صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت الاتفاق النووي الايراني الغربي وتداعياته على الأزمة السورية

التقارب الإيراني – الأميركي والشرق الأوسط الكبير/ أندرو باسيفيتش *

يسدل باراك اوباما الستارة على ما بدأه سلفه جيمي كارتر قبل اكثر من 30 سنة، أي على مساعٍ عسكرية رمت الى حمل العالم الاسلامي على التكيف مع مصالح اميركا وتوقعاتها. ففي 1980، حين أعلنت عقيدة كارتر، كانت مترتباتها غامضة وفضفاضة. ولكن إثر أحداث مثل اطاحة الشاه في ايران وغزو الاتحاد السوفياتي افغانستان، اضطر الرئيس الأميركي يومها الى المبادرة الى «افعال ملموسة». فهذه الأحداث تزامنت مع ترشح كارتر لولاية رئاسية ثانية واحتدام المنافسة الانتخابية الداخلية. فافتتح الرئيس الأميركي مرحلة عسكرة السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. واليوم، يطوي أوباما مرحلة عقيدة كارتر الطويلة الأمد. فنفوذ اميركا العسكري في المنطقة ينحسر. وهو أعلن مطلع ولايته الثانية أن ارساء الأمن والسلام المستدام لا يقتضي حرباً مزمنة. وخيارات الرئيس قليلة. وعوض أن يكون صاحب القرار، يصادق على قرارات او رغبات صدرت عن غيره. فحين ألغى ضرب سورية، احتسب اوباما وزن الرأي العام الأميركي والكونغرس، ولم يغفل قرار البرلمان البريطاني. وحبّ الأميركيين للقوات العسكرية لم يفتر، لكنهم فقدوا الرغبة في الحرب، والمعارك العظيمة في زمننا نادرة، خلافاً لكثرة الحروب، والنصر صار فناً أثيراً ضاعت اسراره.

غلبت كفة السياسات الواقعية، وهذه تقتضي التوفيق بين الطموحات والقدرات، والتمييز بين المصالح الحيوية والمصالح المشتهاة. وفي افغانستان خبت الوعود بإرساء «الحرية الدائمة» (اسم الحملة الاميركية في هذا البلد)، وتربع محلها «الدعم الحاسم» كجائزة ترضية. وحين يسر المستشار الأمني لأوباما الى صحيفة «نيويورك تايمز» بأن الرئيس الاميركي يرفض أن تستنفده منطقة واحدة 24/ 7 (ليلاً نهاراً طوال أيام الاسبوع)، يعلن انتهاج سياسة واقعية. فحرب أميركا في سبيل الشرق الاوسط الكبير انتهت، وطويت، على رغم كر سبحة هجمات الـ «درون» (الطائرات من غير طيار). لكن الضربات الصاروخية، سواء استهدفت باكستان او افغانستان أو اليمن أو الصومال، انفكت من هدف استراتيجي أوسع. وهي صنو عمليات الحرس الخلفي، أي ترمي الى حماية جسم القوات الأساسي وتعد لانسحابه. وثمة أخطار تترتب على نزع فتيل التصعيد. فطي الحرب الأميركية في سبيل الشرق الأوسط الكبير يخلف عالماً اسلامياً في أسوأ أحواله. فالمنطقة يحاصرها التطرف العقائدي وينهشها العنف ويتعاظم غرقها في معاداة اميركا. ولائحة الديكتاتوريين الذين أطاحتهم الولايات المتحدة أو هجرتهم وقطعت عنهم الدعم، والإرهابيين الذين أردتهم، تطول. لكن ثمار هذه «النجاحات» لا تذكر في العراق أو افغانستان او ليبيا. وفي 1979، كانت «خسارة» واشنطن ايران الداعي الأبرز لانتهاج سياسة الشرق الأوسط الكبير. فهي ضاهت «خسارة» الصين قبل 30 سنة. وعسر الصدوع بتلك الخسارة كان وراءه الزعم بأن الصين «لنا» لنخسرها.

ريتشارد نيكسون أقر بخسارة الصين، وقلب الأوضاع رأساً على عقب، ورجح كفة مصالح اميركا. ولو كان نيكسون في الجوار لنصح أوباما بالقبول بخسارة إيران، ولقال انها لن تعود الى الدوران في الفلك الأميركي، ولدعاه الى تغليب مصلحة اميركا. ولا يخفى أن بغداد لم ترتقِ بؤرة لبسط النفوذ الأميركي. ويبدو أن طهران قد تكون الجسر الى الخروج من الحرب المزمنة المتواصلة الفصول في الشرق الاوسط. وركن اتفاق ترتجى منه فائدة ثنائي: اعتراف اميركا بالجمهورية الإسلامية في مقابل اعتراف إيران بالأمر الواقع الاقليمي. فتنجو الجمهورية الإسلامية، وتدمل اميركا جروحها «الذاتية»، أي تلك التي ألحقتها بنفسها. وعرض نيكسون على ماو عدم تصدير ثورته فتنكس واشنطن لواء الحرب وترسي السلام معها.

والمفاوضات حول البرنامج النووي الايراني هي السبيل الى بلوغ الهدف هذا. ومثل هذا الاتفاق لن تستسيغه اسرائيل أو دول عربية. ولم تعد حاجة واشنطن الى نفط الدول العربية، ملحّة. فاحتياط النفط والغاز الطبيعي الأميركي الشمالي كبير، ويفوق التقديرات السائدة قبل أعوام قليلة. ومع اقتراب أميركا من إنجاز استقلال في مجال الطاقة، تبرز الحاجة الى مراجعة الحلف الأميركي مع أبرز الدول العربية النفطية. واسرائيل أقوى قوة في الشرق الأوسط، وفي جعبتها ترسانة نووية. وهي تولي أمنها الأولوية. ولكن لا يسع واشنطن التغاضي عما يخالف مصالحها، اي مواصلة اسرائيل توسيع الاستيطان في الاراضي المحتلة. وعلى نحو ما تتجاهل اسرائيل اعتراض اميركا على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، يجب ان ترفض الولايات المتحدة أن تعيق الدولة العبرية الانفتاح على ايران.

وطهران هي نافذة واشنطن الى طي مغامراتها السيئة المآل في المنطقة. والعدول عن الحرب من أجل الشرق الأوسط الكبير لن يذلل مشكلات هذه المنطقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لكنه يرفع ثقلها عن كاهل أميركا.

* أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة بوسطن، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 6/12/2013، إعداد منال نحاس

آخر تحديث:

الثلاثاء ١٠ ديسمبر

الحياة

ايران ـ اسرائيل: الحقيقة المزعجة!/ رأي القدس

اعلان الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز استعداده للقاء الرئيس الايراني حسن روحاني لم يكن التصريح الأول الذي توجّه به الى القيادة الايرانية والايرانيين عموماً، ولا يجب أن يعامل باستخفاف.

ومن يستغربون هذا التصريح نسوا، على ما يبدو، قضية ‘ايران غيت’ التي عقدت بموجبها إدارة الرئيس الأمريكي ريغان اتفاقاً مع إيران (التي كانت وقتها دولة عدوّة لأمريكا) لتزويدها بالأسلحة لاستخدامها في حربها مع العراق.

كان الاتفاق يقضي ببيع إيران وعن طريق إسرائيل ما يقارب 3000 صاروخ ‘تاو’ مضادة للدروع وصواريخ هوك أرض جو مضادة للطائرات مقابل إخلاء سبيل خمسة من الأمريكيين المحتجزين في لبنان، وقد عقد الاتفاق جورج بوش الأب (الذي كان نائباً للرئيس رونالد ريغان) وحضر الاجتماع مع الجانب الايراني مندوب عن الموساد الاسرائيلي (آري بن ميناشيا).

نتج عن الاتفاق ارسال 176 صاروخا نقلتها طائرات اسرائيلية الى ايران، وكان ذلك في أوج موجة العداء الهائلة للأمريكيين في الجمهورية الاسلامية حين كانت امريكا تصوّر في وسائل اعلام طهران باعتبارها ‘الشيطان الأكبر’ وكان الحجّاج الايرانيون وقتها يتكبدون المشاق للتظاهر (في مكة) ضد أمريكا واسرائيل!

اتفاقية الكونترا تلك كانت دليلاً على المرونة الايرانية في عزّ الغلواء الايديولوجية للجمهورية الاسلامية الناشئة، وقد تجاوزت تلك ‘المرونة’ الخطوط الحمراء الافتراضية، الدينية والسياسية، فيما يتعلق باسرائيل وامريكا.

واذا كانت رغبة الأمريكيين في استعادة 5 محتجزين أمريكيين عند حزب الله اللبناني دفعتهم آنذاك الى تلك الصفقة الكبيرة مع الايرانيين فلنتخيّل الدرس الذي تعلّمه الإيرانيون من تلك الصفقة: بدل احتجاز 5 أشخاص ماذا ستدفع أمريكا لو أن ايران احتجزت بلداً كاملاً مثل لبنان مثلا؟ وماذا ستفعل لو سيطرت بمساعدة فصائلها العراقية وحزب الله على سوريا؟ وماذا سيدفع العالم الغربي إذا شنّ حلفاء إيران حرباً على اسرائيل (أو جعلوا جبهتها هادئة)؟ وماذا سيفعل العالم لو امتلكت ايران القنبلة النووية؟

إذا طبقنا هذا المنطق السياسي على كل ما حصل من تمدّد للنفوذ الايراني في المنطقة العربية لاستطعنا فهم ايران الحقيقية بدون رتوشها الايديولوجية وتهديداتها الاستعراضية للأبعدين والأقربين: كلّما كبرت الرهينة كلما كانت الفدية أكبر.

استُخدمت صفقة الكونترا بعد انفضاحها في الضغط على رونالد ريغان وادارته، كما استخدمت للتشهير بالايرانيين وبعلاقتهم مع امريكا واسرائيل.

لكن هل تساءل أحد لماذا قبلت اسرائيل وأجهزتها الأمنية، بتلك السهولة، العمل على تزويد ايران بالسلاح؟ وهل كان ذلك لأن استخدامه كان سيتم ضد بلد عربي: العراق؟

على عكس تهديداتها الخلبية بضرب المفاعل النووي الايراني قامت اسرائيل فعلاً بتدمير المفاعل النووي العراقي وأتبعت ذلك بجهد متواصل على مدى عقود للقضاء على العراق برمّته واجتهد أحبارها السياسيون وحلفاؤها الكبار من دهاقنة اليمين المحافظ الأمريكي في واشنطن بعد ذلك في تدمير بنية العراق العلمية والعسكرية والاقتصادية بحيث صار فريسة سهلة لايران وحديقة خلفية لها.

لم يتساءل أحد من أنصار ايران ‘المعادية للامبريالية الأمريكية ولاسرائيل’ ولم يهتزّ ضميرهم السياسي من مفارقة اشتراك اسرائيل وايران في مطاردة الأدمغة العلمية والعسكرية العراقية، وفي دعم نظام استبدادي في سوريا، ومن تحويل ثورة شعب مضطهد الى صراع وجود بين السنة والشيعة سيترك المنطقة بكاملها خراباً تنعق فوقه الغربان.

تحت اسم العداء لأمريكا واسرائيل هشّمت السياسة الايرانية أحشاء العراق وسوريا وكسرت ظهر الأمة الإسلامية والعربية وهو أمر لم تستطع اسرائيل أن تفعله.

وضمن هذا السياق نفهم الآن معنى قول بيريز للايرانيين: أنتم لستم أعداءنا.

القدس العربي

النووي والكيماوي/ دلال البزري

الإتفاقان، النووي الإيراني والكيماوي السوري، يلتقيان في القليل، ويفترقان في الكثير. الإثنان لوّحا طويلاً بقضية فلسطين، عندما شرعا في تهديد خصومهما الغربيين، في المحطات الكثيرة التي شهدت إحتداماً للصراع معهم. فكانت “المقاومة” و”الممانعة” العتيدتان اللتان شغلتانا لثلاثة عقود، فيما الإتفاقان لا يذكران الآن من قضية فلسطين فتاتاً. في حين يشهد أهل هذه القضية تدهوراً غير مسبوق لأوضاعهم، تشرّد إضافي عن أراضيهم في الضفة والقدس، وعزلة خانقة في غزة. ربما تكون قضية فلسطين، بعد الإتفاقين، من أهم منسيي بنودها، أو شروطهما السرية ربما، السورية منها والإيرانية. نقطة ثانية مشتركة، هي الإرهاب، الذي إنتقل من الكتِف الإيراني، الى “القاعدة” وأخواتها؛ وتوحُّد الكتفين الأميركي والإيراني على “الحرب” ضده. هاتان هما النقطان المشتركتان بين الإتفاقين، النووي والكيماوي. أما ما تبقى، فيكادان يختلفان جذرياً:

أولاً، السلاح النووي الإيراني لم يوجّه لحظة لقتل إيرانيين. كان لسانه الخارجي يهدد بتدمير اسرائيل، لكنه في الداخل، كان منظوراً إليه بصفته مصدراً للإعتزاز القومي، وخدمة لمشاريع تنموية في أضعف حالاته، أو للتلويح به دعماً لمشاريع هيمنة إقليمية، في أقصى الحالات. أما الإتفاق الكيماوي السوري، فتمّ بعد جرائم كيماوية إرتكبها النظام ضد شعبه. ورغم أن الإتفاق الكيماوي لم يوقف المقتلة بسلاح آخر، إلا انه جاء، ظاهرياً، كعقاب، وفي العمق كحفاظ على النظام، حتى إشعار آخر. السلاح الكيماوي السوري كان مخزّناً، مجمّداً، دفعه الشعب السوري من دمه وعرقه. واستخدامه كان مجرد شعار نائم ومعروف في آن، “التوازن الإستراتيجي”… الشعب الإيراني إذاً أراد السلاح النووي، فيما الشعب السوري ضحية للكيماوي.

ثانياً، الإتفاق الكيماوي السوري أنهي السلاح الكيماوي السوري، من دون تردّد ولا مفاوضات ولا شروط. سُلِّم بفرحة قلب عند بشار ومحيطه، بشعور عظيم بالإنتصار. شعور تفهم منه، انه يقتصر على النجاة من السقوط، فيما كلنا أصبح يعلم بأن المفاوضات مع الأميركيين حول النووي بدأت سرية، أثناء التهديد بالضربة الأميركية على سوريا. ومنها نفهم لماذا لم تحصل الضربة… إذاً، بدأت هذه المفاوضات سرية لتتوَّج علناً بتفسيرين: إيراني يقول بأنه بذلك احتفظ الى الأبد بالسلاح النووي، وأميركي يدّعي بأن الإتفاق النووي كبحَ جماح إيران النووية، وحصره في الجانب المدني. واضح من هذه النقطة إن إيران، بالنسبة إلى الغرب، تكمن أهميتها في محور غير معلن، مع أنه صلب الشروط والمفاوضات، صلب “العرض” الايراني، وقوامه تقرير المصير السوري، وبالتالي اللبناني، فضلاً عن العراقي والافغاني الخ.

ثالثاً، النووي الإيراني جعل إيران تبزغ على الساحة الدولية، كـ”لاعب” أساسي، كما يقولون. ينكب الإعلام الغربي على رسم ملامح زعمائها الساحرين، “المبتسمين”، وقد صاروا محوراً لتحركات دولية، حتى بات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يردّد إن بلاده “أكبر وأقوى دولة في المنطقة”. فيما سوريا هي مجرد “موضوع” تشارك بين هؤلاء الذي صاروا كباراً، ليس إلا… أكثر من ذلك، “تنفتح” إيران على دول الخليج بعد النووي، فيما تعاديها سوريا، تقاطعها، وتكلف الأصغر منها حجماً وقراراً مهمة شتم أقوى هذه دول… توزيع أدوار لم يعد يمر بسلاسة، كما كان يمر التهديد بتدمير إسرائيل.

رابعاً، إسرائيل: موافقتها على الكيماوي السوري لم يحتج الى تصريحات. التهديد الهزيل الذي كان يشكله على الجولان، ذاك السلاح الكيماوي الذي أحيل الى فولكلور “التوازن الاستراتيجي”، لم يعد له وجود. أما النووي الإيراني، فشأن آخر: بنوده التفصيلية، هي نقطة الإرتكاز التي سوف تقرر مصير المنطقة، مصير سوريا، وبالتالي لبنان. في العمق، خارج خطاب نتنياهو الإنتخابي، خبراء الأمن الإسرائيليون يجمعون على وصفه بـ”المتقدم”، وبأن في بنوده المعلنة والخفية، سوف تعالج الأزمة السورية، لتعجن موازين قوى جديدة في المنطقة، تتقاسم فيها إسرائيل مع إيران الأدوار الأساسية، وهما صاحبتا السلاح النووي الوحيداتان، “تردعان” منطقتنا “الحساسة” عن تطوير أي قدرات، تماماً كما الإستعمار القديم.

والباقي يمكن تصوره من دون الكثير من الخيال… ما يولّد السؤال عن الفرق بين الإيرانيين والعرب… أو بعضهم، أو غالبيتهم.

المدن

تحولات على المسار السوري: تبادل اختطاف الثورة/ عادل مالك *

بينما كان بعض العالم «يحتفل» بالاتفاق الذي تم التوصل اليه بين ايران ومجموعة الدول الخمس الكبرى (زائد المانيا)، ويحلل تداعياته اقليمياً ودولياً، كان «عالم آخر» يتوجس خيفة من هذا «التفاهم» ويخشى ارتداداته المحتملة، فيما كانت الاطراف المعنيه مباشرة بالامر تتبادل الاتهامات وكأن شيئاً لم يحدث، وبدا كما لو ان الاتفاق الايراني- الغربي وليد ظروف ترتبط بالتكتيك اكثر منها بالاستراتيجية، ليصبح «اتفاق الضرورة» وكأنه عبء على كل طرف معني بالاتفاق ويواجه صعوبة في اقناع شعوب هذه الدول في الدفاع عنه، وما هي المكاسب والثمار التي سيجنيها كل طرف جراء فتح هذه الصفحة الجديدة بين الجمهورية الاسلامية الايرانية، والدول الغربية في شكل عام. ومن يستمع الى تصريحات بعض المسؤولين في الدول المعنية يدرك كأن خطأ ما قد حدث.

وهذه بعض نماذج الكلام:

وزير الخارجية الاميركي جون كيري، أحد عرابي هذا الاتفاق، شكك في نيات ايران تنفيذ مضمون «الاتفاق النووي» مما يطرح اكثر من علامة استفهام حول الموضوع.

في المقابل شن المرشد الأعلى السيد علي خامنئي حملة عنيفة على الولايات المتحدة، واستخدم في خطاب له مئة وثلاث مرات كلمة «الاستكبار» في اشارة الى «العدو الاميركي»، كما استحضر سير ادولف هتلر وبنيتو موسوليني وذكّر بأبشع المشاهد التي خلفها قصف هيروشيما ونكازاكي بالقنبلة الذرية التي خلفت الدمار والخراب في «الاختبار التجريبي» الذي اقدمت عليه الولايات المتحدة ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية.

ويشير تكرار اللهجة نفسها ومفردات زمن «الشيطان الاكبر» «ومحور الشر» الى أنها ما زالت اللغة الرائجة. لا بل ذهب الرئيس باراك اوباما الى ابعد من ذلك عندما انتقد «سلوك ايران التخريبي» وأجرى مقارنة بين طريقة تعامله مع النموذج الايراني وتجربة رونالد ريغان مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة والتي انتهت بتهاوي المعسكر الشرقي. وهنا التساؤل: هل يراهن باراك اوباما على اسقاط النظام الايراني عبر هذا التحول الاميركي؟

وفي هذه الحال مطلوب «غورباتشوف ايراني»!

ومطلوب كذلك «بيريسترويكا» من انتاج محلي!

وفي معرض كلامه عن العلاقات الاميركية- الايرانية لم يدع اوباما هذه السانحة تمر من دون توجيه رسالة الى اسرائيل مؤكداً «أن ادارتي ملتزمة الى اقصى الحدود امن اسرائيل»، ليخلص الى الاستنتاج التالي: «ان الديبلوماسية مع ايران والاتفاق المرحلي لإبطاء برنامجها النووي كان افضل الخيارات في هذه المرحلة».

وبدا واضحاً ان الرئيس الاميركي بعث برسالة تطمين الى اسرائيل، التي ثارت ثائرتها على التفاهم مع ايران، مشدداً على طروحاته القائلة إن ايران هي «الخطر الأكبر على المنطقة». لكن السيد بنيامين نتانياهو ما زال غاضباً من السياسة التي دعت الى عقد هذا الاتفاق مع ايران.

لكن الانتهازي نتانياهو انتهز الفرصة لابتزاز جون كيري وباراك اوباما ليطالب بـ «نوع آخر من الضمانات لأمن اسرائيل»، حيث يربط بين التفاهم مع ايران من جهة واستئناف المفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية من جهة ثانية لتوفير «فرصة سانحة» للحصول على المزيد من واشنطن، وهذا ما سنتحدث عنه لاحقاً في هذا العرض التحليلي.

اذاً ومع التوصل الى الاتفاق بين ايران والدول الخمس الكبرى (زائد المانيا) فإن اجيال الاحقاد والكراهية بين طرفي الاتفاق لا تزال اقوى من اي اعتبار تفاؤلي، لكن اعتماد الاسلوب البراغماتي المستند الى المصالح المشتركة هو الكفيل بوضع هذا التفاهم على خط ايجابي تحتاج اميركا لنتائجه (ضبط النووي الايراني) وتحتاجه ايران لأكثر من جانب، ليس اقلها رفع العقوبات التدريجي عنها بعدما الحقت هذه العقوبات الكثير من الضرر بمصالحها.

وفي ضوء بعض المعلومات التي تم تسريبها عما دار في الساعات الاخيرة التي سبقت الاعلان النهائي، ان جون كيري طرح فكرة «الصفقة المتكاملة»، وألا يقتصر الامر على الجانب النووي فحسب، لكن الوفد الايراني برئاسة وزير الخارجية محمد ظريف رفض الاقتراح ودعا الى التعامل بـ «التقسيط المريح» في كل ما يتصل بأزمات المنطقة، فيما سعى الجانب الغربي (الدول الخمس زائد المانيا) الى «الافادة من اللحظة» وبخاصة الوضع الشديد التأزم في سورية وقيام «معاون مشترك» بين الطرفين.

وابلغت مصادر متابعة لاجماعات «جنيف الايرانية» «الحياة» ان اقتراحاً قد قُدم من جانب الدول الغربية من اجل التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار تمهيداً لانعقاد مؤتمر «جنيف-2»، لكن الوفد الايراني عارض هذه الفكرة وحتى الخوض فيها مطالباً الدول الغربية بوقف امدادات السلاح والمال لـ «الثوار» في سورية، وهذه هي الطريقة الوحيدة لوقف نزيف الدم الهادر على مختلف الاراضي السورية. وتم الاتفاق من حيث المبدأ على استئناف اللقاءات المشتركة لاختبار مدى جدية ايران الالتزام بهذا الاتفاق، كما تكون الفترة الزمنية القادمة هي المحك لمدى احترام الدول الغربية للتعهدات التي قطعتها على نفسها، والتي يفترض ان تبدأ برفع تدريجي للعقوبات المفروضة على ايران، ورفع اليد عن الاموال الايرانية المجمدة في الولايات المتحدة وهذا ما سيكون محور اللقاءات المشتركه التالية، بخاصة أن الرقابة على القدرة النووية الايرانية بدأت فعلاً في حملة اقصاها سته اشهر. وفي جانب آخر وبصورة غير رسمية تم تسريب المعلومات المتصلة بوقف الامدادات العسكرية لـ «الجيش السوري الحر» في موقف احتجاجي على «تزايد نفوذ المتشددين في سورية» حيث تدور المعارك الضارية بين «الجيش الحر»، والفصائل المشتتة، وهو الامر الذي جعل الدول الغربية تدرك مخاطر سيطرة العناصر المتطرفة في الداخل السوري.

وفي سياق متصل أبلغ وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ مؤتمر المنامة «ان جنيف-2 اذا لم تشارك فيه المعارضة المعتدلة، فإن سورية سائرة نحو التفتيت». وأثار هذا الكلام لغطاً كبيراً في كواليس مؤتمر البحرين في المنامة، اذ اعتبر الائتلاف السوري كلام هيغ نوعاً من التهديد وممارسة المزيد من الضغوط على المعارضة للمشاركة في «مؤتمر جنيف-2».

هذا ما يتصل بالجبهة السورية، فماذا عن نشاطات اخرى تجري بهدوء ولو مريباً في المنطقة بالذات؟

جواب: المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي والذي يخصص له وزير الخارجية الاميركي جون كيري الحيز الرئيس من اوقاته واهتماماته.

لكن ما الذي يميز هذه الجولة التفاوضية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي؟

جواب: يسعى الرئيس اوباما لبذل «جهود قياسية» كما وصفها البيت الابيض، للتوصل الى إحداث «اختراق ما» على هذا المسار. وهو حدد فترة تسعة اشهر للتوصل الى «تسوية ما» وكشف النقاب عن اقتراح تقدمت به الولايات المتحدة الى اسرائيل يتعلق «بمستقبل الاردن»، عارضاً ان تساعد قوات اميركية على الامن في المنطقة. وينص هذا الاقتراح على ما يلي:

يجرى العمل على مرحتلين، الاولى انتقالية وتنشر فيها اسرائيل قواتها في مناطق محددة مع مساعدة دولية ونقاط مراقبة متقدمة ونشر انظمة دفاعية. وفي المرحلة التالية تقدم الولايات المتحدة اجابات عن مطالب اسرائيل الامنية حول حجم القوات الفلسطينية التي ستحافظ على الحدود وطبيعتها والتسلح الذي ستوفره لهما الولايات المتحدة ومحطات الانذار التي ستطالب بها اسرائيل وتأمين الحركة الجوية لاسرائيل في حال تراجعها الى حدود 1967. لكن لا يبدو ان الاقتراح الاميركي يلقى قبولاً من جانب اسرائيل مع ان المشاورات في شأنه مستمرة.

وبعد…

اولاً: قلنا في المقال السابق ان الطريق بين طهران وواشنطن أصبحت سالكة لكنها ليست آمنة («الحياة» 23/11/2013)، وهذا ما بدأ يتضح ولو في شكل تدريجي بحيث ان التفاهم الايراني- الغربي له من يؤيده ومن يعارضه، وهذا هو الوجه الجديد للصراع في المنطقة.

ثانياً: أصبحت طهران مركز الجذب السياسي لأكثر من طرف، ومنذ الاعلان عن الاتفاق النووى مع الدول الغربية حدثت تحركات عدة في المنطقة منها الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الايراني محمد ظريف الى دولة الامارات العربية المتحدة، رغم الازمة الناشبة بين الجانبين حول سيطرة ايران على الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. وقد قام برد الزيارة على الفور وزير خارجية الامارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان.

كذلك لوحظ تسريع المشاورات وتكثيفها بين تركيا وايران وبين تركيا والعراق.

وفي هذا المجال تمكن الاشارة الى ما صرح به رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري من ان الكلمة الآن في طهران أو لها.

في المقابل رحب مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالاتفاق مع ايران بعد تردد وتحفظ، وهذا ما جرى التأكيد عليه في القمة الخليجية الاخيرة التي انعقدت في الكويت.

ثالثاً: يجب التذكير لدى الاوساط التي تحاول استعجال الحصول على نتائج مباشرة من التفاهم الايراني- الغربي ان السنين الطويلة من الشكوك المتبادلة بين الجانبين ستأخذ مداها بعد دخول المسار والصراعات والنزاعات في المنطقة نفقاً جديداً، ولذا يجب التريث والانتظار والصبر ولو قليلاً.

فاذا كانت العلاقات بين طهران وواشنطن اخذت كل هذا الوقت الطويل، منذ قيام الثورة الاسلامية في 1979، فيجب التحلي بالحكمة والصبر والرؤى الواضحة. وإلا فإن قطار الحل الذي وضع على السكة الجديدة لن ينتظر المترددين، فلا تدعوا هذه الفرصة تفوتكم!

* إعلامي لبناني

الحياة

العرب خارج المعادلة في الاتفاقات الدولية والإقليمية/ فوزي زيدان *

استشاط العرب غضباً من الاتفاق الأميركي – الروسي حول الملف الكيماوي السوري، الذي اكتفى بنزع الأسلحة الكيماوية السورية وتدميرها من دون مقاربة الأزمة السورية وإيجاد الحلول العادلة لها. ويعود الغضب إلى عدم تطرق الاتفاق إلى محاسبة النظام على جريمته باستخدام هذه الأسلحة ضد شعبه التي أودت بحياة المئات من المواطنين، وخصوصاً الأطفال، وتثبيت الرئيس بشار الأسد في السلطة أشهراً عدة من أجل تنفيذ بنوده، وإهماله معاناة السوريين المتفاقمة بسبب القصف اليومي الذي يتعرضون له من الطائرات والدبابات والمدافع وراجمات الصواريخ، وما ينتج عنه من قتل وتهجير وتدمير، ما يعتبر بمثابة إشارة للأسد بمتابعة أعماله العنفية.

واعتبر العرب الغاضبون أن الاتفاق أراح إسرائيل من أسلحة كانت تخشاها ولم يرح السوريين من أسلحة تدميرية أخرى يستخدمها النظام ضدهم من دون حسيب أو رقيب، بل تركهم يواجهون مصيرهم القاتم بأنفسهم.

وتعود مخاوف العرب من الاتفاق الأخير بين الدول الدول العظمى وإيران حول الملف النووي الإيراني، إلى ما يشوب قراراته من غموض، واحتمال من أن تكون المفاوضات التي جرت بين الأميركيين والإيرانيين في مسقط قبل توقيع الاتفاق، قد أفضت إلى صفقة أو تفاهمات سرية بين الفريقين تعزز نفوذ إيران ودورها الإقليميين، ما قد يتعارض مع مصالح الدول الخليجية ويترك العراق وسورية ولبنان تحت النفوذ الإيراني. في المقابل، يحرص العرب على أن يكون الدور الإيراني عامل استقرار في المنطقة العربية لا مصدراً لتصدير الثورة وتحريك الفتن والاضطرابات تحت شعارات تخدم النفوذ الإيراني.

والاتفاق النووي هو أمر جيد بحد ذاته، إذ إنه يبعد المنــــطـــقة عن ميدان سباق التسلح بالأسلحة الــنووية، ويبعد عنها شبح الحرب الذي كـــان ماثلاً في الأفق، ويـــريـــح الشــعب الإيـــرانــي وشعوب الدول المجاورة.

ويتألف الاتفاق من ثلاث مراحل، تضمنت المرحلة الأولى -المختتَمة بتوقيعه- بناءَ الثقة بين المجتمع الدولي وإيران، بينما تتطلب المرحلة الثانية سته أشهر من المفاوضات الشاقة والمعقدة من أجل إنجاز اتفاق نهائي يحصر النشاطات النووية الإيرانية بالأغراض السلمية، أما المرحلة الثالثة فهي لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران وعودة الحركة الاقتصادية فيها. وتتسم أكثر بنود الاتفاق بصياغة ملتبسة تحت عنوان «الغموض البنّاء»، ما يتيح لكل فريق تفسيره وفق ما يريد، ويتيح له إمكان تجميده أو عرقلته لاحقاً. ومن النقاط الملتبسة في الاتفاق، حق إيران في تخصيب الأورانيوم، إذ لم يشر الاتفاق إليه مباشرة، ولكنه موجود بطريقة غير مباشرة في أكثر البنود التي تشير إلى منع التخصيب بنسبة 20 في المئة، وهي النسبة التي تسمح لإيران بإنتاج السلاح النووي بعد رفع هذه النسبة. ومنَعَ الاتفاق إيران من زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي عن العدد الحالي، وهو 15000 جهاز، كما فرض عليها عودة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة كل المنشآت النووية الإيرانية.

خطة أولى

واعتبرت الولايات المتحدة، كما جاء على لسان وزير خارجيتها جون كيري، أن الاتفاق هو خطوة أولى على الطريق الصحيح، كونَه يستند إلى فترة تجربة لستة أشهر تؤدي إما إلى اتفاق نهائي شامل إذا نجحت إيران في كسب الثقة، أو العودة إلى فرض عقوبات إضافية. كما يرى المجتمع الدولي أن الاتفاق قد يساهم في تهدئة إيران وتعزيز الأمن وتخفيف الأزمات في المنطقة. أما إيران، فتؤكد أن الاتفاق كان نصراً لها على دول عظمى حاولت تركيعها، وأنه عزز مكانتها الدولية وجعلها دولة إقليمية محورية.

وأراح الاتفاق الغرب من تداعيات حرب كان في نيته شنها على إيران لو لم تمتثل لمطالبه بوقف برنامجها النووي التسليحي، وأراح إيران من الأعباء الثقيلة لهذا البرنامج الذي أثر بشكل كبير على أوضاعها الاقتصادية والحياتية. وكما أراح الاتفاق الكيماوي السوري إسرائيل، أراحها الاتفاق النووي الإيراني أيضاً، الذي أوقف طموحات إيران في أن تتحول إلى دولة عسكرية نووية تهدد أمنها. وأضع اعتراض إسرائيل المعلن على الاتفاق في خانة الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا من أجل عدم تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران قبل التثبت من تنفيذها للاتفاق تنفيذاً كاملاً.

ويعتبر غضب العرب من واشنطن نتيجة تخاذلها في دعم الثورة السورية وتركها الأزمة السورية تمتد أشهراً طويلة وإهمالها مصالح العرب في اتفاقي الكيماوي والنووي، أمراً مشروعاً ومحقّاً، كونَهم يعتبرون أنفسهم حلفاء استراتيجيين لها، لكن فات عن بالهم أن الدول العظمى لا تأخذ مصالح الدول والشعوب الأخرى في الاعتبار.

وأمام الإهمال الأميركي المتمادي للقضايا العربية المحقة، وفي مقدمها قضية فلسطين، رفعت المملكة العربية السعودية صوت الاحتجاج عالياً، محذرة من مغبة إعادة تقويم العلاقات مع الحليف الإستراتيجي، حتى الأمس القريب. ونأمل أن تدرك واشنطن خطورة إهمال المصالح القومية العربية على مصالحها الحيوية والاستراتيجية في المنطقة التي تشكل السعودية عمودها الفقري، فتقرن الكلام الذي تردده باستمرار على العلاقات الجيدة مع السعودية وبقية دول الخليج العربي، بترسيخ هذه العلاقات وتطويرها لما فيه مصلحة الجميع.

ويمكن القول إن أي اتفاقات جانبية بين واشنـطن وطهران لا تأخذ في الاعتبار المصالح العربية ستؤدي إلى إشعال المنـــطقة وتهــديد المصالح الأميركية فيها.

وأخيراً، على الدول العربية، وخصوصاً السعودية، عدم الاستكانة للكلام الأميركي المنمق، بل فرض نفسها على اللاعبين الكبار كي يكون لها الكلمة الفصل في أي قرار يتعلق بالمنطقة العربية. وعليها أيضاً انتهاج سياسة واضحة عمادها الاعتماد على القدرات الذاتية لحماية وحدتها الوطنية وأمنها القومي، والتخلي عن سياسة الاتكال على الغير.

* كاتب لبناني

الحياة

مجلس التعاون وسورية «الإيرانية/ وليد شقير

أياً كانت الخلافات التي ظهرت بين بعض الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي قبل انعقاد القمة الـ 34 في الكويت، فإن قراراتها أول من أمس لها دلالة مهمة وتعطي دفعاً لدور هذه المجموعة الإقليمية التي تسعى إلى تعزيز حضورها مع دخول المنطقة أبواب نظام إقليمي جديد لم تتضح معالمه بعد في انتظار ما سيرسو عليه مخاض «الربيع العربي» والانقسامات التي خلفها، وما سينتج من التفاوض الإيراني-الغربي من تسويات، وما سيخلّفه الانكفاء الأميركي عن المنطقة من توازنات جديدة.

ما ظهر من خلاف حول فكرة المملكة العربية السعودية ارتقاء مجلس التعاون إلى الاتحاد التي اعترضت عليها سلطنة عُمان، ليس الوحيد. ويمكن، إذا شاء المرء، تعداد التباينات عن اختلاف المصالح والأداء في النظر إلى الصراع مع إيران بين دول المجلس، وعن الخلاف السعودي القطري حول مصر واليمن والموقف من أحداث دول عربية عدة، والفوارق بين الأنظمة السياسية للدول الست المنتمية إلى المجلس، والتفاوت بين اقتصاداتها… وصولاً إلى التمايز بين قدراتها، وعلاقاتها بالجوار، لاسيما الإيراني وتأثيره فيها.

قد تطول اللائحة. لكن أوجه التشابه في هذه الدول على مستويات عدة اجتماعية وسياسية وأمنية وتاريخية تتفوق على التباينات الموجودة، لا سيما على الصعيد الجيو- سياسي. وإذا كان لا بد للمتابعين للقمة من أن ينسبوا إلى حنكة القيادة الكويتية نجاحها في استيعاب الخلافات، قبل انعقادها وبعدها، فإنه لا بد من الإشارة إلى أسباب موضوعية فرضت احتواءها.

فهناك عاملان جوهريان واستراتيجيان حضرا في قرارات قمة الكويت.

الأول: طالما أن القاعدة التي تتحكم بانكفاء نسبي لقوة عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية عن الشرق الأوسط، قياساً إلى حضورها الطاغي في العقود الماضية، هي سعي القوى الإقليمية إلى ملء الفراغ في النظام الإقليمي الجديد المفترض، فإنه من باب أولى أن تسعى المنظومة التي تتشكل من الدول الست إلى أخذ مكانها، بموازاة الأدوار التركية والإسرائيلية والإيرانية التي تتنافس على ملء هذا الفراغ، بالسياسة والأمن والاقتصاد.

ولم يكن عن عبث في سياق خلط الأوراق هذا، أن تصدر قرارات تتعلق بالأمن (5 فقرات) عن القمة، وصولاً إلى إنشاء قيادة عسكرية مشتركة بين الدول الست. وإذا كان التهديد الأمني يختلف بين دولة وأخرى، فإن التحسب له في أي منها يضمن الاستقرار للمجموعة منعاً لتمدد الصراعات وتفادياً لاستضعاف كل دولة على حدة، في ظل التدخل الإيراني المعروف في بعض هذه الدول وعلى حدودها (العراق واليمن…). ولا يقل النص على الحوار مع «المجموعات الأخرى»، أي أفريقيا وأميركا اللاتينية وتركيا، وخصوصاً روسيا، أهمية في رسم خريطة جديدة للعلاقات الإقليمية الدولية، عن مسألة تعزيز التنسيق الأمني الخليجي. وهي حوارات تتم في شكل منفرد مثلما يحصل بين موسكو والرياض، وفي شكل جماعي أيضاً.

الثاني: إن التعاطي مع الاختلاف في الأداء إزاء الاتفاق الإيراني الغربي على الملف النووي، بين السعودية ومعها البحرين والكويت من جهة، وبين عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر من جهة أخرى، يحتمل المرونة في معالجته. رافقت مسقط الانفتاح بين طهران وواشنطن، وانسجمت معه أبوظبي، وواكبته الدوحة، كل لأسبابها، بينما الدول الثلاث الأولى ولا سيما السعودية، ما زالت متوجسة من مقايضته بالتسليم لإيران بتمددها الإقليمي، لا سيما أن التفاهم الأميركي الروسي على تجريد نظام الرئيس السوري بشار الأسد من سلاحه الكيماوي، أطال عمر النظام وأعطى طهران فرصة الإفادة من إمساكها بالورقة السورية في الأشهر المقبلة. قضت المرونة «الترحيب بتوجهات القيادة الإيرانية الجديدة» ودعوتها إلى «خطوات ملموسة»،على رغم مواصلة طهران هجومها الإعلامي والسياسي و «الميداني» على الرياض عبر أذرعها المتعددة في الإقليم.

مقابل هذه المرونة حيال إيران حافظت القمة الخليجية على التشدد حيال الأزمة السورية (واستطراداً حول لبنان). فما تقتضيه ظروف بعض دولها حيال طهران، لا ينطبق على دمشق.

وفضلاً عن أن واشنطن طمأنت إلى أن التفاهم على النووي «لا يعني أن نبيع حلفاءنا»، وأنها تخشى كما قال وزير الخارجية جون كيري من أن تواصل طهران سياسة زرع «الخراب» في المنطقة، فإن الاتفاق المرحلي على النووي أمامه 6 أشهر لاختبار تنفيذه، تمهيداً للتفاوض على الاتفاق النهائي الذي يشمل الدور الإقليمي لطهران. ويتوازى ذلك مع الـ 6 أشهر لتدمير السلاح الكيماوي السوري، وهذا يتزامن مع انتهاء ولاية الأسد في تموز (يوليو) العام المقبل، ومع تعذر إجراء انتخابات رئاسية نظراً إلى الوضع الأمني. ويوجب الوضع المرتقب تمهيد الطريق لقيام الحكومة الانتقالية الكاملة الصلاحية وفق قرار جنيف-1، الذي سيُعقد جنيف -2 في 22 كانون الثاني (يناير) المقبل لتطبيقه.

يشكل التوافق الخليجي على سورية اختزالاً للموقف من إيران. وتطبيق ما جاء في جنيف 1 (وفق بيان القمة الخليجية) يعني قيام سورية أخرى. فسورية «الإيرانية» تشكل عصب تمدد طهران نحو أرجاء الإقليم ولا سيما العراق ولبنان والساحة الفلسطينية. وسورية ما بعد الأسد، بانسحاب القوات الأجنبية منها، تقلّص هذا التمدد تدريجاً، إلى حجم قابل للتفاوض، إذا ثبت أن الغلبة هي للتسويات.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى