الطلاق الخليجي لم يقع.. وقطر تنصاع تدريجياً/ خليل حرب
الخطوة قد تبدو صغيرة، لكن دلالتها أوسع من حجمها بكثير. امتصت قطر القليل من الضغوط الهائلة التي تتعرض لها منذ اكثر من عام بقرارها إبعاد 7 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين المصرية من الدوحة. لكن ذلك، وإن منع وقوع “أبغض الحلال” بين الخليجيين مؤقتاً، إلا أنه كشف في الوقت ذاته هول ما يتعرض له القطريون من ضغوط، ولم يخفِ الارتباك والتخبط اللذين باتت الديبلوماسية القطرية تعانيهما بعد سنوات من الجموح السياسي.
ويبدو، كما نشرت “السفير” مؤخراً، أن الجولة السعودية الاستثنائية التي قام بها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ورئيس الاستخبارات العامة الامير خالد بن بندر ووزير الداخلية الامير محمد بن نايف، وشملت الدوحة (ثم المنامة وأبو ظبي)، قد آتت أكلها. فقد جاءت تلك الجولة بمثابة الإنذار السعودي الأخير للشقيقة الصغرى قطر، قبل الاجتماع الوزاري الخليجي الذي عقد بعدها بأيام في مدينة جدة، بضرورة البدء بتنفيذ التعهدات القطرية.
وقال مصدر خليجي مطلع لـ”السفير” إن زيارة الفيصل وبن بندر وبن نايف، كانت للتأكيد على “تجميد الخلافات وليست للحل” مضيفاً أن قطر تعهدت للمسؤولين السعوديين الثلاثة بأنها ستبدأ في غضون شهرين بتنفيذ التعهدات، مشيراً الى أن إبعاد بعض القيادات “الإخوانية” يشكل “النتائج الاولى” لحملة الضغوطات السعودية، والخليجية عموما، على الدوحة للانصياع.
وكانت كل من السعودية والامارات والبحرين سحبت السفراء من الدوحة في اذار الماضي، احتجاجا على التغريد القطري خارج السرب الخليجي (او السعودي بالأحرى)، وسط اتهامات خليجية للقطريين بانتهاك الاتفاقيات الأمنية التي تجمعهم. لكن ذلك الانفصال الديبلوماسي لم يصل الى حد القطيعة الكاملة، في حين لم تصدر مؤشرات لافتة من جانب الدوحة توحي باستجابتها لمطالب الاشقاء، الى أن قام الوفد السعودي الثلاثي بمهمته الاستثنائية.
ويفسر البعض الخطوة القطرية على أنها التحاق دعائي من جانب الدوحة بالحراك الجديد الناشئ إقليمياً ودولياً باسم محاربة الإرهاب “داعش”. ولهذا يعتقد كثيرون وخصوصاً من جانب المقرّبين من النظام المصري أن خطوة طرد 7 من القيادات “إخوانية” من الدوحة، ليست كافية باعتبار ان التقديرات تشير الى ان نحو 300 من القيادات الاسلامية و”الاخوانية” المصرية، ما زالوا يقيمون في العاصمة القطرية.
كما يجوز طرح التساؤلات حول جدية قطر في مواجهة الإرهاب، فيما الاتهامات لم تتوقف بشأن ضلوعها المباشر مع “جبهة النصرة”، المدرجة على لوائح الإرهاب في عواصم العالم، بمن فيهم واشنطن التي استدعت القطريين الى لقاء جدة الخميس الماضي بشأن “داعش”، باعتبارهم ركنا من اركان الحرب المفترضة على الإرهاب! وكان الاتهام تجدد بالامس بعدما قالت وزارة الخارجية السورية ان خطف جنود قوة “الاندوف” في هضبة الجولان السورية، يؤكد تورط قطر بدعم “جبهة النصرة” التي تحاول الان توسيع سيطرتها على الجولان.
الاسئلة كثيرة، وهي لا تختلف كثيراً عن التساؤلات التي تحيط بالدورين السعودي والقطري في ما يجري على الارض، من أنحاء أربيل والموصل، عبر دير الزور وصولاً الى عرسال في لبنان. لكن ذلك، لا يمنع الديبلوماسية من احتراف مهنتها، بمحاولة تدوير الزوايا في الخلافات داخل “مجلس التعاون الخليجي”. وفي هذا السياق جاءت خطوة ابعاد القيادات “الاخوانية” السبع.
وقال استاذ العلوم السياسية الدكتور عبدالخالق عبدالله الى “السفير” إن إبعاد هؤلاء السبعة يمثل “خطوة توافقية من جانب قطر… واعتقد انه ستكون هناك خطوات اضافية، لكنها تظل ضمن الخطوات التصالحية لإغلاق ملف الخلاف الخليجي”.
ورداً على سؤال عما تبقّى امام قطر للقيام به من اجل تسوية الخلاف مع الخليجيين، قال عبدالله إن اتفاق الرياض الذي جرى ابرامه قبل نحو ثلاثة شهور يتضمن تسعة بنود وقّعت الدوحة عليها وتعهدت بتنفيذها، وتثير حنق الخليجيين، ومن بينها تواجد شخصيات سعودية وإماراتية ـ وخليجية اخرى ـ لجأوا الى قطر من “إخوان” ومعارضة اسلامية، وهو ما تعتبره الدول الخليجية مخالفة للاتفاقية الأمنية، ويتحتم تسليمهم. ويبدو بحسب ما توافر من معلومات، أن تلك الشخصيات غادرت الدوحة، ولم يتم تسليمهم. لكن بات بامكان الدوحة الادعاء ان هذا الملف لم يعد قائما من أساسه ليكون محل خلاف.
وبالاضافة الى هذا البند، هناك النقطة المرتبطة بالمنابر الاعلامية القطرية ودورها التعبوي في الخليج والمنطقة عموما. وبحسب اكثر من مصدر خليجي، فإن اغلاق “قناة الجزيرة” لم يعد مطروحا كشرط مسبق للمصالحة، وربما تكون الوجهة نحو التخلص من “الجزيرة مباشر” باعتبار انها لا تخضع الى الرقابة المسبقة وقد يساهم ذلك في ابقاء الخلاف الخليجي متقدا.
كما اشار عبدالله الى أنه من بين البنود التسعة، هناك ايضاً ملف التجنيس القطري لعائلات بحرينية، الى جانب استضافة الدوحة لشخصيات مصرية معارضة لحكم عبد الفتاح السيسي ومطلوبة للسلطات المصرية التي سارعت أمس الى الاعلان عن تحرك مع “الانتربول” الدولي لملاحقة القيادات “الاخوانية” السبعة الذين طلبت الدوحة منهم مغادرة اراضيها خلال ايام، ويعتقد انهم قد يتوجهون اما الى الخرطوم او الى اسطنبول.
وذكر الباحث الاماراتي بان اللجنة الفنية المشكّلة لمتابعة الخلاف القطري ـ الخليجي، كانت قد خلصت في تقرير لها منذ نحو اسبوعين الى ان الدوحة لم تلتزم نهائياً بستة من البنود التسعة، في حين انها التزمت جزئيا بثلاثة بنود، ومن بينها اطلالة الشيخ يوسف القرضاوي اعلامياً واداء قناة “الجزيرة”.
وتقول مصادر خليجية مطلعة إن الاجواء في الدوحة تعكس تخبطاً وارتباكاً واضحين في ظل التطورات المتسارعة، سواء على صعيد العلاقات مع الدول الخليجية الاخرى، او طبيعة الادوار التي باتت مطلوبة من القطريين، وغيرهم، في ما يتعلق بما يسمى “الحرب على داعش”. وتحدثت المصادر عن “ضبابية في الدوحة” في ظل ما يجري، فيما تتردد انباء عن عودة الامير “المستقيل” الاب الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الى لعب دور اعادة توجيه سياسات الدوحة التي أرسى ركائزها الوزير “الملكي” حمد بن جاسم بن جبر الى ثاني، قبل تنحّيه قبل اكثر من عام، ويحصد تميم مرارتها حتى الان.
وفي خضم الاحداث الاقليمية المتوترة، وصل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى العاصمة القطرية أمس للقاء الامير تميم. أنقرة والدوحة من بين العواصم التي تبدو كمن يضع قناعاً مزيفاً في ادعاء الشراكة في الحرب على الإرهاب، والإيغال في الوقت ذاته في الدم السوري، والعربي، ويجمعهما حلف غير معلن لتعزيز شوكة التيارات الاسلامية، و”الإخوانية” تحديداً، وهو ما لا تستسيغه السعودية وغيرها من “الأشقاء” الخليجيين.
التكتيك التراجعي للقطريين والمنسَّق على ما يبدو مع الحليف التركي، له اهداف عدة، ويبدو اختباراً قطرياً – تركياً لمدى صلابة الكتلة الخليجية الضاغطة على الدوحة، وإعادة ترتيب لأوراق العمل الديبلوماسي، الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا، او تتضح حقيقة “حصان طروادة الداعشي”.
السفير