حينما يُقصف قصر الأسد/ إياد الجعفري
“هل يمكن الفصل بين بشار الإيراني وبشار الروسي؟”. حتى وقت قريب، كانت تلك هي العقدة الرئيسية التي تشغل دولاً إقليمية عديدة في المسألة السورية، في مقدمتها إسرائيل، وربما أيضاً السعودية. لكن، خلال الأيام العشرة الفائتة، استجدت تطورات توحي بأن هذا التساؤل، بات باهت الأهمية، مقارنة بالتساؤل عن مقدار متانة التحالف الإيراني – الروسي في الشرق الأوسط.
وخلال الأسبوع الماضي، وصفت أيقونة الإعلام الروسي، المقربة من الكرملين، الـ “برافدا”، حالة الذعر التي استولت على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أثناء لقائه مع فلاديمير بوتين، في منتجع سوتشي، قبل أسبوع. وتجلت حالة الذعر تلك في الإعلام الإسرائيلي، الذي نال من نتنياهو نفسه، بعد أن ظهر فشله جلياً في إقناع بوتين، بمخاطر التمدد الإيراني، قرب الحدود في الجولان.
ووصلت حالة الذعر حد التلويح بقصف قصر الأسد في دمشق، على لسان مسؤول إسرائيلي، مجهول الهوية. بالتزامن مع الحديث عن أن النشاطات الإيرانية قرب حدود الجولان المحتل، باتت برعاية ومشاركة روسية. وكان لمقال نشرته الـ “برافدا” الروسية، قبل أيام، وتناقله الإعلام الإسرائيلي بكثافة، أثراً جليّاً في طروحات وتساؤلات النخبة في إسرائيل، حول طبيعة العلاقة بين إيران وروسيا.
الـ “برافدا”، المقربة من الكرملين، وصفت تلك العلاقة، على لسان الرئيس الروسي بأنها، “تحالف استراتيجي”، مؤكدةً على نيّة موسكو حماية إيران، من أي مغامرة عسكرية أمريكية محتملة، ودعم تمددها في سوريا وبلدان أخرى، كونه تعبيراً عن مصلحة روسية. فيما وصف الروس إسرائيل بأنها “شريك مهم”، بدرجة أدنى من درجة “الحليف” التي وُصفت بها إيران.
وهكذا، باتت العقدة اليوم في المسألة السورية، بالنسبة للإسرائيليين، كيف يمكن فصل بوتين عن إيران؟. لكن لا يبدو أن لدى الإسرائيليين بديلاً عن التلويح باستهداف الأسد. فهو المتاح بالنسبة لهم. إلى جانب التلويح بنسف اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري. مع الإشارة إلى أن هذا الاتفاق يحظى برعاية أمريكية أيضاً، ويخدم، نسبياً، المصلحة الإسرائيلية.
وفي تحليل ما حدث في منتجع سوتشي، بين نتنياهو وبوتين، قبل أكثر من أسبوع، يبدو أن هناك قراءتين، الأولى تقلل من أهمية مبررات الذعر لدى الإسرائيليين، وترى أن روسيا حريصة على المصالح الأمنية للدولة الإسرائيلية، وأنها، عبر تواجدها الميداني، قرب حدود الجولان، بالشراكة مع إيران، ستكون مصدر أمان للإسرائيليين. ويرى أصحاب هذه القراءة، أن نتنياهو فشل في إقناع بوتين بأن الوجود الإيراني قرب حدود الجولان، مصدر خطر على الأمن الإسرائيلي، لأنه يتم بغطاء روسي. ولأن روسيا لن تسمح باستهداف إسرائيل من مناطق تخضع لنفوذها الجوي، والميداني أيضاً.
لكن القراءة الثانية، تطرح تساؤلات عن مدى تقدير الروس للأمن الإسرائيلي. ويبدو أن هذه القراءة تفضي إلى سقوط قناعة لطالما كانت مُسلّمة لدى معظم المراقبين في المنطقة، وهي أن روسيا حريصة على الأمن الإسرائيلي. فلماذا لا تكون روسيا هي الأخرى، تبحث عن تماس مع الجولان المحتل، لتحصد أسهماً مرتفعة في ورقة تهديد الأمن الإسرائيلي، التي يمكن استثمارها بكفاءة في نيل تنازلات من جانب الأمريكيين في نهاية المطاف.
في واشنطن، تبدو الإدارة الأمريكية غارقة في صراعاتها الداخلية. فيما تراهن مؤسسات الدولة العميقة فيها، متمثلةً بالمخابرات ووزارة الدفاع والخارجية، ومن ورائها شركات السلاح وإعادة الإعمار، على تسوية مع روسيا، للصراع في سوريا، تضبط الإيرانيين، وتحفظ الأمن الإسرائيلي، وربما تحقق أيضاً مكاسب استراتيجية واقتصادية للأمريكيين، عبر رعايتهم لكيان كردي ذاتي، يسيطر على أبرز منابع النفط والغاز في البلاد، ويقبل بإقامة قواعد عسكرية أمريكية فيها. وفي إطار هذه الأجندة، لا يبدو أن المؤسسة التقليدية الأمريكية، ذاتها، تقيم وزناً للمخاوف الإسرائيلية من التمدد الإيراني قرب حدودها. خاصة بعد اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، الذي صُمم لهدف رئيسي، وهو إبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدود الجولان المحتل، وكذلك، عن الحدود الأردنية. وهو اتفاق، تعتقد إسرائيل، أن الروس لم ينجحوا في تنفيذ البند الخاص بهم، منه. وهو إبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدود الجولان المحتل.
فماذا يمكن أن تفعل إسرائيل لإقناع الأمريكيين والروس، بجدارة مخاوفها؟. أبرز ما يمكن أن تفعله، التشويش عملياً على مساعي التسوية الأمريكية – الروسية في سوريا. ومن أبرز سبل التشويش تلك، استهداف نظام الأسد بغارات جوية، قد تطال ربما قصر الأسد في دمشق. لكن ذلك لن يضيف جديداً للمعادلات الميدانية في الساحة السورية، باستثناء أنه قد يُوصل رسالة شديدة اللهجة، للأمريكيين تحديداً، ومن ثم للروس، أن تل أبيب غير راضية عن تطورات المشهد السوري.
بانتظار تفاعلات ذلك التشويش الإسرائيلي المُرتقب، يبقى التساؤل جدياً، هل روسيا حريصة فعلاً على الأمن الإسرائيلي؟، أم أنها بصدد التأسيس لشراكة مع الإيرانيين، تعتمد في أحد بنودها، على استثمار ورقة أمن إسرائيل لابتزاز الأمريكيين؟.. تساؤل ستحسم الإجابة عليه، جانباً مهماً من مستقبل بشار الأسد. خاصة بعد ظهور ما يوحي بدخول مصيره مجدداً إلى قائمة المساومات الدولية، بعد تصريح وزير الخارجية الفرنسي الأخير، الذي أكد أن باريس ترفض مشاركة الأسد في المرحلة الانتقالية. فالأسد كشخص، وكقائد لزمرة تدير النظام في دمشق، هو تعبير عن تلاقي المصالح الإيرانية – الروسية. وبقاؤه مرهون باستمرار هذا التلاقي. وبالتالي، يكون بقاؤه، مع استمرار التمدد الإيراني قرب حدود الجولان، برعاية روسية، تهديداً للأمن الإسرائيلي. الأمر الذي قد يستوجب تغييبه.
المدن