طريق الاستباحة الشاملة!/ طيب تيزيني
تتعاظم الأحداث في العالم العربي على نحو كارثي وغير مسبوق. وفي الوقت ذاته يتعاظم الإصرار من قِبل أطراف دولية داخلية وخارجية لا على الحفاظ على هذه الحالة الراهنة فحسب، بل كذلك على توسيعها وتعميقها، كما لو أن هنالك من يسعى إلى تخريب كل شيء، قبل أن تنشأ مبادرات أو أخرى لتطرح الأمر ضمن استراتيجية ما للسلام. وإضافة إلى ذلك، يلاحظ الباحث المدقق أن بلداً أو آخر يعمل على خريطة العالم لمصلحته، حتى لو استخدم في سبيل ذلك أعمالاً تفضح عن نفسها بمثابتها استفزازاً فظاً لأطراف قريبة منها أو بعيدة، ضاربة عرض الحائط بالثوابت القانونية والدبلوماسية والأخلاقية. وإلا، لماذا لجأت إيران إلى الهجوم على السفارة السعودية في طهران!
قد تكون الإجابة عن ذلك ما أخذ يجتاح العالم العربي، خصوصاً من استفزازات حربية خطيرة، أقر أصحابها أنفسهم بالاعتذار عنها، إضافة إلى آخرين أدخلوا بلدهم في صراع ينهي هذا البلد إلى مِزَق وطوائف. وطرف ثالث أخير يأتي من بعد آلاف الكيلومترات ليقصف بلداً ذا سيادة حققها منذ عام 1946!
حقاً، نحن نعيش عصراً لهزيمة التاريخ في شق كبير منه، وهزيمة أخرى للحضارة العالمية! والأمر الفاحش الذي يطفو على السطح راهناً لا يتمثل في أن أطرافاً من «العالم الشرقي» فحسب تتقاتل بحماقة وأنانية، في استهانة لبلادهم واستباحة لأهلها، بل الأمر أكثر مكراً ومرارة حينما نمس الطرف الآخر من العالم، أعني الغرب في قسم منه ليس ضئيلاً (هناك غربان اثنان، غرب الحضارة الملطخة بالدم والاستعمار، وغرب الشعوب التي دفعت ثمن «تحضرها» غالياً). في ذلك الغرب إياه لم يكن ظهور من فككه وعرّاه أمام القاصي والداني عبثاً ومصادفة، بل جاء ليعلن من مِنْ الطرفين في الغرب نفسه هو الذي استباحه وعمل دون كلل على تحويله إلى «عبيد للحضارة»، بدلاً من أن يكونوا «سادة لها وفيها»، مع أن من أصبح سيد الموقف مالاً وسيطرة وقدرة، كان له أن يصبح مسيِّر الموقف وسيده. ها هنا، ظهر أن الغرب المعني هو ذلك الذي يتضامن مع من يعمل على تدمير الشعوب، سواء أكان في «مضايا» أم «دوما» أم «تعز».
وكان كارل ماركس هو مَن وضع يده على تلك الثنائية الغربية، وعلى ما يتصل بها مشرقاً، حين قال: كلما ارتفعت قيمة الأشياء، هبطت قيمة الإنسان! وذلك ما نكتشفه عبر أحداث العالم العربي في تشابكها مع العولمة، ويتضح على يد الباحث الأميركي ميشال بوغنون، والذي يقول في كتاب «أميركا التوتاليتارية» ما نصّه: العولمة هي السوق المطلقة! وإذا كان الأمر كذلك فإننا نكون قد وضعنا عالمنا على بحار هائجة من الدم.
أما المؤسسات والمنظمات الدولية التي جاءت عقب الحرب العالمية الثانية، فعلينا -والحال كذلك- أن نضعها في موضعها الراهن: إنها تنهج وتنظر للعولمة المطلقة التي غطت مغارب العالم ومشارقه، فهي مهيأة لاستبدال «أسلحة كيمياوية» بـ «فتيشات فلينية»، ولاستبدال «لحم البشر» بـ «لحم القطط والكلاب»!
وهكذا، وحيث يكون الأمر الجلل الراهن قد أصبح عالمياً أو قريباً من ذلك، فإن أول الضحايا هي البلدان العربية والوجود العربي، ما يعني أننا إذا واجهنا هنا شكسبير الإنجليزي وعبد الرحمن الكواكبي السوري، وآخرين، فإن المعادلة تأخذ الصيغة التالية: أن نكون أو لا نكون! إن استباحة العالم العربي لا تقابلها ولا تعادلها إلا واحدة من اثنتين، الكرامة أو المذلة!
الاتحاد