التواطؤ العام على سوريا
محمد ابرهيم
رغم اتفاق جميع اطراف الازمة السورية، الداخليين والخارجيين، على رفض الوصول بالوضع في سوريا الى الحرب الاهلية والتقسيم، يتشكل اتفاق آخر، لايقل شمولا، على ان هذا الوضع قطع شوطا كبيرا نحوهما، وان الاستمرار بات اسهل من العودة.
كل العوامل الدولية والاقليمية والداخلية تتكاتف لابقاء سوريا في المأزق المعروف النتائج.
روسيا تعرف ان تصميمها على منع استخدام المنظمات الدولية اداة لحسم التغيير في سوريا، يتضمن خطر انزلاقها الى المجهول الذي تحذر منه. ومع ذلك تصر على ملاحقة الامل الضئيل بأن يتمكن النظام من تطويع المعارضة.
واميركا تعرف ان تصميمها على تغيير النظام، فيما هي عاجزة عن التدخل المنفرد لاسقاطه، كما هي عاجزة في مجلس الامن، يتضمن خطر الحرب الاهلية والتقسيم. ومع ذلك تصر على متابعة الامل الصعب بأن ينهار النظام تحت المستوى الراهن من الضغوط.
التوافق الاميركي – الروسي اللفظي في جنيف، يواكبه توافق صامت بينهما على ترك سوريا لمصيرها.
في تصريح اخير لوزير خارجية العراق هوشيار زيباري، حذّر من ان “القاعدة” “تعود” من العراق الى سوريا. مثلما اكد ان الصيغة اليمنية للحل في سوريا، تفتقد الى “الرعاة” ويقصد بذلك الوزن الخليجي اساس التوافق الدولي بشأن اليمن.
البيئة الاقليمية لسوريا ملائمة لادارة حرب اهلية، لا لرعاية حل خارجي. فهي تجمع المتناقضات: طرفي النزاع السني-الشيعي وضحيتيه، والطرفين “الاطلسيين”، تركيا واسرائيل، اللذين يتواجهان ولا يتكاملان. واذا كانت الدائرة الاقليمية عاجزة عن انتاج جيش يوحد سوريا من الخارج، فإنها في المقابل اكثر من قادرة على رعاية جيوش الحاضر والمستقبل السورية.
وعندما نصل الى دور العامل الداخلي في التواطؤ العام على سوريا. تلفتنا المقابلة الاخيرة للرئيس السوري مع الصحافة التركية حيث استشهد بتجربة اطاحة شاه ايران لاثبات ان الشعب السوري يؤيده. نقطة الضعف هنا هي بالطبع الدور المختلف للجيشين في مواجهة الاحتجاجات المدنية. والاختلاف اساسه ان الجيش السوري اعيد تركيبه منذ عقود على افتراض حالة شبيهة بالتي يواجهها النظام حاليا. ومن هنا قدرة الاخير”اللامتناهية” على خوض معركة استمراره، ومن هنا سرعة المعارضة في تبني العسكرة.
جيشان يتمتعان بقاعدة اجتماعية ثابتة، اساسها الراسخ مذهبي، كما يتمتعان بدعم خارجي ثابت، تمويلا وتسليحا، ماذا يمكن ان ينتجا غير تقسيم امر واقع؟
يبدو ان كل اطراف، النزاع، الخارجيين والداخليين، “استثمروا” الى الحد الذي بات معه من الاسهل عليهم جميعا المشاركة في “الخطر الاعظم” بدل تقديم تنازلات حقيقية.
النهار