صفحات العالم

نحن ومسألة العداء للغرب/ حازم صاغية

 

 

ليس هناك من قواسم مشتركة بين الإخوان المسلمين والناصريّة، أو بين حزب البعث وحركة داعش، أو بين ثورة العشرين الشيعيّة في العراق والحركة المهديّة السنّيّة في السودان أو الانتفاضة الدرزيّة التي قادها سلطان باشا الأطرش في سوريّا. وليس من قواسم مشتركة بين هذه المذكورة أعلاه والأحزاب الشيوعيّة واليساريّة التي أنجبتها مقدّمات أمميّة وطبقيّة تضرب جذورها في التاريخ الأوروبي وصراعاته الاجتماعيّة.

هذه حركات لا يجمع بينها جامع في منطلقاتها العقائديّة أو في الظروف المحدّدة التي واجهتها في عديد بلدانها. والحال أنّ ما ربط بين بعضها والبعض الآخر هو العداء المحض المتبادل بينها: فجمال عبد الناصر مثلاً اضطهد الإخوان المسلمين، وحزب البعث اصطدم صداماً مُرّاً بالإخوان كما بالناصريّة. وهم جميعاً اصطدموا بالأحزاب الشيوعية واضطهدوها وملؤوا الزنازين بمناضليها. وحينما نشأت الثورة الفلسطينيّة كان ذاك ردّاً ضمنيّاً، وأحياناً معلناً، على قيادة عبد الناصر وعلى فكرة الاستحواذ “القوميّ” على الموضوع الفلسطينيّ.

مع ذلك، وعلى اختلاف السياقات التاريخيّة وتباين العناوين بين حقبة وأخرى، هناك قاسم مشترك غير منظور بين هذه الحركات والقوى جميعها. ذاك أنّها كلّها مناهضة للغرب.

فهناك بينها من ولد في مناخ الصدام مع توسّع الغرب وتمدّده باتّجاه بلداننا (ثورة العشرين، المهديّة، سلطان الأطرش…)، ومن ولد لمكافحة انتشار القيم وتوسّع التعليم الغربيّ والإرساليّ (الإخوان المسلمون…)، ومن ولد في ظروف الحرب الباردة والانحياز ضدّ الغرب (الناصريّة، البعث…)، ومن ولد ردّاً على سلوك غربيّ بعينه (حركة القوميّين العرب المتأثّرة بقيام دولة إسرائيل).

وهناك من هذه الحركات من أسمى الغرب، مستخدماً اللغة القوميّة، استعماراً (الحركات القوميّة)، ومن أسماه، مستخدماً اللغة اللينينيّة، إمبرياليّة (الحركات اليساريّة والماركسيّة)، ومن أسماه، مستخدماً اللغة الدينيّة، صليبيّين أو شياطين أو روّاد غزو ثقافيّ لمحو هويّتنا (الحركات الإسلاميّة على أنواعها).

والواقع أنّنا إذا شئنا أن نحدّد موضوعاً واحداً يمكن أن تلتئم حوله ثقافة شعبيّة تجمع بين الحاكم والمحكوم، والإسلاميّ والعلمانيّ، واليمينيّ واليساريّ، والأكثريّ والأقلّيّ، لن نجد عنواناً أفضل من العداء للغرب ولما يُعتبر، عربيّاً وإسلاميّاً، امتداداً له (الصهيونيّة، إسرائيل، اليهود…).

فهناك دائماً أنظمة عربيّة محافظة توالي الغرب سياسيّاً وتحالفه استراتيجيّاً وتتبادل معه المصالح الاقتصاديّة، إلاّ أنّها، مع هذا، تقف ضدّه على نحو راديكاليّ ثقافيّاً وقِيَميّاً. وهناك دائماً حركات سياسيّة يهمّها كثيراً أن تحظى باعتراف الغرب، إلاّ أنّها تسلك إلى ذلك طريق مناطحته والتشهير بسياسته وبمصالحه، بحيث يغدو مفهوم النضال، في عرفها، مساوياً لمكافحة النفوذ الغربيّ.

وهذا بالطبع ليس للقول إنّ السياسات الغربيّة فوق النقد، أو أنّ الدفاع عنها ممكن دائماً. مع ذلك فحقيقة هذا الاصطفاف الإجماعيّ العربيّ ضدّ الغرب، أو ضدّ غربٍ ما، غنيّة في ما تكشفه وتنمّ عنه.

فأوّلاً، وفّر هذا العداء للغرب الشرط الضروريّ لإعدام السياسة بوصفها اهتماماً بالداخل قبل أيّ شيء، واستجابةً لأسئلته بالتالي. لقد صارت السياسة موقفاً من الشأن الخارجيّ، لا سيّما بعد انقضاء زمن الاستعمار حين لم يعد ذاك الغرب موجوداً في بلداننا.

وثانياً، ولمّا كان الطرف صاحب المصلحة في حجب الداخل ومسائله وتحدّياته هو الحاكم المستبدّ، صبّ هذا العداء للغرب في خدمة الاستبداد وأنظمته.

وثالثاً، أنعشت هذه النظرة المختلّة إلى الغرب وإلى السياسة كلّ استعدادات الوعي التآمريّ لدينا، خصوصاً وأنّها تقوم على تسليم ضمنيّ بأنّنا، نحن العرب، لا نصنع سياستنا بل يصنعها لنا غربيّون متآمرون يفعلون ذلك في الخفاء والعتم.

ورابعاً، نجم عن هذا التراكم المديد للمواقف المناهضة للغرب نظام ثقافيّ كامل يكاد يشتغل بصورة آليّة. وهنا قد لا يكون من المبالغة القول إنّ حركة كـ “داعش” هي، في وجه من وجوهها، عصارة هذا النظام وخلاصته.

موقع 24

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى