صفحات الناس

سوريا: هجرة 60 ألف طبيب

 

سلام السعدي

في الريف الدمشقي المحرّر، يتابع ما تبقى من السكان حياتهم القاسية، فيما يأتيهم الموت من كل صوب. يحدقون في السماء، لتجنب طائرة “الميغ” المتأهبة للقتل، ويحدقون في الأرض، حيث يمكن المرء أن يصادف جثةً هنا أو هناك. يتجنبون أثناء سيرهم، المستنقعات المائية الآسنة، وهذًه، مع حلول فصل الصيف، سوف تكون موتاً مقيماً ومحتماً، يخشاه السكان حتى أكثر من “الميغ” نفسها، ويعدون له العدة من الآن.

أتى القصف العشوائي على الجزء الأكبر من البنية التحتية في مناطق ريف دمشق. وأدى دمار قنوات الصرف الصحي إلى انتشار مستنقعات المياه في كل مكان. خصوصاً بين التجمعات السكنية، التي باتت تلتقط أمراض عديدة من جراء ذلك. هذا فضلاً عن تضخم أكوام النفايات المنتشرة إلى حد جعلها تسد بعض الطرق. يضاف أيضاً، انتشار جثث من يقتلون ويتعذر الوصول إليهم، سواء بسبب القنص المستمر، أو بسبب بقائهم تحت الأنقاض.

 تعمل لجان النظافة بطاقتها القصوى، وبما تيسر لها من إمكانات ضعيفة. فعدد قليل جداً من شاحنات نقل النفايات  تحت تصرفها. فيما يبذل العاملون في القطاع الطبي ما بوسعهم من جهود. ويعتبر الجميع أن فصل الصيف سيكون التحدي الأبرز لهم. إذ سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة، إلى كارثة إنسانية، في ظل عدم وجود حل حقيقي لهذه الأزمة.

وفيما بدأت أمراض عديدة بالانتشار، مثل التفوئيد واليرقان والجرب والقمل، يعاني القطاع الطبي ضعف الإمكانات المادية والبشرية للتصدي لها. هذا وتقدر منظمة “نجدة ناو” العاملة في الإغاثة والتنمية، أن نحو 60 ألف طبيب قد هاجروا حتى نهاية العام 2012. وتقول مديرة المنظمة خولة دنيا في حديث لـ “المدن” أن ملاحقة الأطباء والمسعفين كمطلوبين “درجة أولى”، وتدمير المشافي الميدانية، وتوقف عدد كبير من معامل الأدوية، يصعب كثيراً من مهمتهم.

وتتحدث دنيا عن “إهمال الأمراض الاعتيادية أو ما يسمى بالحالات الباردة، لمصلحة الحالات الإسعافية اليومية التي يسببها القصف والمواجهات”. وإذ تحذر من كارثة حقيقية، تٌذكّر بما حصل في مدينة دوما، وذلك لدى “استهداف البنية التحتية للمدينة بالقنابل الفراغية، ما أدى، مع انتشار الجثث في الشوارع، إلى احتمال ظهور مرض الطاعون”. تتابع دنيا، وتشير إلى بدء انتشار الأوبئة بين الأطفال، وعدم تلقيهم الأدوية واللقاحات الضرورية لمكافحتها، إذ أنها “غير متوافرة على الرغم من بساطتها”.

وبرغم الجهود الجبارة التي يبذلها الناشطون والمنظمات المحلية، يتبدى عجزهم عن تطويق الكارثة الصحية والحد من توسعها، خصوصاً أن هذا الملف كما تقول دنيا “يحتاج إلى ميزانية ضخمة لا نستطيع تغطيتها، كما يحتاج لاستيراد الأدوية للعلاج، وهو ما يتم بصعوبة، بسبب منع الاستيراد وخصوصا للمناطق المشتعلة”.

تزداد المخاطر مع نقص إمدادات المياه المعقمة إلى المناطق المحررة، حيث يعتمد السكان هناك، على شراء المياه من صهاريج متنقلة، عادة ما تكون بكميات قليلة، ومجهولة المصدر، وقد تسببت بزيادة انتشار الأمراض.

وكانت منظمة “اليونسيف” قد أعربت عن مخاوفها من إصابة الأطفال السوريين بالأمراض، نتيجة للأضرار الجسيمة التي لحقت بشبكات المياه، وعدم توافر مياه آمنة للسكان. وحذرت في بيان لها، من أن الإنتاج السوري المحلي للمواد الكيميائية اللازمة لمعالجة المياه قد توقف تقريباً، وبات الناس معرضين لخطر استعمال المياه الملوثة.

 غير أن “اليونيسيف” توصلت، بالتعاون مع النظام السوري، إلى خطة عمل، لدعم قطاع المياه في سورية بميزانية إجمالية مقدارها 9.35 ملايين دولار. وتتضمن الخطة التي تمتد لنهاية العام الجاري إعادة تأهيل نظام الإمداد بالمياه والصرف الصحي، كما تتضمن توفير 600 طن من مادة الكلور لمعالجة المياه، ولمصلحة جميع المحافظات.

ولا يعرف حتى الآن، كيف ستتمكن المنظمة الدولية من إعادة تأهيل البنية التحتية، فيما يثابر النظام السوري على قصفها وتدميرها وبشكل ممنهج. هذا فضلاً عن أن عملها يتم تحت غطاء الحكومة السورية، وبتنسيق تام معها، وهو ما يحد من إمكانية وصولها إلى المناطق المحررة.

هذا وأعرب مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الفائت في بيان حظي بإجماع نادر، عن أسفه لـ “العراقيل” التي تعترض توزيع المساعدات الإنسانية في سورية، داعياً جميع الأطراف “لا سيما السلطات السورية، إلى التعاون الكامل مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية ذات الصلة”. وكانت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فاليري آموس، قد نددت بالعراقيل البيروقراطية التي تجعل من “شبه المستحيل توزيع المعونات”. وأشارت إلى خفض عدد جماعات الإغاثة المسموح لها بالعمل في البلاد من 110 إلى 29، من قبل الحكومة السورية، مشدّدة على أن “الناس في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة هم الأشد احتياجاً”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى