عربية ولا أخجل/ رشا عمران
“نحن لسنا عرباً”. هكذا يقرر الأب ثيودورس داود، راعي أبرشية القديسة مريم للروم الأرثوذوكس، يقرر ويكتب مقالاً يتناقله مئات دغدغت كلماته الكامن العنصري في دواخلهم، يقرر الأب ثيودورس أن المشرقيين، من سوريين وفلسطينيين وأردنيين ولبنانيين، ومعهم المصريون، ليسوا عرباً، بل هم أبناء حضارات سكنت في المدن، لا في الصحراء، وغنت ورقصت وعملت في التجارة والزراعة. وأما العرب فليسوا سوى سكان الصحراء الهمج والقتلة والمجرمين، “ومن منهم اعتنق المسيحية صار يشبه من هم ليسوا عرباً، ومن غادر الصحراء ورحل إلى بلاد الحضارات تطبع بطبعها”. يقرّر الأب أيضا أننا أبناء أصل، بينما هم، العرب، لا يملكون أصلاً معروفاً، فهم بدو رحل، يتنقلون ويقتلون ويرقصون فوق الدماء، وربما يشربون الدم ابتهاجاً، ويدمرون الحضارات ويحرقون الكتب.
وللأمانة، يستدرك الأب، ويفرّق بين مسلمي المشرق ومسلمي العرب، “فمسلمو المشرق لا يقتلون، ولا يهدمون الحضارات، ولا يحرقون الكتب، كما يفعل مسلمو العرب”، وعلى الرغم من أن الأب خجل من تسمية من يقصد بالتحديد إلا أن (حوارييه) تولوا ذلك، فأهل الخليج العربي هم المقصودون، هم العرب الرّحل سكان البوادي والصحراء، وهم القتلة وشاربو الدماء! لست هنا في وارد الدفاع عن أهل الخليج العربي، ولا مناقشته بالأنساب التي لا أفقه فيها، مثله تماماً، وإنما أريد طرح بعض الأسئلة عليه، وعلى حوارييه: ينطلق كلام الأب ثيودورس من موقف سياسي مؤمن أن ما حدث في سورية مؤامرة إسلامية خليجية تستهدف الأقليات (الحضارية) وإرثها التاريخي في المشرق العربي.
لا بأس، فلنفترض ذلك، ولنفترض معه أن من بدأ القتل في سورية هم أدوات هذه المؤامرة، أليس المنفذون سوريين من المسلمين المشرقيين الذين يراهم مختلفين عن مسلمي العرب؟ أليس هؤلاء أيضاً أبناء هذه الحضارات التي تبني وتزرع وترقص وتغني وتكتب؟ ما تفسيره العظيم لذلك؟ ثم فلنفترض أن من شارك بالقتل في سورية من الأقليات شارك دفاعاً عن الحضارة التي ينتمي لها في وجه الهمجية الإسلامية العربية، أليس ما فعله هؤلاء قتلاً أيضاً، أليس الرقص ابتهاجاً بموت الآلاف الذين تم قتلهم (دفاعاً عن الحضارة) ذبحاً وحرقاً وبالأسلحة الكيميائية، وبالتجويع وببراميل الموت وبالصواريخ، أليس هذا الفرح والانتشاء بموت الآخرين، حتى لو كانوا أعداءً، هو همجية ورقص فوق الجثث، وابتهاجاً بالدم السوري الحضاري؟ ماذا أيضاً عن مسلمي المغرب العربي المنتمين للقاعدة وداعش، والذين يذبحون ويحرقون بدم بارد. أليس هؤلاء من سلالات حضاراتٍ قديمة أيضا؟ أليست تونس بلداً تلاقح فيه مزيج من الحضارة القرطاجية والرومانية والبيزنطية وغيرها، ماذا عن الدواعش التوانسة الذين يرتكبون المجازر في سورية؟
يحرص الأب ثيودورس على انتقاء كلامه، ولا يعمم على المسلمين بأنهم قتلة وهمج، فيستثني من يريد منهم، خشية وصفه بالطائفية في زمن تتوهج فيه الغرائز الطائفية والدينية، لكنه لا يجد حرجا في العنصرية التي تعمم الهمجية على من يراهم عرباً؟ هل يختلف خطابه عن خطاب اليمين المتطرف الأوروبي والأميركي الذي يعمم النعوت نفسها على المهاجرين العرب والمسلمين؟ وهو وهم يتجاهلون تاريخاً طويلاً من المجازر التي ارتكبت في الحروب الأهلية الأوروبية والأميركية التي لم يشارك بها عرب الصحراء، ولا مسلموها، وقتها، بل مسيحيو تلك البلاد ذات الحضارات العريقة والعتيقة، وهم أنفسهم الذين ارتكبوا الفظائع بالهنود الحمر سكان أميركا الأصليين. يتجاهل الأب، أيضاً، مجازر يهود إسرائيل القادمين من بلدان الحضارات التاريخية بالفلسطينيين، يتجاهل ذلك كله تبريراً لموقف سياسي لا أخلاقي، ولا إنساني، ويقرر عن ملايين البشر المنتمين إلى بلدان المشرق العربي، ومعهم مصر، أنهم ليسوا عرباً، ويعمم على شعوب بكاملها صفات الهمجية والدموية والإجرام. لا أبرر لأي نظام عربي موقفه من الكارثة السورية، لكنني أعرف أنني أتشارك التوق نفسه للأمان والحرية والعدالة الإنسانية مع الشعوب التي تحكمها هذه الأنظمة. أعرف أيضا أنني أشعر بالعار، حين يقرر عني عنصري أو طائفي ما من أنا، ومن أكون، وحين يميزني عن أصدقاء لي، يملكون من الإنسانية والصدق ما يتوافق على تاريخه.
العربي الجديد