صفحات العالم

كيف تقرأ دمشق مبادرة أنان وخارطة الطريق الروسية

رلى موفق
يقرأ النظام السوري مبادرة المبعوث المشترك كوفي أنان على أنها «إدارة هزيمة أميركا في سوريا»!. وبتلك الرؤية يتعامل مع الأحداث في بلاده. يُبدي ارتياحاً لسيطرته العسكرية على ريف دمشق والمدن الكبرى في محافظات حمص ودرعا وإدلب. أما الأحياء الداخلية في تلك المدن والقرى والبلدات التي تشهد احتجاجات، فتخضع للعبة الكرّ والفرّ بين «الجيش الحر» والقوات النظامية التي ستتولى منها وحدة نخبة منتقاة من ثلاثة آلاف عنصر التكفّل بـ «عملية تنظيفها من المسلحين»، فيما منطقة جبل الزاوية تنتظر التوقيت المناسب للحاجة إلى استخدام الطيران الحربي. النظام مطمئن للجار الأردني حيث الحدود مضبوطة. وكذلك حال الحدود مع الجار العراقي. أما القلق الذي ينتابه من الجار التركي، فيخفّف من حدته اعتقاده بأن الأتراك يعلمون جيداً مدى قدرة دمشق على تحريك القوى المناوئة لحزب العدالة والتنمية الموجود في السلطة، وتأثيرها على حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية. وتبقى الحدود مع لبنان، حيث خطة النظام ترتكز على مواصلة الضغط على القرى الحدودية المتاخمة للبنان «لتطهيرها» من عناصر الجيش الحر، ودفعهم إلى داخل الحدود اللبنانية، فيتكفل الحلفاء بالقضاء عليهم تصفية وقتلاً واعتقالاً. هكذا يُلخّص حلفاء النظام السوري الوضع الميداني على الأرض، ويعكسون اطمئناناً لدى الرئيس السوري بشّار الأسد ومحيطه الضيّق، مستخدمين تعبير «خُلصت».
إلى الحسم العسكري، فإن خطة الأسد تعتمد على القبول بمبادرة أنان استناداً إلى فهمه لها: وقف إطلاق النار وانسحاب القوات العسكرية إلى الثكنات ليس متزامناً مع انسحاب الجيش الحر. فليس هناك طرفان يتم التعامل معهما بالتساوي. موقف الأسد ينطلق من أنه على المسلحين إلقاء السلاح وترك المناطق، وعندها ينسحب الجيش إلى الثكنات، وتتولى القوى الأمنية والشرطة حفظ الأمن. أما خارطة الطريق السياسية التي رسمتها موسكو، وفق مطّلعين على الموقف الروسي، فتتمثل في بقاء الأسد في السلطة، تأجيل الانتخابات التشريعية، تشكيل حكومة وحدة وطنية، إعادة النظر في الدستور وتحديد طبيعة النظام السياسي المقبل على أن تنتهي التحضيرات للعملية الإصلاحية نهاية 2012، ومن ثم انتخابات تشريعية، فانتخابات رئاسية مبكرة في العام 2013 بدل 2014 يحق فيها للأسد الترشح كما سائر المرشحين. انطلاقاً من تلك الخارطة، يعمل النظام على رسم معالم المرحلة المقبلة، مركزاً خطته على تفكيك المعارضة التي يقول إنه « لغّمها من الداخل وباتت مخترقة بالكامل!».
إنها قراءة فيها كثير من اللاواقعية في رأي جهات واسعة الإطلاع. فواقع الأمور «أن المعركة طويلة، وأن النظام السوري يقبض على الجزء الأكبر من الجيش في الثكنات، ويمنع عنه الإجازات خوفا من انشقاق عناصره وفرارها، فيما القوى التي يأتمن جانبها وتُدين بالولاء الكامل له، تقوم بالعمليات العسكرية وتنتشر على الأرض، لكنها سوف تُنهك مع مرور الوقت. ففي حرب العصابات، تُستنزف القوى النظامية التي هي هدف مباشر ومكشوف. وإذا سيطرت على الشوارع الرئيسة، فأنها لا تستطيع إمساك الأحياء الداخلية التي عليها الانسحاب منها ليلاً، إذ ستكون موضع استهداف. ولن يكون عامل الوقت تالياً في مصلحة النظام، ذلك أن التجارب تدل على أن الأرض تنتصر في النهاية».
هذا المشهد الأمني يعززه، في قراءة الجهات واسعة الإطلاع، واقع الحدود. فعلى نقيض قناعة النظام، فإن أي قرار عربي – أممي بتسليح الجسم العسكري للمعارضة السورية، سيعتمد على الجارين الأردني والتركي أو أحدهما لتأمين خط إمداد ودعم، فيما الحدود مع لبنان غير مرشحة للقيام بهكذا دور، نظراً إلى التوازنات السياسية في لبنان، إذ يستحيل توفّر غطاء سياسي من قبل السلطة اللبنانية لقرار عربي أو دولي بتسليح المعارضة السورية عبر الحدود اللبنانية الشمالية، على الرغم من أن المزاج الشعبي في المناطق الحدودية هو في حال تعاطف مع الثورة السورية، نظراً إلى تداخل العائلات والعلاقات بين السكان على ضفتي النهر الكبير. وقد أسهم بداية هذا التعاطف إلى تسهيل تهريب الأسلحة إلى سوريا، لكنها كانت عمليات تهريب للأسلحة الخفيفة والذخائر المنتشرة في أيدي المواطنين والجماعات، ودخل عليها في وقت من الأوقات المنتفعون من تجّار السلاح لأهداف ربحية لا سياسية، بحيث أن قوى سياسية حليفة للنظام السوري تملك مخازن سلاح أُفرغت وبيعت لمعارضي النظام.
وفيما أحدث تسريب المعلومات عن خطة النظام السوري الضغط على الجيش الحر في محافظة حمص لانسحابه إلى داخل الحدود اللبنانية وتولي حلفاء النظام تصفيتهم، قلقاً لدى بعض المراقبين من إشعال الساحة الداخلية ببعد مذهبي، فإن جهات مسؤولة قللت من قدرة النظام السوري راهناً على تنفيذ هكذا «خطة»، خصوصاً إذا كان الاعتماد يقوم على الحلفاء اللصيقين بسوريا من دون «حزب الله» الذي يشكل الثقل الفعلي بين هؤلاء. ذلك أن عاملين يحولان دون تنفيذ تلك الخطة: الأول، عدم وجود بيئة صديقة لحزب الله في المناطق الحدودية قادرة على احتضان مثل هكذا عمليات. وثانياً، وجود رغبة وقرار لدى «حزب الله» بإبقاء الساحة الداخلية بعيدة عن التوتير المذهبي، استناداً إلى المعطيات المتوافرة من قنوات الاتصال السياسي والأمني مع الحزب. وتذهب تلك الجهات المسؤولة إلى التعبير عن قناعتها أن جلّ ما يمكن النظام السوري أن يفعله هو التوغل إلى داخل الحدود ثم الانسحاب، للضغط على الحكومة لتوفير غطاء للجيش بغية ضبط أفعل للحدود، وصلت حوله إلى دمشق أصداء امتعاض بأن لا قرار سياسياً بذلك. وهو ما زاد من منسوب الغضب السوري على أداء رئيس الحكومة الذي يصفه زوّار دمشق بـ «العدو اللدود» لسوريا جراء سياسة النأي بالنفس التي انتهجها حيال ما يدور على أرض العائلة الصديقة والحليفة.
واللافت أن «سيناريوهات جديدة» بدأ تداولها لما يمكن أن تؤول إليه نهاية النظام في سوريا. ففيما كان يأمل المجتمع الدولي والجامعة العربية بأن يروا في سوريا حلاً على الطريقة اليمنية بعدما تخطّت الأحداث «السيناريو التونسي»، قفز إلى الواجهة في كواليس مسؤول مطلع «سيناريو محاكمة دولية» يحاكي سيناريو الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش الذي حوكم في محكمة الجزاء الدولية بجرائم ضد الإنسانية، والتي لن تكون المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري عندها بمنأى عن ذلك الحدث أيضاً.
* كاتبة لبنانية
اللواء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى