ثلاثة مشاريع سياسية تتصارع لتشكيل المستقبل السوري
وليد خليفة*
بينما يشهد العالم مظاهر الانفجار السوري الذي يعقب واحداً وأربعين عاماً من الاستقرار المميت، تتبلور حول مستقبل البلاد عدة مشاريع إقليمية ودولية مشتبكة مع الداخل.
أول تلك المشاريع وأكثرها قوة، هو ذاك الذي تقوده الأردوغانية التركية وبتحالف مضمر مع دول أوروبية كفرنسا وألمانيا. يملك هذا المشروع سنده على الأرض السورية من خلال جماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، المشروع هذا هو أشبه بسيناريو الدور الإيراني في عراق ما بعد صدام، هذا الدور الذي وضعت فيه فرنسا وألمانيا في حينه كل طاقاتهم لملأ فراغ تأخرهم عن الساحة العراقية وخشية استفراد الإمبراطور الأمريكي بهذه الساحة.
خطورة إسناد مهمة الاستقرار في سوريا للأضلع الخفية للحكومة التركية ومن خلال ملحقهم السوري، حركة الإخوان المسلمين ، تتأتى من أن لتركيا في سوريا، كما لإيران في العراق، مصالح تتعارض والمسألة الوطنية والديمقراطية في سوريا. وأول هذه التعارضات وليس آخرها هي ما تتعلق بقضية الشعب الكردي. يعتبر الكرد في سوريا ثاني القوميات المشكلة للنسيج السوري المتعدد بعد العرب. ولا يختلف سوريان على الضرورة الملحة لحل القضية الكردية في سوريا على أساس وطني ديمقراطي. والمشكل هنا أن حل هذه القضية في سوريا تتعارض كليا مع السياسة المتبعة في الدولة التركية منذ تأسيسها.
لذلك يحمل مشروع إسناد الدور لتركيا الأردوغانية وحلفائها خطر إجهاض التغيير في سوريا ونسف حلم إقامة دولة وطنية ديمقراطية مستقرة، ناهيك ما يحمله إسناد الدور لتركيا في سوريا من تعارض مع عموم الشعب السوري في ظل احتلالها لأرض سورية وضمها لها، وهي لواء اسكندرونة، إلى جانب الحساسية السورية العامة اتجاه الجار التركي وخاصة تلك الحساسية التي تزداد وتيرتها لدى الأرمن على خلفيات تاريخية لم تجر المصالحة عليها بعد، أقله بالاعتراف بالمجازر والاعتذار، وأخرى مبررة أيضا لدى الطوائف والأثنيات الأخرى كالعلويين والدروز والإسماعيلية والشيعة لتوجسهم من إسناد الدور لدولة تعتبر نفسها حاملة مشروع الخلافة الإسلامية وعلى أرضية الطائفة الأكثرية في سوريا.
ثاني المشاريع ، هي تلك التي تقودها الولايات المتحدة من خلال أذرعها الممتدة في العالم العربي وسوريا على وجه الخصوص، هذا المشروع ورغم تشابكه مع مصالح غالبية السوريين باختلاف انتماءاتهم الدينية والاثنية والعرقية ، إضافة إلى تجذره في المجتمع. ورغم إسناد الدور المنفذ لهذا المشروع لمؤسسات ودول عربية يكن لها أكثرية السوريين التقدير، إلا أنه يصطدم بالمعضلة الإسرائيلية ، حيث ينهار المشروع أمام هذا الجدار الذي لم تتحرك أحجاره طوال عهد الأسدين، الأب والابن.
تضاف وتندغم مع هذه العقبة ضبابية هذا المشروع وتبرؤ معظم القائمين عليه منه تصريحا أو تلميحا، وكأنه مشروع لقيط. حتى هذه اللحظة لم نجد من بين السياسيين السوريين المحسوبين على المشروع الأمريكي والذي يتمثل في نقل سوريا من دولة قائمة على عسكرتارية شعاراتية إلى دولة مؤسسات مدنية، مع حل دائم لمسألة الصراع مع إسرائيل على أساس صلح يتم بموجبه تطبيع العلاقات واستعادة الجولان المحتل، لم نجد من يعلن انضواءه تحت هذا المشروع ويقوم بالترويج له سوى بعض العابرين في عالم السياسة والذين لا يشكلون أي وزن يذكر.
المشروع الثالث وهو مشروع يملك سنده في راهن الشارع الثائر، دون أي امتدادات خارجية، أصحاب هذا المشروع هذا إما معتقلون سابقون وحاليون أو مختفون عن الأنظار أو في المنافي البعيدة. وهو المشروع الذي يدغدغ الوطنية الثائرة في نفس غالبية السوريين. لكن تبقى مشكلته إنه لا يحمل في داخله أي رؤية دولتية لما بعد سقوط النظام، فهو حالم يتراوح بين الطهرانية الأخلاقية والعودة إلى الينابيع الأولى، كأن سوريا كوكب منفصل عن محيطه والعالم. لذا ينتهي المشروع بمجرد سقوط النظام، حيث أن بناء الدولة عملية بعيدة كل البعد عن الطهرانية الثورية والحالة الحلمية.
المشاريع تتقاطع أحيانا وتتصارع أحيانا في الساحة السورية. ربما تخرج بمشروع واحد هو خليط من الثلاثة السالف ذكرهم مع زخم للأول والثاني على حساب خفوت صوت الثالث. وهناك مشاريع أخرى ولكنها غير متبلورة أو واضحة الملامح، كالمشروع الروسي والمشروع الإيراني اليائس.
بدأت المشاريع وأكثرها جدارة بالحياة سيتمكن من المساهمة في بناء سوريا الغد. وربما تتشابك المشاريع كلها في أفق سوري واحد، لكن هذا الافق لم تظهر ملامحه بعد.
• وليد خليفة كاتب وناشط سوري مقيم في فرنسا.
اذاعة هولندا العالمية