صفحات المستقبل

شهيدٌ بين النّارين… النّقيب أمجد الحميد


إبـراهـيـم الأصـيـل

في 18 آذار 2012 استشهد النّقيب أمجد الحميد في كمين نُصب له من قبل مجموعة مجهولة، وفي 5 نيسان 2012 صرّح الناطق الرسمي باسم لوائه “رجال الله” بأنّهم يتّهمون لؤي الزعبي (أمين عام مجموعة “المؤمنون يشاركون “السّلفية) بالوقوف خلف الجريمة. طبعا هذا يبقى “اتّهام” بحاجة إلى دليل، ولكن ما يهمّنا ليس حقّا ان كان لؤي الزعبي ومجموعته خلف قتل النقيب أمجد الحميد أم لا، ما يهمّنا هو ارهاصات المواجاهات الداخلية المسلّحة بين معارضة النّظام نفسها.

قبل استشهاده بيوم فقط كما يصرّح الناطق الرسمي باسم اللواء، ألقى النّقيب الشّهيد خطابا في الرّستن، خطابا يعني الكثير لجميع الأطراف، ففي خطابه يفضح ممارسات الخطف والتشليح التي تمارسها بعض العناصر المسلّحة، ومهاجمتهم لمناطق معيّنة ويصفهم بجرأة “باللّصوص” وبأنّهم عبء على الثّورة، كما أنّه كما يبدو من كلماته يرفض وصاية العرعور على القتال أو “الجهاد” في سوريّة، ويتابع بأنّ الرجولة الحقيقية ليست بخطف النّساء وإنّما بمواجهة قوّات الأسد.

النقيب ذي المهارة الخطابية كما هو واضح في خطابه، وبأفكاره ذات المبادئ الأخلاقيّة، وبتصميمه على مواجهة قوّات الأسد بمعنويات عالية وخارج “المناطق السّكنيّة” كي لا يحمّلهم عبئا هم بغنى عنه، ويرفض مهاجمة مناطق معيّنة كمدينة “السّلميّة” وهي تعتبر عاصمة الطائفة الاسماعيليّة وذات تنوّع طائفي كبير، النّقيب الشّهيد بكل ما سبق يؤكد على أنّه العسكري الّذي يمثّل كابوس النّظام العسكري الحقيقي، وحُلم الثّورة السّورية بعسكري منشقّ يضع سوريّة أوّلا. وجود هذا العسكري أو هذا النموذج ليس من مصلحة الكثير من الأطراف على السّاحة، ليس من مصلحة النّظام بأن يوجد عسكري صاحب مبادئ وعقل، ليس من مصلحة المسلّحين الّذين وجدوا الأحداث الجارية في حمص وادلب وحماة وغيرها تربة خصبه للثراء عن طريق الخطف والتشليح، ليس من مصلحة من يريد تأجيج الصّراع الطّائفي، ليس من مصلحة الكثير من الأطراف الخارجيّة التي تبحث عمّن يقاتلون ضمن أجندات تحدّدها لهم بشكل مباشر أو غير مباشر، ليس من مصلحة أئمّة التطرّف أصحاب المشاريع الظلاميّة، هذا النموذج يجب أن يُقتل فورا لا للتخلّص منه كشخص فحسب، بل لجعله عبرة ودرساً لمن يفكّر أن يخطب خطابه وأن يعتنق من الأفكار والمبادئ ما اعتنق.

لا أحبّ تقديس الأحياء، فمصيب اليوم قد يصبح مخطئ الغد، ولكن حريٌّ بمن قضى في سبيل وطنه أن يُصنع منه مثلاً، البحث عن قاتل النّقيب ليس مهمّتنا فله رفاق دربه وسلاحه، ومن مهام المجلس الوطنيّ والقيادات المنشقّة تنظيم هذه العمليّة وهيكلة الجيش الحُر والتبرّؤ من المجرمين قبل أن نخسر أمثال النّقيب من المخلصين واحدا تلو الآخر. أمّا نحنُ كأفراد فمهمّتنا أن نسلّط الضوء على قصّة النقيب أمجد الحميد لنصنع منه مثلا واضحا، لن تصل تدويناتنا ولا فيس بوك وتويتر لتلك المناطق الساخنة، ولكنّ حملة كهذه الحملة من الممكن أن تخلق وعيا عامّا عمّا ينتظر سوريّة في المستقبل القريب والبعيد من حملة السّلاح المختلفين، وعن النموذج الذي ننتظره أو نسعى للمساهمة بصنعه. أرجو أن تصنع حركات المقاومة المدنيّة من قصّة النقيب أمجد قصّة رمز، فهي كفيلة بايصال الكثير من الأفكار التي نحاول ايصالها، وأرجو أن نستطيع أن نخصّص لهذا الفارس يوما يُطلق عليه “شهيد أخلاق الثورة” أو “شهيد بين النّارين” أو اي تسمية توضّح المأساة التي دفع لها النقيب روحه.

لا يهمّنا أن ننشر صور لجنود يصلّون أو يتوضؤون، لا يهمّنا أن يبدأ العسكري خطابه بآية معيّنة، ما يهمّنا هو أخلاقه على الأرض، أن يكون قتاله صلاةً ان اضطر إليه، أن لا يرفع سلاحه إلا للحق ودفاعا عنه، عدوّه ليس النّظام فحسب، عدوّه أخلاق النّظام واستبداده وفساده، عسكري يلتزم بالرؤية السّياسيّة للثورة ويسعى لسوريّة حرّة.

والرّحمة لأرواح الشّهداء جميعا…

شهيدٌ بين النّارين… النّقيب أمجد الحميد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى