أوهام الأسد
لميس عندوني
لم يعد خطاب الممانعة يخفي سياسات النظام السوري القمعية.
إن الرئيس السوري بشار الأسد. مهوس بالاعتقاد أن دعمه للمقاومة ضد إسرائيل يميز حكومته عن الحكومات الأخرى، وهو ما يعطيها المناعة ضد الثورات التي أسقطت الرؤساء الموالين للغرب في تونس ومصر.
و دعم الرئيس السوري لحماس وحزب الله جعله أكثر شعبية بين العرب، ولكنه يقع في وهم خطير إن كان يعتقد أن هذا سيجعل قتل المتظاهرين السلميين السوريين أقل استهجانا.
إن انفجار الثورات العربية كان ردة فعل على عقود من القمع وسوء توزيع الثروة، المشكلتان التي ابتلى بهما الرؤساء المعارضون والمؤيدون للغرب على حد سواء.
وسورية هي إحدى أكثر الدول قمعية في المنطقة. مئات إن لم يكن آلاف من الناس اختفوا في سجونها المجهولة. بعضهم يعود للظهور بعد سنوات، وبعضهم بعد عقود، وآخرون لا يعودون إطلاقا.
هؤلاء الضحايا ليسوا فقط سوريين. عرب آخرون من لبنان خُطفوا في سنوات سيطرة سورية على جارها لبنان، ومن الأردن من أعضاء البعث الحاكم الذين خالفوا قيادته، وعدد من الفصائل الفلسطينية المختلفة كانوا أيضا من ضحايا النظام.
ناقدو الحكومة يُعتقلون وغالبا ما يُتهمون ـ من دون محاكمةـ بالعمالة لأجندات خارجية (غالبا أميركية أو إسرائيلية) لتقويض استقرار البلد وسياسته المواجِهة.
لكن هذه الأفعال لم تُشجب من قبل الأحزاب العربية ومنظمات المجتمع المدني، التي دعمت موقف سورية من إسرائيل بينما تجاهلت سياستها القمعية.
بينما كان يزج بالمعارضين السوريين في السجون، كان ناشطون ومثقفون عرب يتجهون إلى دمشق ليمدحوا دورها في الدفاع عن القضايا العربية.
هذا النفاق دعم اعتقاد النظام أنه منيع عن النقد الموجه إلى الحكومات القمعية الموالية للغرب في المنطقة
أسطورة المقاومة
أثناء حُكم الرئيس السابق حافظ الأسد، الذي كان أسوأ حتى من حكم ابنه بشار الذي ورثه في العام 2000، أحكمت أجهزة الأمن القمعية قبضتها على مؤسسات الدولة.
وخلال حكم بشار الأسد، تابع النظام استخدام حالة المقاومة لتبرير تقييد حرية التعبير وخنق المعارضة.
ولكن قد يكون الوقت قد حان لاختبار جدي لادعاء سورية أنها دولة ممانعةـ ما يجعلها نتيجة لذلك أكثر شرعية من أنظمة عربية ودكيتاتوريات أخرى.
في السياق العام منع موقف سورية إسرائيل وأميركا من تحقيق اختراق تام أو استيعاب،إن لم يكن تحقيق تبعية الدول العربية لها.
ولكن مساهمة سورية في صد إسرائيل عن تحقيق السلام مع المزيد من الدول في المنطقة لم يأت من دون تفاهمات سياسية.
ادعاء سورية بأنها “قلعة الصمود” معتمد على عاملين:
أولا: رفض دمشق التوقيع على معاهدة سلام مع إسرائيل من دون ضمان عودة مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل عام 1967
ثانيا: دعم العديد من المجموعات الفلسطينية، ودعم حزب الله في لبنان
لا شك في أن رفضها تحقيق صلح مع إسرائيل ـ على خلاف مصر، الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينيةـ عزز مكانتها العربية ودورها الجيوسياسي.
ولكن سورية قامت بمقايضة تسمح لها أن تظهر كدولة مواجهة، بينما تضمن هي أن جبهتها مع إسرائيل تبقى أهدأ جبهة في المواجهة.
تم ذلك بممارسة حظر شديد على تهريب الأسلحة إلى مرتفعات الجولان، وبالضمان أن السوريين والفلسطينيين وآخرين غير قادرين على عبور حدودها المسيطر عليها بإحكام.
لن يحاول السوريون أو أعضاء من مجموعات فلسطينية موجودة في دمشق أبدا تهريب سلاح أو مهاجمة إسرائيل كما فعل آخرون عبر الأردن أو لبنان.
بالإضافة إلى أن سورية تصمت بشكل مدهش عن مصادرة إسرائيل لأراض، وأبنية لصالح المستوطنين ونقل مستوطنين يهود إلى مرتفعات الجولان المحتلة
هناك أكثر من 30 مستوطنة يهودية في مرتفعات الجولان، من المفترض أنها في أفضل المناطق الزراعية ، يسكنها 20000 مستوطن، عدد السكان العرب في المنطقة تناقص من 130,000 في العام 1967 إلى 20000 اليوم، بينما إسرائيل صادرت كل الأراضي ما عدا 6 في المئة من الأرض هناك
تحاجج سورية أنها لن تقبل إلا بانسحاب إسرائيل من كل مرتفعات الجولان، بغض النظر عن عدد المستوطنين
وإن كان هناك منطق لهذه المحاججة، فإن صمت سورية بخصوص النشاطات الإسرائيلة هناك ساعد على تثبيت حالة الهدوء بين العدوين .
نباح أكثر من عض
عند التدقيق، يبدو دعم سورية لجماعات المقاومة مشبوها
فقد حاولت بشكل مستمر توجيه حركة المقاومة، غالبا باستخدام القوة في محاولتها بسط سيطرتها على الفلسطينيين
لم ينس الفلسطينيون أن أكثر الأوقات تراجيدية في تاريخهم جاءت على أيدي الجيش السوري، عندما قامت فرق عسكرية بدخول لبنان ضمن ما يدعى قوات حفظ السلام والنظام
ومُسح خلال الحرب الأهلية آن ذاك مخيم اللاجئين الفلسطينيين تل الزعتر
في منتصف العام 1980 دعمت سورية حركة أمل اللبنانية بقوة في حصار مخيمات صبرا وشاتيلا.
غالبا ما يغذي تدخل سوريا في الشأن الداخلي الفلسطيني الانقسامات، وهذا معروف أيضا وموثق.
علاوة على ذلك، لم تفعل دمشق إلا القليل لدعم الإنتفاضة الأولى والثانية، بينما ما فتئ الأسد يشجع القيادة الفلسطينية في خيار المقاومة المسلحة.
خطاب سورية هو من دون شك نداء إلى القوى العربية التقدمية والقومية. بينما سلوكها لم يتجاوز إلا نادرا دعم الآخرين خارج الأراضي السورية لمحاربة إسرائيل حتى آخر قطرة من دماء اللبنانيين أو الفلسطيني.
إسقاط الأقنعة، فضح الديكتاتورية
سورية كانت قد تصرفت بدهاء في رفضها أن تجر إلى مفاوضات مفتوحة مع إسرائيل من دون ضمانات في عودة الأراضي السورية المحتلة، ساعد هذا على تدعيم موقفهم، وعلى النقيض من دول أخرى كانت منقادة أكثر على ما يبدو.
هذا السلوك يشكل معضلة بالنسبة للكثير من العرب الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للاختيار ما بين دعم دمشق أو دعم المخططات الغربية في المنطقة. ولكن من الخطأ وفي نفس الوقت من غير الأخلاقي أن يبقى المرء صامتا عن جرائم النظام السوري وإنكار أن أجندته هي حماية الذات.
سياسة النظام في “أن تنجو بأي ثمن” ظهرت في انضمامه إلى التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العام 1990 والتعاون بح في الحرب على الإرهاب بعد 9/11.
وموقفها الممانع لم يثنها عن تعذيب السوري ماهر عرار، الذي تم تسليمه كجزء من سياسة الترحيل الاستثنائي المثير للجدل.
الاستخدام التهكمي للغة الثورية السياسية من قبل النظام لتغطية مواقفه السياسية المتناقضة ساعده من دون شك، لكن الثورات العربية جردت كل الأنظمة من أقنعتها ومحاولات هذه الأنظمة ضرب المتظاهرين كشفت عن وجهها الديكتاتوري.
بشار الأسد، بشهادة خطابه “أنا أتهم”، لا يزال يعيش في الوهم.
لكن وقت ادعاء وجود مؤامرة أجنبية لتغطية جرائم دموية قد ولى. حتى لو أن الرسالة لم تصل بعد إلى الرئيس السوري.
لميس عندوني: مُحللة ومُعلقة في شؤون الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية
الجزيرة نت