صفحات العالم

مقالات تناولت مهمة الابراهيمي

الهدنة معايدة للأسد!

طارق الحميد

كما هو متوقع لم يستطع المبعوث العربي والأممي لسوريا السيد الأخضر الإبراهيمي تحقيق أي شيء يذكر في جولته المكوكية بين دول المنطقة، وبالطبع سوريا، حيث فشل المبعوث الأممي في إقناع طاغية دمشق بشار الأسد حتى بمبادرة هدنة عيد الأضحى، حيث وضع لها الأسد شروطا كالعادة.

فالسيد الإبراهيمي، ومن دمشق، وبعد لقائه الأسد، دعا الثوار والنظام الأسدي إلى وقف القتال «بقرار منفرد خلال عيد الأضحى.. يبدأ متى يريد (كل طرف) اليوم أو غدا»، معتبرا أن دعوته موجهة إلى «كل سوري سواء كان بالشارع أو القرية» أو قوات الأسد والثوار! بينما قال الأسد للإبراهيمي إن «أي مبادرة أو عملية سياسية يجب أن تقوم في جوهرها على مبدأ وقف الإرهاب، وما يتطلبه ذلك من التزام الدول المتورطة في دعم وتسليح وإيواء الإرهابيين في سوريا بوقف القيام بمثل هذه الأعمال»، مما يعني بلغة واضحة، وصريحة، وبعيدا عن اللغة الدبلوماسية، أن السيد الإبراهيمي قد فشل في دفع الأسد للقبول بالهدنة التي تم الترويج لها طوال الأيام الماضية، والآن يطالب المبعوث الدولي جميع الأطراف بأن تتطوع من قبلها «بقرار منفرد»، وليس مبادرة أو خلافه، وإنما «هدنة الراغبين» لوقف إطلاق النار!

والحقيقة أن هذا لا يعني فشل مبادرة السيد الإبراهيمي وحسب، بل إن مطالبة الثوار بوقف إطلاق النار بقرار منفرد ما هي إلا بمثابة هدية العيد لبشار الأسد، الذي لا يزال يطرح شروطا، ليس على الثوار السوريين، بل على كل العالم، في الوقت الذي يجب أن يسعى فيه الجميع الآن لجلب الأسد لمحكمة الجرائم الدولية. وبالتالي، وبعد فشل مبادرة السيد الإبراهيمي لتطبيق هدنة عيد الأضحى فإن الواضح اليوم، وهو أمر واضح منذ زمان، أن جميع الحلول قد فشلت مع طاغية دمشق، فحتى وزير الخارجية التركي أقر بنفسه بأن سوريا قد تجاوزت الحل اليمني، أي أن وزير خارجية تركيا قد سحب حديثه السابق عن إمكانية أن يكون فاروق الشرع بديلا للأسد، وليس هذا وحسب، فها هو لبنان في مهب الرياح الطائفية على خلفية العملية الإرهابية التي استهدفت العقل الأمني لبيروت وسام الحسن، وهناك التحركات الإيرانية الأخيرة في شرق السعودية، وكذلك كشف الأردن عن عملية إرهابية ضخمة، ناهيك عما يحدث بالبحرين، وقبل كل ما سبق ارتفاع عدد القتلى من السوريين يوميا على يد قوات الأسد. كل ذلك يقول لنا إن إطالة عمر النظام الأسدي تعني تعقيدا أكثر للأوضاع، وأن المنطقة مرشحة للحظة انفجار، وفي عدة اتجاهات، مما يوجب الآن سرعة التحرك لدفن هذا النظام الإجرامي بسوريا. وهذا لا يتم إلا بتسليح الثوار، ومن خلال تحالف الراغبين عربيا ودوليا الآن وليس بانتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية التي اقتربت، فالأسد لا يقبل بهدنة، ويسابق الزمن لبعثرة كل الأوراق قبل الانتخابات الأميركية.

ملخص القول أن مهمة الإبراهيمي فشلت، ولا مجال لمنح الأسد مزيدا من الفرص، أو الهدايا.

الشرق الأوسط

الإبراهيمي وحلم هدنة «الأضحى»

عبد الرحمن الراشد

انخفضت طموحات الوسيط، الأخضر الإبراهيمي، من إخراج بشار الأسد من حكم سوريا سلما إلى مجرد هدنة من ثلاثة أيام فقط بمناسبة عيد الأضحى. وحتى هذا الحلم البسيط فشل رغم أن كل الأطراف في حاجة إليه، حيث توجد مناطق محاصرة تسيطر عليها قوات الجيش الحر، لكن الأكثر تحاصرها قوات النظام.

الأهالي المحاصرون في حاجة ماسة إلى هدنة يتدبرون خلالها الطعام والدواء، وبعضهم يريد الانتقال من مكان إلى آخر أكثر أمنا أو به خدمات ضرورية من ماء وكهرباء. الذي فعلته قوات النظام أنها عاقبت المناطق التي فيها مقاتلون، أو المناطق التي خرجت منها مظاهرات، بحصار دام أشهرا متواصلة. يضاف إليها مناطق هاجمتها القوات الحكومية بالطائرات ودمرت الكثير من المباني ومرافق الخدمات المختلفة.

ولأن الوسيط الإبراهيمي يدرك تفاصيل الأزمة، ويفرق بين المعقول والمستحيل، اختار أن يعرض على الأطراف المتقاتلة هدنة في عيد الأضحى، الذي يحل بعد أربعة أيام، ليكون فرصة يمتحن من خلالها رغبة الأطراف في التعاون ولو في المجال الإنساني والإغاثي.

إن كان هناك عيب في المقترح، بالطبع ليس في فكرة الهدنة نفسها المستحقة منذ زمن، بل في اقتراحها بلا دعم دولي من خلال مجلس الأمن. الروس والصينيون، مع أنهم عودونا على مساندة نظام الأسد حتى في رفض شجب الجرائم التي ارتكبها، هذه المرة قد لا يعارضون فكرة الإغاثة المحدودة لثلاثة أيام فقط. ولو عارضوها تسجل ضدهم، ونحن نعرف أنه سيأتي يوم قريب سيطلبون هم هدنة للأسد وفلوله الهاربة.

الأسد حاكم لا يبالي بكم يقتل من خصومه ولا من رجاله، هذه مسألة هامشية في نظر ديكتاتور اعتاد على القتل حلا، وحتى من داخل حكومته، الذين لم يرض عنهم قام باغتيالهم. لن يبالي كم سيموت من الأطفال والأهالي المحاصرين الذين بلا غذاء أو دواء، يظن أن القبول بهدنة يهز من صورته، وفي سبيلها مستعد لزيادة عدد القتلى حتى في الأحياء المؤيدة له والتي قد تستفيد من ثلاثة أيام لإدخال المؤن والمواد الإسعافية.

أما الإبراهيمي نفسه فهو وسيط لا نشك في نزاهته، بخلاف سابقيه: المبعوث الدابي والوسيط أنان. ولا أعتقد أن الإبراهيمي الجزائري يلتقي مع حكومة بلدها يساند تماما نظام الأسد في كل المحافل، رغم أنها تزعم غير ذلك في الإعلام؛ فهو صاحب خبرة، وسمعة حسنة، وعلاقاته مع الجميع دون تبني مواقف منحازة.

هو الأمل الوحيد للنظام السوري الحالي في أن يعقد صفقة يقبلها الجميع: يخرج الأسد من دمشق ويكون هناك انتقال في الحكم بأقل قدر ممكن من الضرر. ومع أن المعارضة السورية لن تقبل بخروج مريح للرجل الذي قتل عشرات الآلاف من السوريين، إلا أن الإبراهيمي يستطيع تأمين النصاب الكافي من الأصوات الدولية لتحقيق حل أخير ينهي المأساة السورية.

وقد يبدو الإبراهيمي أمل المحاصرين من المدنيين تعيسي الحظ، وهو كذلك، أيضا هو الأمل الأخير للأسد نفسه المحاصر في دمشق.

إن فشل الوسيط في تحقيق هدنة العيد، ثم وجد نفسه عاجزا عن التقدم في أي اتجاه، فهذا يعني أن آخر الوسطاء سيحمل حقائبه ويغادر ونصبح أمام قتال حتى النهاية بنهاية دامية جدا.

الشرق الأوسط

ظروف سوريا والمنطقة والعالم… تُحبِط الابرهيمي؟

    سركيس نعوم

عرّاب اتفاق الطائف الذي توصل إليه النواب اللبنانيون عام 1989 في مدينة الطائف السعودية رئيس مجلس النواب السابق السيد حسين الحسيني أكد اكثر من مرة ان الاتفاق الذي أنهى الحرب العسكرية من دون الحرب السياسية كان صناعة لبنانية، فالبحث فيه بدأ عام 1984 بينه وبين البطريرك الماروني في حينه مار نصرالله بطرس صفير، ثم شمل قيادات سياسية وحزبية لبنانية عدة. وصار جاهزاً للبحث النهائي فيه من النواب اللبنانيين بغية اقراره، سواء بنصه او بعد تعديل بعض بنوده في شهر شباط عام 1989. طبعاً دخل على خط البحث رئيس الحكومة لاحقاً (الشهيد) رفيق الحريري الذي حاول مع مجموعة من اصدقائه عامي 1984 و1985 وقف الحروب في لبنان، وإقناع اللبنانيين المتحاربين (“أمل” و”القوات اللبنانية” و”التقدمي الاشتراكي”) بتسوية تقضي على اسبابها وتبنّي دولة ينتمي اليها الجميع وتكون سوريا الاسد الاب عرابتها. طبعاً اخفقت محاولته هذه، لكنه لم ييأس، فاستمر احياناً وحده واحياناً مع اصدقائه والسياسيين وتحديداً مع الرئيس الحسيني والبطريرك صفير في السعي لإنهاء حرب لبنان.

في تلك الفترة كانت هناك لجنة عربية من ارفع مستوى تتولى، وبتكليف من قادة الدول العربية، العمل مع اللبنانيين ومع سوريا ومع المجتمع الدولي وخصوصاً  اميركا لوضع حد لحروب لبنان. وفي تلك الفترة ايضاً كان الاخضر الابرهيمي مساعداً للأمين العام لجامعة الدول العربية، وكانت مهمته نقل رسائل ومواقف من اللجنة الى اطراف الحروب في لبنان والى الجهات الخارجية الداعمة لهم. وكبر دوره على الاقل إعلامياً عندما انتهى الإعداد العربي – الدولي لحل الأزمة اللبنانية، وعندما انجز اللبنانيون مشروع التسوية النهائية. إذ زار لبنان اكثر من مرة قبل اجتماع الطائف المشار اليه اعلاه للتشاور مع قادة لبنان، ولدعوة رئيس حكومة العسكريين في حينه العماد ميشال عون الى الاشتراك فيه، وخصوصاً بعد الحملة التي شنها ضد اجتماع الطائف، وبعد الاجراءات العقابية التي اتخذها في حق النواب اللبنانيين، وخصوصاً الذين منهم تحت سيطرته العسكرية والامنية. وما حصل بعد ذلك معروف. وافق النواب في الطائف على التسوية بعد تعديلات لها اقترحوها هم، وبعد تعديل واحد أصرّ عليه الرئيس الاسد تحت طائلة رفض الاتفاق ورفض رعاية تنفيذه.

لماذا هذا الكلام الآن عن أمر حصل قبل مدة طويلة؟

لأن هناك اناساً وجهات مقتنعون بأن الاخضر الابرهيمي الموفد المشترك لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة لحل الأزمة – الحرب السورية سينجح في مهمته مثلما نجح في لبنان عام 1989. وفي هذا الاقتناع ظلم له وتجنٍّ عليه، وخصوصاً اذا فشلت مساعيه. فالنجاح اللبناني ما كان ليحصل لولا توافق النواب اللبنانيين، ولولا تكوّن ظروف عربية ودولية مؤاتية، ولولا موافقة سوريا الاسد الأب، ولولا الانهاك الذي اصاب “المتحاربين” في لبنان. وهذه الأمور كلها غير متوافرة حالياً في كل ما يتعلق بسوريا وحربها. فالابرهيمي ليس متسلحاً بدرع اقليمي لمهمته كما يعتقد البعض رغم الكلام الايجابي شكلاً لمصر ولتركيا ولايران. والصراع في سوريا مستمر، ولم يبلغ أوجه بعد. فهو اولاً صراع داخلي بين غالبية شعب ونظام تحوّل بفعل ممارسات الاخير من سلمي الى مسلح، ومن اصلاحي الى مذهبي. وهو ثانياً صراع اقليمي بين “محور الممانعة” المؤلف من سوريا الاسد وايران الاسلامية ولبنان “حزب الله” وحركات “جهادية” سنية وشيعية في آن واحد، وبين محور رفض الهيمنة الايرانية على العالم العربي والمؤلف من الخليج بزعامة السعودية والاردن ومصر (رغم تناقضات رئيسها مرسي) وليبيا وتونس وغيرها. وهو ثالثاً صراع بين اميركا وايران الاسلامية وصراع بين اميركا وروسيا واستطراداً ايران. الى ذلك كله يبدو ان هناك صراعات بين الثوار انفسهم، اي بين جماعة الداخل وجماعة الخارج، وبين جماعة الداخل انفسهم، وبين جماعة الخارج انفسهم. وفي ظل وضع كهذا لا يعتقد كثيرون ان الاخضر الابرهيمي سينجح، ولا علاقة لذلك بكفاءته ومهارته اللتين يعترف بهما الجميع واللبنانيون في مقدمهم، بل بعدم نضوج الوضع السوري داخلاً وخارجاً والوضع الاقليمي والوضع الدولي. وفور حصول النضوج يمكن الابرهيمي ان يقطف ثماره إذا كان لا يزال في مهمته. أما قبل ذلك فإن السوريين سيبقون في “الحريق” الذي يقتلهم والذي قد “يحرق الاخضر واليابس” في المناطق المجاورة لسوريا كما قدّر الابرهيمي نفسه. فهل بدأ توقّعه يصح باستشهاد العميد وسام الحسن؟

النهار

الإبرهيمي وحده في “هدنة الأضحى“!

    راجح الخوري

من الصعب التصديق ان السوريين سيدخلون اليوم “هدنة الاضحى” وان العيد سيأتيهم بغير الحديد والنار، رغم ان الأخضر الابرهيمي الذي خرج يائساً من جولته الثانية التي انتهت بزيارة دمشق، لم يتردد امس في ابلاغ مجلس الأمن انه حصل على موافقة النظام ومعظم التنظيمات على الاقتراح، لكن دمشق سفّهته سريعاً بالقول ان القرار قيد الدرس في حين رفضته منظمات عدة، وهو ما دفع واشنطن ومعظم الدول الى التشكيك في إمكان قيام هدنة باتت عملياً رهناً بما ينهض عليه السوريون هذا الصباح!

بعدما وقف الابرهيمي في بيروت ليعلن انه حصل على موافقة مبدئية من المعارضة على الهدنة المقترحة شرط التزام النظام بها، وانها بالتالي “باتت مرهونة بموافقة الرئيس السوري”، رأى الكثيرون انه لن يكون هناك اي فرصة لنجاح الفكرة في ظل التصعيد الكبير وغزارة الدم، وخصوصاً بعدما سقط في خلال زيارته الى دمشق اكثر من 150 قتيلاً ليتجاوز عدد الذين قتلوا منذ بداية مهمته اربعة آلاف ضحية.

ثم تلاشت الآمال بالهدنة عندما خرج الابرهيمي مصدوماً من لقاء الاسد، الذي اشترط عليه “ضرورة وقف الارهاب قبل قبول مقترحات مبادرته”، وربما هذا ما دفع الابرهيمي الى تقديم اقتراحه المسخرة عندما اعلن من يأسه ربما ما لم يسبقه اليه احد في تاريخ الحروب والهدنات، ان على الجميع وقف القتال “بقرار منفرد” وان الهدنة “قرار شخصي” يتخذه كل مسلح في السلطة او المعارضة!

في غضون ذلك كانت التساؤلات الدولية تتسع حول ماهية الآليات والعناصر التي تستند اليها خطة الابرهيمي لوقف النار، والتي من المؤكد انه وضعها مستنداً الى رهان شخصي يقوم على استثارة المشاعر الدينية في الأضحى وعطفها على المعاناة الانسانية، لإقناع النظام والمعارضة بفضيلة الذهاب الى الهدوء رغم انعدام العناصر التي تحضّ على التهدئة!

لا ادري متى يمكن ان يرجع الابرهيمي مرة ثالثة الى المنطقة ليجول على المواقف المتناقضة ما بين انقرة وطهران والرياض والدوحة وعمان راكضاً وراء السراب، لكن الواضح ان حامولة القتل والتدمير ستستمر في سوريا. وفي طريقه غداً الى موسكو بعدما ابلغ الامم المتحدة امس بالهدنة غير المؤكدة سيقع الابرهيمي في الحيرة والذهول وهو يحاول فهم الموقف الروسي الذي قدم مشروعين لبيانين في مجلس الامن، الاول رحب بالهدنة التي قد لا ترى النور معتبراً انها يمكن ان تشكل خطوة اولى لوقف النار وإطلاق عملية سياسية، والثاني يدين بأقسى العبارات”الاعتداء الارهابي” في دمشق ويدعو الى محاربة “الارهابيين”، فكيف تطالب موسكو بادانة المعارضة السورية وتريد منها في الوقت عينه وقفاً للنار؟!

سوريا العيد بلا هدنة

فواز طرابلسي

لم تكذّب مبادرة الاخضر الابراهيمي توقعات الذين حسموا بأنها لن تنجح في عقد هدنة خلال ايام عيد الاضحى. اطلق عليها النظام السوري رصاصة الرحمة عندما رفض الرئيس الاسد البحث اصلا في الموضوع خلال لقائه المبعوث الاممي والعربي. ولم تجرؤ قيادة المعارضة المسلّحة على الاقدام على مغامرة الاعلان عن التزامها بالهدنة من طرف واحد ولو لاحراج النظام او منح الشعب السوري بصيص امل ولو لبضعة ايام.

هل يجب التسليم بكل بساطة بأن البلد الذي لم يعرف يوم هدنة واحدا في نزاعه الدموي خلال سنة وثمانية اشهر لن يعرف الهدنة لايام معدودة لمناسبة عيد الاضحى؟ اي هل يجب التسليم من دون استهوال بأن هذا الشعب محكوم بتقديم المئات من الاضاحي البشرية مجددا خلال ايام العيد؟

عندما كان على النظام السوري التعاطي مع وسطاء يقترحون بدء مسيرة الحل السلمي، كان يشدد على وقف اطلاق النار اولا. هذه المرة تجنّب المبعوث الاممي والعربي اثارة موضوع وقف اطلاق النار، الذي يأتي في رأس قرارات المؤتمرات والهيئات الدولية والذي وافقت عليه السلطات السورية في كل المناسبات. اقترح الاخضر الابراهيمي مجرد هدنة من بضعة ايام على امل البناء عليها، بحسب قوله. فجاءه الجواب: الاولوية للحل السياسي. والمقصود: الاولوية للحل العسكري.

عن قصد او عن غير قصد، وفّرت مهمة الوسيط الاممي والعربي الجديد، مثلها مثل سائر مهمات الوساطة، مهلة جديدة من بضعة اشهر لتمرير الوقت المستقطع خلال الانتخابات الاميركية ولمنح النظام السوري فرصة جديدة لتحقيق ما يسميه «الحسم».

والمراقب للمواقف العربية والاقليمية والدولية لا يسعه الا ملاحظة ما قد اعتراها من تردد وترهّل وانتظار. على الصعيد الاقليمي، تبدو الحكومة التركية ملجومة او عاجزة، تزداد ضيقا بأعداد اللاجئين السوريين على اراضيها الذين جاوزوا المئة الف. اما وزير خارجيتها داود اوغلو فقد اكتشف خلال زيارته صنعاء ان «الحل اليمني » لم يعد صالحا لـ… سوريا (لم يبلغنا ما اذا كان لا يزال صالحا لليمن!)، فأعلن سحب دعوته الى تنحي الرئيس الاسد لنائبه فاروق الشرع مقدمة للحل السياسي العتيد. من جهة اخرى، تعاقبت العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية على اغتيال مبادرة الرئيس مرسي الرباعية. وتقضي السعودية الوقت المستقطع في جدل بيزنطي مع الابراهيمي حول مدى خطورة استمرار الازمة السورية على تفجير الاوضاع في المنطقة، علما بأن الوسيط يبالغ والمملكة تقلل من ذاك الخطر. واذا الوقت مناسب لامير قطر ايضا ان يحلّ في زيارة لغزة لاضافة تنظيم اسلامي جديد الى محفظته… السياسية !

دوليا، لم تحتل المأساة السورية حيزا يستحق الذكر في مواجهات المتبارزَين على الرئاسة الاميركية. كرر الرئيس اوباما قوله ان ايام الرئيس الاسد معدودة. والاكيد ان تصريحات الرئيس اوباما هي المعدودة، لأنه كررها عشرات، بل مئات المرات، على امتداد عام ونصف العام على الاقل. بينما غريمه رومني يزايد بالدعوة الى تسليح المعارضة السورية.

اللافت الوحيد في هذا الوقت المستقطع هو التحول في الموقف الروسي الذي شهد تصلّبا واضحا في الآونة الاخيرة عبّرت عنه الديبلوماسية الروسية بمغادرتها سياسة المغمغة بصدد مصير الرئيس الاسد والإصرار على انه «باق» للاشراف على «الحل». يصعب تبيّن اسباب هذا التحوّل بالضبط. قد يكون احد الاسباب انتقال الجيش النظامي الى المبادرة الهجومية على عدة مواقع ومحاولاته استعادة عدد من البلدات والمدن التي تسيطر عليها المعارضة المسّلحة. وهذا يعني فرض «الانتصار» امرا واقعا على الرئيس الاميركي المتجدد او الجديد، علما بأن اللجوء المتزايد الى القصف الجوي المدمّر والقاتل لا يبدو انه يحقق الكثير من حيث استعادة الفضاء السوري المنفلت من سيطرة النظام او اجلاء المعارضة المسلحة من المدن الرئيسية او حتى استعادة الجيش النظامي بعض المدن التي خسرها في الاطراف.

المؤكد هو ظهور رواية جديدة كل الجدة لدى القيادة الروسية عن الازمة السورية اعلنها الوزير لافروف حين عمّد الرئيس الاسد بما هو «حامي الاقليات» في سوريا والمنطقة. فها هي روسيا قياصرة المافيات والاستخبارات تستعيد أبشع انواع الطروحات الاستشراقية والمشاريع الاستعمارية بصدد المنطقة. فلا تعريف للاقليات هنا الا الاقليات الاثنية والدينية والمذهبية. ولا معنى لحماية الاقليات الا ان تكون ضد «أكثرية». والاكثرية معروفة هنا ايضا. ومع ان رئيس الديبلوماسية الروسية يبرر دعمه بقاء الرئيس الاسد برفض بلاده اي تغيير لحدود المنطقة وكياناتها، إلا إنه يستعيد اللغة ذاتها والنظرة اياها اللتين اعادت بهما بريطانيا وفرنسا النظر في حدود المنطقة وكياناتها في اعقاب انتدابهما الدولي على المشرق العربي وتجزئته بُعيد العام 1920.

العرض الروسي مقدّم لشريك مفترض في هذه المقايضة الدولية هو الولايات المتحدة الاميركية طبعا. والسؤال: ما هو الثمن الذي سوف تناله روسيا بوتين من هذا الشريك قبل ان «تبيع» الاقليات المشرقية وحماتها؟

السفير

هل تنجح هدنة الإبراهيمي؟!

يوسف الكويليت

دعونا ندخل مرحلة التفاؤل الحذِر بوجود اتفاق هدنة عيد الأضحى بين المعارضة ونظام الأسد، وهي لن تكتمل صورتها داخل قلق من الجانبين، وحتى لو جاء التوافق عليها من أعضاء مجلس الأمن ورأوها مدخلاً لانفراج قد يكون مقدمة لاتجاه يوقف الحرب ويبدأ سلسلة المباحثات والمساومات، وكل من يريد انتزاع تنازل من الطرف الآخر، إلا أن المخاوف تبقى كبيرة وقد لاتسد جميع الفجوات..

النظام والمعارضة مدعومان عسكرياً وسياسياً، وهناك من يرى في الهدنة التي قد لاتصمد، التقاط أنفاس، وإعادة تجهيز لجميع الاحتمالات التي قد تنشأ في الأيام القادمة، لكن دعونا نرسم حدود ما سيُتفق عليه إذا تجاوزت الأزمة واقعها العسكري والسياسي، قطعاً لن يعود الحكم احتكاراً لسلطته القديمة وتدويراً لها بعد الأزمة، إذ هناك شروط ستدعم دولياً بإيجاد آليات حكم دستوري وديمقراطي يضمن انتخابات عادلة، وسن دساتير وقوانين تضمن الحريات للجميع، وقضاء مستقلاً، وإنشاء أحزاب، وإبعاد الجيش عن السلطة، وهذه الأمور يستحيل أن يقبلها نظام تعوّد إطلاق سلطته على سورية كلها، غير أن الرغبة المدعومة بوهم القوة شيء، والواقع المستجد شيء آخر..

فعلى الأرض هناك معارضة مدعومة بجيش حر، وهي غير المعارضة الصورية التي كان يتركها النظام تتنفس من منخر واحد، وحالما تتمادى يذهب أصحابها للسجون المؤبدة أو الإعدام، المعارضة الراهنة مثلما النظام مدعومة، فهي تتلقى نفس الإمكانات يعززها تنامي التأييد الشعبي لها، ثم إن دماء القتلى والمشردين والمعتقلين ممن يسميهم النظام بالإرهابيين، هم جزء من مناوئي النظام، وهؤلاء يصعب أن يُعتبر ما جرى لهم ضحايا نزاع، وهناك الملاحقات القانونية لنظام الأسد الذي مارس كل ما يتنافى مع الأعراف والقوانين الدولية، سواء القتل المتعمد أو استعمال القنابل العنقودية، أو جرائم الشبيحة والجيش وانتهاك الأعراض وقتل الأطفال والمسنين..

إذن ثمن الهدنة الدائمة، واللجوء للعمل السياسي بديلاً عن العسكري لا تتم مقايضتهما بحلول لا تصل إلى إنهاء كل الإشكالات، وأولها مستقبل حكم الأسد، وحتى لو اعتبره البعض الضمانة، كما يتصورون، لعدم انزلاق سورية لحرب أهلية، فهو الجسم المرفوض وقوته لن تحميه، إذا ما كشفت الوقائع أنه مجرم حرب، ثم إن الأغلبية سواء المحاربة، أو الصامتة، تنظر للسلطة بأنها فئوية طائفية، ومتحالفة مع إيران التي تعادي الطوائف الكبرى، والصغرى السورية، عدا العلويين، وهذه قاصمة ظهر، إذا لم يتحد السوريون لتغيير أسس النظام ورؤوسه، لكن ستنشأ جبهة مساندة له من روسيا وإيران والعراق، مقابل أعضاء في مجلس الأمن ومعظم الحكومات العربية ما يضعف الأمل بأن تستمر الهدنة ويُتفق على حل يقبل به الفرقاء..

*نقلاً عن “الرياض” السعودية

سوريا.. هدنة الانتخابات لا العيد!

طارق الحميد

كما هو متوقع، لم تصمد هدنة عيد الأضحى في سوريا، والتي اقترحها السيد الأخضر الإبراهيمي؛ حيث اخترقها النظام الأسدي بإطلاق النار على جموع المتظاهرين السوريين. والحقيقة أن لا مفاجأة في خرق النظام للهدنة؛ فذاك أمر متوقع، وكذلك أعذار النظام وتبريراته.

وبالطبع فإنه لا يمكن القول إن المجتمع الدولي لا يزال يجرب الأسد، ويحاول قدر المستطاع الوصول إلى اتفاق سياسي معه حول الأوضاع بسوريا، فالواضح أن المجتمع الدولي هو الذي يحتاج الهدنة أكثر من نظام الأسد، أو الثوار السوريين، والسبب بسيط جدا، وهو إدراك الجميع، العرب والغرب، أن لا خطوات عملية متوقعة في سوريا قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، وهي بعد قرابة أسبوعين، ومهما قال المرشحان للرئاسة، سواء الرئيس الطامح لفترة ثانية باراك أوباما، أو المرشح الجمهوري ميت رومني، في مناظراتهما الانتخابية الثلاث، فالواضح أنهما لا يقولان للناخبين الحقيقة حول سوريا، وهي أنه أيا كان منهما هو الرئيس القادم لأميركا فإنه لن يقف مكتوف الأيدي حول ما يحدث بسوريا. واللافت في هذا الأمر أن هناك رأيا عاما بات يتشكل في أميركا حول ما يحدث في سوريا، فمن خلال وجودي في أميركا هذه الأيام، وخصوصا بعد المناظرة الانتخابية الثالثة، والمتعلقة بالشأن السياسي الخارجي، فإن السؤال الذي بات يطرح في وسائل الإعلام الأميركية، وحتى لدى المهتمين هو: ما الذي يمكن فعله لوقف الأسد عن قتل السوريين؟

السؤال مباشر، ويطرح على معظم البرامج السياسية التلفزيونية بأميركا، وتسمعه في جل النقاشات مع بعض الإعلاميين الأميركيين، وكل من هو مهتم، مما يوحي بأن هناك رأيا عاما أميركيا حقيقيا، ولو على مستوى النخب، بات يتشكل حول ضرورة فعل شيء في سوريا، لكن الانتخابات بالطبع تحول دون هذا التحرك، وهذا ما يعيه الجميع، دوليا، ولذا فإن المجتمع الدولي هو الذي يريد الهدنة وحتى تعبر أميركا الانتخابات الرئاسية، ومن ضمن من يحتاجون هذه الهدنة روسيا، وهذا أمر مؤكد، فموسكو لن تضحي بمصالحها من أجل الأسد، بل إنها ستبيع وتشتري على رأسه مع الرئيس الأميركي القادم. ولذا فمن الواضح أن الأسد يعي أن لا قيمة لهدنة عيد الأضحى إلا من باب العلاقات العامة داخل طائفته، والدوائر التي حوله، ليواجه تململهم وقلقهم، ويقول لهم إنه لا يتعنت، وإنه يفعل ما بوسعه لتقديم حلول بعيدة عن العنف، لكن ليس بوسع الأسد الالتزام بالهدنة، أو أي حل سياسي، لأن ذلك يعني نهاية نظامه الذي يعيش آخر أيامه.

والسبب بسيط بالطبع، فالتزام الأسد بهدنة العيد من شأنه زيادة المظاهرات، خصوصا أن التظاهر ليس جزءا من الهدنة، وبالتالي فإن ذلك قد يؤدي إلى تصعيد للمظاهرات، وهو الأمر الذي لا يطيقه النظام الأسدي، ولا يتحمله، ولذلك قام بكسر الهدنة، وواصل قتل السوريين. ومن هنا فإن الأسد يعي تماما أن الهدنة لا تعنيه بشيء، بقدر ما تعني المجتمع الدولي المشلول بسبب الانتخابات الأميركية، ولذلك تعامل الأسد مع ورقة الهدنة كهدية، وعندما لم تعجبه ألقى بها من النافذة، وواصل قتل السوريين!

الشرق الأوسط

الإبراهيمي ينتمي إلى جيل لم يُعرف عنه إلا الفشل

خالد الدخيل *

لا أحد يعرف لماذا تصدى الإبراهيمي لإيجاد مخرج للأزمة السورية. هل يعرف الإبراهيمي نفسه لماذا؟ هو قال بعد تكليفه مباشرة، وفي حديث إلى فضائية الـ«بي بي سي» الإنكليزية، إنه يدرك تماماً بأن مهمته مستحيلة تقريباً. لماذا إذنْ قَبِل المهمة؟ جاءت إجابته هكذا: «للمحاولة. لا أملك الحق في أن أرفض». سئل: هل يملك حلاً، أو تصوراً لهذه المحاولة؟ فأجاب بالنفي. وترجمة ذلك، وفي ضوء أن مهمته جاءت بعد الفشل الذريع لكوفي أنان، أنه سيبدأ في هذه الحالة من الصفر. بدأ من الصفر تقريباً في اللحظة التي كان عدد القتلى في سورية وصل إلى أكثر من 20 ألف قتيل. هل هذا الرقم يعادل صفراً؟ كأنه لم يخطر ببال الإبراهيمي أنه بمهمته هذه، وعلى هذا النحو الذي يراه هو، يمنح النظام السوري، كما يتردد، مهلة إضافية للاستمرار في الحل الأمني، ويوفر غطاءً سياسياً لجرائم القتل في سورية بغض النظر عمن يرتكب هذه الجرائم. مرّ أكثر من ثلاثة أشهر على بداية مهمته، وهي من أكثر الفترات دموية ودماراً منذ بدء الانتفاضة. هل فكر الإبراهيمي في الموضوع من هذه الزاوية؟ اضف إلى ذلك أن مهمته حتى الآن ورقة لشراء الوقت تستخدمها القوى الدولية والإقليمية، بما فيها النظام السوري، ريثما تنضج التفاهمات للحل الذي يمكن أن تلتقي حوله مصالحها وحساباتها.

هناك سؤال محير في مهمة الإبراهيمي: هل يعتقد حقاً أنه يمكن أن يتوصل مع النظام السوري إلى حل سياسي يؤمن مرحلة انتقالية؟ هل أن نظاماً يستخدم آلياته الثقيلة، ويستخدم الطيران، وبعض الأسلحة المحرمة ضد شعبه، في وارد التفكير في حل سياسي؟ في الحالات العادية، عندما تنشأ أزمة سياسية بين النظام الحاكم والشعب يكون الحل السياسي للأزمة هو الخيار الأول. في حالة سورية بدأ النظام بالحل الأمني منذ اليوم الأول للانتفاضة. وقصة أطفال درعا معروفة، ولا بد أن الإبراهيمي يعرف عن هذه القصة وحقيقتها الآن أكثر من غيره. وفي اليوم الثاني للانتفاضة سقط أول شهدائها. كان ذلك في النصف الثاني من آذار (مارس) من العام الماضي، أي قبل من يسميهم النظام الآن بالمسلحين، والإرهابيين، بما لا يقل عن خمسة أشهر. الآن وصل ضحايا النظام من مختلف الفئات إلى مئات الآلاف. وبإضافة فئة اللاجئين يرتفع الرقم إلى خانة الملايين. هل يعتقد الإبراهيمي أن نظاماً مثل هذا يفكر حقاً في حل سياسي يقود إلى مرحلة انتقالية؟ تعني المرحلة الانتقالية أن يأتي نظام آخر، بقيادة أخرى يختارها الشعب بملء إرادته. هل يمكن أن يقبل النظام السوري هذا الحل بعدما ولغ كثيراً، وكثيراً جداً في دم الشعب؟ من يفكر بمثل هذا المخرج لا يبدأ باعتقال الأطفال، ثم ينتقل إلى تدمير الأحياء على أهلها. النظام السوري رهينة تحالف طائفي مغلق على المستويين المحلي والإقليمي. لا يثق في كل من هو خارج هذا التحالف، سوريين أم غيرهم. جاء إلى الحكم عن طريق العنف، وجعل من العنف وسيلته الرئيسة للتعامل مع الشعب، ومع الجوار على مدى أكثر من 40 سنة. لجأ إلى العنف والدم في انتفاضة حماة عام 1982 وفي الانتفاضة الحالية. قتل النظام السوري من السوريين فقط، وحتى الآن، أضعاف ما قُتل من السوريين والفلسطينيين واللبنانيين على يد «جيش الدفاع الإسرائيلي». تاريخ وطبيعة النظام لم تتسع قط لأية عملية سياسية في سورية. لم يدخل هذا النظام في أي حوار سياسي حقيقي إلا مع الأميركيين والإسرائيليين. لأن قيادة النظام تعرف جيداً ماذا لدى الأميركيين والإسرائيليين. المجال السياسي في سورية، كما في كثير من الدول العربية، لا يتعدى حدود قصر الرئيس. بل لا يتعدى حدود مكتب الرئيس في القصر. عن أي حل سياسي يتحدث الإبراهيمي؟!

يقال أحياناً أن الإبراهيمي يفكر في اتفاق طائف سوري. لا أعرف عن هذا الأمر شيئاً، من يفكر على هذا النحو لا يعرف سورية. التركيبة الديموغرافية لسورية على النقيض تماماً من تركيبة لبنان. ولا يمكن أن تتسع لمثل هذا الاتفاق. اتفاق على شاكلة الطائف يعني تقسيم سورية. هل هذا ما قصده وزير خارجية روسيا لافروف، عندما قال الأسبوع الماضي أن الأسد حامي الأقليات في سورية؟ أي أنه إذا أصرت المعارضة على الإطاحة بالنظام، فقد ينفصل الأسد مع الأقليات القريبة من مناطق العلويين بهدف حمايتهم. وهنا قد تأتي فكرة سايكس بيكو جديدة لسورية من بوابة الروس والإيرانيين. لكن اكثر السوريين، على الأقل، لن يقبلوا بتمرير هذا الحل.

يبدو أن الإبراهيمي لم يفكر بالشعب السوري كثيراً. صورته وهو يتبادل حديثاً ضاحكاً مع الرئيس السوري، بعد يوم من تفجير بيروت، تعني أن الرئيس استخدمه لتمرير رسالة إعلامية من خلاله من دون أن ينتبه هو لذلك. المشهد في سورية مهيب. الناس تموت يومياً. ما الذي يمكن أن يكون مدعاة لحديث ضاحك مع رئيس تدك قواته المدن والأحياء؟ الشيء الوحيد الذي يبدو أنه يحكم تفكير الإبراهيمي، وتحركاته، وخياراته، وتصريحاته، هو مواقف ومصالح الأنظمة السياسية. يجب أن يرضي جميع الدول. اقتصرت مهارته في هذا السياق على إيجاد مساحة له بين مواقف ومصالح هذه الدول بكل تشابكاتها وتناقضاتها. طالب بإجماع أعضاء مجلس الأمن، بخاصة الأعضاء الدائمين لضمان – كما يقول – نجاح مهمته. ولأن مهمته مستحيلة – كما وصفها هو – صارت مسؤولية تحقيق هذا الإجماع تقع عليه هو، وليس على أي من هذه الدول. يجب ألا يقول شيئاً عندما يصرح، وألا يتخذ موقفاً مهما تصاعدت أنهار الدم في سورية، وألا يبدي رأياً إن فعل شيئاً من ذلك سيغضب هذه الدولة أو تلك، عندها ستتوقف مهمته أو تنتهي تماماً.

تاريخ ولادة الإبراهيمي (الأول من كانون الثاني / يناير 1934)، وتاريخ مهماته السياسية الأولى تشير إلى أنه ينتمي إلى الجيل العربي الذي لم يعرف عنه إلا الفشل في كل شيء تقريباً. فشل في السياسة، وفي الحرب. فشل في الداخل، كما في الخارج. فشل في بناء الدولة، وفي بناء وطن يعترف بإنسانية المواطن وبكرامته وحقوقه. لم ينجح هذا الجيل إلا في شيء واحد، وواحد فقط: بناء نظام سياسي مكان الدولة، لينطلق كل شيء من هناك. هذا لا يعني أن الإبراهيمي شخصياً سياسي فاشل. هو ليس كذلك. لكنه في مهمته في سورية بدأ من النظام لينتهي إليه. وهذا كعب أخيل مهمته. فشل في العراق، وحقق نصف نجاح في لبنان، ونصف نجاح في أفغانستان. ومعالم فشله في سورية تسابقه حتى قبل أن يبدأ.

السجل المهني للإبراهيمي مليء بالمناصب والمهمات، وبالتالي الخبرات. كان ممثلاً لجبهة التحرير الوطني الجزائرية في خمسينات وستينات القرن الماضي. ثم وزيراً لخارجية الجزائر ما بين 1991-1993. وهذا يعني أنه يعرف الأنظمة العربية، ويعرف طبيعتها، وتعامل معها عن قرب. وبالتالي يعرف النظام السوري. ماذا تقول له هذه المعرفة عن علاقة هذا النظام بالشعب؟ وكيف يمكن أن يتعامل مع انتفاضة شعبية؟ هل يصدق هذا النظام عندما يقول إنه وافق على هدنة عيد الأضحى؟ والإبراهيمي إلى جانب ذلك عضو في الكثير من المنظمات الدولية المعنية بمسألة الحكم الرشيد. هل يعتقد أن النظام السوري معني بمسألة الحكم الرشيد هذه؟ ليس المطلوب من الإبراهيمي أن يجعل من محاكمة النظام جزءاً من مهمته في سورية. هذا خارج الموضوع. لكن المطلوب أن يوظف خبرته السياسية، وخلفيته القانونية، ومعرفته بالواقع العربي، ليكشف حقيقة الوضع في سورية كما يراها هو، وكما بدت له، بكل أمانة وشفافية. كشف الحقيقة يساعد كثيراً في إيجاد الحل أكثر من الديبلوماسية الباردة التي عرفت بها الأمم المتحدة، وأكثر من الديبلوماسية التي لا طعم ولا رائحة لها، والتي عرفت بها الجامعة العربية. المطلوب من الإبراهيمي أن يلتزم حرفياً بما ردده كثيراً، أن هدفه الأول والأخير هو الشعب السوري، وحقوق هذا الشعب. هذا على الأقل سيعوض الفشل السياسي لمهمته.

* كاتب وأكاديمي سعودي

الحياة

دروس «هدنة» الإبراهيمي

عبدالله إسكندر

عدد القتلى في سورية في اليوم الأول لعيد الأضحى المبارك، مع سريان «وقف العمليات العسكرية» من قبل قوات النظام، كان أقل من المعدل اليومي للأيام السابقة. ورأى الموفد المشترك الأخضر الإبراهيمي عدداً أقل من الضحايا في يوم العيد، محققاً بذلك شعار الهدنة التي دعا إليها. ولا ندري إذا كان مثل هذا الاستنتاج قد يشجعه على الاستمرار في هذا النوع من الوساطات ليبني عليه الحل السياسي الذي يبشر به من دون أن يعرف احد في العالم مضمونه.

في الشكل، التزمت قوات النظام ببيانها عن وقف العمليات، إذ إنها استخدمت حقها في الرد، فهي ردت على المصلين الخارجين من المساجد في أول أيام العيد مطالبين بإسقاط النظام. إذاً، اعتدى هؤلاء المتظاهرون السلميون على النظام لمجرد السير في تظاهرة، فكيف الأمر عندما يطالبون بإسقاط النظام؟ ليتحولوا إلى «عصابات تكفيرية مسلحة»، وبات عليه واجب الرد عليهم بالقنص والقصف والاعتقال. وهكذا، لم تفعل قوات النظام سوى استخدام حقها في الرد على «الخرق الكبير» الذي أقدم عليه المتظاهرون.

في المضمون، تعامل النظام منذ اليوم الأول للحراك السوري، على انه «عصابات مسلحة مأجورة للخارج». وليصبح كل معترض على سياسة النظام، أو حتى إدارته للأزمة «عميلاً مأجوراً» للصهيونية والإمبريالية ودول الخليج وتركيا أيضاً، أي أن النظام وضع منذ انطلاق التظاهرة الأولى، الغالبيةَ الشعبية في خانة «الخيانة والعمالة»، والتي ينبغي القضاء عليها. وهذا ما يفسر هذه الضراوة في القتل والإمعان في التدمير والتهجير لغالبية الشعب.

والتقدير أن تجربة هذه الهدنة التي لم تحصل، غنية بالدروس للإبراهيمي، ما دام يفتش عن آراء وأفكار هنا وهناك. وقد تغنيه هذه التجربة عن استطلاع آراء موسكو وقبلها طهران وغيرهما من العواصم. والدرس الأبلغ هو أن النظام يعتبر أي نوع من المعارضة في البلاد «اعتداء مسلحاً» عليه، ويتعامل معه بكل أنواع الأسلحة الثقيلة التي يملكها. وينسحب هذا الاعتبار، ليس على غالبية الشعب السوري وحسب، وإنما مع كل مؤيد لحقه في الحرية ومتضامن مع مآسيه التي يعانيها على يدي النظام الذي يحكمه.

وعندما سيتصدى الإبراهيمي للأفكار التي يعتبر أنها تؤدي إلى حل في سورية، عليه أن يأخذ في الاعتبار أن أي مسعى لجعل النظام يقبل بأن تكون للسوريين حقوق سيكون بمثابة «اعتداء» عليه، مثله مثل «اعتداء» المتظاهرين السلميين أول من امس. وإذا كان الإبراهيمي يراهن على أي ظرف أو ضغط لحمل النظام على قبول الحوار مع المعارضة، فإن جواب النظام منذ اليوم الأول، أن هذه المعارضة تعمل لأجندة خارجية ولا حوار معها إلا بالسلاح للقضاء عليها.

في هذا المعنى، لا يتعلق الأمر بأن الهدنة مع المعارضة، والتي رغب بها الإبراهيمي، لم تصمد، فهي منذ البداية لم تكن هدنة بالنسبة إلى النظام، الذي لا يعترف أساساً بأنه يواجه معارضة داخلية، وإنما «مجموعات مسلحة» تعيث في البلاد. وإنما يتعلق الامر بنوعية الحل الذي يرتجيه الإبراهيمي عبر الحوار ووقف القتل.

إذا كان النظام لا يستطيع تحمل تظاهرة سلمية، كما أثبتت تجارب الشهور الطويلة الماضية، خصوصاً خلال الفترة التي يفترض به أن «يوقف عملياته العسكرية» خلالها، فكيف يمكن الإبراهيمي أن يقنعه بالحوار مع هؤلاء المتظاهرين ومن يمثلهم في المعارضة، وصولاً إلى حل؟ لا بل كيف يمكن الإبراهيمي أن يقنع روسيا، راعية «وقف العمليات العسكرية»، والتي يزورها غداً بدروس هذه الهدنة المجهضة، وصولاً إلى تحرك دولي يلزم النظام بالكف عن اعتبار أن الأسلحة الثقيلة والتدمير والتهجير والقتل وسيلته الوحيدة للتعامل مع غالبية السوريين؟

الحياة

سوريا ومبادرة العيد “الإبراهيمية

محمد الحمادي

بعد كل تلك التضحيات وكل القتلى والجرحى والمشردين والمفقودين والمعتقلين، خرج الدبلوماسي القدير مبعوث العرب والعالم إلى سوريا باقتراح يبدو مرفوضاً سلفاً، لكن تم طرحه وتداوله وإشغال العالم والإعلام به خلال الأيام لماضية، وهو الاقتراح بإيقاف الاقتتال بين قوات النظام السوري والمعارضين خلال عيد الأضحى المبارك!

وكأن الإبراهيمي لم يشاهد الأفلام التي شاهدها الملايين على اليوتيوب والتي تصور كيف كان أتباع النظام يقطعون رؤوس معارضيه بالسكاكين والسيوف ويفصلون رؤوسهم عن أجسادهم كما تنحر الخراف في العيد!

وكان ذلك في بداية الأزمة السورية، فما بالنا باليوم وقد أصبح الثأر أكبر والجرح أعمق والرغبة في الانتقام أشد؟!

ما يمكن أن يفعله الأخضر الإبراهيمي هو شيء من أمرين؛ إما أن ينقذ الشعب السوري من بطش النظام أو يتوقف هو عن هذه المهمة، أما هذه الأفكار التي تبدو سوريالية في وضع تراجيدي عميق كالذي في سوريا اليوم، فلا داعي لأن يضيع العالم وقته في الحديث عنها ومناقشتها وإزعاج الشعب السوري بها… فما يحدث في سوريا هو حرب بكل معنى الكلمة، فالقتل اليومي. والتدمير، والتخريب، وإثارة الفتن بين مكونات الشعب وطوائفه، وتدمير المواقع المهمة، السياحية والتاريخية والدينية، وتشريد الشعب… كل ذلك يجعل من غير المنطقي طرح “مبادرة العيد”.

ومن السذاجة الاعتقاد بأن الشعب السوري مشغول بالتفكير في الاحتفال بالعيد… فكيف يحتفل شعب ويفرح، وفي كل بيت قتيلٌ أو جريحٌ أو سجيٌن أو مفقودٌ أو مغتصبةٌ؟! وفي كل بيت أم فقدت طفلها أو طفلة فقدت أمها أو ولد فقد والده؟!

عيد السوريين سيكون -كما هم يرددون دائماً- بانتهاء الظلم وعودة الأمن والاستقرار إلى بلدهم واسترجاع حريتهم، وفي ذلك يجب أن تبذل الجهود الدولية، وفي ذلك يفترض أن يفكر الإبراهيمي وفريق عمله ومن ورائهم المجتمع الدولي والمجموعة الإقليمية.

الولايات المتحدة والجامعة العربية وتركيا، وحتى أحمدي نجاد… الجميع رحّب بمبادرة الإبراهيمي لوقف إطلاق النار، وكلهم وافقوا عليها، إلا النظام السوري فإنه لم يوافق، وهذا طبيعي لأنه يدرك بأنه لا قيمة لوقف إطلاق النار في يوم واحد، وبأن هذه محاولة لتسجيل “إنجاز” للجامعة العربية والمجتمع الدولي الذي فشل في تقديم حلول منطقية للأزمة في سوريا. فعندما سئل الإبراهيمي منذ أيام، بعد لقائه مع الرئيس السوري، عن رأي النظام في سوريا حول المبادرة، رفض الكشف عن رد الأسد على موضوع “هدنة عيد الأضحى”.

فكرة المبعوث العربي والدولي حول هدنة العيد أقل ما يقال عنها: “تمخض الجبل فولد فأراً”، فبعد أن كان العالم والسوريون في الداخل والخارج ينتظرون مبادرة تنصف الشعب وتنهي معاناته، إذا بهم يسمعون من يتكلم عن هدنة “يوم واحد” ثم تعود الأمور إلى ما هي عليه! وكأن الشعب السوري سيكون قادراً على نسيان معاناته اليومية، أو وضع سلاحه ساعة لتباغته قوات النظام بهجوم لا يعترف لا بيوم عيد مبارك ولا بشهر محرم.

يدرك الجميع أن مهمة الإبراهيمي صعبة، وأن حل الوضع السوري يصطدم بمصالح دولية وإقليمية، فبعض دول المنطقة رغم اختلافها مع نظام الأسد وتعاطفها مع الشعب السوري في تطلعاته، إلا أنها لا تريد نهايةً أو نجاحاً للثورة السورية، أملاً منها في أن تتوقف “أحجار الدمينو” عن السقوط فتتوقف في دمشق حتى لا تصل إلى عواصم أخرى. ولا يبدو هذا الموقف مقبولاً “أخلاقياً” في ظل استمرار القتل اليومي والقصف المتواصل الذي أصبحت تشارك فيه بالدبابات والطائرات الحربية.

التصريحات السياسية التي تنطلق بين الحين والآخر كلها تجمع على أن الوضع في سوريا صعب وأن الحل فيها غير واضح… فهل يتغير موقف المجتمع الدولي بعد الانتخابات الأميركية، خصوصاً بعدما سمعناه خلال المناظرة الأخيرة بين المرشحين أوباما ورومني، فقد كان تعليق كلا الرجلين واضحاً على الأزمة، فأوباما اعتبر أن أيام الأسد باتت معدودةً، أما رومني فقال إنه يؤيد تسليح المعارضة السورية… فهل هذا يعني أن فوز أي من الرجلين يعني اقتراب نهاية الأزمة في سوريا؟ أم أنها دعاية انتخابية تتلاشى مع الإعلان عن الفائز برئاسة الولايات المتحدة؟

هكذا يتساءل الجميع لكن في الوقت نفسه يأملون في أن يصبح للإدارة الأميركية موقفاً أكثر وضوحاً في هذه الأزمة وبالتالي يتجاوز المجتمع الدولي حالة التفرج التي يمارسها على الوضع السوري منذ أشهر دون اتخاذ أي موقف يعكس ادعاءه بالاهتمام بالإنسان وحقوقه أو يبرز رغبته في حقن دماء المدنيين الأبرياء… فكل الجرائم التي ترفضها دول العالم المتحضر والتي ترصدها المنظمات الدولية المعنية بالإنسان وحقوقه والطفل والمرأة والإعلام أيضاً، تم اقترافها على أرض سوريا دون أن نرى في المقابل من يحرك شعرة في تلك الدول والمنظمات، وهذا أمر يبدو مستنكراً، لاسيما وأن تلك الدول والمنظمات تتحرك وبشكل قوي في مناطق تكون أقل خطراً وأقل خسائر في الأرواح، وهي تبذل جهوداً خرافيةً من أجل إنهاء الأزمات!

لا يبقى إلا أن نتمنى عيداً هادئاً لإخوتنا في سوريا، ونتمنى أن تنتهي أزمتهم في أسرع وقت وتستعيد سوريا أمنها واستقرارها وتقر أعين الشعب السوري بالهدوء في وطنهم.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى