سورية وخطاب الوحدة الوطنية
مصطفى زين
التشديد على الوحدة الوطنية هو الجديد الوحيد في الخطاب السوري الرسمي والشعبي. ما عدا ذلك، اي الحديث عن الديموقراطية والرابطة القومية، والمؤامرات، والخيانة والقمع، والعداء لإسرائيل والإمبريالية… كلها من تقاليد المعارضة والنظام معاً. بروز هذا الخطاب الآن لا يعني أن الطائفية لم تكن موجودة، بل يعني أن تغليفها بالشعارات القومية لم يعد يجدي. والأفضل مقاربة هذه الحالة باعتبارها جزءاً من الإصلاحات التي طالب بها الشعب وأقرها الرئيس بشار الأسد، شرط أن لا يتم التعاطي معها على الطريقة اللبنانية أو العراقية، والإفادة من هاتين التجربتين لتجاوز الإنقسام.
اللبنانيون يتعاطون مع وضعهم الطائفي باعتباره قدرهم. يتقاسمون السلطة على هذا الأساس ويجمعون «الرؤساء الروحيين» في مظهر لا يتعدى عرض أزياء فولكلورية، ويصدرون بيانات لا تعني شيئاً سوى تأكيد الإنقسام، على رغم تشديدها على الوحدة الوطنية التي يستخدمونها غطاء لحروبهم الأهلية المتكررة كل بضع سنوات.
أما النظام العراقي الجديد فتجاوز حال الإنقسام اللبناني إلى تكريس فيديرالية الطوائف في الدستور. ساعده في ذلك الإحتلال الأميركي وتوجهات إيران وبعض العرب. وقبل كل ذلك فشل حزب البعث العراقي طوال سنوات حكمه في نشر الفكر العلماني وتطبيقه سياسياً على صعيد السلطة والشارع والمدينة والمدرسة. لا بل لجأ صدام حسين (قبله السادات) إلى الإسلاميين والعشائر.
هي مؤامرة، قال الأسد، والواقع أن ما يدبره الخارج لسورية مخطط مفضوح. يكفي أن نعود إلى شروط كولن باول الشهيرة في بداية الحرب على العراق كي نعرف حجم الضغط الذي تعرضت له دمشق عندما كان على حدودها أكثر من مئة وخمسين ألف جندي أميركي. وعندما سحبت جيشها من لبنان، ووقفت إلى جانب «حزب الله» خلال حرب تموز. ويكفي أيضاً أن نعود إلى مخطط جاك شيراك، بالتعاون مع جورج بوش الإبن، لإطاحة النظام ودعم الإسلاميين لتولي السلطة في دمشق، ولم يكن عبد الحليم خدام بعيداً عن المخطط. (كتاب أسرار الرؤساء لفانسان نوزي). شيراك استعاد تاريخ الإستعمار الفرنسي. اراد إغراق سورية بالدم وتقسيمها إلى أربع دول على أسس طائفية، ولم يعترض بوش آنذك.
كل هذا صحيح وموثق. واستطاعت سورية تجاوز كل هذه الضغوط. لكن لم يكن النظام وحده. كان الشعب السوري، على حساب حرياته وتقدمه، من تصدى للمخططات وأفشلها.
في خطابه الأخير اعترف الأسد بالتأخير في البدء بالإصلاحات ووعد بالإسراع فيها «لرد المؤامرة». وإلى الوعد بالإصلاحات وتشكيل لجان لدراستها وتطبيقها، اعتمدت قيادة حزب البعث المترهلة خطاباً في الوحدة الوطنية أشبه ما يكون بالخطاب الفولكلوري للأحزاب اللبنانية. خطاب يعبر عن الواقع ويغرق فيه ويستخدم عبارة «الوحدة الوطنية» مجرد شعار خال من أي مضمون.
الحياة