بل حتى كيف يمكنه أن يقنع نفسه، فضلاً عن الدول الـ20 الأخرى في التحالف، بأن ضرب «داعش» في سورية لن يكون في النهاية لمصلحة نظام بشار الأسد وحربه الوحشية ضد شعبه، في ما لو بقيت الحال على ما هي عليه من دون تغيير؟

وعلى ذكر نظام الأسد، يقول أوباما إنه لا يرى سوى عقد تسوية سياسية (أي تسوية؟!) بينه وبين من تبقى من شعبه بعد تهجير ربع هذا الشعب وذبح ما يزيد على مئتي ألف بمختلف أنواع أسلحة النظام بما فيها الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وينسى أوباما، أو ربما يتناسى، مصير كل من «جنيف – 1» و «جنيف – 2»، فضلاً عن البعثتين العربية والعربية – الدولية اللتين أوفدتا إلى دمشق خلال السنوات الأربع الماضية، وكيف تعمد النظام إحباطها كلها وكان يعمل بعد كل واحدة منها على تصعيد عملياته التدميرية للبشر والحجر معاً على مساحة الأراضي السورية.

في اعتقاد أوباما أن لا حل عسكرياً للوضع في سورية، وقد يكون ذلك صحيحاً، لكن هل يتوهم أنه لا يزال يمكن إجراء تسوية سياسية، أي تسوية، مع هذا النظام؟ وكيف؟ وعلى أي أساس… لا سيما أنه لا يفتأ يعلن أن عمليات التحالف ضد «داعش» الآن ليست سوى التحاق بمقولته هو عن الإرهاب ودعوته الدائمة إلى إقامة تحالف دولي لمحاربته؟

واقع الحال، أن محاولة تجميع هذه النتف من أوراق وأفكار وآراء الإدارة الأميركية حول الوضع الراهن في العراق وسورية، وتالياً حول الحرب التي تشنها فيهما ضد «داعش»، تؤدي إلى أمر من اثنين: إما أن إدارة أوباما لا تريد أن تفعل شيئاً جدياً في سياق ما تسميه الحرب على الإرهاب في المنطقة، أو أنها تسعى فقط إلى اعادة الحال إلى ما كانت عليه في البلدين قبل سيطرة التنظيم على أجزاء واسعة منهما وإعلان ما سماه «الدولة الإسلامية» من ناحية و «الخلافة» من ناحية أخرى على هذه الأجزاء.

ولعل ما رددته هذه الإدارة منذ اليوم الأول لإنشاء التحالف عن صعوبة هذه الحرب، وعن الحاجة ربما إلى أعوام وحتى إلى عقود (تحدث أحدهم عن أربعين عاماً) لإنهائها، تفسر هذا الواقع إلى حد كبير. لكن أي عراق، كما أي سورية، بعد مثل هذه الحرب الأميركية على ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»؟

في ضوء ما سبق، يمكن الظن أن ما تتصوره إدارة أوباما لعراق ما بعد حربها هذه أن يكون من دون نوري المالكي، أو حتى بمالكي جديد توافق عليه طهران وموسكو. أما بالنسبة إلى سورية، فأن تكون من دون نظام بشار الأسد، أو بنظام تحت اسم أسد جديد لا تعترض عليه طهران وموسكو أيضاً. وإلا، فلماذا تلتزم روسيا وإيران ما يجوز وصفه بـ «صمت مشبوه» على ما تفعله الولايات المتحدة ومعها دول التحالف الأخرى في العراق وسورية؟ بل لماذا تتعمد إيران، في الوقت الذي تواصل الطائرات الأميركية غاراتها على البلدين، الكشف عن وجهها الحقيقي في اليمن، كما لم تفعل من قبل، وتدفع حلفاءها فيه لاحتلال البلد بصورة علنية وشبه كاملة؟

والحال أنه عشية الانتخابات النصفية الأميركية في الشهر المقبل، ومع بداية العامين الأخيرين من ولاية أوباما الذي تتدنى شعبيته وشعبية حزبه إلى مستوًى غير مسبوق، قد لا يكون هذا التوقع مبالغاً فيه.

الحياة

 

 

الحملة الدولية ونموذج أوباما ومأزق الاعتدال/ بهاء أبو كروم

لا شك أن تحالفاً دولياً تقوده الولايات المتحدة الأميركية مصحوباً بشبكة أمان تتلخص بعمليات تواطؤ ومراعاة للمصالح الإيرانية وإعطائها دوراً في المناطق المحاذية لحدودها في العراق ودوراً في تسليح الأكراد وتغاضياً عن بشار الأسد واستمراراً للتفاوض حول الملف النووي، سيوصل إلى نهايات مرضية للأميركيين ولو طالت الأمور بعض الشيء، لكن السؤال المهم والرئيسي يكمن في الأثمان والأكلاف التي تدفعها المجتمعات العربية في الطريق إلى ذلك والمشهد الذي سترسو عليه المنطقة بعد إنجاز الحملة.

الواضح حتى الآن أن الولايات المتحدة لم تنجز استراتيجية الدخول لكي نعتبر أن عليها أيضاً أن تنجز استراتيجية الخروج ورسم الأهداف الواضحة التي لا تزال تفتقر إلى الإطار السياسي الناظم، ونكاد نقول إن النقص في هذه المواجهة الضخمة لا يقتصر فقط على الإطارين السياسي والعسكري إنما أيضاً على البعد الثقافي المتداخل إلى حدود بعيدة مع هذه الأمور.

ومن الواضح أيضاً أن الحملة الدولية بقيادة الولايات المتحدة على «داعش» لن تكون إلا على شاكـــلة الأداء الـــذي اعتمده باراك أوباما طوال ولايتيـــه الاثنـــتين على صعيد السياسات الخارجية. سيــــاســـات مبنية على الـتردد وقصر النظر ومعايير لا تـــراعي المـصالح البعيدة المدى للولايات المتحدة.

فحاجة الرئيس أوباما لترميم الواقع الدولي وبناء تحالف خارج إطار الأمم المتحدة كانت هي الدافع الرئيسي وراء الحملة الجديدة على الإرهاب. وحيث أن للولايات المتحدة أسباباً عدة تقف وراء ذلك منها ترميم صورتها وهيبتها ومنها أيضاً تخطي الفيتو الروسي الذي يعمل على ابتزازها وفرض شروطه على قرارات مجلس الأمن فإن محاربة «داعش» أو التطرف بشكل عام تأتي في المرتبة الثانية، أما الأولوية فهي للقول أن الولايات المتحدة أعادت الإمساك بزمام المبادرة بعد افتراق جدول أعمالها عن روسيا عقب أحداث أوكرانيا، روسيا التي أمنت لها جنيف 1 وجنيف 2 واتفاق نزع السلاح الكيماوي من النظام السوري.

وبما أن انخراط الإدارة الأميركية في حرب جديدة لم يعكس تحولاً جوهرياً في العقيدة القتالية للرئيس الحالي بقدر ما يعكس انجراراً قسرياً وراء أحداث لا يمكن تجاهلها فإن المتوقع منها لا يخرج عن كونه إدارة تقليدية للتوازنات يكون حدها الأقصى العودة إلى مرحلة ما قبل «داعش» مع بعض التعديلات الطفيفة. هذا السياق المُبهم للحملة إذا أضيف إليه الرغبة الأميركية الفاضحة في إبقاء نظام الأسد سيؤول من دون أدنى شك إلى ثلاثة أمور.

أولاً، ارتفاع حدة التطرف وسطوة المتطرفين في سورية والعراق وفي ظل غياب مظلة سياسية واضحة المعالم فذلك سيؤول إلى مزيد من ضعف القوى المعتدلة التي تراهن عليها لإمساك الأرض،

ثانياً، تمدد حالة التطرف وعدم الاستقرار إلى دول مجاورة في المنطقة وإلى مناطق أخرى من العالم،

وثالثاً، الحاجة إلى قوات برية، من غير دول التحالف، ستدفع إلى بناء تفاهمات مع الدول الإقليمية، تركيا وإيران وإسرائيل، تودي إلى لعب هؤلاء أدواراً جديدة على الصعيد الإقليمي بما يؤول إلى تقاسم النفوذ في المنطقة. فالعنصر البشري الذي ينقص في التحالف الدولي يترك المجال أمام خفايا يمكن أن تلجأ إليها الولايات المتحدة وذلك عبر استرضاء تركيا لتعبئة الفراغ في شمال سورية ولا نغفل عن استرضاء إيران ربما لرد الأخطار عن بغداد أو لتوريط إيران في وحول العراق كاستنساخ لتجربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. مَن يدري ولم لا؟

الأمر لا يزال مبهماً من حيث القدرة على ترسيم الأهداف وتبيان المضمر منها عن المعلن، لكن ما كشفه الخلاف التركي الأميركي حتى الآن يشي بأن حبل الود مع إيران لم ينقطع لا في العراق ولا في سورية، وأن الرهان الأميركي على الرئيس روحاني لا يزال قائماً.

ففي حال نجحت الحملة بالقضاء على «داعش»، حينئذ يتم تسليف إيران موجة ثالثة من الخدمات اللامتناهية في مسلسل التناغم معها من خلال القضاء على أعدائها الحاليين بما يذكّر بالانقضاض على خصومها السابقين حركة طالبان في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق.

بحيث يمكن في وقت لاحق أن تقول الديبلوماسية الأميركية للإيرانيين، ها نحن نقضي على أعدائكم المتطرفين ونضمن أمنكم فلستم بحاجة إلى سلاح نووي!

لكن على المستوى العربي، والعرب جزء من التحالف الدولي، فقد أفضى صراعهم مع إيران إلى خلاصات مؤلمة سنحت للنموذج القاعدي ونموذج «داعش» حالياً إلى تبوؤ المشهد، فالعمليات السياسية في العالم العربي لم توقف المد الإيراني على رغم أنها تغلبت عليه بالانتخابات حيناً وبالمبادرات السياسية حيناً آخر. ولبنان واليمن والعراق نماذج لهذا الصراع الذي لم يدع للعملية الديموقراطية مكاناً في النظام السياسي ولم يترك للمعتدلين فرصة لإجراء التسويات التي تحافظ على وحدة الدول.

والمسألة لا تتعلق بالمشاركة السياسية لحلفاء إيران في النظام العربي، إنما هي مسألة استحواذ لا تقف أمام حدود معينة، وبالتالي فإن التوازن الذي لم تنجح العملية السياسية بفرضه يحاول التطرف القيام به من خلال عملية استحواذ مقابلة.

وهنا فإن مأزق الاعتدال يصبح مضاعفاً فعلى الأرض تغيب العملية السياسية في سورية وتتعطل في العراق حتى أن اليمن دخل في حلقة الصراع الدموي بشكله المذهبي الفاقع حيث التطرف يقاتل بعضه بعضاً من خلال عملية أيديولوجية صرفة ليس فيها مكانٌ للاعتدال الذي لا يزال حتى الآن لا يشكل نقيضاً متكافئاً. أما في السماء فطائرات التحالف العمياء تبحث عن متطرفين ذادت هي من تطرفهم وتبحث عن «تواطؤات» تقيها شر النزول على الأرض. هذا هو المشهد الذي يبشر بخروج القوى الإقليمية من دائرة حدودها الجغرافية في شكل مباشر وبرضى التحالف هذه المرة وليس مجلس الأمن.

الرهان المجدي للعرب من مجمل هذه الحملة لا يُفترض أن يلغي برنامج عملهم الخاص أو أولوياتهم الخاصة، إنها مناسبة لفرض الشروط المناسِبة!

الحياة

 

 

 

 

كوباني وأخطار الخطاب الشوفيني/ بشير هلال

لم تسقط كوباني. وهي قد تتحول إلى درسٍ عملي آخر بعد ذلك المُنفَّذ شمال العراق على إمكانية مواجهـــة تنظيم الدولة الإسلامية وبداية انحسار وجودها ومشروعها بفضل اجتماع مقاومة المقاتلين الكرد المدافعين عنها وبعض مجموعات من الجيش السوري الحر نادراً ما يُشار إليها، مع الضـــربات الجوية للتحالف الدولي ضد الإرهاب والتــي قامت بالأساسي منها طائرات اميــركية انطلقت من بلدانٍ عربية خليجية وليس من تركيا القريبة التي تمسّكت بمنع التحالف من استخدام قاعدتها الجوية في انجرليك وسط سجال مع واشنطن لا يزال مفتوحاً ومتشعباً.

والحال أن الحكومة التركية زاوجت خلال المرحلة الأخيرة بين موقفين «حيَّداها» عن الفعل المباشر. فاشترطت للمساهمة الفعلية في التحالف الدولي ضد «الدولة الاسلامية» قبوله العمل على إنشاء منطقة آمنة محمية بحظرٍ جويٍ بعمق 30 كلم داخل سورية لإيواء اللاجئين واستقبال «المعارضة العسكرية المعتدلة» وتدريبها بهدف إسقاط الأسد، في حين رفضت تدخل قواتها المحتشدة على مشارف كوباني لإنقاذها براً و/أو تمرير سلاح غربي ومسلحين أكراد إليها. وهو «حيادٌ» صار بدوره أداة تضخيم إعلامي دولي لمسؤوليتها، خصوصاً بعد قمعها تظــــاهرات اكراد تركيا الشاجبة له وقصفها مواقع حزب العمال الكردستاني الحدودية وشيوع التلميحات إلى دعمها «داعش». ما حوَّل قضـــية كوبــــاني إلى ولاَّدة لاستئناف توترات قديمة وصيغ جديـــدة حول المسألة الكردية والوضع السوري وصــلاتهما المتبادلة في سياق حراك التحالف الدولي وحربه المعلنة على «داعش».

ثمة ملاحظات ثلاث يمكن تسجيلها انطلاقاً مما سبق:

