الآن أصبح الأتراك سيئين؟
طارق الحميد
يا سبحان مبدل الأحوال، فالآن أصبح الأتراك سيئين في أعين أتباع النظام السوري في لبنان، خصوصا إعلام نبيه بري، وحزب الله، فقط لأن الأتراك رفضوا القمع الذي يحدث بحق المواطنين السوريين، وطالبوا النظام بالإصلاح.
على أثر ذلك، انطلق الحديث في لبنان عن تاريخ العثمانية «الشرير»، فقط لأن أنقرة بدأت تتخذ موقفا رافضا للقمع بحق السوريين، وإن لم تكن مواقف على الأرض، لكنها سياسيا قاسية في حق النظام بدمشق، فلم يشفع للأتراك عند حزب الله، أو بري، ما فعلته أنقرة للبنان في السنين الأخيرة، فانطلقت حملة منظمة ضد تركيا اليوم بلبنان.
أوَلم يكن حسن نصر الله يلقب رئيس وزراء تركيا رجب أردوغان بـ«الطيب»، ويسمح لأتباع الحزب برفع صوره، والأعلام التركية، قبل عام من الآن، وبعد حادثة أسطول الحرية؟ أوَليس نصر الله هو الذي قال: «اليوم حزب العدالة والتنمية والشعب التركي يعيد تركيا إلى الأمة»؟ فكيف أصبح الأتراك سيئين فجاءة؟ وهذا ما يخص نصر الله، لكن ماذا عن زعيم «أمل» نبيه بري؟ أوَليس بري هو من رحب ذات يوم بزيارة أردوغان للبنان بالقول: «ضيف كبير لكل لبنان، وتوجهاته الإسلامية والوطنية؛ لا بل العربية، تجعله بمصاف الأشقاء، وهو أحد عناوين التاريخ التركي ما بعد الحرب العالمية الأولى، فإذا كان البعض يذكر، ولا شك، كمال أتاتورك، فإن التاريخ الحديث يشهد للرئيس أردوغان بأنه أعاد التواصل بين هذه المنطقة والتاريخ التليد»؟! فكيف أصبحت تركيا عدوا لهم اليوم؟
الواجب، وبدلا من التهجم على الأتراك اليوم من قبل هؤلاء، الواجب أن نطرح سؤالا مهما؛ وهو: أليس من المعيب أن يعود المستعمر لإنقاذ المواطنين العرب من بعض حكوماتهم التي تتغنى كل عام بعيد الاستقلال، أو أن يعود أحفاد العثمانية لإنقاذ من ألفوا كتبا في ذكر عيوب العثمانيين؟ فها هي إيطاليا تتدخل لإنقاذ الليبيين من القذافي الذي لم يترك مناسبة إلا وتغنى فيها بطرد المستعمر الإيطالي من ليبيا! وها هي فرنسا تهب لنصرة السوريين من نظامهم، رغم أن السوريين يحتفلون كل عام بذكرى الاستقلال عن فرنسا، بل إن باريس هي التي فكت العزلة الدولية عن النظام السوري بعد اغتيال رفيق الحريري في 2005، وها هم أحفاد العثمانيين يعودون لإنقاذ المواطنين السوريين، بعد أن كانوا طوق نجاة أيضا للنظام في سنوات العزلة الماضية، ومنافسين للفرنسيين أيضا، وتم الترحيب بهم في لبنان بالأمس، يوم هبوا يدافعون أيضا عن حزب الله، وغيره، أوَليس من الأجدى أن نطرح هذا السؤال اليوم: من أعاد كل المستعمرين لأوطاننا؟ بدلا من الهجوم على الأتراك؟
ليتنا نفعل ذلك، لكن كيف نطرح الأسئلة الجادة ولدينا إعلام مثل الإعلام المحسوب على سوريا وإيران، وبإشراف نصر الله وبري في لبنان، خصوصا المكتوب منه؟ الذي ينطبق عليه قول الراحل حافظ إبراهيم:
جرائِدُ ما خُطَّ حَرفٌ بها
لغيرِ تَفريقٍ وتَضليلِ
يحلُو بهَا الكِذْبُ لأَرْبابِهَا
كأنَّها أوّل إبريلِ.
الشرق الأوسط