سباق تسلّح وساحات تجارب/ حسام كنفاني
لم يكن الخطاب السنوي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عادياً، فالرجل أطلق سباق تسلح عالمياً جديداً، وهو مدرك تماماً ما يفعل، بعدما استعرض كل أنواع الأسلحة الموجودة لدى الترسانة الروسية، ووضع السلاح النووي على الطاولة بشكل مباشر، وهو الذي يعلم مدى القلق الأوروبي تحديداً من تعاظم القوة الروسية خلال العقد الماضي، والخشية المستمرة من تمدد نفوذ موسكو إلى الجوار الأوروبي، واستعادة ما كانت تسمى أوروبا الشرقية التابعة للمعسكر الشيوعي المحتضن من الاتحاد السوفييتي السابق.
وعلى الرغم من أن النظام في روسيا لم يعد شيوعياً، إلا أن الإرث السوفييتي لم يندثر، ولا يزال موجوداً في ذهنية فلاديمير بوتين، منذ لحظة وصوله إلى الحكم. ويبدو أن الرئيس الروسي القادم من خلفية مخابراتية لم يستسلم بعد لخسارة بلاده الحرب الباردة مع الولايات المتحدة، وها هو يعيد إحياءها من جديد بأشكالها كافة، سواء عبر التمدد العسكري أو تزايد النفوذ السياسي أو العمل التجسسي، والذي بات يضرب عمق معظم الدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة، بعد فضيحة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية التي تهدّد منصب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
جديد الحرب الباردة حالياً هو سباق التسلح الذي أثار كثيرا من القلق لدى الولايات المتحدة والدول الغربية، والتي لا تنظر إلى استعراض السلاح الروسي بوصفه حدثاً عادياً، بل رسالة ذات مغزى، زاد عليها بوتين بالحديث المباشر عن الرد النووي على ضرب الحلفاء في حال تعرّضوا إلى هجوم نووي. رسائل بوتين لن تمر من دون رد، والكلام هنا ليس عن التعليقات التي خرجت عن وزارات الخارجية في أميركا والدول الأوروبية، بل في عمل فعلي على الأرض. فلا شك في أن ما استعرضه بوتين أطلق صفارات الإنذار في وزارات الدفاع وقيادات الجيوش في الدول الغربية، والتي باتت منكبةً على تحليل كل صور الترسانة الروسية وقياس مدى القدرة على مماثلتها أو التفوق عليها. الأمر الذي سيؤجج سباق التسلح، ويزيد مكاسب مصانع الأسلحة.
القلق الأساسي من هذا السباق ليس من احتمال تفجّر المواجهة بين المعسكرين الجديدين واندلاع حرب نووية، إذ لا تزال موازين القوى مضبوطة بحسابات الدبلوماسية، بل يجب أن يكون في مكان آخر ألمح إليه بوتين في خطابه. فالرئيس الروسي تفاخر في كلمته بأن الأسلحة الروسية هذه أثبتت فعاليتها في الحرب السورية، وبالتالي اعترف بأن سورية كانت ساحة تجارب للترسانة العسكرية الروسية التي لم تكن معارك أوكرانيا أو روسيا البيضاء كافيةً لتأكيد جدارتها. مثل هذا الاعتراف لا بد أن يقود إلى استنتاج آخر، في حال وصل سباق التسلح إلى ذروته، إذ لا بد أن تبدأ الدول الغربية البحث أيضاً عن ساحاتٍ لتجربة الترسانة الحالية والمستحدثة، تحسباً لاحتمال الدخول في مواجهة مباشرة مع الروس أو حلفائهم.
وفي العادة، تكون ساحات التجارب في مناطق الاضطرابات والتوترات. وبناء عليه، ستكون منطقتنا العربية خصوصاً، ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، مرشحة فوق العادة لاستضافة اختبارات الأسلحة الغربية الجديدة، للتأكد من مدى فعاليتها ومطابقتها لمواصفات المواجهات الكبرى. اختبارات لن يدفع الغرب ثمنها، لا مادياً ولا معنوياً، فالصراعات القائمة في المنطقة كفيلة ببيع السلاح، أو تأمين بدل استخدامه، ومتابعة مدى نجاعته في إلحاق الخسائر في الأرواح والممتلكات، ومراقبة ذلك كله من خلف شاشات وزارات الدفاع الغربية، تماماً كما يفعل الروس في سورية.
العربي الجديد