صفحات العالم

سوريا: المفقودون وقتل الجند وشبيحة من كل لون


محمد رشيد

تتمايز الثورات العربية فيما بينها وان تشابهت في الاهداف، فكل هذه الثورات المنتصرة، او المستمرة على طريق النصر، او تلك المتوقعة في الطريق، لها نفس الهدف “الحرية و الكرامة”، واستخدمت نفس الأساليب، اي إسقاط النظام بثورة شعبية لن تتوقف الا عند الانتصار، ومن اجل تحقيق ذلك وفتح الطريق نحو المستقبل، لا تأبه هذه الشعوب بقسوة المعركة، وما تتطلبه من تضحيات جسيمة.

وفي بداية هذه الثورات، لم يفهم البعض بان شعار إسقاط النظام، كان شديد الدقة، ويختلف تماماً عن شعر إسقاط الرئيس، دعك من شعارات اقل عمقا وشمولية مثل إسقاط الحكومة، أينا كانت مثل هذه الحكومة.

وعلى الرغم من اوجه الشبه الكثيرة والكبيرة، الى حد يخال للمرء بانها ثورة واحدة ضد نظام واحد، فان لكل ثورة من هذه الثورات مزاياها الوطنية الخاصة، كما ان لنظم الاستبداد، عوامل مشتركة، ولها أيضاً مزايا خاصة، من لين او شراسة في مواجهة هذه الثورات الشعبية ودفاعا عن كرسي الحكم، وفي استخدام وسائل مختلفة في القمع والقتل و التدمير، الى حد بات معه ثوار ليبيا وسوريا واليمن يعطون درجات افضل لزين العابدين بن علي ولحسني مبارك، لانهما اختارا الهروب السريع في حالة بن علي او الخروج السريع في حالة حسني مبارك. مقابل نظم ليبيا وسوريا واليمن التي اختارت طريق الدم والنار.

وللثورة السورية مزايا كثيرة وواضحة، مثل عدم احتفاظها بمركز واحد والتركيز عليه مثل ساحة التحرير في ثورتي مصر واليمن، وامام وزارة الداخلية في ثورة تونس، الامر الذي اعتبره الكثيرون، بما في ذلك بعض الثوار السوريين وقياداتهم خطأ، لكن الايام اثبتت ان ذلك كان في مصلحة الثورة، وأيضاً هناك ميزة خفة الدم المنقطعة النظير مما “طير” عقل النظام ولم تعد أعصابه تحتمل ذلك، وتميزت أيضا بحنجرة ثائر هو “الشهيد ابراهيم القاشوش” الذي شكل الهاما حقيقيا، ووضع كل شعارات الثورة ومنذ منذ اليوم في سقف لم يعد بامكان احد ان يتنازل عنه، حنجرة رجل مقابل ثلاثة الاف دبابة، ولم يدرك النظام بغبائه المعهود انه وباقتلاع تلك الحنجرة الدافئة، انما حفر لنفسه قبرا عميقا، لان الشهيد “القاشوش” كان قد أتم مهمته، ورسم بكلماته وصوته خارطة طريق الثورة، لانه كان واحدا من اوائل الثوار.

ومزايا الثورة السورية حكاية طويلة، مؤلمة وجميلة، سأعود اليها إن شاء الله في مرة قادمة، ولكن لنرى بعض ما يميز النظام السوري عن النظم التي رحلت او تلك التي سترحل، اقول بعضها لان القائمة طويلة ولا يمكن تغطيتها في مقال واحد، بل سأحصر ذلك في بعضها، “المفقودون” و”قتل الجند” و”الشبيحة”.

المفقودون

في كل الثورات العربية التي حدثت خلال هذا العام المبارك كان الضحايا اما شهداء او جرحى، اما معتقلين او مطاردين او لاجئين، لكن النظام السوري أبى الا ان يتميز في ذلك أيضاً، فاضطر الشعب والاعلام ومؤسسات حقوق الانسان السورية والدولية الى فتح جدول جديد اسمه “المفقودون”. ونحن لا نتحدث هنا عن الاف بل وربما عشرات الآلاف من المفقودين لدى النظام من ايام الاب، والكل يعرف ان من بين أولئك سوريين ولبنانيين وفلسطينيين وأردنيين ومن جنسيات اخرى، بالآلاف ان لم يكن بعشرات الآلاف كما قلت.

انما الحديث يدور حول الاف المفقودين في خضم ثورة الحرية والكرامة المستمرة، وتقدر بعض الإحصاءات الوطنية السورية والعالمية حجم مفقودي الثورة السورية بنحو خمسة الاف ثائر او متهم بالثورة، وبعض التقارير تقول ان الأرقام اعلى، وينبغي تركيز الضغط لمعرفة مصير هؤلاء قبل فوات الأوان، ان لم يكن قد فات على بعضهم، انها مسؤولية خطيرة على عاتق الجميع.

قتل الجند

ميزة اخرى للنظام، لم نشهد مثلها من قبل هي قتل “الجند”، والثوار يعتبرون العدد الاكبر منهم شهداء للثورة بحكم ان النظام يقوم بتنفيذ اعدامات ميدانية بحقهم لرفضهم استهداف الثوار السلميين، ويتعمد النظام ان يكون هؤلاء من مكون واحد من مكونات الشعب السوري بهدف زعزعة السلم الاهلي، وتحريض هذا المكون على ثورته السلمية، ورغم فشله الواضح فان النظام مستمر في عمليات القتل تلك، لانها تعتبر اي ضابط او جندي يرفض قتل ابناء شعبه هو مؤيد للثورة بل ومرشح ان يكون أحد أبنائها، في حين سمع هؤلاء الجند نداء الثورة “خاين يلي بيقتل شعبة” في الشارع والمدينة من شرق سوريا الى غربها ومن شمالها الى جنوبها، وسمعوها تتردد على السنة “حرائر سوريا”، على السنة سهير الأتاسي ورزان زيتونة وريما فليحان.

الشبيحة

الشبيحة في لغة الثورة السورية ليست تميزا بحد ذاتها، فلقد قابلها “الباندية” في الثورة التونسية، و”البلطجية” في الثورة المصرية، و”البلاطجة” في الثورة اليمنية، وأخيرا “المرتزقة” في الثورة الليبية.

لكن، ما يميز “شبيحة” النظام السوري عن سائر أقرانهم في الثورات العربية، هو اتساع رقعة انتشارهم، وتنوع منابعهم، من “كاراكاس” الى “استنة”، ومن “طهران” الى “بيروت”، بل وحتى الى “عمان”.

حيث ترى ان يوغو شافيز يدافع عن زميله بشار، ودكتاتور كازخستان نزار باييف ينبري مشككا بوطنية الثورة خوفا من العدوى، وكذلك يفعل نبيه بري ونصرالله، وكل هذا قد يكون مفهوما في اطار التحالفات.

ولكن ما هو غير مفهوم هو موقف بعض من يعتبرون انفسهم مثقفين، يدعون للتغير في دولهم ويحرمونه على الشعب السوري، فتلك ثورة، اما هذه فهي مؤامرة على الوطنية و الممانعة، ويكيلون في عصبية واضحة الشتائم والتهم وهم يرون ان النظام بدأ بالتآكل بسرعة اكبر، والحبل يقترب من رقبته.

مثلا احد هؤلاء “الشبيحة” كال لي أنا شخصيا سيلا غير متجانس من التهم والشتائم، ضاع هو نفسه في زحامها، من عميل ويهودي، من مندس الى مرتبط بتخريب سوريا، لا لشيء الا لأنني اكتب، لكن ما لا يعرفه هذا “الشبيح” الاردني انني كنت في سوريا ستة مرات عام 2007، واجتمعت اكثر من مرة مع أركان النظام، فمن كنت امثل، الشهيد ابو عمار، الذي كان قد رحل، أم الجانب الاسرائيلي!!!!

لكننا، وفي وقت قريب، وفي حين نكون نحتفل مع الشعب السوري بانتصار ثورته، يكون مثل هؤلاء يبكون مصير نظامهم الممانع للحرية والكرامة، وسوريا التي يعرفها هؤلاء الشبيحة ذهبت الى الأبد، وسوف لن تعود لتعيش تحت الظلم وانعدام الكرامة الوطنية الناتجة عن هذا الاحتلال الاسرائيلي المريح جداً على امتداد اربعة واربعين عاما، وعليهم ان يقرؤوا تصريحات عاموس جلعاد جيدا، لكننا يبدو لا زلنا في زمن كان الشاعر العظيم محمود درويش يحب ان يقول فيه ، على البعض ان يتعلموا القراءة قبل ان يفكروا بالكتابة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى