صفحات الناس

قطاع القطن السوري يتعرض للإبادة/ مروان أبو خالد

 يعد القطن المحصول الزراعي الاستراتيجي الأول في سوريا. ويحتل المرتبة الثانية في تأمين القطع الأجنبي لخزينة الدولة بعد النفط، حيث يشكل نحو 30% من الصادرات الزراعية. كما أن 20% من سكان سورية يعتاشون على القطن، زراعة وتسويقاً وتصنيعاً. وقد شهدت هذه الزراعة تراجعاً دراماتيكياً بعد أن وقعت ضحية للحرب التي أشعلها النظام من جهة، وقرارات حكومته الفاشلة من جهة أخرى.

فمع اندلاع الانتفاضة السورية العام 2011، وما تلاها من تداعيات اقتصادية وأمنية خطيرة كنتيجة حتمية للحرب، تراجع محصول القطن السوري من 671611 طناً العام 2011، إلى  525 ألف طن العام 2012، أي تراجع الإنتاج قرابة 146 ألف طن، ولا يتوقع أن يكون إنتاج الصيف الحالي بأحسن حال، فنسبة المساحات المزروعة بالقطن حتى نيسان 2013، انخفضت مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي بمقدار 10%، حيث لم تتجاوز نسبة 1%، بينما وصلت لـ11% في نيسان 2012.

وقد تعرض محصول القطن السوري لأضرار جسيمة جراء القصف العنيف الذي شهدته معظم المناطق، كما حصل في ريف حلب. إذ أفاد ناشطون باحتراق محالج القطن في قرية الدويرينة، وفي الرقة قضى حريق تسببت به إحدى القذائف على 76 ألف طن من القطن، وأما في محافظة الحسكة والتي تعد عاصمة زراعة القطن لكونها تنتج ما بين 35-40% من القطن السوري، تراجع الانتاج فيها بشكل كبير، ولم تتجاوز نسبة المساحة المزروعة بالقطن لهذا العام الـ14 ألف هكتار فقط، بعد أن كان من المخطط زراعة 57 ألف هكتار، فالمعارك العنيفة التي تشهدها المحافظة تسببت بحرق ما يزيد عن 25 ألف طن، وتعرضت أكبر محلجة للقطن في الشرق الأوسط لسرقة من قبل عصابات النهب وقدرت قيمة الخسائر جراء ذلك بحوالي 16 مليار ليرة سورية. هذا الواقع دفع حوالي نصف مزارعي القطن في الحسكة للتوقف عن الزراعة، والنزوح لمناطق أخرى.

يضاف إلى ذلك أن ارتفاع سعر المازوت أدى الى ارتفاع كل مستلزمات الإنتاج الأخرى، سواء فيما يتعلق بعمليات الري التي تعتمد على محركات الديزل، أو في مجال نقل المحصول إلى مناطق التسويق. كما أن عدم توافر المياه وانقطاع الكهرباء لفترات طويلة عن شبكات الري، ينذر بكارثة حقيقية تنتظر موسم القطن للعام الحالي، لأن القطن يعد من المحاصيل الشرهة للمياه ويحتاج للري لحوالي 14 مرة في الموسم الواحد. كما عانى الفلاحون من فقدان معظم الأسمدة، خصوصاً سماد السوبر فوسفات والذي يوجد في السوق السوداء بأسعار مرتفعة جداً لا طاقة للفلاحين على احتمال تكاليفها.

أما الضربة القاضية التي تلقتها زراعة القطن، فقد جاءت على يد الحكومة التي أصدرت في شهر نيسان الماضي قراراً بوقف تمويل ودعم محصول القطن للموسم الحالي، حيث نص القرار على أن الحكومة تقوم بتوفير مستلزمات الإنتاج من بذار وسماد، شرط أن يدفع الفلاحون قيمتها نقداً، بعد أن كان مزارع القطن سابقاً يحصل على قرض يشتري به مستلزمات إنتاجه المختلفة، وتحسم لاحقاً قيمة القرض بعد أن ينتج المحصول. هذا القرار التعسفي جاء بعد إعلان المصرف الزراعي بأنه سيخسر 8 مليارات ليرة سورية في حال قدم قروضا لمزارعي القطن، نظراً لعدم امتلاكه ضمانات بإعادة الفلاحين لقيمة القرض، في الوقت الذي فضح فيه الكثيرون من الاقتصاديين واتحاد الفلاحين زيف هذا الكلام، لأن مردود قروض القطن يصل الى حوالي 40 مليار ليرة سنوياً. وعلى فرض أن هناك خسارة مالية سيتحملها المصرف الزراعي، فإنها تبدو مقبولة إذا كان الثمن استمرار زراعة الفلاحين لهذا المحصول الاستراتيجي.

وليس تخريب الحكومة لزراعة القطن أمراً جديداً، فبعد أن بلغ إنتاج سوريا حوالي مليون طن في فترات سابقة، اتخذت الحكومة قراراً بخفض الإنتاج إلى 650-700 ألف طن، بحجة عدم استنزاف الموارد المائية، مضحيةً بذلك بكميات كبيرة من الانتاج، خصوصاً أن سياساتها التي قامت على تصدير ما يقارب من ثلثي القطن السوري بشكله الأولي، بدلاً من تصنيعه محلياً، وتصديره كمنتجات مصنوعة، قد أضاعت على الاقتصاد السوري قرابة 487 ألف فرصة عمل، وربحاً سنوياً قدره الباحث الاقتصادي عبد العزيز أيوب بحوالي 400 مليار ليرة سورية. ولا غرابة في ذلك، فتوفير فرص عمل ورفع معدلات النمو، هي مقولات لا يجيد النظام الاقتصادي السائد في سورية والقائم على الفساد والهدر ترجمتها.

لقد دفعت الحاجة لتمويل الحرب الحكومة إلى التخلي عن دعم محصول القطن، من دون أن يرف لها جفن حول مصير ملايين العاملين في زراعة وصناعة القطن، والأثر الكارثي الذي سيتحمله الاقتصاد الوطني بشكل عام. ومعنى ذلك ان الحرب وتمويلها هي الأولوية الأولى والأخيرة، لحكومة الحرب هذه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى