الموقف من الثورة السورية يقسم الساحات اليمنية
صنعاء – علي سالم
بينما كان شبان يمنيون يحرقون أعلام روسيا والصين وإيران احتجاجاً على دعم هذه الدول للنظام السوري، كان عشرات آخرون يجادلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي ساحات الاحتجاج لتبرير وجهة نظرهم المؤيدة لنظام بشار الأسد.
وإذ يعتبر النظام السوري أول نظام في المنطقة يحوّل توريث الحكم في الجمهوريات من مجرد فكرة إلى حقيقة وذلك عندما تم تنصيب بشار الأسد خلفاً لوالده الراحل وتعديل الدستور ليتلاءم مع سنّه، فإن الانتفاضة السورية تبدو الاستثناء الوحيد تقريباً في عدم حصولها على إجماع الشباب اليمني قياساً ببقية حالات الربيع العربي.
والمفارقة أن معظم المؤيدين لنظام بشار الأسد هم من يزعمون أنهم كانوا من أوائل المناوئين لمسعى الرئيس السابق علي عبد الله صالح توريث الحكم لنجله. لكنهم صاروا أكثر تقارباً مع نظام الرئيس السابق وتباعداً عن شركائهم في الثورة مثلما باتت دمشق في رحلاتهم إلى إيران.
وتعتقل السلطات السورية مئات من الطلاب اليمنيين الدارسين في جامعاتها، وعلى رغم استمرار مناشدات عائلاتهم الإفراج عنهم إلا أن الحكومة اليمنية لم تعلن حتى الآن اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه. وكان أحد وزراء حكومة الوفاق الوطني ممن ضمتهم قائمة المعارضة مقيماً في سورية وتربطه بنظام البعث السوري علاقة، ما أعطى أملاً في أن يساهم ذلك في التوسط للإفراج عن الطلاب.
ويقول محللون إن معارضة بعض القوى السياسية لنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح انطلقت من مبادئ مذهبية وجهوية ولم تستهدف النظام كله بل جزءاً منه وتحديداً التيار الإسلامي السني ورأس حربته العسكرية اللواء علي محسن الأحمر الذي تفيد معلومات أن حرب صعدة كانت مجرد فخ يهدف للقضاء عليه أو إضعاف شوكته.
والواضح أن فصام الثورة الشبابية اليمنية تغذيه ثقافة سياسية قبائلية ومذهبية تحول دون نهوضها على مسلك ديموقراطي واضح.
ويرى الناشط المستقل داؤود طه (33 سنة) أن مأزق ثورة الشباب اليمني «يكمن في عدم نضوجها وافتقارها لوعي الحرية، فمسمى شباب يشير إلى فئة عمرية أكثر منه تجاوز لوعي الآباء ومفاهيمهم».
والراجح أن التحيز لجماعة لا لقضية من شأنه أن يصيب الثورة في مقتل ويحول مطلب التغيير إلى مجرد شعار للاستهلاك والتضليل تماماً مثلما جرى تحويل الجمهورية ودولة الاستقلال إلى مجرد شعارات لا أساس لها في الواقع.
وأعيد إنتاج القوى القديمة في صيغ جديدة توزعت بين أشكال «العسكرتاريا» القبائلية والإسلاموية المذهبية المتطرفة.
والحق أن أزمة الأخلاقية الثورية في حال اليمن هي نتاج ثقافة البنية القبائلية الدينية للمجتمع اليمني مدعومة بإرث أيديولوجيات قومية ويسارية غير قائمة على أساس اجتماعي متين. ما يجعل شباب الثورة مجرد «رعاع مذاهب وأيديولوجيات» بحسب تعبير داؤود طه الذي يؤكد وجود عصبوية منيعة ضد النقد.
ومثال على ذلك ما حصل أخيراً مع الناشطة توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام إذ تحولت صورة منشورة جمعت كرمان مع الإسرائيلي عوفير برانشتاين إلى حملة هجوم وتخوين لها، وذهب البعض إلى المطالبة بمحاكمة كرمان بتهمة خيانة دماء «شهداء الثورة «.
وكان تباين المواقف من الانتفاضة السورية تحول إلى عداوات ومعارك على الواقع وعلى مستوى الفضاء الافتراضي، فهناك من حذف أصدقاء من موقع «فايسبوك» و «تويتر» على خلفية تباين الموقف إزاء الوضع السوري.
والحال أن مهمة ترسيخ قيم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان تواجه في حال اليمن صعوبات كبيرة لا تنحصر بهذا الطرف أو ذاك بل تتغلغل في مختلف الأطراف وتستشري في الجسم الوطني كله. ولعل في استمرار البعض تقسيم العالم إلى تقدمي ورجعي بحسب معايير الحرب الباردة، ما يشي بمدى الضبابية وغياب التبصر.
الحياة