صفحات الناسوليد بركسية

أميركيون يحيون الأسد في تشارلوتسفيل: الفاشيون يدعمون بعضهم/ وليد بركسية

 

 

قد تكون عبارة “الفاشيون يدعمون بعضهم البعض” أول ما يتبادر إلى الأذهان، عند مشاهدة مقاطع الفيديو المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لمواطنين أميركيين ينتمون لليمين المتطرف وهم يحيون الرئيس السوري بشار الأسد، خلال التظاهرات العنيفة في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فيرجينيا الأميركية، بين أنصار اليمين المتطرف وأنصار التعددية، لكن تلك التحية البسيطة، الممزوجة مع الشعارات النازية والفاشية، ومناسبة الاحتجاج نفسها، ليست سوى جزء بسيط من صراع أيديولوجي أكبر، يحكم الحرب الحالية حول زعامة العالم، ودليل على فعالية البروباغندا الروسية – الأسدية المشتركة.

وفي مقطع الفيديو يرتدي أميركيون قمصاناً طبعت عليها عبارات مؤيدة لـ “الجيش العربي السوري” فيما يتحدث رجلان عن أن بشار الأسد لم يقم بأي شيء خاطئ وأن الإطاحة بالدكتاتور الليبي معمر القذافي كان خطاً فادحاً، قبل أن ينهيا البث الخاص بهما بدعوة الأسد لاستخدام الأسلحة الكيميائية ضد تنظيم “داعش” وإلى إلقاء المزيد من البراميل المتفجرة الـ “cool”!.

وبقدر ما تبدو تلك الدعوات “التشبيحية”، متناقضة مع دعوات الرئيس الأميركي، الشعبوي المقرب من اليمين المتطرف، دونالد ترامب، في قصفه للنظام السوري إثر استخدامه السلاح الكيماوي في شهر نيسان/أبريل الماضي، إلا أن الموقف النازي هنا، يرتبط بالعداء، وربما الخوف، من المهاجرين ومن الإسلام والحركات الجهادية على حد سواء، مع معلومات مغلوطة مستمدة من البروباغندا الروسية وحقيقة انهيار ثقة معظم الأميركيين بوسائل الإعلام التقليدية، وهو ما تجلى بعدد من التغريدات، لنازيين جدد، قالوا فيها أن “وسائل الإعلام الرئيسية” تحاول حرف الجدال عن مساره، بإقحام الأسد في النقاش، رغم أن الحديث عن الأسد كان منتشراً عبر مواقع التواصل وليس عبر الإعلام الأميركي.

ورغم أن الدعم العسكري الروسي والإيراني للأسد لعب دوراً هاماً في بقائه في السلطة، إلا أنه كسب كثيراً بتوليف خطابه مع اللهجة الروسية “المحافظة” مع علو أسهم الشعبوية القومية عالمياً، حيث اعتمد لسنوات على “وسائل الإعلام البديلة” من أجل تقديم البروباغندا الموالية له بشكل منفصل عن إعلامه الخاص، وفر له إمكانية بناء صورة كقومي يحارب الإرهاب بعكس صورته الحقيقية كدكتاتور يقتل شعبه ويستأثر بالسلطة.

وفي هذا المشهد يصبح الأسد بطلاً للنازية الجديدة ليس لكونه زعيماً أبيض، بل لأنه الحليف المدافع عن العالم النازي “النقي” بوصفه مقاتلاً ضد “داعش” الذي يعتبر السبب في التطرف وأزمة اللجوء من جهة، ومعتنقاً في خطابه للأيديولوجيا نفسها التي يقوم عليها اليمين المتطرف، وهي إحياء العالم القديم الذي يقسم الكوكب إلى مناطق جغرافية يسكن في كل منها أعراق وأديان مختلفة، بعكس العالم الجديد القائم على التعددية والحياة المشتركة في المدن الكبرى بمساواة وعدالة، من جهة ثانية.

وبإلقاء نظرة سريعة على حسابات “تويتر” التي تشارك الفيديو مع التهليل للأسد، يمكن ملاحظة مصادر المعلومات التي يعتمد عليها “النازيون الجدد” لتكوين هذا النوع من الآراء المتطرفة، وعلى رأسها موقع “المصدر نيوز” وهو واحد من أبرز مصادر البروباغندا الروسية الممولة من الكرملين، إضافة لحسابات لـ “محليين سياسيين مستقلين” يقدمون الدعاية الروسية بشكل مباشر، ويعرفون عن أنفسهم بأنهم معادون لـ “الأمركة” من دون التعريف حتى عن أسمائهم الحقيقية أحياناً! علماً ان هذه المواقع التي تقدم الأخبار الكاذبة، لعبت دوراً حاسماً في فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، ما اعتبر حينها ذروة نجاح اليمين المتطرف على الإطلاق.

في ضوء ذلك، تشكل أحداث تشارلوتسفيل، وتحية الأسد خلالها، حلقة من سلسلة الصراع بين الديموقراطيات الغربية والكرملين الساعي حسب تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر ميونيخ الأمني في شهر شباط/فبراير الماضي، تحدث فيها عن نظام عالمي جديد يتجاوز فكرة العالم الغربي التي تسيدت العالم منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، مع رغبة روسيا، الداعمة لنظام الأسد، بالتحديد في العودة بالزمن إلى الوراء نحو نظام يشابه نظام السياسة العالمية خلال القرن التاسع عشر، بالاستفادة من الأزمة الليبرالية الحالية إثر صعود الحركات الشعبوية في العالم وتحول الليبراليين التقليديين إلى تمثيل أقصى اليسار، وهو أمر يرتبط بتغييرات اجتماعية شديدة المحافظة، لا يمكن معها القبول بالحياة التعددية وقيم المساوة والحرية.

وهذه النوستالجيا المشتركة بين الروس الذين تداعب رؤوسهم أمجاد الإمبراطورية الروسية القديمة، والحياة المسيحية البيضاء الأصيلة الخالية من الشوائب، هي عامل لا يستهان به في تشكيل الحركات الشعبوية وإحياء النازية الجديدة بهذا المستوى من خطاب الكراهية والعنف بشكل صادم ومقلق للبشرية التي تبدو وأنها تنقلب على نفسها ولا تنتظر عاملاً خارجياً، كالنيزك أو يوم القيامة، لإنهاء وجودها! على اعتبار أن هذا العنف ليس سوى تمهيد لحروب أكبر، على مستوى الدول المعتنقة للأيدولوجيات المتصارعة، والتي يشكل فيها هذا النوع من الأفراد، مجرد جنود لا أكثر.

والحال أن هذا الاستقطاب الحاد شديد الخطورة، لكونه يدور حول الجدوى من المؤسسات السياسية التقليدية التي تدافع عن عالم متعدد يضمن العدالة للجميع من دون تمييز بين المواطنين على خلفيات دينية أو إثنية أو جنسية أو جندرية، ومن نافل القول هنا الحديث عن عداء النازيين المسيحيين البيض لبقية الأعراق والأديان، ويكفي ملاحظة تصريحات ترامب نفسه ضد المسلمين والنساء والسود والمثليين جنسياً واليهود وغيرهم لمعرفة تلك الحقيقة المروعة.

ويجب القول أن أنصار الأسد من النازيين لا يبالون أبداً بما يدور في سوريا، ولا بمسار الثورة وتحولها إلى حرب، ولا بالمدنيين ولا بالديموقراطية والحرية، ولا بالدماء والموت المجاني، وتحول البلاد إلى ساحة حرب غير نهائية، ولا يهتمون حتى بمصير الأسد نفسه، لأن كل ما يدور في بالهم هو عزل أنفسهم، بدافع الخوف والإحباط، عن الأقليات ضمن نسختهم المشوهة من “الديموقراطية” و”الحرية” المصممة خصيصاً لهم، لأن قيم الحضارات الأخرى لا تتواءم مع قيم الحرية الغربيةَ، فضلاً عن نظرتهم للمهاجرين والمواطنين الغربيين المنحدرين من إثنيات أخرى على أنهم السبب في معدلات البطالة والفقر وانهيار الطبقة الوسطى، وهو أمر حاول الحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة لفت الأنظار إليه، بإطلاقه أجندة يائسة أواخر تموز/يوليو الماضي لتحسين ظروف الاقتصاد والعمل.

أكثر ما يثير السخرية هنا، أن الأسد نفسه، ليس سوى فاعل صغير في المعادلة، بوصفه حارساً للحدود التقليدية بين الشرق الأوسط وأوروبا، وحسب المخيلة الجمعية المتطرفة المبنية على معلومات خاطئة، كلما كان هذا الحارس عنيفاً ودموياً وقاسياً فإنه سيحافظ على “الأمن” وسيمنع ظهور أفواج من اللاجئين والمهاجرين، رغم كونه سبباً أساسياً للهروب من البلاد، في واقع الأمر.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى