صفحات الرأينارت عبد الكريم

العلم ليس بالاستلاب/ نارت عبدالكريم

 

 

تحتفي إحدى «الفلسفات» الشرقية بالفراغ وتعظم من شأنه، في حين نحتفي نحن بالامتلاء وبالتماسك، وتتحدث عن الطبيعة من داخلها في حين نشير إليها بضمير الغائب، وتستأنس لامتزاج المتناقضات وقبولها كما هي، في حين نسعى، نحن، إلى عزلها عن بعضها بعضاً، ونستغرق في ذلك أيما استغراق وكأن لسان حالنا يطابق الحديث الشريف «ما اجتمع ذكرٌ وأنثى إلا وكان الشيطان ثالثهما». وفي حين تنظر، هي، إلى العالم على أنه كلٌ موحد، نلح، نحن، على رؤية الواقع من خلال نظرياتنا فلا نخوض في أوحاله قاصدين، بل مرغمين ومغلوبين على أمرنا.

ولا تحتفظ بأدواتها بعد الانتهاء من استخدامها في حين أننا نتباهى بالالتصاق بأدواتنا ولا نفارقها حتى لو فقدت جدواها، ولا نصدق إلا ما تراه أعيننا في حين أنها ترى ما لا نراه، ولا نتعلم إلا باعتماد الكلام واللغة والتصريح والبيان والنقل والمراكمة في حين أنها تعتمد الصمت والتلميح والإيجاز والتأمل لنقل معارفها من جيلٍ إلى آخر من دون نقصٍ أو تشويه.

ولطالما واجهتنا الوقائع بما يناقض نظرياتنا ومعتقداتنا على عكس الحال عندهم، وكلما أبحرنا في علومنا – التي استوردنا جلها من الغرب – زادت شكوكنا وانحرافاتنا وهواجسنا، في حين أنهم ما زالوا يرددون، منذ آلاف السنين، تلك الحكمة «التاوية»: الخطأ والصواب مرضٌ في العقل.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى