صفحات الحوار

«مرآة دمشق» لجان بيارفيليو يفضح فظائع الأسدَين: الإرهاب في صُلب النظام السوري!

 

 

الباحث والدبلوماسي والكاتب جان فيليو أصدر كتاباً بعنوان «مرآة دمشق»، يتناول فيه تداعيات الحرب في سوريا، ودور آل الأسد الإجرامي، وانغماس روسيا، وانعزال أميركا. المؤلف عرف «الأسدين» وسوريا والعالم العربي جيداً، فهذا الكتاب شهادة دامغة لتاريخ آل الأسد وفظائعه، وتواطؤ الأمم المتحدة معه. هنا الحوار الشيق الذي أجرته معه «لونوفيل أوبسرفاتور» في عددها الحالي.

] فيما دراستك الجديدة «مرآة دمشق» التي صدرت في كتاب (عن دار لادوكوفيرت، باريس)، تتّهم الغرب بترك سوريا؟

– في هذه الذكرى السادسة للثورة السورية، حاولت أن أربط المشهد بزمنه الطويل، من القديس بولس الى هنري كيسنجر. وهذا من شأنه أن يتيح نظرة جديدة حول أزمة يشعر الجميع ازاءها بالعجز، وبحسب منظور معروف لدى المؤرخ، فإن هذا النوع من الموقف غالباً ما يفضي الى تحميل الضحية الذنب.. كما اننا لا نقدر أو لا نريد أن نساعد، نحملها كل أخطاء العالم، ليس سوى تبرير السلبية المعمّمة… التضحية بحلب، وهي من أقدم المدن في التاريخ البشري، هي من هذا المنظور، انعطاف رئيسي. وبتركها الأمم المتحدة للاغتصاب، حتى الخريف الماضي، فإنّ كل مبادئ الحقوق الإنسانية قد اغتصبت فيها.. وهذا بعدما تمَّ الحصول على البراهين، لكن من دون تحديد المذنب، القصف الكيماوي، في آب 2013، وعدم تسمية مرتكبي الجرائم «المشهودة والموثقة شكّل فشلاً ذريعاً وحدويّاً للمجتمع الدولي… فالوحوش استيقظت متروكة، وحرة، ونرى أنّه من غير الممكن» « احتواؤهم في سوريا. لأن «ما يحدث هناك ليس سوى شأن عربي.. فقد يعنينا، طبعاً، بمستويات القيم، لكن خصوصاً لأنه جزء من مستقبلنا الجماعي، هو صحيح أخلاقياً لكن استراتيجياً باطل.

] ماذا يمكن أن تفعل الأمم المتحدة؟

– استمرت الأمم المتحدة في احتضان نظام الأسد كممثل وحيد لسوريا. أما معارضوه فقد بقوا في الأطر الدبلوماسية للأمم المتحدة. فالأمم المتحدة، نفت هذا حق الشعب السوري بتقرير مصيره ضد نظام يحكمه كجيش احتلال.. لقد صعدت الأزمة بتدويلها مدّعية بعدها حلّ القضية بمصالحة المتدخلين الخارجيين: وكان يجب اعتماد العكس، كما اقترحت أكثر من ثلاث سنوات، وقف إطلاق النار المحلي بين المتنازعين، من دون اللجوء الى الخارج.

] بعد ست سنوات، أين صارت الثورة السورية؟

– بلا شك نصف مليون قتيل، وضعفهم من الجرحى، والمعوقين، نصف السكان مطرودون من منازلهم، سواء بنزوح داخلي أو خارجي… فضّل بشار الأسد أن يدمّر البلاد من أن يفقدها، ليحارب بعدها الخراب والركام. ولكي نجد مثيلاً لمثل هذا الرئيس الأسد يجب أن نتذكر غزو تيمورلنك لسوريا عام 1400. لا تنازل ولا شفقة. ينتظران من النظام، وضع الاسد المعارضة بين اختيارين: الثورة أو الموت، والأسد شارك بشكل حيوي وكبير بنمو ظاهرة داعش وترسيخها وتقويتها، هذه الظاهرة التي انقلب عليها عام 2015 وحاربها! وهو ما زال يلعب لعبة الفرع القديم من القاعدة في سوريا. فعندما لا يستطيع أن يسحق، فهو «يجاهد» لزرع الموت في المعسكر الثوري.

والاتجاه المسمى «معتدلاً» ما زال موجوداً برغم دعم خارجي مبدئياً في نقطة الصفر. فهذه الجماعات وُلدت في منطق الدفاع عن النفس، ولم ينظروا أبداً للكفاح المسلّح. إنه نبل الثورة السورية، لكن أيضاً ضعفها، لأنّه ليس لهذه الجماعات القدرات لتكوين جيش تحرير متماسك.

أما المعارضون المدنيون، فقد صفت الحرب بعض أكثر المتفانين، مثل رازان زيتونة، التي «اختفت» منذ 2013، وما زال مصيرها مجهولاً. لكن داخل سوريا وفي «الشتات» فإنّ مثل هذه الخلايا تستمر من دون أن ترتبط بأي طرف إسلامي أو دولة أجنبية.

في المناطق التي ما زال فيها نوع من الإدارة الذاتية، فإن الذرائع القوية مستمرة بين الجماعات المسلحة واللجان المدنية. وإذا كان علينا أن نعطي هذه «الطريق الثالثة» حيثية أو حيزاً، فلا بدّ من «منطقة أمنية»، تحظى على الأقل بضمان عدم القصف بالقنابل.. لكن لا مصلحة للنظام في ذلك، وكذلك روسيا. واتجاهات الولايات المتحدة من أوباما الى ترامب هي في مساعدة الميليشيات الكردية المتفقة، أو المفتوحة على دمشق.

] مَن إذاً في يده السلطة في سوريا؟

كان من حظي كدبلوماسي أن ألتقي حافظ الأسد وكذلك بشار.. فلفهم النظام، علينا أن نكفّ عن تحليله من منظار منطق الدولة. فهو ليس عنده سوى منطق واحد: السلطة.

كل ما من شأنه دعم سلطته هو جيد، إنها «الدولة البربرية» كما وصفها المناضل الشهيد ميشال سورا الذي خطفه حافظ الأسد… والمرجح أنه أعدمه. فالإرهاب ليس انحرافاً بل في قلب النظام.

عبقرية هذا النظام هو توصله الى تسليم حربه الخاصة الى آخرين. ليحاربوا بالوكالة عنه. عام 1982، فقد عوّض السوفيات خسائر الجيش السوري في وجه إسرائيل.. اليوم، توصل الأسد الى جرّ بوتين مباشرة الى جانبه: فنجاة النظام وحلفائه، صار هاجس عرّابهم..

فبوتين والأسد يتشاركان رؤية واحدة للعالم. هما رجلان جاءا من المخابرات، وريثان تحت طلب نظام مافيوي، فهم بوتين أنه يستطيع الإفادة من تراجع أميركا ليتخذ مكانته وحضوره في العالم، وقد توصّل بوتين الى أخذ الأمم المتحدة كرهينة، وجعل موسكو تتفرد بالمبادرة، ورد الفعل لأميركا.

لكن الروس اليوم تعمقوا كثيراً في التزاماتهم الى درجة لم يعد في استطاعتهم الانسحاب. فهم مرغمون على تكثيف الالتزام. لعب بوتين بالبوكر، كدّس أرباحاً، لكنّ الأسد لا يجعله يترك الطاولة.

] هل تظن أنّ فرنسا ستشارك في العملية التي تحضَّر للرقّة؟

– غارقون في الفوضى العميمة. فرنسا تطالب منذ 2015 بعملية في الرقة؛ لأنها المهد الذي خطّط فيه «داعش» للاعتداءات ضد بلدنا. لكن وحدها قوة عربية وسنيّة، يمكن أن تقوم بها. فالمسألة تتعلق بمدينة عربية وسنّية، تحمل هوية إسلامية وعشيرية ومحافِظَة.. كل قوة تأتي من الخارج سترفض وترد، أما باريس فمن غير المعقول ألاّ تشارك في معركة الرقّة. لكن مع أي حلفاء في الميدان، حتى الآن، ولا أي دولة ما عدا فرنسا، استخلصت نتائج تعيين داعش كعدو ذي أولوية.

] وهل انتخاب ترامب يمكن أن يغيّر المعطيات؟

– حتى الآن، يتوتر ترامب ويتكلم كيفما اتّفق، لكنّه يستمر في اتّباع سياسة أوباما، فبين إرث سلفه، وبين المأزق الذي وضعه فيه بوتين، فهامش تحرّكه بات محدوداً، على كلٍّ فقدت الولايات المتحدة معنى التعاطف الشعبي. وأخيراً من خلال شعاره «أميركا أوّلاً»، يسجّل ترامب عدم اهتمامه بالقضايا العالمية، وتالياً بالشرق الأوسط. فأميركا لا تصوغ سياسة متماسكة متجانسة.. وهذا بالنسبة الى المؤرخ أمر رائع، لكنه مرهق بالنسبة للمواطن: فنحن أمام قوة تستنقع من تلقائها في التناقضات الإقليمية لأنها ترفض أن يكون لها رؤيا واضحة لما تتمناه.

] كيف ترى مستقبل سوريا؟

– نحن في هروب الى الأمام نحو الأسوأ. يجب عدم التقليل من تقدير القوى المحاربة خصوصاً تلك التي نجت. لقد أهملوا طويلاً الى درجة لم يعودوا يؤمنون بالاعتماد على أنفسهم.

فلا ننسى أنّ جزءاً من مصيرنا يتحقق هناك.. وهي هذه القوى، التي، في اللحظة المناسبة، سيبنون سوريا المستقبل.

ترجمة وتقديم: بول شاوول

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى