صفحات سوريةعمر قدور

وماذا عن كلفة سقوط حزب الله؟/ عمر قدور

 يشيع محبّو زعيم حزب الله أنه لا يعرف الهذر في تحذيراته وتهديداته، لذا يجب أخذ كلامه الأخير على محمل الجد في ما يخص انخراط الحزب كاملاً في الحرب في سوريا؛ هذه المرة خارج الذرائع السابقة من حماية المقامات أو خطوط الإمداد، فالتهديد كان واضحاً وشاملاً، وهو يؤذن بتورّط الحزب في معركة وجود شاملة. وعلى رغم الإحساس بالنصر “الذي لا يفارق زعيم الحزب” فإن زجّ قوته الكاملة في سوريا يحمل من احتمالات الهزيمة نسبة قد تفوق احتمالات الفوز، أي أن فرضية المعركة الشاملة ستعني غالباً سقوط الحزب في معركة لم تُفرض عليه في أرضه، هذا إذا تحاشينا الخوض في مغزى تركه لظهره مكشوفاً أمام الإسرائيلي.

سيّان إن كان الحزب يذهب إلى سوريا بقناعة من قياداته المحلية أو بإكراه من مرجعيته الإيرانية، النتيجة واحدة لأن ما يُقال عن ضغوط إيرانية أجبرته على التدخل السافر لا يشفع له بقدر ما يُظهر ارتهان إرادته للخارج. هذا على أية حال ليس سقوطاً للحزب، إلا على الصعيد المعنوي بالنسبة إلى الذين لم يدركوا من قبل مدى الارتباط بين الطرفين، وهم على الأرجح من غير اللبنانيين لأن الأخيرين لم يكونوا بانتظار الحدث السوري لاكتشاف ذلك.

 سقوط حزب الله الأهم هو سقوط ماكينته العسكرية الهائلة، إذا قورنت بالقوى اللبنانية جمعاء بما فيها الجيش اللبناني، وهذا ما يتمناه الخصوم الكثيرون، ويبدو في طريقه إلى التحقق إذا صدقت الروايات عن التوابيت العائدة من سوريا. لكن التصور البسيط المريح عن قيام الحزب بالانتحار في سوريا، أي انتظار أن يحل معضلته بنفسه معفياً اللبنانيين من هذه المهمة، قد لا يعدو كونه وهماً تسوّقه القوى السياسية العاجزة عن مواجهة الحزب أو ردعه، ومع هذا تنتظر جني المكاسب عندما ينجز الحزب المهمة.

 من حيث الشكل يؤكد زعيم الحزب في كل إطلالة تلفزيونية حرصه على تجنيب لبنان آثار تدخله في سوريا، إلا أن هذا التأكيد لا يخلو في كل مرة من التلويح بهشاشة الوضع الأمني في لبنان، وتالياً قدرة الحزب على إشعال لبنان. إشارات تُفهم حالياً بوصفها تحذيراً من استهداف ظهر الحزب بينما هو منشغل بحربه السورية، غير أنها ليست جديدة تماماً إذ لطالما استُخدمت من قبل في مناسبات داخلية تماماً، ولا يُتوقع الكف عن استخدامها في حال بدأ الحزب يتعرض لهزيمة واضحة في سوريا، بل أغلب الظن أنها ستدخل حينها حيز التنفيذ. لندع جانباً التنوع وهامش الحرية اللذين تتيحهما الصيغة اللبنانية؛ خارج ذلك تلوح المقارنة مغريةً بين دولة الحزب والنظام السوري، وإذا كان الأخير قد رفع شعار “الأسد أو نحرق البلد” مع مستهل الثورة فليس هناك ما يمنع دولة الحزب من التصرف على نفس المنوال في لبنان، مع اختلاف الكلمات والعبارات. فالمتتبع لتصريحات قيادات الحزب أخيراً يدرك من لغة الاستقواء والوعيد أن خطابهم يهدد بهزيمة الحزب، وربما أكثر مما يهدد بانتصاره، لأن الأخير على فرض حدوثه سيوضع موضع الاستثمار بلا حاجة إلى هذه المقدمات.

في الواقع إن تهديد نصر الله الأخير بمشاركة كافة مقاتليه في حربه السورية لا يضيف معطيات جديدة بالنسبة إلى السوريين، ولا يُعدّ تهديداً حقيقياً لأن انخراط الحزب بنسبة أكبر لا يغيّر من المعطيات العامة على الأرض. لذا قد يكون من الأفضل قراءة التهديد بصفته موجهاً بالدرجة الأولى إلى اللبنانيين أنفسهم، والفحوى الفعلي أنه مستعد لمعركة وجود في سوريا، وأن عليهم الاستعداد لتحمل نتائج هزيمته هناك إن حصلت. هذه المرة لندع جانباً فرضية “أنه لا ينطق عن الهوى”، ونستبعد تالياً ذلك التبشير بالنصر، لأن لغة المكابرة لا تخفي مأزق الحزب الذي ينكره أصحابه، على نحو ما يفعل النظام السوري أيضاً، وعلى النحو ذاته سيكونون مستعدين لرمي كرة اللهب على الجميع. ثم إن التأكيد على أنها معركة وجود يطاول بدايةً وجود الحزب في لبنان، وإن أتى ربطاً بمعركة وجود النظام السوري، وما لا يقبله الحزب في سوريا لن يقبله في لبنان أولاً.

لقد تحملت النخب السياسية اللبنانية تدخل الحزب في سوريا، بعضٌ منها على مضض والبعض الآخر بحبور خفي على أمل سقوطه، لكن من المرجح أن يختلف سقوطه في سوريا عن فرضية تفكيك الحزب تدريجياً. لن يمر سقوط الحزب بلا تبعات قاسية على لبنان، ولن يحصد أحد المكاسب لأنه أجاد الانتظار، ولن تُحل المشاكل اللبنانية في “الساحة” السورية؛ تلك فرضية أخرى ثبت خطؤها عندما كان الآخرون ينظّرون للبنان بوصفه ساحة للتنفيس عن حروب الآخرين.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى