الإصلاح هو الحل .. أما الفيتو فلحماية سوريا
طلال سلمان
ليس ما وقع في مجلس الأمن الدولي ليل السبت ـ الأحد انتصاراً لموقف النظام السوري في مواجهة مطالب شعبه المحقة التي تأخر في تلبيتها ـ وهي حقوقه بالمطلق ـ بأكثر ممّا يجوز.
لم يذهب الشعب السوري بقضيته إلى مجلس الأمن، أولاً لأنه لا يرى في هذا المجلس مرجعاً للعدالة، بل هو يعرف عنه عبر تاريخه المباشر كما عبر مختلف قضايا الحق العربية التي طرحت عليه مراراً، تحت عنوان فلسطين ـ الأرض، وتحت عنوان حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه، أنه كان وباستمرار ينصر المعتدي الإسرائيلي على صاحب الحق، ويساند الغرب المهيمن ضد أصحاب الحقوق من شعوب الأرض المستضعفين.
لقد صادر التدخل الدولي، بتواطؤ عربي رسمي موثق بالصوت والصورة، «المسألة السورية» نتيجة تباطؤ النظام غير المبرّر في مباشرة تنفيذ وعوده الغامضة حول المباشرة في تنفيذ الإصلاح الموعود، وهو تباطؤ كانت له تداعيات موجعة ليس فقط على المستوى الأمني بل وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، مما بات يهدد فعلاً موقع القلب في الوحدة الوطنية التي ظلت على امتداد دهر التقلبات والانقلابات السياسية صامدة تحمي الوطن بأهله وتحمي الأهل بهويتهم العربية الجامعة.
ولم تكن تلك المرة الأولى، بل لها سابقة خطيرة ستترك تداعيات مدمرة على مستقبل هذه الأمة، وذلك عندما قصد «الشيخ حمد» الذي يرى نفسه مكيافيلي هذا القرن!!، يصحبه الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، طالباً باسم الجامعة التي لم تعد لها من وظيفة غير الالتحاق بمركز القرار الخليجي، أن تشرعن التدخل العسكري الدولي في ليبيا على قاعدة النفط مقابل القذافي!. أما الليبيون فليذهبوا إلى الحرب الأهلية.
ولأن التجربة الأولى قد حققت نجاحاً تاريخياً فلقد أراد الشيخ حمد أن يكررها.. ولقد أتعبه الأمين العام الجديد، نبيل العربي، قبل أن يوافق على تكرار هذه الفاحشة. وهكذا قصدا نيويورك يتقدم الشيخ حمد السباقة من حملة التعهدات بتعويض الخسائر، وقد ذكرت برامج حوارية وإخبارية تبثها محطة الشيخ حمد وعوداً بالرشى لمن يملكون حق الفيتو بمليارات الدولارات.
لكن ما وقع في مجلس الأمن هذه المرة كان أخطر من أن يتصوره الشيخ حمد وأصلب من أن يستطيع شراءه، برغم نجاح الحشد الذي تمّ رصّه وتأليبه لتمرير «مشروع القرار العربي» لتأديب «دولة عربية» بقرار دولي يطيح استقلالها ويفتح أبوابها أمام التدخل الأجنبي الذي سيدمرها في أتون حرب أهلية لا تنتهي: لقد تنبّه الحليفان بالمصلحة، فضلاً عن حقب طويلة من النضال المشترك ضد قوى الهيمنة الأميركية، أي روسيا والصين، إلى أن عدوهما الثابت على عدائه والدائم في سعيه لإلحاقهما ببيت الطاعة، ما زال يواصل حربه المفتوحة عليهما، كما على أي صديق لهما تربطه إليهما مصالح مشتركة، بالحصار متعدد الجبهات، ويستدرجهما إلى سلسلة من المواجهات في مختلف الجهات، وصولاً إلى الفناء الخلفي لكل منهما، مطمئناً إلى أنهما سيستمران في الهرب إلى الأمام.
تحوّل مجلس الأمن إلى محكمة تأديب لكل الخارجين على الإرادة الأميركية، ولكل الدول
الطامحة إلى تحرير إرادتها بتحرير ثروتها الوطنية… وجاء الكبار من وزراء خارجية الدول ذات التاريخ الاستعماري الدموي ثقيل الوطأة، الأميركية التي بالكاد يعود جنودها من العراق بعد التدمير الكامل لمشروع دولته، والبريطاني صاحب الأفضال على كثير من البلاد العربية، أولها فلسطين، والفرنسي الذي إن نسي السوريون بالذات أفضاله عليهم لم تنسها الجزائر وتونس وحتى ليبيا ما قبل القذافي. كلهم خطبوا بوصفهم رواداً للحرية، أبطال ثورات شعبية خلعت السلاطين والدكتاتوريين ووصلت بقطار الثورة للتو إلى نيويورك التي لا تعطي الفيزا لأي ثائر إلا استثناء، وحرصاً على استرهان الأمم المتحدة فيها.
خطب جميع الكبار، واستخطبوا غيرهم، وقالوا في بطولات الشعب السوري الذي لم يعرفوه إلا خصماً لمحاولات الهيمنة عليه، ما لا يمكن أن يزيد عليه أحد حرفاً من التبجيل والتقدير.
وعندما اطمأنوا إلى «الإجماع» فاجأهم الفيتو مرتين: بالروسية، وبالصينية.
ولم يكن في الفيتو إنقاذ لكرامة الشعب السوري وحقه في وطنه فقط، ولكنه إنقاذ لكرامة دولتين كبريين عانتا وما زالتا تعانيان من الحصار الأميركي خصوصاً والغربي عموماً لحقهما في أن تكونا قوتين فاعلتين دولياً، وأن تساعدا الدول الفقيرة على بناء اقتصادها وحماية استقلالها الوطني بقدراتها.
وبهذا المعنى كان الفيتو حماية لكرامة سوريا وهويتها، التي يريد الشيخ حمد تأديبها، كما عزز كرامة ليبيا وهويتها.
أما العلاقة بين النظام والشعب في سوريا فليست من اختصاص مجلس الأمن الدولي، ولا الحل عنده، بل الحل يبقى في دمشق، أولاً وأخيراً.
ويفترض أن يبصر هذا الحل الموعود النور خلال أيام، وليس أسابيع أو شهوراً.. فقد أضاع النظام زمناً ثميناً، وتسبّب التسويف والإرجاء في زيادة مساحات الخراب والتدمير، وضاعف من أعداد الضحايا، عسكريين ومدنيين، وضرب الاقتصاد الوطني، وأساء إلى سمعة سوريا وألحق الأذى برصيدها العربي الممتاز عبر تاريخها الاستقلالي الطويل.
إن النظام هو من يجب أن يغيّر، وبسرعة، وبحسم… فالتردد قاتل! وهدر الوقت من أعظم الجرائم!
أما أعظم الخطايا فهي أن يطمئن النظام إلى أنه في حمى الفيتو… بينما الشعب هو مصدر الحماية، والفيتو يوفر المدى الزمني لإنجاز الوعود بالإصلاح.. ليس إلا!
السفير