صفحات العالم

الأزمة السورية : خيط أمل وسط الركام والدخان الأسود/ أمين قمورية

 

 

قبل أن ينطوي العام، وبعد أربع سنوات ونيف من الكابوس الذي حوّل سوريا وحياة أهلها جحيما، لاح أمل وبصيص نور عندما أجمعت الدول الكبرى على قرار دولي من شأنه اذا ما نفذ ان يضع هذا البلد الذي أدماه الجنون وهستيريا القتل والدمار وعبث الآخرين، على سكة النجاة ووقف المحنة.

هذا القرار الذي يحمل الرقم 2254 ينص على دعم خطةَ الحل في سوريا عبر ما اتفقت عليه في فيينا وجنيف دول مجموعة دعم سوريا، وهو يدعو الامم المتحدة الى رعايةِ مفاوضات طال انتظارها بين الحكومة والمعارضةِ في كانون الثاني من العام الجديد، بالتوازي مع إقرارِ وقفٍ للنار بين الطرفين، ويكلفُ الامين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص الى سوريا ستيفان دو ميستورا بالإشراف على ذلك، على أن تُشكل حكومة توافق خلال ستة أشهر، وتجرى انتخابات عامة في غضون سنة ونصف السنة. ويستبعد القرار من أي مفاوضات كل المجموعات التي لا تقبل بسوريا موحدة مستقلة ذات سيادة وغير طائفية، وهي عتبة لا يمكن للكثير من المجموعات المسلحة، أو السياسية تخطيها.

والأهم أيضا، أن القرار يعيد الاعتبار إلى الأمم المتحدة، بتفعيل دورها في تنفيذ قرار مجلس الأمن، وتطبيق وقف النار، والإشراف على مراقبته، وتقليص الأدوار الإقليمية، وتحويل اعلانات فيينا وجنيف مرجعية ثابتة دوليا، وإنهاء الشروط المسبقة لأي مفاوضات.

وعلى رغم العقبات الكثيرة التي تعتريه وشياطين التفاصيل الغامضة في متنه، لا سيما بسبب الضبابية التي تعتريه في شأن مستقبل الرئيس بشار الأسد وقائمة المنظمات الإرهابية ومن يمثل المعارضة في المفاوضات مع الحكومة، فإن خيار الدخول في مفاوضات سياسية بين الطرفين السوريين المتقاتلين يبدو اكثر جدية من اي وقت مضى. وهذا التقدم ما كان ليحصل لولا التغيير الاستراتيجي الذي أحدثه التدخل العسكري الروسي وأجبر الغرب على التخلي عن التردد وتبني موقف ملزم للبحث عن حل، لا سيما بعدما تجاوز الارهاب الحدود ونصب خيامه في قلب اوروبا وإلى جانبها خيام المشردين والهاربين من الحرب والموت. الى ذلك ثمة اقتناع بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما يريد أن يرى مساراً سياسياً ذا فعالية قبل اختتام ولايته الرئاسية العام المقبل، ولكن من دون أن يخرج عن أطر المصالح الأميركية، وبالتوافق مع روسيا، لأن احتمالات أن يحصل شيء مشابه سريعاً بعد رحيله أقرب للعدم من أي احتمال آخر، كما يقول المطلعون على خبايا الكواليس الديبلوماسية الدولية. وتاليا صار مفتاح التشغيل، لانطلاق عربة القرار، مدى قدرة الرعاة على الضغط على حلفائهم المحليين والاقليميين للسير على سكة الحل المنشود. وعليه صارت روسيا امام اختبار قدرتها على ترشيد النظام السوري وحلفائه الايرانيين وانتزاع منهم التنازلات الضرورية لامرار التسوية وفرض تصورها للحل، في مقابل أن يفرض الغرب أمراً واقعا على المعارضة المسلحة وداعميها ومموليها لوقف النار والإعداد لطاولة المفاوضات.

وبالفعل فان ضراوة الحرب وزخم التدخلات الخارجية واقتناع كلا الطرفين المحليين بالقدرة على الحسم وعجزهما عن التوصل الى تسوية محلية مقبولة، جعلت مواقف كل من النظام والمعارضة صدى لمصالح الدول الكبرى او للصراعات الاقليمية والدولية الدائرة على الارض السورية. وصار كل منهما يكبّر حجره في ضوء أمله بحلفائه. فالنظام أخذ يستقوي بحليفيه الروسي والإيراني، وصار يعبر عن رغباته أكثر مما يعبر عن إمكاناته وتاليا موهوماً بإمكان الحسم العسكري. في حين ألغت المعارضة نفسها بتسليم كل اوراقها الى رعاتها، فكلفت غيرها النطق باسمها وتدبير شؤونها حتى باتت عاجزة عن فرض أسماء مفاوضيها في اي مفاوضات مقبلة ووضع خطة تفاوض خاصة بها لوفدها. وهذه الظروف والشروط القائمة أتاحت لحلفاء الطرفين أن يستخدموا العمل لحل الأزمة السورية وسيلة لتحقيق أهدافهم، وليس أهداف السوريين.

وهكذا بدل أن يتولى السوريين بأنفسهم ترتيب أوضاع بيتهم الداخلي وصوغ تفاهمات تصون وحدتهم وتبني مستقبلهم انطلاقا من اقتناعاتهم الخاصة وطبيعة تركيبتهم، ستثبت الرعاية الخارجية مفهوم تدويل الأزمة السورية والمآسي الناجمة عنها لتتحول القضية مساومات بين الدول الكبرى التي تسعى كل منها الى زيادة حجم مكاسبها على حساب مصلحة سوريا والشعب السوري، بعدما أدخلت سوريا في صلب اهتماماتها وعمق مصالحها. وتاليا سيتكرس إخراج سوريا الدولة والكيان، من الآن حتى وقت طويل، من صفة كونها لاعبا مؤثرا في اللعبة السياسية الاقليمية (وهو الدور الذي كانت تضطلع به بمهارة قبل نكبتها) الى كونها ملعباً لمناورات الآخرين.

وفي أي حال، فإن تجربة فرض القوى الكبرى التسوية من الخارج، بعد تعثر الأطراف الوطنية وعجزها عن إيجاد صيغة توافقية، هي ايضا أمام المحك. القوى الدولية التي كانت تشكو من خروج القوى الإقليمية من تحت عباءتها أمام تحدٍّ كبير لاستعادة المبادرة وإثبات قدرتها على فرض هذا الحل وإعادة الاستقرار إلى سوريا. بل هي أمام تحدٍّ مضاعف لإثبات قدرتها أيضاً على تطويع القوى المحلية المتصارعة نفسها، والتي باتت عنصراً فاعلاً لا يمكن تجاوزه. طريق الحل السوري شائك وطويل، وهو لا يزال في محطته الأولى وبداياته المتعثرة والقابلة للانزلاق عند أول منعطف نظرا الى تشابك المصالح وكثافة الطباخين والمتدخلين، ومع ذلك فان انجازه، لا يعني أبدا عودة السلام الكامل الى الربوع السورية، ذلك ان اي اتفاق بين المعارضة والنظام والتوصل الى حكومة توافق أو وحدة وطنية ليس سوى تمهيد ضروري والزامي لبدء حرب أشد ضراوة ضد إرهاب “داعش” و”النصرة” واخوتهما الذين سيظلون خارج طاولة التفاوض، وممسكين بأجزاء واسعة من الأرض السورية المحاذية لأرض مماثلة لا تزال قابعة تحت قبضتهم في العراق… وهذا مسار ثان وطريق جمر آخر.

النهار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى