مراجعات كتب

كتاب – التنظيمات الإسلامية تخنق الثورات العربية والانتفاضة عليها حتمية بدءاً بمصر تونس “الثورة المغدورة” ستعيد بناء الديموقراطية والعدالة الاجتماعية

جوزف باسيل

بدأت تظهر باكورة المؤلفات التي تدرس الثورات العربية التي انطلقت من تونس عام 2011، فها هو كتاب “تونس الثورة المغدورة وبناء الدولة الديموقراطية” لتوفيق المديني، بعد كتاب عزمي بشارة “سورية درب الآلام نحو الحرية”، وهما يبحثان في الثورتين مباشرة من جملة كتب درست شؤون الثورات العربية عموما وشجونها. الثورة الاولى في تونس، والثورة الاخيرة في سوريا، التي توقفت عندها الثورات حتى الآن، ربما في انتظار نتائجها قبل معاودتها في بلد آخر في مرحلة اخرى.

الكتاب عن الثورة في تونس غني يبحث في عناوين اساسية في الثورات العربية، وفي المغرب العربي عموما. جمع توفيق المديني اجابات سياسية مستقاة من رصد الحراك الشعبي والسياسي في دول المغرب، واضعا خلفياته التي يغض الكثيرون النظر عنها حاليا، ومستشرفا مستقبلا ليس مشروعا ولا مشرّفا لهذه الثورات. الاجابات نستقيها من الابحاث التي اجراها والتي تكشف عنها عناوين الاقسام ذات الفصول المتعددة في كتاب ضخم من 575 صفحة (الدار العربية للعلوم ناشرون)، وهي على النحو الآتي:

صعود القاعدة في احباط ظل الربيع، تناقض الجماعات السلفية مع الديموقراطية وانكشاف مخططها الارهابي، الاتحاد العام التونسي للشغل لعب دور الملجأ للمعارضة في تونس، مقاربات حول نظريات التحول الديموقراطي العالمية، الثورة التونسية والبناء الديموقراطي، اعادة الاعتبار لدولة الحق والقانون في ضوء مفهوم الثورة الديموقراطية.

ميزات الثورة الأولى

ما الذي ميز الانتفاضة العربية الاولى في تونس، فجعلها ناجحة، وشجع الشعوب العربية الاخرى على مماثلتها، خصوصا في مصر؟

ميز الانتفاضة في تونس: عفويتها، طابعها السلمي، رفعها شعارات عالمية ترد على كل شفة ولسان كالحرية والديموقراطية والكرامة الوطنية جمعت كلها في عنوان واحد هو “الشعب يريد اسقاط النظام”، انطلقت بها الحركة الشبابية وانخرطت فيها الفئات الشعبية والطبقة المتوسطة وتحولت مدا شعبيا ركبت موجته الحركات الاسلامية وتسلطت، لم تنحرف الى العنف السياسي الجماهيري على رغم شعبويتها وعفويتها فافقدت السلطة البوليسية ذريعة للتمادي في قمعها، ثورات القرن الحادي والعشرين غايرت مفهوم العنف الثوري لثورات القرن العشرين.

ثورة الشعب التونسي كانت الانظف في حراكها، وتلتها ثورة الشعب المصري، لكن كلا منهما اخضعت لتنظيمات متخلفة خنقتهما في مهدهما، وها هو الشعب المصري يعاود الانتفاض مجددا وبسرعة، كي يحول دون تحول السلطة الحاكمة الى طغمة متحكمة، وهذا المرجو من الشعب التونسي، ان يعاود الانتفاض مجددا على قاطعي انفاسه والعائدين به الى افكار ما قبل حركة الاستقلال.

كان انقلاب زين العابدين بن علي عام 1987 قطع الطريق على التنظيمات الاسلامية لتحويل تونس الى جزائر اخرى. لكنها تسنمت الثورة عام 2011 وتسلطت.

ما يسجل للثورات العربية شكليا، على امل ان يرافق المضمون الشكل، انها واكبت التحول من نموذج المجتمع الصناعي الى نموذج مجتمع المعلومات العالمي، الذي استخدمه الشباب العربي للنهوض بالثورات. ولكن هذه المواكبة حالة صغيرة لن تبرعم الا بعد القضاء على كوابح التخلف الذي شد سلاسله التنظيمات الاسلامية.

العدالة الاجتماعية هي المحرك الدائم للثورات

يبدو ان العدالة الاجتماعية التي اختلت ارقامها لمصحلة حفنة من الاغنياء على حساب الشعب كله، ونسبة البطالة المرتفعة بين الشباب العربي، خصوصا المتعلم الذي قاد الثورة، حركتا الثورتين في تونس ومصر تحديدا.

لكن تسلط الاسلاميين، أي الاخوان المسلمين متحالفين مع السلفيين وتنظيم “القاعدة” في المغرب العربي، والنموذج الليبي مثالاً، احبط الشباب المثقف محرك الثورتين، الذي كان يرجو التحديث والتقدم الى جانب العدالة الاجتماعية، لذلك عاود الثورة في مصر وهو يخوض غمارها مجددا، وسيعاودها في تونس قريبا، لانه لن يقبل تسلط دولة دينية قمعية بعدما اسقط الدولة البوليسية القمعية. تونس الغائبة الحاضرة في المشهد العربي تعيش في ظل “الثورة المغدورة” لان كل ما نادى به الفقراء والعاطلون عن العمل “وقود الثورة” ذهب ادراج الرياح وفي احسن الاحوال ظل احلاما مؤجلة برسم المجهول الذي تسير نحوه البلاد. فبينما كانت تونس تنفض عنها غبار الثورة بعد رحيل زين العابدين بن علي تسلل اليها الكثيرون فمن كانوا يجلسون في مقاعد المتفرجين، وعندما حطت الثورة اوزارها وفي غمرة ما ظنه الشارع التونسي انتصارا لثورته ولشعاراته النظيفة “خبز الحرية” كرامة وطنية “تخلى المتفرجون عن مقاعدهم وسارعوا ليلعب كل منهم دوره وفقا للاجندة الاستعمارية التي انخرط فيها مسبقا، وكان اول الواصلين حركة “النهضة” التي تزعمت الحكم بعد ان ركبت موجة الثورة مصطحبة معها الدولة العربية التي ساندتها.

شعارات الثورات العربية عالمية

يستنتج القارئ ان “الجهاد العالمي” منفصل كليا عن الحركات الاجتماعية والنضالات الوطنية في الدول العربية. وانه بإرهابييه صار في صحراء المغرب العربي او يقاتل في سوريا او في باكستان او في “ضواحي لندن”، “وليست لديه قاعدة اجتماعية او سياسية”.

ويرى المديني ان الثورات العربية التي رفعت الشعارات الاساسية للعولمة كالديموقراطية وحقوق الانسان، قد نحت الزمن العربي جانبا والتحقت بالزمن العالمي. وأثبت محركو الانتفاضات ان الاعتماد على “المواطن” ذو تأثير اكثر فاعلية وفورية من طروحات الاسلاميين الذين ظلوا عقودا يحاولون اقناع الجماهير بأن “الاسلام هو الحل”، لكن الجماهير لم تقتنع، وما زالت غير مقتنعة.

وامتطاءهم خيل الديموقراطية للتسلط بواسطة صناديق الاقتراع التي لا يؤمنون بها اصلا، لم يحسّن صورتهم، فسرعان ما انكشفت الديكتاتورية التي يمارسونها باسم الدين، فهم اكثر تحجرا من ان ينجحوا حتى في تمويه ممارساتهم التسلطية.

لم يعد مفهوم “الجهاد” ينطلي على غالبية عظمى ممن يتضورون جوعا ويحلمون بالعدالة الاجتماعية وبعيشة هنية على الارض، يؤكدون انها حق لهم، كما هي للاغنياء. انهم يريدون جنة الارض قبل جنة السماء. فمن هذا التراث الذي قال: “اعمل لدنياك كأنك تعيش غداً واعمل لآخرتك كأنك تموت ابدا”. ففي هذه الدنيا يريد الثائرون الحقيقيون ان يبدأوا حياتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى