صفحات الناسلقمان ديركي

الثورة والطب الثوري/ لقمان ديركي

 

 

لم يستطع طبيب على مدار التاريخ أن يكشف على كل هذا الكم من الأمراض التي كشفت عليها وعنها الثورة السورية، حتى بات المجتمع السوري عارياً مكشوفاً وواضحاً لبعضه البعض وللعيان علناً. لم يعد من المفيد أن تقول له حارتنا ضيقة وبنعرف بعض. فهو يعرف ذلك، ويعرف أنك تعرف كل شيء عنه من رأسه والأفكار التي فيه إلى أخمص قدميه ولوين رح توديه.

لم تعد الأمثال بحاجة إلى شرح. صار كل شيء مشروحاً، وان شفت الأعمى طبُّه ما لك أكرم من ربه. طلع مو لئيم كتير المثل، طلع معه حق اللي قال، من كتر ما شفت عميان الرأي بهالأيام، على قد ما صرَّخت فيهم، لكن لا حياة لمن تنادي. الجماعة تحمل في رأسها الجمعي أفكاراً مختلفة، وهي مؤمنة بها. ويبدو أن من الصعب عليك وعلى أمثالك تحريك مجال رؤيتها ميلليمتراً واحداً، لذلك فإن شفت الأعمى طبُّه مالك أكرم من ربه.

ولسخرية القدر وقع صاحب المثل أيضاً في معنى المثل، وقع القائل. وقع الفكر الإجتماعي في ما لا يجب أن يقع فيه. ولو كانت السلطة في يد هذا الفكر لربما كان الآن قد اعترف. لكن السلطة في يد العسكر، والعسكر لا يقعون لكنهم يوقعون مجتمعات كاملة. فما الذي لدى العسكر كي يخسروه؟ العسكر يتربون على الوحشية، فماذا تأمل منهم. العسكر مجرمون مشرعون. العسكر بصمت لهم مجتمعاتهم وأذنت لهم بالقتل البنَّاء والمفيد لها، فما هي المجتمعات التي تقف وراء العسكر الذين يقتلون الشعب السوري؟ من هم المصفقون للقتلة، من هم الذين يضعون لهؤلاء القتلة التبريرات ويسوقونها في المجتمعات الحاضنة؟!

إن القطاعات التي لم تلتحق بالثورة كانت توقعاتها أن تخمد الثورة وأن يتم ترفيعهم من مطبلين ومزمّرين إلى كتاب وفلاسفة وفنانين. وأن تتم ترقيتهم من عساكر أبو شحاطة إلى ضباط مخابرات حصرياً. لكن هيهات.. فحسابات الفكر النذل سقطت ليس على قنوات النظام التلفزيونية فقط، بل على قنوات المعارضة والقنوات الدولية الحرة على أساس.. وصارت القطاعات المتورطة مع الإجرام تبحث عن مخرج لنفسها فلا تجد. وصارت تقاوم الثورة بقوة أكبر من ذي قبل. صارت تسند جدار النظام كي لا يسقط عليها.

نعم إن سقوط النظام سيعفس ويدعس ويفعس كل قطاعاته التي دعمته بالقول والفعل والمال والجسد والروح والدم. وبالروح بالدم نفديك. نعم رح تفديه يا من تقول وتفعل. هذه الشعارات التي كنت ترفعها ويبح صوتك في ترديدها في مسيراتك المليونية العفوية ستتحقق. الأسد أو نحرق البلد تحققت. بقي أن تتحقق بالروح بالدم نفديك يا بشار، وستتحقق. لا يوجد كلام بلا معنى في الحياة كما تتصور، لذا صارت أهداف هذه القطاعات الآن أن يتحول مسار الثورة باتجاه الحرب الأهلية، وتم الضخ والدعم، وصارت الأموال توزع الأدوار. وطلع الوسخ يا أبو شريك، وظهرت للعيان مئات الأمراض غير المشخصة، فالمجتمع منهك ومدمَّر من داخله، لا فكر لديه ولا أفكار، بس بيفهم باليورو وبالدولار، وصارت الثورة تحت براثن الأنذال.

لكن .. ما بدأ صعب إيقافه، والثورة ستعصف بكل هذا الركام بعد فارت قِدرها وفارَت على سطحها كل هذه الأمراض والإلتهابات والدمامل والأوساخ.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى