رجاء لسوريا
ساطع نور الدين
فورا عادت الذاكرة اللبنانية الى أسوأ أيام الحرب الاهلية وتجاربها ولجانها الامنية وعناصرها غير المنضبطة التي تخرق اتفاقات وقف النار وتحير المراقبين على الارض والمتابعين في غرف العمليات، عندما أذيعت قرارات اللجنة العربية الخاصة بالازمة السورية. شعر كثيرون من اللبنانيين بالحزن على سوريا وشعبها اللذين يغرقان في أتون صراع داخلي لم يكن أحد يتوقعه أو يتمناه.
فجأة استعيدت أبشع صور الحرب الاهلية وأشدها إيلاما، وأسقطت على الوضع السوري الذي كان ولا يزال حتى الآن يتمتع بحصانة وطنية أقوى بكثير مما لدى اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، سواء في حالات الحرب أم في حالات السلم التي لا يمكن التمييز بينها بسهولة في لبنان. ومهما بلغت عملية إفراغ الدولة السورية من محتواها وعملية تفكيك المجتمع السوري الى عناصره الأولية، فإن سوريا تظل قادرة على النهوض من الكبوة الحالية وعلى تقديم نموذج سياسي جديد لا يمكن أن يحلم به اللبنانيون.
بناء على التجربة اللبنانية، ليس من السهل اعتبار الخطة العربية التي أعلنت في القاهرة وألحّ العرب على تنفيذها الفوري، المستحيل حسب الوقائع السورية، خطوة حاسمة نحو بلوغ هدف بناء سوريا الحديثة. الارجح أن لجان مراقبة ومتابعة ومصالحة عربية عديدة يمكن ان تستهلك في سوريا خلال المرحلة المقبلة، قبل أن يتم الاقتراب من الحل السياسي المنشود. لا يعني ذلك ان الأشقاء السوريين يمكن أن يستغرقوا وقتا مساويا للوقت الذي استغرقه اللبنانيون من أجل الاعتراف بالحرب الاهلية ثم الاكتشاف بأنها عبثية ثم الاستنتاج ان مخارجها سياسية حصراً.. فما يجري في سوريا لم يصبح حربا أهلية، ولم يتخذ هذا الشكل، لان السوريين أنفسهم ما زالوا يكافحون لتفاديها كل على طريقته، ولان الخارج لم يتخذ قرارا بإشعالها، على غرار ما فعل في الحرب الاهلية اللبنانية التي كانت عناصرها الخارجية معادلة إن لم تكن متقدمة على عواملها الداخلية.
ولعل أهم ما في الخطة العربية أنها تحسم هذا الامر بالتحديد، وتعلن ان الحرب الاهلية السورية خط أحمر لا يمكن السماح لأحد بأن يتجاوزه. والكلام العربي موجه أساسا الى النظام السوري الذي يتحمل وحده مسؤولية الأزمة، كما يتحمل وحده ايضا مسؤولية إخراج سوريا منها، خصوصا بعدما دحضت الخطة نفسها خطابه عن المؤامرة الخارجية، التي كان بعض متحدثيه (وما زالوا حتى اللحظة) ينسبونها الى قطر أو تركيا اللتين تتوليان الآن تأمين المخرج وضمانه.. واحدة باسم العرب والثانية باسم الغرب، بناء على تفاهم ضمني مسبق على إعطاء النظام فرصة إضافية (وأخيرة ربما)، قبل ترك سوريا تختبر موازين القوى الداخلية المؤدية حتما الى السيناريو الليبي.
الرجاء الوحيد في هذه اللحظة ان تكون سوريا، بنظامها وجيشها وشعبها، تعلمت شيئاً من دروس الحرب الاهلية اللبنانية التي كانت شريكة فيها وخبيرة في إدارتها، بما يضمن تنفيذ بنود الخطة العربية من دون تأخير، ومن دون مناورة أو مواربة.
السفير