صفحات سورية

نجوم الفن يتساقطون من سماء الوطنية

 


فواز القرعان

أثبتت لنا الأحداث الأخيرة في الوطن العربي أنواع ومعادن الناس، من خلال مواقفهم الواضحة حينا والخجولة حينا والمتذبذبة حينا آخر.

ومن الشرائح المهمة في المجتمع المعاصر التي يفترض بها أنها شريحة فاعلة ويعتبر رأيها وموقفها مؤثرا، خاصة بالنسبة لهذه الشريحة نفسها إن لم يكن مؤثرا في سير الأحداث من حيث نجاح الثورات أو فشلها.

وهذه الفئة هي (الفنانون) وأقصد بهم الممثلين والمخرجين والمغنين . إذ رأيناهم في تونس ملهمة الثورات ورأينا الكثير منهم في مصر أم الثورات، رأيناهم في بداية كل ثورة يتهافتون على وسائل إعلام السلطة يمجدون ويمتدحون ويرفعون من شأن الحاكم وعهده ويتفاخرون بتاريخة المشرف وإنجازاته التي لا وجود لها. هؤلاء الفنانون أمطرونا بتصريحاتهم وخنقونا بكلامهم ورفعوا ضغطنا بكذبهم، وكم رفعوا لنا نسبة السكر بالدم لكثرة تملقهم وانبطاحهم وتزيينهم لحكام فاحت رائحتهم من كثرة فسادهم. وأصبحت اطلالة الحاكم بكل كذبه على المواطن العربي أهون من طلة هؤلاء المنافقين.

ونسي كل منهم أن حياته يقوم أساسها على هذا المواطن الشريف وعلى جيبه المنهوب أصلا. نسي هذا الفنان (الممثل أو المطرب) أنه وطوال حياته كان يتشدق بأنه لا وجود له لولا الجمهور، فالجمهور هو الذي يصنع والجمهور هو الذي ينهي حياة الفنان الفنية. طوال حياته وهو يتسول هذا الفقير المسكين أن يصفق له ويحضر حفلاته ويشتري اسطواناته ويحضر أفلامه وغيرها.

ولابد من وقفة متمعنة لمستوى النفاق والكذب الذي وصل إليه هؤلاء الفنانون، فالكثير منهم وطوال مسيرته الفنية اتخذ من أحوال الشعب المزرية، من فقر وظلم وجور وكبت للحريات، مادة له ولأعماله الفنية، وسمى نفسه فنانا ملتزما أو فنان الشعب أو فنان الفقراء، وألقى على نفسه أو ألقي عليه كثير من الألقاب والمسميات التي تقربه أكثر فأكثر من ابن الشارع الذي صدق بأنه يتكلم باسمه ويوصل كلمته المخنوقة إلى ذلك الجلاد الذي يقبع في برجه العاجي. صدق هذا المواطن المسكين دجل هؤلاء الفنانين في أنهم جزء من هذا الشعب يحسون بإحساسه، يتألمون لألمه ويجوعون لجوعه ويمرضون لمرضه ويصدحون بصوته، إذ لا صوت له في ظل هذه الحكومات المخابراتية القاتلة. ولكن خاب أمل المواطن العربي بهم، وأي خيبة، لنقل صدمة، وأي صدمة، أثبت معظم الفنانين أن هذا المواطن المسكين بكل ما يحمله من مادة خصبة لأعمالهم الفنية، لم يكن إلا سلعة تجارية، رغم رخصه لديهم، غالية الثمن في سوق البيع والشراء، إذ كان الواحد منهم يلهف الملايين من وراء أغانيه ومسلسلاته وأفلامه التي ما كانت لتكون لولا هذا المعدم المسكين المحطم. لقد أثبت الفنانون أنهم محض تجار يبيعون ويشترون، ولكن بقضية هذا المواطن المسحوق. جعلوا من قضيته سلعة ثم يبيعونه إياها من دون أن يعلم أنهم يضحكون عليه، وهو بدوره يأتي ليشاهد نفسه وليبكي على حالها بعد أن يكون دفع ما دفع من قوت ابنائه .

رأيناهم في تونس ورأيناهم في مصر ورأيناهم في سورية. بعض فناني مصر وسورية لشدة كذبهم، عندما اندلعت الثورة التونسية قام يسب حاكمها قائلين انهم مع شعب تونس وانهم يؤيدون الثورة ضد هذا الحاكم الظالم، وعندما قامت الثورة المصرية غير فنانو مصر نبرتهم ونغمتهم وأصبح رئيسهم ملاكا والشعب المصري هو الخائن، ومنهم من راح ينادي بحرق المعتصمين في ساحة التحرير أو قصفهم بالطائرات. وهذا نفسه ما حدث لفناني سورية، ولكن في سورية النفاق أشد وأدهى لأنهم مروا بتجربتين من نفس النوع، وكان الأولى بهم أن يتعلموا ويأخذوا العبرة من سابقيهم وأن يلجأوا للشعب الذي كانوا يمتطونه طوال حياتهم. طوال حياتهم، في أعمالهم الفنية، كان حاكمهم ذلك الظالم الجائر الكاذب الفاسد وبطانته بطانة سوء، وفجأة وبقدرة قادر عندما انتفض هذا المارد النائم وقام يصرخ بصدر عار وينادي مطالبا بحريته، ارتد كثير من الفنانين على أعقابهم كمن خذل جيشه وخان وطنه في وقت الزحف وراح يمجد رئيسه الذي كان يسبه بالأمس. بعد نجاح الثورة المصرية راح هؤلاء المنافقون يتباكون على شاشات التلفزيون ويكيلون الاعتذارات وكلمات الأسف بكل اللغات ويأتي بحججه الواهيه بأنه ابن هذا الشعب. ولكن هيهات هيهات فقد انكشفت عوراتهم وبانت سوءاتهم وتعروا أمام جمهورهم الذي نبذهم وراح ينادي بمقاطعة أعمالهم ونبذهم ووصفهم بحقيقتهم وحتى محاكمتهم.

وصلت القائمة السوداء لفناني سورية إلى 46 فنانا وفنانة ومذيعا ومذيعة، ولابد من كلمة اقولها لعل من سامع وإن كان من سامع فلعل هناك من واع متعظ. هذا الشعب شعبكم وهذا الجمهور جمهوركم وهو مادة أعمالكم، وهذا الحاكم هو نفسه الذي كنتم تشرحونه في أعمالكم، الشعب هو ذاته والحاكم هو ذاته، كفاكم نفاقا، كفاكم كذبا، كفاكم تزييفا للواقع الواضح الأبلج مثل ضوء الصبح الذي يراه البصير ويحس به الأعمى.

ولابد من كلمة شكر وعرفان لفنانين نزلوا إلى الشوارع والساحات واختلطت دماؤهم بدماء الشعب واختلطت أصواتهم بصوت الشعب فأثبتوا أنهم من الشعب وللشعب ولا وجود لهم بدون هذا الجمهور.

فقد رأيناهم في تونس ورأيناهم في مصر وأتمنى أن أراهم في ساحات المجد بسورية، بعد أن سمعنا صوت الأحرار منهم.

كاتب سوري

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى