صفحات العالم

الدراماتورج» السياسي/ د. أحمد عبد الملك

 

 

يُعرّف المسرحيون «الدراماتورج» بأنه مُطوِّر للنص الأساسي، ودراسة العلاقات بين مكونات العمل، وهو جزء مهم لإنجاز العمل المسرحي، وهو أيضاً « شريك مكافئ للمخرج في تمهيد الكتابة السينمائية اللفظية وغير اللفظية، ولتنفيذ العرض وتتبع أثر خطوط القوة، وتسهيل إنجاز العمل الإبداعي». ومن مهام «الدراماتورج» اختيار الممثلين والنصوص المسرحية، ومساعدة الكتاب في تحرير النصوص الجيدة، وبرامج التدريب، ومساعدة المخرج في البروفات، وأحياناً يقوم «الدراماتورج» بدور المؤلف في حال غيابه.(موقع أكاديمية الفنون، ترجمة رحاب الخياط، 5/8/2014).وعلى المسرح السياسي تتعدد أشكال ومهام «الدراماتورج»، حسب البيئة الجغرافية، والنظام السياسي، وقوة الدولة، وشكل نظامها، وعلاقاتها مع الجيران، والأيديولوجية التي تؤمن بها، وحجم ثرواتها، ودرجة وعي شعبها، والطموح السياسي لقادتها، ولقد شهدنا «دراماتورجات» بأشكال عدة.

فهنالك الشكل الديكتاتوري الذي لا يسمح لأحد بمشاركته الدور، فهو المؤلف والممثل والمخرج ومصمم الديكور، ومصمم السينوغرافيا، وهو الذي يختار الممثلين حوله.

وهو يعدل في النص (الدستور) حسب هواه، وهو الذي يضع «هو الذي يختار شكل الحياة في النص وفي الواقع، ويفصّل القوانين حسب مزاجه ورغباته، ويمارس السلطة على الناس بشكل مزاجي أو عقائدي.

كما أنه مسكون بحب العظمة، ولا يجد غير صورته في (إعلانات الشوارع)، وعلى شاشات التلفزيون.

كما أن المساس بـ«هيبته» جريمة يعاقب عليها القانون ! وقد تصل إلى حد الإعدام.

كما أن هذا «الدراماتورج» يعين الوزراء ويُقصي الوزراء، ويشكل اللجان، وينشئ المرافق حسب رغبته وليس حسب حاجة النص أو المجتمع.

وهنالك الشكل الديموقراطي، الذي يؤمن بالتعددية وحق كل الممثلين «الشعب» في إبداء رأيهم، سواء كان في تعديل النص «الدستور» أو اختيار الإضاءة، أو الإطلاع على الميزانية العامة للعمل، واختيار الممثلين والمساعدين «المُقربين» حسب مواهبهم، لا حسب أسمائهم أو انتماءاتهم القبلية أو عمقهم الاجتماعي ! وفي هذا الشكل تسمو روح المسؤولية، والرضا الاجتماعي، وتتحقق المواطنة بشكلها الأساسي، ويعرف الممثل (المواطن) واجباته كاملة، وينال حقوقه كاملة.

وفي هذا الشكل تَسقط الحواجز بين المخرج (الحاكم) وبين فريق العمل (أفراد الشعب). فلا شرطة تقف لك بالمرصاد، ولا مخابرات تفتّش جيوبك، أو عيون حبيبتك، ولا استجوابات عشوائية نتيجة «حُمق» أو مزايدات أمنية، ولا أحكام جائرة دون محاكمة عادلة، ولا تلصُص على الرسائل أو المكالمات أو الهمس الليلي.

وفي هذا الشكل يرتاح «الدراماتورج» ويطول عمره، ويذهب العاملون في المسرحية (الشعب) في آخر الليل كي يرتموا في أحضان زوجاتهم بكل أمان.

وهذا النموذج من أفضل النماذج لسعادة الشعوب وازدهارها وسيادة روح القانون على الجميع، حيث يفهم الكل واجباته في الوقت الذي يطالب بكل حقوقه.

وهنالك الأنظمة المتأرجحة، والتي تحاول تجربة أي مذهب أو شكل سياسي دون أن تكون لديها رؤى محددة حول المستقبل، فلا المسرحية كوميدية، ولا هي تراجيدية، ولا هي عبثية، وهذه الأنظمة تلعب بورقة الوقت، وتأجيل المراحل دون حرقها مرة واحدة.

وفي مثل هذه الأنظمة يكون هنالك أكثر من (دراماتورج)، تستتر بينهم العداوةُ والاتجاهات الفكرية، لكنهم يظهرون أمام شاشات التلفزيون وفي الصحف يبتسمون ويعانقون بعضهم بعضاً، ويتبادلون التهاني، ويتفقون على شيء محدد هو امتصاص أكبر قدر من «ميزانية العمل» كونهم لا يشعرون بالبقاء كثيراً وأنهم «راحلون»! لذا فإنهم لا يُنشئون دولة قوية، أو يؤسسون لمسرحية (إدارة الشعب) بطريقة هادفة، بل يروجون ثقافة الاستهلاك، ويعولون على الدعاية السياسية والإعلام الجاهل والولاء المطلق المفروض بالحتميات الاجتماعية والتاريخية.

وفي هذا الشكل يتلاعب «الدراماتورجات» بالاتجاهات السياسية، والسياسات المالية، والاجتماعية، ويقمعون الرأي الآخر، ويفرضون «الفرز» الاجتماعي وتفتيت فريق العمل (الشعب) لتسهل قيادته، رغم أن المسرحية غير ذات أهمية، ويمل فريق العمل منها.

وفي هذا الشكل أيضاً تتحول البلاد إلى عزبٍ أو محميات يملكها «الدراماتورجات» ويسنون فيها قوانينهم الخاصة، ويسمحون لبعض «الممثلين» بالاقتراب من ظلال تلك العزب، بينما يُلقون بآخرين في (غيابة الجُبّ)، دون علم «الدراماتورج» الأكبر، لأن الكل لاهٍ في «عزبته»، والكل يطبق القانون الذي يراه، لذا فإن «المسرحية» عادة – في هذا الشكل- لا تكتمل، وقد تسود الانقلابات أو حوادث الاغتيال القصدي.

إن أنسب بيئة لنشوء «الدراماتورجات» هو العالم العربي الذي يتقبل بعضُ سياسييه الكذب ممن حولهم، ويقومون بتدريب «دراماتورجات» صغيرة كي يسيطروا على بقية فريق العمل، ولا يرتفع أي صوت ضد «الدراماتورج» الأكبر.

لذا فإن برامج التنمية تتعثر في العديد من البلدان العربية، ولا تتحقق المواطنة، ويتم التغوّل على حقوق الإنسان، وتكثر حالات الفساد، والإقصاء والفرز الطائفي والاجتماعي.

ويكون المتضرر الأول هو فريق العمل (الشعب)، الذي يلعن الساعة التي أوصلته إلى المسرح كي يشاهد مسرحية – دون نصّ – لا يحبها!

الاتحاد

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى