الإصلاحات الحقيقية في سوريا تبدأ بالأجهزة الأمنية
خالد عبد ربه
خطاب ثالث للرئيس السوري بشار الأسد والأمر على حاله, لا تغيير يذكر على أرض الواقع, رغم أن القارئ عن بعد لمجمل القوانين الصادرة عن رأس النظام في سورية يفترض أن هناك نقلة نوعية وتغيير هائل للوضع السياسي والحريات.
فجملة القوانين والمراسيم التي صدرت في الأشهر الثلاث الماضية ليست بالقليلة، إذا ما قورنت بما سبق من جمود سياسي طال لعشرات السنين, فتم إقالة الوزارة السابقة وإلغاء حالة الطوارئ وإصدار عفو عن المساجين السياسيين والاعتراف بوجود معارضة والحديث عن البدء بحوار والحديث عن قانون جديد للأحزاب وقانون جديد للإعلام. وهي خطوات كبيرة جداً وعملاقة بالنسبة لنظام فردي وشمولي لم يألف تقديم التنازلات لشعبه يوماً ولم يعترف بالآخر منذ وجوده.
إلا أن كل ذلك لم يوقف التظاهر وينهي حالة الاحتجاج القائمة إلى الآن، ولم يقدم أي تغيير ملموس بالنسبة للمواطن السوري, وذلك ببساطة، لأن الأجهزة الأمنية وأجهزة المخابرات بفروعها المختلفة والتي تسيطر على مراكز القوة والتي بيدها النفوذ والسلطة, لا تزال تنهج السياسة ذاتها والسلوك ذاته. ولا تزال هذه الأجهزة حتى الآن خارج نطاق التغييرات وخطاً أحمر لا يمكن الاقتراب منه.
إن الدافع الحقيقي لخروج المواطن السوري عن صمته ونزوله إلى الشارع للتظاهر لم تكن معاناته مع وزارة الطاقة أو وزارة البيئة أو أي وزارة كانت, على الرغم مما تعانيه وزارات الدولة من فساد وخلافه, فالوزارات على اختلاف مهامها لا تملك من أمرها شيئاً في ما يتعلق بحياة المواطنين والسقف السياسي والحقوقي لهم, فالقرارات السياسية والإجراءات العملية المتعلقة بالمواطنين هي بالمطلق بيد الأجهزة الأمنية بغياب كامل لدور الدولة.
ونذكر على سبيل المثال السيدة سميرة مسالمة وهي ربيبة هذا النظام وقد تم إقالتها من قبل ضابط أمن لمجرد أنها طالبت بالتحقيق في القتل في درعا, ولم يكلف ذلك سوى اتصال هاتفي من هذا الضابط بهذه السيدة دون الرجوع لوزير الإعلام أو حتى نقيب الصحفيين, واستجابت السيدة مسالمة أيضاً للأمر دون نقاش لمعرفتها بأن هذا الضابط هو من يملك القرار في تعيينها أو إقالتها, وهذا مؤشر على حجم التدخل الأمني في تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين السورين, ناهيك عن الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة والذي يمثل رجالات الأمن ومن يدورون في فلكهم جزءاً أساسياً منه.
عندما خرج السوريون للاحتجاج في المدن السورية طالبوا بالحرية وكان الهتاف ومازال ” الله، سورية، حرية وبس” وهذا يعني إدراك المواطن السوري للوجع الذي يصيبه وإدراكه لما يريد وما يحتاج, والحرية التي ينادي بها المواطن السوري تعني بالتحديد تخفيف سطوة القبضة الأمنية المتحكمة بمصير العباد قبل سواها من الإجراءات.
إن كل الإصلاحات التي تكلم عنها السيد الرئيس بشار الأسد وكل ما تقدم به من مراسيم وقوانين لا تحدث تغييراً للوضع السياسي القائم ما دامت الأجهزة الأمنية على حالها, فكيف يمكن فهم رفع حالة الطوارئ واعتقال الآلاف بعدها دون مذكرات توقيف, وكيف يمكن فهم الدعوة للحوار والقتل اليومي على أيدي رجال الأمن, وكيف يمكن فهم وجود قانون للتظاهر واعتقال من تقدموا بطلبات للتظاهر.
فالمفارقات والتناقضات كثيرة ولا يمكن عدها وستبقى كذلك إذا بقيت الإصلاحات غير قادرة على السير في مسارها الصحيح, وكل ما يتم إصداره من قوانين لا يمكن أن يخفف من حدة الاحتجاجات وكسب ثقة المواطن السوري إذا بقيت هذه القوانين لا تملك الأدوات القادرة على تنفيذها نتيجة وجود أحهزة متنفذة بيدها السلطة العليا ولا تخضع للمراقبة والمحاسبة ولا وجود لدولة قانون.
فالحديث عن إصلاحات في سورية إذا أريد له أن يكون جاداَ وحقيقاً كان لابد من أن يبدأ بهذه الأجهزة الأمنية أولاً, التي أرهقت المواطن واستعبدته لسنين طوال, في حين سجل لها الكثير من حالات الفشل في الدور المنوط بها بما يخص أمن الوطن والمواطنين, وتمت اختراقات أمنية كثيرة لم يكن أولها تعرض موسى أبو مرزوق القائد في حركة حماس للاغتيال في دمشق, ولم يكن آخرها اغتيال عماد مغنية القائد في حزب الله, الذي كان يسكن سورية تحت حراسة هذه الأجهزة ومع ذلك لم تستطع حمايته.
حتى وإن صدقت النوايا وكان هناك جدية في الإصلاح، فإن القدرة على إصلاح هذه الأجهزة الأمنية محط تساؤل كبير، في ما إذا كانت الدولة السورية قادرة على سن قوانين يمكن من خلالها ضبط سلوكيات هذه الأجهزة، وإخضاعها لسلطة القانون، تكون الدولة فيه صاحبة السلطة العليا بدلاً من هذه الأجهزة التي تتعامل على أنها فوق القانون, وإذا كانت الدولة السورية تملك الآليات التنفيذية لذلك.
ن إصلاح الأجهزة الأمنية وتصحيح مسارها, لا يعني إضعافها ولا يجب أن يكون في خدمة أعداء سورية كدولة لها أرض محتلة, بل هو على العكس تماماً، فوجود أجهزة أمنية متسلطة جل اهتمامها قمع شعبها لتحقيق مصالحها على حساب الوطن والمواطن ذلك ما يخدم المتربصين بسوريا، ولن يكون في خدمة الوطن بحال من الأحوال, لذلك فالحديث عن دور مقاوم وممانع لسوريا لا يستوي بوجود أجهزة أمنية أثبتت كفاءة عالية في اضطهاد شعبها داخلياً، وفشل أمني واستخباراتي تجاه العدو الخارجي. الدور الحقيقي لأجهزة الأمن يكون في حماية الوطن من الاعتداء الخارجي وحماية المواطن والحفاظ على سلامته وحقوقه، وبذلك فقط يمكن البدء بإصلاحات حقيقية.