الأسد ينعى نفسه وينعى خطـّة أنان
هوشنك أوسي
في أوّل كلمة له، أمام مجلس الشعب السوري “القديم – الجديد”، يوم 1/04/2011، وتعليقاً على انطلاق الثورة السوريّة، وما تشهده البلاد من أزمة خانقة، قال رأس نظام الشبّيحة والقتل والتصفية في سورية؛ بشار الأسد: “سورية تتعرّض لمؤامرة كبيرة، خيوطها تمتد لدول بعيدة وقريبة. ولها بعض الخيوط في الداخل”. وبعد مرور سنة ونيّف على خطابه السالف، عاد الأسد، وفي المكان نفسه، امام مجلس الشعب السوري “الجديد القديم”، يوم 02/06/2012 ليقول: “اليوم وبعد سنة ونيف تتضح الأمور وتنزع الأقنعة.. فالدور الدولي فيما يحصل معرى أساسا منذ عقود بل قرون مضت ولم يتغير ولا أراه متغيرا في المدى المنظور.. الاستعمار يبقى استعماراً وتتغير الأساليب والهجوم.. والدور الإقليمي فضح نفسه بنفسه عندما انتقل من فشل إلى آخر فيما خطط له فاضطر إلى إعلان حقيقة موقفه ونواياه على لسان مسؤوليه أنفسهم.” (2). وهذا يعني، ان قراءة الأسد للأزمة السوريّة، واحدة، ولم تتغيّر. وبالتالي، اسلوب المعالجة، بدوره، وهو قرار رئاسي، لم ولن يتغيّر. ذلك انّ هكذا من الأنظمة، وهكذا عقليّة، وأمام هكذا تحدّيات وأزمات مصيريّة، وجوديّة، تستهدف بنية وجوهر وديمومة النظام، لا يمكن لها إلاّ التعاطي معها بمنتهى الوحشيّة!. وعليه، لا يمكن في ايّ حال من الأحوال، تبرئة الأسد، من كونه مجرم حرب. ولا تنطبق عليه القاعدة القانونيّة “المتّهم بريء حتّى تثبت إدانته”!، بل؛ “الأسد مدان، حتّى تثبت براءته”.
وبين الخطابين المذكورين اعلاه، خمسة خطابات أخرى للأسد، كانت على التوالي: أمام الوزارة الجديدة برئاسة عادل سفر، يوم 18/04/2011، وامام مدرّج جامعة دمشق يوم 20/06/2011، وخطاب مكتوب لمجلّة “جيش الشعب” موجّه للجيش السوري يوم 01/08/2011، بمناسبة ذكرى تأسيسه، وخطاب على مدرّج جامعة دمشق يوم 10/01/2012، وخطاب من مكتبة الأسد للموالين له في ساحة الامويين يوم 12/01/2012.
أكّد الأسد في خطابه الأخير: “عندما نقول إن القضية قضية إرهاب فنحن لم نعد في الإطار الداخلي السياسي بل نحن نواجه الآن حربا حقيقية من الخارج والتعامل مع حرب يختلف عن التعامل مع خلاف داخلي أو مع أطراف سورية وهذه النقطة يجب أن تكون واضحة”. إذن، والحال هذه، يعترف الأسد أنه يخوض حرباً حقيقيّة، داخليّة وإقليميّة ودوليّة. ويريد، ان يسكت كل صوت داخلي، مهما كان خافتاً، والذي ربما يدعو لمعالجة مختلفة عن معالجة الأسد. فخطابه كان خطاب حرب، ومن يخرج عن هذا، فهو يصطفّ مع الطرف المعادي. انها حرب وجود، حرب أكون أو لا أكون بالنسبة للأسد، بحجّة مكافحة الارهاب!. وهذا بحدّ ذاته، بيان نعي لمبادرة كوفي أنان، وان آلة الحرب الأسديّة، من جيش وأمن وشبّيحة، لن تهدأ ولن تسكت، ريثما تسحق الثورة، سحقاً مبيناً!. وبالتالي، وجود المراقبين الدوليين ومبادرة المبعوث الدولي العربي كوفي أنان، صارت في خبر كان الأسدي!. ذلك ان الأسد يتوعّد الشعب بالمزيد من الحرب. ولا شيء سوى الحرب”.
لست رئيس كل الشعب!
وقال الاسد في خطابه الأخير، قاصداً المتظاهرين السلميين والثوّار المسلّحين: “إن الرئيس هو لكل من يقف تحت سقف الوطن والدستور والقانون وإلا ساويت بين العميل والوطني وبين الضحية والجلاد وبين الفاسد والشريف وبين من يخرب ومن يبني وبالتالي في هذه الرمادية الوطنية مخالفة للدستور ونكث بالقسم وضرر بالمصلحة العامة وخيانة للأمانة الوطنية”. يعني، ان الأسد، جعل من كل ضحايا الثورة السوريّة، ومن الجرحى والمعتقلين والنازحين واللاجئين على خلفيّة الثورة وقمع النظام لها، وكل المتظاهرين السوريين، اعتبرهم خونة وعملاء، وأنه ليس رئيسهم! وهذا أيضاً، تأكيد وتشديد على ان الأسد لن يتراجع عن قرار الحرب والتصفيّة بحقّ كل من يتظاهر ويقول: “الشعب يريد اسقاط النظام”!
كلام الأسد في خطابه الأخير أمام مجلس الشعب، يناقض خطابه أمام مدرّج جامعة دمشق يوم 22/06/2012 حين قال: “الشهداء الذين سقطوا خسارة كبيرة لأهلهم وذويهم وللوطن وخسارة ثقيلة لي شخصياً”. ويناقض خطابه امام وزارة عادل سفر (18/04/2011)، حين وصف الضحايا، بأنهم شهداء: “إن الدماء التي هدرت في سورية آلمتنا جميعاً.. آلمت قلب كل سوري.. حزناً على كل شخص فقدناه وعلى كل جريح نزف دماً وندعو الله أن يلهم أهلهم الصبر والسلوان ونعتبرهم شهداء جميعا سواء كانوا مدنيين أم شرطة أم من القوات المسلحة”. ويناقض قوله في الخطاب نفسه: “هناك حالة عامة وهي أن الاعتراف بالتقصير دائماً صعب ولكن علينا ألا نرى صعوبة إذا كان هناك تقصير أو فشل وقد يكون فشلاً مبرراً أو غير مبرر.. المهم أن نكون شفافين.. نقول هناك تقصير ونعدد الأسباب أيضاً.. الناس تتفهمنا عندما نكون واضحين في هذا الموضوع أما إنكار التقصير أو إنكار الفشل فهو الفشل بحد ذاته (…) ونصح الأسد في خطابه ذاك، وزراءه بالتواضع، وقال: “تواضعوا مع الناس لا مبرر للغرور فالغرور هو بداية الانحدار وبداية الفشل وبداية السقوط لأي إنسان ولأي دولة ولأي شعب عندما يصاب بالغرور”. وهي نفس النصيحة التي أسداها الأسد لأعضاء مجلس الشعب (الجديد) في خطابه الأخير. إزاء هذه الحال، إمّا ان بشار الأسد في خطابه يوم 18/04/2011 ليس هو بشار الأسد في يوم 02/06/2012!؟. أو ان انه كاذب في كلا الخطابين!؟
سورية بخير.. سورية في حرب!
في خطابه أمام مدرج جامعة دمشق، يوم 22/06/2011، قال الأسد: “سورية بخير. وخيارنا الوحيد هو للتطلع للمستقبل وصنعه، بدلاً من تصنعه الاحداث”. وفي خطابه المنشور في مجلة “جيش الشعب” يوم 01/08/2012، قال الأسد: “لقد أرادوها فتنة لا تبقي ولا تذر.. لكن الشعب العربي السوري كان أكبر من كل ما تم رسمه والتخطيط له.. واستطعنا معا أن نئد الفتنة.. وأن نقف مع الذات وقفة جادة ومسؤولة تستكشف مواطن الخلل والوهن وتعمل على معالجتها.. وتفتح الآفاق الرحبة أمام الإصلاح الشامل الذي انطلقت عربته ولن تتوقف رغم كل ما سخر ويسخر من طاقات مادية وتقنية ودبلوماسية وإعلامية وعسكرية بهدف تمزيقنا والقضاء على المقاومة نهجا وثقافة وسلوكاً.. ولن يكون مصير هذه الهجمة الشرسة أفضل من مصير سابقاتها”. في حين انه قال في خطابه الأخير امام مجلس الشعب، ان سورية في حالة حرب حقيقيّة؛ داخليّة، ذات أبعاد إقليميّة ودوليّة!؟. والحال هذه، أيّ من هذين الـ”بشّارين” نصدّق؟!. الذي يقول: سورية بخير. ولقد تجاوزنا الأزمة، ووأدنا الفتنة؟ أم الذي يقول: سورية تعيش حرب حقيقيّة؟!
“انا مش أنا”
في خطابه الثاني على مدرّج جامعة دمشق، يوم 11/01/2012، تحدّث الأسد عن استهدافه شخصيّاً، عبر فبركة اقوال منقولة عنه، مشيراً الى مقابلة اجرتها معه الاعلاميّة الأميركيّة باربارا والترز، وبثّها قناة “ABC” الأميركيّة، في سياق حربه على الاعلام العربي والعالمي. وأشار الأسد الى تلك الفبركات التي استهدفته بالقول: “طبعاً هم يهدفون إلى شيء وحيد.. عندما فشلوا في خلق حالة انهيار على مستوى سورية.. على المستوى الشعبي أو المؤسساتي.. أرادوا أن يصلوا إلى رأس الهرم في الدولة لكي يقولوا للمواطنين وطبعاً ليقولوا للغرب.. إن هذا الشخص يعيش في قوقعة لا يعرف ما الذي يحصل وليقولوا للمواطنين وخاصة الموجودين في الدولة.. إذا كان رأس الهرم يتهرب من المسؤولية ويشعر بالانهيار فمن الطبيعي أن يفرط العقد” .
وبعيداً من الفبركات التي يتوهّمها الأسد، واستناداً على خطاباته المحررة والمنشورة في وكالة أنبائه الرسميّة “سانا” ، وبعد إجراء قراءة سطحيّة لها، سيتكشف المرء حجم التناقضات والمفارقات والتكرار الموجودة فيها. وقياساً على خطاب الأسد الثاني على مدرّج جامعة دمشق، فأن وكالة “سانا” السوريّة الرسميّة، هي أيضاً متواطئة ومتآمرة على نظامه، عبر نشرها لخطابات الأسد، غير المتجانسة وغير المنجسمة إلاّ في حيثيّة وصف الأزمة بالمؤامرة، والاصرار على خيار الحرب والسحق والتدمير، واستهداف كل أمّة الضاد، والشرق الاوسط والعالم، بالتخوين والتآمر عليه وعلى عبقريّته وحكمته وحنكته وانجازاته ومقاومته وممانعته!. ولعل سوق الاسد، مثال حروب النبي محمد (ص) وحروب الخلفاء الراشدين، في خطابه الاخير امام مجلس “الشعب”، (02/06/2012)، وان الدماء التي أريقت فيها؛ بأنها كانت لأجل اهداف نبيلة، وخدمة للرسالة السماويّة الالهيّة بين البشر، وقهر الظلم ونشر العدالة، هذا المثال _ المقاربة، ينمّ عن أن الأسد وصل من الغطرسة والطغمة، بحيث بات يرى نفسه “نبيّاً”، او صاحب رسالة سماويّة، ومبعوثاً من السماء، أو الى ذلك، في مسعى تبرير وحشيّته في قمع الثورة السوريّة، وأنهار الدم المسفوكة في سورية!. وعليه، من يقارن حربه بحروب الرسول والصحابة، يطالب أتباعه في مجلس (الشعب) ومجلس (الوزراء) بالتواضع!
انسجام وحيد
وربما ان لغة التهديد والوعيد، والتأكيد على خيار الحرب واليد الحديديّة الضاربة، الذي قاله الأسد في خطابه الأخير امام مجلس الشعب، هو تكرار لما قاله في خطابه الثاني امام مدرّج جامعة دمشق: “المواجهة والأولوية القصوى الآن والتي لا تدانيها أي أولوية هي استعادة الأمن الذي نعمنا به لعقود وكان ميزة لنا ليس في منطقتنا فحسب بل على مستوى العالم.. وهذا لا يتحقق إلا بضرب الإرهابيين القتلة بيد من حديد فلا مهادنة مع الإرهاب ولا تهاون مع من يستخدم السلاح الآثم لإثارة البلبلة والانقسام ولا تساهل مع من يروع الآمنين ولا تسوية مع من يتواطأ مع الأجنبي ضد وطنه وشعبه”. وكرر هذا الكلام، أثناء خطابه في ساحة الأمويين يوم 12/01/2012، وهذه النبرة في الكلام، يفضح قرار الحرب على الشعب والمجتمع والوطن. هذه النبرة، هو القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع كل خطابات الأسد السالفة الذكر.
حاصل القول: ان التدقيق في خطابات الأسد، منذ 1 نيسان 2011، ولغاية 22/06/2012، يجدها، متقاطعة في بعض الحيثيات، وبل تطابقت في بعض العبارات والتوصيفات. ولكن، شابها التناقض. وخطابه الأخير، جعل المتابع يطلق وصف “كذبة نيسان” على خطابه الأوّل. المشكل، ان قصّة رأس النظام السوري، صارت أشبه بقصّة “الراعي والذئب” اليونانيّة. والعالم يعرف ذلك، إلاّ انه عاجز عن وقف هذه المهزلة الدمويّة!. وما ينبغي التأكيد عليه، ان الأسد، وفي خطابه الأخير، أمام مجلس (الشعب)، نعى نفسه ونظامه، قبل ان ينعي مبادرة كوفي أنان. وان كل خطاباته، هي نسخّ مشوّهة _ معدّلة عن بعضها البعض، تفضح مدى الارتباك والأزمة والقلق العميق الذي يعيشه الأسد في الأشهر المتبقّة له على رأس هرم السلطة في سورية!
المستقبل