الأولى أنه فيما كانت كوباني تتحوَّل عالمياً إلى رمزٍ ثلاثي الأبعاد كردي تحرري وإنساني و «أنتي» أصولي، فإن التركيز الإعلامي على مسؤولية تركيا أدَّى نسبياً إلى حجب المسؤولية التأسيسية للنظام الأسدي في ما آلت إليه اوضاع كوباني وإزاحة النظر عن وجود «كوبانيات» مماثلة لا تلتفت اليها الخطط والتصريحات الأوبامية ولا الميديا. وهو انزياحٌ خلق توتراً مضافاً مع بعض المعارضة السورية الذي رأى فيـــه دعماً لفريق كردي «انفصالي» وغير ديمـــوقراطي ومتهم بالتعاون مع النظام الاسدي فيما تستمر حرب الاخير المدمرة وحصاره على وعر حمص الذي لا يزال يضم 300 ألف مقيم وحي جوبر وسواه، في حين ان كوباني تكاد تخلو من المدنيين الذين لجأ معظمهم الى تركيا. وهــو شعور مُبالِغ يتناسى ارتباك المعارضة الطويل أمام تحديد موقف من توقعات الكرد السوريين من الثورة والمتراوحة بين اللامركزية الواسعة والانفصال مروراً بالفيدرالية. وهي توقعات بدوا غير مستعدين لإرجائها استناداً إلى وعودٍ بدولة ديموقراطية أو مدنية بعدما خضعوا طويلاً لاضطهاد مزدوج سياسي – ثقافي كأكراد وكسوريين، هذا إذا لم نذكر مئات ألوف الأكراد الذين حُرموا الجنسية.

الثانية، إبعاد الأضواء عن النواقص الجوهرية في خط التحالف وقيادته الأميركية، سواء لجهة غياب الاستراتيجية أو لجهة تحقيق شروط سياسية ضرورية تحدَّث عنها اوباما نفسه لضمان إشراك قوى «سنية» عاملة على الأرض في سورية والعراق من دونها لن تكفي الضربات الجوية وحدها لضرب «الدولة الإسلامية». إذ إن حصر الهدف الرسمي للتحالف بالقضاء على «داعش» حصراً وحتى لو غطَّته واشنطن بذرائع من نوع الانسجام مع قرارات الشرعية الأممية وتفادي الصدام مع ايران وروسيا لا يفعل غير إبعاد «السنّة» عن المشاركة وزيادة الأخطار على «الحكومات السنّية» وهلهلتها أمام «داعش» والحركات الجهادية، بالتزامن مع تعرضها لهجماتٍ تطويقية من القوى الحليفة لإيران كما في حالة حوثيي اليمن.

الثالثة، ان التركيز الاعلامي على الهجمة «الداعشية» في كوباني والذي استفاد من صورتها كقوة بربرية يتقصَّد هو ذاته تضخيمها لتخويف السنّة واستتباعهم وبث الرعب في صفوف أعدائها، سفَّه المشروعية النسبية للمطالب التركية من واشنطن والتحالف وجرَّم خلفياتها من دون نقاش أسبابها. كما حجب أثر بعض الاعتبارات العملية المتصلة بمسؤولية أطراف أخرى عن تشجيع هذا «الحياد» العملي وفي مقدمها معارضة ايران الواضحة ومعها روسيا لأي تدخل تركي أرضي ومصالحها الاقتصادية الكبيرة معهما وأخطار قوتهما العسكرية بغياب الادارة الأميركية الحازمة وتردي العلاقات معها لأسبابٍ كثيرة.

كما أن ما طُلِب منها لجهة السماح بتمرير مقاتلين أكراد غير سوريين إلى كوباني (اتراك بغالبيتهم) كان مُنتظراً أن ترفضه لإمكانية تدعيمه الجناح العسكري في حزب العمال الكردستاني الذي تتأخر خريطة الطريق التي وعد بها اردوغان المتزايد اوتوقراطية للتسوية السياسية المنعقدة مع زعيمه المسجون أوجلان، على رغم إقرار البرلمان قبل أشهر حزمة الإصلاحات الخاصة بالقضية الكردية التي وصفها أوجلان بـ «التطور التاريخي».

وبمعنى ما، فإن التركيز الاعلامي الغربي على إنقاذ كوباني له بالطبع كل ما يبرره انسانياً أولاً ولكونه يتصل بشعب مضطهد ثانياً، إلا أن إهمال نظائرها السورية لا اخلاقي بالمقدار نفسه. لكنه إهمالٌ لا يتحمَّل مسؤوليته اهل كوباني ولا الأكراد بعامة، بل القوى التي تواصل مساعدة نظام الأسد بالسلاح والمقاتلين وتمنع اتخاذ اي قرار دولي ملزم لمعاقبته ولفرض تسوية سياسية، وكذلك الولايات المتحدة بصفتها القوة الدولية الكلية التي تراجعت قيادتها الأوبامية أمام معسكر الاستبداد العالمي وسعيه الحثيث الى إعادة النظر بمكاسب «النظام الدولي» لجهة «حق التدخل الإنساني» و «واجب الحماية» والتي لا تستطيع التذرع بجهل مخابراتها بوقائع تهيؤ التربة والأدوات لنمو المسوخ الجهادية أمام ناظريها.

ومع ذلك، كان يمكن القوى الكردية وخصوصاً حزب العمال الكردستاني قوتها العسكرية – السياسية الرئيسة في جهتي الحدود، أن تكون أقل تجاهلاً للمطالب الرسمية المعلنة لتركيا بما يخفف التوتر ولا يهدد مكاسب التسوية معها ويُجسّر العلاقة مع سائر فصائل المعارضة السورية المعادية لـ «داعش» وحواضنها الشعبية التي ترى مصلحة مؤكدة لها بفرض المنطقة العازلة التي أيدتها فرنسا – المؤيدة تقليدياً للقضية الكردية – وحدها بين الدول الغربية والتي تستجيب حاجة إنسانية عاجلة – وضمنها الكردية – بعدما تجاوز اللاجئون السوريون إلى تركيا رقم المليون ونصف المليون.

كان لذلك أن يخــفـــف تسيُّد الخطاب الشوفيني المتعـــدد المصـــادر وأضراره الآن وغداً. ولكن…

الحياة

 

 

 

 

كوباني وطبقات التعقيد السوري/ سمير الزبن

معركة كوباني التي ظاهرها الصدام بين الدولة الإسلامية «داعش» من جهة، وقوات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي، والمرتبط بحزب العمال الكردستاني التركي بزعامة عبد الله أوجلان، من الجهة المقابلة، هي في السياسة غير ما تظهر على جبهات القتال.

على المستوى العسكري، تدير «داعش»، الأفضل تسليحاً، حرب إبادة ضد قوات الحماية الشعب الكردي الأقل تسليحاً، والمحاصرة من كل الجهات، وضد سكان المدينة ومحيطها، الذين اقتلعوا من بيوتهم عن بكرة أبيهم، باستثناء بعض العجائز. في الواقع، تعيش كوباني مأساة إنسانية حقيقية على يد «داعش»، ولكن هذه الصورة التبسيطية والمأساة الإنسانية لا تفسر ما جرى ويجري بشأن الصراع على المدينة، لأن الدخول إلى عمق ما يجري يكشف مستوى التعقيد الذي تعيشه أطراف الصراع السوري الداخلي، وتضارب مصالح الدول داخل الائتلاف الدولي الذي تشكل لمحاربة «داعش».

على المستوى السوري الداخلي، كانت الأزمة السورية مدخلاً فتح شهية الكرد الذين يشعرون بمظلومية تاريخية في سوريا لإنجاز إدارة ذاتية كردية، وفي هذا السياق ولدت قوات الحماية الشعبية. لكن هذه القوات لم تحرر الأراضي التي تسيطر عليها من قبضة النظام، انما كانت السيطرة بالتوافق والتحالف معه، سلّم النظام بموجبه المواقع إلى قوات الحماية الشعب الكردي، مع إبقاء وجود النظام الشكلي / الرسمي في هذه الأماكن. في الوقت الذي عملت هذه القوات على الاستئثار بالسيطرة على هذه الأماكن، لم تكتفِ بذلك، بل قامت بمحاربة الجيش السوري الحر واستئصاله من الأماكن التي تسيطر عليها. من جهة أخرى، هناك هدنة غير معلنة، بين النظام و»داعش» تم خرقها في الرقة عندما حاول النظام تأهيل نفسه ليكون جزءا من التحالف الدولي ضد «داعش» وعندما لم ينجح في ذلك، واعتبره التحالف جزءاً من المشكلة وليس جزءا من الحل، عاد الوضع إلى الهدنة السابقة. كذلك، «داعش» في تمدده في سوريا لم يتمدد على حساب النظام، بل «حرّر» الأراضي المحررة من الجيش الحر، وبذلك تعتبر فصائل الجيش الحر والمعارضة السورية أن «داعش» صنيعة النظام السوري، لتحقيق نبوءته بمحاربة الإرهاب، التي ادعاها مبكرا لمواجهة الاحتجاجات السلمية. بالتالي، فإن الصراع الدامي الذي يجري في المدينة هو صراع بين حلفاء النظام أنفسهم، ليس للأطراف الأخرى الداخلية في سوريا أي مصلحة في التدخل لصالح أي من الطرفين، فلا يعتبر أي من الطرفين جزءا من معسكر الثورة السورية في مواجهة النظام، بذلك تبدو المعركة وكأنها تجري خارج سياق الصراع الداخلي السوري الأساسي، بين النظام وكل فصائل المعارضة. وهذا ما يفسر صمت المعارضة عما يجري في كوباني، ويفسر في الوقت ذاته صمت النظام، وكأن ما يجري لا يجري على أرض سورية، صرخ دائما بمعزوفة السيادة، لكنه اليوم أصابه الخرس.

تعامل الدول المتحالفة في مواجهة «داعش» لا يقل تعقيدا عن الوضع الداخلي السوري، فالولايات المتحدة التي تعتبر أن معركتها الرئيسية في سوريا هي مع تنظيم «داعش»، وبذلك فهي لم تستهدف ولن تستهدف قوات النظام السوري. في الوقت الذي تطالب الولايات المتحدة تركيا التدخل ضد «داعش» لمنع سقوط المدينة بيدها. لتركيا حليفة الولايات المتحدة حسابات أخرى، فهي تعتبر أن ما يجري في كوباني هو صراع بين إرهابيين فليس «داعش» وحده الإرهابي، بل قوات الحماية الشعبية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني هي إرهابية أيضاً، وبذلك لن تدخل تركيا معركة تنصر فيها إرهابي على إرهابي. لذلك فإن حصار كوباني من ثلاثة جهات، يكمله الحصار التركي من الجهة الرابعة، فهي ترفض إدخال أي سلاح أو مقاتلين إلى كوباني انطلاقاً من الأراضي التركية، والكرد غير قادرين على ادخالها من الأراضي السورية، بسبب حصار «داعش» للمدنية. عدم الثقة ليست من طرف تركيا فحسب، بل حتى الكرد أنفسهم، يشككون في النوايا التركية، وهم يطلبون الدعم من دون تدخل تركي، دعم طاهر سياسيا، فعندما طلب الأتراك من صالح مسلم زعيم الاتحاد الديمقراطي فك تحالفه مع النظام السوري، رفض ذلك، لأن فض التحالف مع النظام يُعرض المناطق الكردية إلى قصف النظام الجوي. لا ترى تركيا أن من المناسب الدخول في معركة مفتوحة مع «داعش»، تعرضها إلى تفجيرات محتملة من مقاتلي الدولة الاسلامية، التي ينضوي في اطارها ما لا يقل عن 1500 تركي، من أجل الدفاع عن أعدائها الذين يقاتلون في كوباني، إن صفقة شاملة بالعمل على محاربة «داعش» وسوية العمل على اسقاط النظام، وفرض منطقة عازلة لاستيعاب دفق اللاجئين المتزايد إلى الأراضي التركية، هو ما قد يجعل تركيا تجازف بدخول هذه المعركة، أي كجزء من معركة كبرى، تستهدف كل الإرهاب، إرهاب «داعش» وإرهاب النظام. إن معركة كوباني لا تغير شيئا لوحدها من وجهة النظر التركية. واليوم، تحاول تركيا أن تفرض كل ما دعت اليه طوال سنوات الصراع السوري، من دون أن يستمع أحد لها. كل هذا لن يجد آذانا صاغية عند الولايات المتحدة المتحكم الوحيد في التحالف، فهي لا ترى في سوريا أولوية، ولا تنكر الولايات المتحدة أولوية العراق، وبالتالي طرد «داعش» من العراق، واضعافه في سوريا. هذا كلام أميركي معلن وليس استنتاجا تحليليا. وبالتالي تهدف الولايات المتحدة في نهاية المطاف ترحيل «داعش» إلى سوريا، فهناك لا تشكل الخطر ذاته على المصالح الأميركية الذي تشكله في العراق.

لا تغير كوباني في معادلة الصراع في سوريا على مستوى الصراع مع النظام، لكنها معركة ذات طبيعة رمزية مهمة لكل من «داعش» والكرد، «داعش» لتأكيد ان التحالف والقصف الجوي لن يجعل أماكن سيطرتها تتقلص، لا في العراق ولا في سوريا، وهذا ما اقر المسؤولون الأميركيون به، والكرد بتأكيد وجودهم في معادلة الصراع الداخلي السوري، وتكريس المزيد من الاستقلالية للحالة الكردية في سوريا. وفي جميع الأحول تبقى كوباني مأساة إنسانية، أنتجها تعقيد الوضع السوري وتلاعب الأطراف الخارجية بالداخل السوري.

المستقبل

 

 

تحالف دولي هش ضد تنظيم “الدولة الإسلامية

أعادت مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” التقارب بين الشرق والغرب كعدو مشترك، ووحدت في الوقت نفسه كلمة العرب لا سيما وأن هناك خمس دول عربية مشاركة في الضربات الجوية ضد الجهاديين في سوريا والعراق. لكن هذا التحالف قد لا يصمد طويلا، كما ترى الصحفية الألمانية بيرغيت سفينسون من بغداد في تحليلها التالي لموقع قنطرة.

لا يمكن أن يكون هناك تناقض أشدّ من هذا التناقض. ففي حين أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي يستخدم أفلام الرعب الحماسية من أجل جذب المقاتلين من جميع أنحاء العالم إلى الشرق الأوسط، تُروّج دول الخليج العربي باستخدام صور طيَّاريها من أجل محاربة الجهاديين: مقاتلون ملثّمون جميعهم من الرجال فقط، يواجهون جنودًا نظاميين مجهَّزين بأعلى التكنولوجيا.

“سيدة الحرية” والأمير السعودي

أرسلت المملكة العربية السعودية أميرًا إلى المعركة، بينما أرسلت دولة الإمارات العربية المتَّحدة امرأة جذَّابة، تظهر في صورة وهي جالسة في قمرة قيادة طائرتها مبتسمة ورافعة إبهامها في إشارة إلى أنَّ كلّ شيء سيسير على ما يرام. يطلق على هذه المرأة لقب “سيدة الحرية”، ولا يُقصد بهذا اللقب فقط تحرير المنطقة من تنظيم الدولة الإسلامية الإجرامي، بل يقصد به أيضًا تحرير المرأة التي تمت إعادتها في عهد الجهاديين إلى العصر الحجري. حيث يعتبر الحجاب على كامل الجسم، وقفَّازات اليدين السوداء وكذلك المعاطف الطويلة من التعليمات المفروضة على النساء في خلافة تنظيم الدولة الإسلامية. ومَنْ يخالف هذه التعليمات يتم قتله رميًا بالرصاص أو رجمًا مثلما يحدث في مدينة الموصل.

يمثّل كلّ من “سيدة الحرية” والأمير السعودي وكذلك الطيَّارين العرب الآخرين الظاهرين على صور الدعاية جزءًا من التحالف ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، كما أنَّهم يساندون الولايات المتَّحدة الأمريكية في ضرباتها الجوية في سوريا. وحتى النهاية لم يكن من المؤكّد إن كانت دولة قطر والمملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية والأردن ستشارك بالفعل في عملية مشتركة ضدّ هذه الميليشيا الإرهابية. فقد حاول وزير خارجية الولايات المتّحدة الأمريكية، جون كيري، طيلة أيَّام من دون كلل أو ملل كسب أكبر عدد ممكن من الدول لصالح هذا التحالف.

لم يجد جون كيري في محاولته هذه أية معارضة لدى الأوروبيين. إذ تشارك فرنسا منذ بداية شهر أيلول/ سبتمبر بطائرات مقاتلة في المعركة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، كذلك تشارك بريطانيا منذ نهاية شهر أيلول/ سبتمبر بالضربات الجوية – أيضًا في العراق. وبالإضافة إلى ذلك تقوم سبع دول غربية بإرسال الأسلحة، خاصة إلى الأكراد. وحتى ألمانيا تعدّ واحدة من هذه الدول.

“في الواقع فإنَّ ما يمكن أن يحسب حسابه هو التركيبة السياسية والنفسية المكوّنة للتحالف الدولي، وذلك لأنَّ توجّه دول إسلامية عربية أيضًا ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية يعتبر أهم بكثير من مجرّد عملية عسكرية يقوم بها الغرب المكروه على أية حال من قبل العديد من المسلمين”، كما تقول بيرغيت سفينسون.

ولكن الأهم من هذا هو وجود العرب مع الغرب في قارب واحد. فمن دون مشاركتهم يعتبر التغلب على تنظيم الدولة الإسلامية أمرًا مشكوكًا في نجاحه. والآن أكّد حتى المتحدّث باسم وزارة الخارجية السورية في دمشق أنَّ واشنطن أبلغت السفير السوري لدى الأمم المتّحدة حول الضربات الجوية في وقت مبكر وأنَّ دمشق مستعدة للتعاون. لم تكن الأمور ستسير بشكل أفضل بالنسبة لجون كيري. ولكن مع ذلك يتم في الوقت الراهن رفض التعاون مع بشار الأسد رفضًا تامًا من قبل جميع الأطراف.

نقطة تحوّل مهمة

تمثّل هذه المعركة ضدّ جماعة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي فوق الأراضي السورية نقطة تحوّل مهمة في صراعات الشرق الأوسط. ولذلك فإنَّ “الوحوش الإسلامويين”، مثلما وصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، لا يرون أنفسهم فقط محاصرين من الناحية العسكرية. إذ إنَّ توسيع العمليات العسكرية إلى سوريا لم يعد يترك منذ الآن وصاعدًا أي “ملاذ آمن” لتنظيم الدولة الإسلامية.

فقد أضحت مهاجمتهم أمرًا ممكنًا في كلّ مكان. صحيح أنَّ رئاسة هذا التنظيم الإرهابي تسعى باستمرار إلى اتّخاذ التدابير والاحتياطات الضرورية من أجل تأمين أهم معدّاتها وأسلحتها ونقلها بعيدًا عن الهجمات الجوية. بيد أنَّ قصف مدينة الرقة التي تعدّ في الواقع عاصمة إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية من قبل طائرات الحلفاء يزيد من صعوبة التنسيق فيما بين مقاتلي هذا التنظيم.

ولكن في الواقع فإنَّ ما يمكن أن يحسب حسابه أكثر من ذلك هو التركيبة السياسية والنفسية المكوّنة لهذا التحالف الدولي. وذلك لأنَّ توجّه دول إسلامية عربية أيضًا ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية يعتبر أهم بكثير من مجرّد عملية عسكرية يقوم بها الغرب المكروه على أية حال من قبل العديد من المسلمين. فالأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون لن يثيروا وحدهم في المنطقة سوى المزيد من الكراهية، التي ازدادت على أية حال منذ الحرب الأخيرة على العراق في عام 2003. ومنذ ذلك الحين أصبح الشعار السائد هو الغرب ضدّ الشرق. وعلى هذا المنوال يعزف تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الجماعات الإسلاموية المتطرّفة حتى يومنا هذا. ولكن هذه الشرعية أمست الآن أمرًا قد عفا عليه الزمن.

“بما أنَّ دول الخليج باتت تخشى الآن من اندلاع حريق واسع، لن يبقى محصورًا في العراق وسوريا، بل من الممكن أيضًا ألاَّ يتوقّف أمام أبواب دول الخليج، فهذا ما دفع هذه الدول في نهاية المطاف إلى التعاون العسكري مع الولايات المتّحدة الأمريكية. ومنذ هذا الحين لم يعد اسم العدو المشترك إسرائيل، بل صار اسمه تنظيم الدولة الإسلامية”، وفق رؤية بيرغيت سفينسون.

“داعش” وحّد ما فرقته الثورات

غير أنَّ هذا التحالف الواسع ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي لا يقرّب فقط بين الشرق والغرب من جديد، بل يعمل أيضًا على توحيد الدول العربية بالذات. وهذا هو في الواقع الأمر الجدير بالملاحظة. وذلك لأنَّ الثورات في بعض البلدان العربية قد فرّقت بين الشركاء السابقين. فقد شاركت قطر في العمليات العسكرية ضدّ معمر القذافي في ليبيا ودعمت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بالكثير من المال، ما أثار استياء المملكة العربية السعودية.

وكذلك لم تحظَ استضافة الدوحة لزعيم حركة حماس خالد مشعل بأي ترحيب أو استحسان في الرياض. لقد كانت قطر تندفع بكلّ قوّتها إلى الساحة الدولية. وكان لهذا العمل الانفرادي من طرف دولة قطر عواقب دبلوماسية: حيث سحبت دول الخليج الأخرى سفراءها من الدوحة. ولم يكن الخليجيون يتعاونون إلاَّ في سوريا فقط. وكان هناك شيوخ أثرياء من المملكة العربية السعودية وقطر والكويت يقدّمون المال إلى المتمرّدين من أجل شراء الأسلحة ضدّ نظام الأسد.

تم استغلال هذا “الدعم المالي” من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، الذي ظهر من داخل جبهة المتمرّدين وبدأ منذ ذلك الحين متابعة أهدافه الخاصة. واليوم نعرف ما يعنيه ذلك: حيث تم تأسيس دولة خلافة خاصة بهذا التنظيم. أمَّا أنَّ دول الخليج قد عملت ضمن هذا السياق على زيادة سرعة اشتعال الأوضاع، فهذا ما يمكن اتهامها به عن حقّ. وبما أنَّ دول الخليج باتت تخشى الآن من اندلاع حريق واسع، لن يبقى محصورًا في العراق وسوريا، بل من الممكن أيضًا ألاَّ يتوقّف أمام أبواب دول الخليج، فهذا ما دفع هذه الدول في نهاية المطاف إلى التعاون العسكري مع الولايات المتّحدة الأمريكية. ومنذ هذا الحين لم يعد اسم العدو المشترك إسرائيل، بل صار اسمه تنظيم الدولة الإسلامية.

جهاديون ملثَّمون وجنود نظاميون

لكن في الواقع من غير المعروف إلى متى ستبقى الحال على هذا النحو. فتذبذبات الحلفاء العرب وتحوّلاتهم معروفة خير معرفة في واشنطن. وكذلك يتساءل المرء في برلين حول استدامة المشاركة العربية. وفي حين أنّ استراتيجية السياسة الخارجية الألمانية تسير تمامًا على مسار الأمريكيين، تزداد الشكوك التي تفيد بأنَّ انحراف المملكة العربية السعودية ودولة قطر عن هذا المسار بعد الحدّ من توسُّع تنظيم الدولة الإسلامية ودحره سوف يكون أمرًا ممكنًا.

وعلى الرغم من أنَّ الجهاديين الملثَّمين باللون الأسود قد تجاوزوا في نظر دول الخليج كلّ الحدود، لكن هذه الدول تطبّق الإسلام هي الأخرى تطبيقًا أصوليًا صارمًا للغاية. إذ لا تزال الإعدامات العلنية في المملكة العربية السعودية من الأمور الشائعة. زد على ذلك أنَّ الوهابية المُطبَّقة هناك تتطابق في الكثير من النواحي مع ممارسات السلفيين، الذين خرج من صفوفهم أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية.

ولذلك من المثير أكثر للدهشة أنَّ دعاية دول الخليج من أجل الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية توحي بوجود انفتاح على العالم، بيد أنَّ هذا الانفتاح لا يزال في الحقيقة بعيدًا كلّ البعد عن الحياة اليومية هناك. ففي حين أنَّ “سيدة الحرية” تقود طائرة حربية مقاتلة ضدّ الجهاديين، لا يُسمح لها في المملكة العربية السعودية حتى بقيادة سيارة.

بيرغيت سفينسون

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: قنطرة 2014

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى