“الجامعة” في الاختبار السوري
عبد الوهاب بدرخان
تمر الجامعة العربية باختبار صعب في تعاملها مع الأزمة السورية، فهي ملومة بسبب العجز عن فرض “حل عربي”، ولأنها لم تعرف كيف تدفع بـ”حل سوري”، ويؤخذ عليها أنها لم تفعل ما يلزم لإنضاج “حل دولي”، غير أن الجامعة – ومن دون الدفاع عنها – بذلت أكثر مما هو متاح لها، محاولة التكيف مع واقع الانتفاضات الشعبية والقيم التي دافعت عنها، بل ذهبت أبعد ما يسمح به ميثاقها وآليات عملها وتراث تجاربها والانقسامات الموضوعية وغير الموضوعية بين أعضائها.
عندما وفرت التغطية “الشرعية” لتدويل الأزمة الليبية، كانت الجامعة تتخطى، للمرة الأولى عملياً، واقع أنها هيئة تمثل الأنظمة والحكومات، إذ كان مفهوماً أن موقفها من ليبيا آنذاك في تأييدها إسقاط النظام السابق، وإذا كانت عارضت في ما بعد كيف طبق “الناتو” القرار الدولي إلا أنها لم تتخل عن الهدف، وإن لم يكن معلناً بوضوح في خطابها، ولعلها كانت لتؤيد “حلاً سياسياً” بين النظام والمعارضة لا تبين لها أن ثمة خطوطاً لمثل هذا الخيار.
كان للجامعة رأي أقرب إلى الموقف الشعبي في الأزمة اليمنية، لكنها لم تسع إلى تولي أي دور فيها لأن دول مجلس التعاون الخليجي أخذت الأمر على عاتقها، نظراً إلى التداخل اليمني – الخليجي، ثم أن انشغال مصر بهموم الانتقال من نظام إلى آخر، وغرق سوريا المتسارع في الدم، أضعف كل دور كانت الدولتان تمارسانه في المراحل السابقة، لذلك برز الدور الخليجي باعتباره العمود الفقري للجامعة وللدور الجديد الملقى على عاتقها، ورغم المماطلات التي شهدها “السيناريو اليمني” إلا أنه حقق حتى الآن خطوتين مهمتين (الحكومة الانتقالية، وانتخابات الرئاسة، فضلاً عن الحصانة للرئيس السابق وأعوانه)، أما ما تبقى وهو كثير وصعب فباتت معالجته رهن الأطراف اليمنية وحسن إدارتها للشأن الداخلي.
فيما كانت الأزمة السورية تتفاعل كانت الجامعة تبحث عن أمين عام جديد لها، وحين تسلّم نبيل العربي المنصب كانت مختلف العواصم العربية المعنية استمزجت دمشق بشأن الحلول الممكنة وتبين أن النظام جرّد “الحل الأمني” ضد الشعب طامحاً إلى إخماد الانتفاضة لطرح “الحل السياسي”، لكنه تأخر كثيراً، ولم يتمكن بل لن يتمكن لاحقاً من إنقاذ خطته، وبعد زيارته الثانية لدمشق أدرك العربي أن النظام لا يريد أي تدخل عربي أو غير عربي، بل يريد تركه وشأنه مع الشعب، لكن الجامعة وضعت خطة حل سياسي استوحتها من أطروحات النظام لكنها اشترطت لها وقفاً تاماً وفورياً للعنف، وبرنامجاً زمنياً أولياً للحوار والإصلاحات، حاول النظام إحباط الدور العربي، ثم اضطر للتعامل معه، ومن ثم استغلاله عبر المراقبين لتمرير حله الأمني، عندئذ التقطت الجامعة “السيناريو اليمني” واقتبسته في مبادرة “نقل الرئيس صلاحياته إلى نائبه” ثم ذهبت إلى مجلس الأمن، فالجمعية العامة للأمم المتحدة لتصبح مبادرتها دولية، ولتكون هي المعتمدة من “أصدقاء سوريا”.
هنا انكشفت الوجوه رغم أن “التدويل” لم يبلغ في أي وقت درجة اقتراح أي تدخل عسكري، وبعد مؤتمر تونس ازداد الاقتناع بأن الصراع الدولي الموروث من أيام الحرب الباردة استيقظ من سباته ليعيد التذكير بأن الولايات المتحدة وروسيا متفقتان على تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط، وأن إسقاط النظام السوري يخل بهذا “الاتفاق” – غير المبرم وغير المعترف به دولياً – حتى لو كانت الدواعي انتفاضة شعبية داخلية تطالب برحيله، لذلك بدت الأطراف الدولية محدودة الأفق باستعدادها لـ”إدارة الصراع” الداخلي من دون الضغط لحسمه.
وفي هذا الإطار يمكن وضع مقولة العاهل السعودي “المفاجئة” أن الحوار مع روسيا بشأن سوريا “لم يعد مجدياً”.
بمعنى آخر، وعودة إلى الجامعة العربية، فإن الصراع الدولي يفوق قدرتها، وهي التي ترتكز إلى مخزون متراكم من الضعف والعجز ويفترض أنها تتولى شؤون منطقة تعاني من خواء استراتيجي فتح أبوابها لجميع الباحثين عن أدوار، بما في ذلك تركيا وإيران، قد لا يعني هذا الصراع الدولي تمكين النظام السوري من البقاء بصيغته الراهنة، لكن ممانعته، الحل العربي ترمي إلى إبقاء سوريا، حتى بعد تغيير النظام، في أتون صراع داخلي يصعب تصور نهايته، كانت الجامعة ولاتزال، تطمح في أن تكون معالجتها للأزمة السورية إرهاصاً لإصلاح نفسها وتخليقاً جديداً للعمل العربي المشترك، إلا أن العراقيل الراهنة ستؤخر تحقيق مثل هذا الطموح.
الاتحاد