الجاسوس البريطاني يعكّر حلم اردوغان/ حسان حيدر
يعيش الرئيس التركي حالاً متقدمة من الانفصال عن الواقع تستدعي ربما علاجاً نفسياً وليس سياسياً فحسب، فهو على ما يبدو صدّق «الحلم» الذي روّج له منظّره الايديولوجي ورئيس وزرائه احمد داود اوغلو، بإمكان اعادة إحياء الامبراطورية العثمانية الزائلة، بمجرد وصول حزبه الاسلامي الى السلطة في انقرة. ومنذ ذلك الحين يتصرف اردوغان على هذا الاساس مخاطباً المنطقة والعالم من موقع «السلطان» الذي لا بد راوده في الحلم نفسه.
فقد صب جام غضبه قبل ايام على «لورانس العرب» ومن وصفهم بـ «امثاله الجدد» الذين اتهمهم بالسعي الى إضعاف بلاده وزعزعة الاستقرار الاقليمي، واضعاً لنفسه هدفاً لا يقل عن إعادة التاريخ الى الوراء في المنطقة، حيث «كل نزاع تم التخطيط له قبل قرن، ودورنا وقف ذلك».
وشمل اردوغان في تهجمه كل من لا يجاريه في اعتقاده بأن «العثمانية» عادت الى الحياة، قائلاً ان «هناك حالياً الكثير من امثال لورانس الجدد من المتطوعين المتنكرين في زي الصحافيين ورجال الدين والكتاب والارهابيين (…) الذين يصنعون اتفاقات سايكس بيكو وهم يختبئون وراء حرية الصحافة وحرب الاستقلال او الجهاد».
هو اذاً لا يعيش في الحاضر ويرفض الاعتراف به، متناسياً ان العالم العربي الذي شكل الساحة الرئيسة للامبراطورية «الراحلة»، تحول اليوم الى مجموعة دول مستقلة راسخة الحدود، على رغم المحاولات المتطرفة الخرقاء لتغييرها، تنتظم في اطر سياسية وتتطلع الى تكامل بينها، وتعمل على ردم الثغرات التي تعترض سعيها هذا. اما تركيا فهي بالنسبة اليها دولة «اجنبية»، قد تعتبر «صديقة» او لا، على رغم الرابط الديني الذي يجمعها بها، تماماً مثل ايران، مع ان النظرة اكثر سلبية بالنسبة الى «صداقة» الاخيرة.
لكن الرئيس التركي لا يعترف بحقائق التاريخ التي اكدت الرغبة العربية في الاستقلال عن المحتل العثماني ابان الحرب العالمية الاولى، وان «الجاسوس البريطاني» كان مجرد «عدو للعدو» ووسيلة للمساعدة في تحقيق تلك الرغبة التي تأكدت لاحقاً في حركات التحرر العربية التي قاومت وطردت ورثة العثمانيين من فرنسيين وبريطانيين.
ولعل حقد اردوغان على كل من يعتبره مستفيداً من زوال امبراطورية أجداده، يفسر لماذا تتقاعس حكومته اليوم عن مساعدة الأكراد السوريين العالقين في كوباني وسواها، ولماذا يحارب بعنف رغبة إكراد بلاده في الحكم الذاتي ويقصفهم بالطيران، فهم بالنسبة اليه «رعايا» لا يملكون سوى القبول بأن يكونوا محكومين وإظهار «الامتنان للسلطنة التي يعيشون في ظلها الوارف»، وليسوا اقلية تتمتع بحقوق بينها حق التحدث والكتابة بلغتها وإدارة شؤونها المحلية.
اما اتهامه الصحافيين بأنهم «جواسيس» فنابع من مشكلته الدائمة مع صحافيي بلاده الذين يحاول كبت آرائهم ويزج بهم في السجون، ومن ضيقه بوسائل الإعلام والاتصال، بما فيها الدولية، بعدما فضحت قمعه لمعارضيه في ساحات انقرة واسطنبول وسواهما، ما دفعه قبل اشهر الى حظر موقع «تويتر»، مثيراً موجة من الانتقاد والسخرية في العالم اجمع.
وتكشف مواقف اردوغان حقيقة سياسة «صفر مشكلات» مع دول الجوار العربية التي تبناها مع داود اوغلو، وفشل فيها فشلاً ذريعاً، بعدما بان تدخله غير المرحب به الى جانب جماعة «الاخوان المسلمين» في اكثر من دولة، اذ كان المقصود بها فحسب تمكينه من ايصال حلفائه الى السلطة تحت ستار الديبلوماسية والعلاقات الاقتصادية وحسن الجوار.
الحياة