عواقب الاستبداد
د. طيب تيزيني
تشهد معظم البلدان العربية تحولات متسارعة منذ بضعة أسابيع وحتى الآن، جاءت الثمار يانعة مشجعة على الاستمرار، لكن عبْر تصحيح الأخطاء والمزالق المحتملة، فكانت تونس ومصر، وما زالت ليبيا واليمن تكافح وتقاتل من أجل أهدافها، إضافة إلى الأردن وسوريا والجزائر وموريتانيا، التي تحاول أن تعمل على أن تدخل في سياق التغيير والإصلاح الديمقراطي ومكافحة الفساد وغيره. وفي هذه العملية المفتوحة، تبرز أوضاع جديدة في بلدان عربية أخرى، لترفع رصيد دعاة الحرية والديمقراطية والعدالة، يداً بيد مع تزايد وتائر العنف المتحدّر خصوصاً من الأطراف الحاكمة، ومع تعاظم الإفقار والإذلال والفساد.
ويلاحظ الباحث أن تلك الأطراف تلتقي في حالتين اثنتين كبْريين، أما أولاهما فتتمثل في حضور الفساد على نحو شامل أو شبه شامل دمَّر معظم خُطط بل ربما كل التنمية الوطنية في الحقول الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية وغيرها. وتبرز الحالة الثانية، التي تتجسد في هيمنة أدوات القمع والاستبداد كوسائل لحكم البلد، ومن ثم في غياب الديمقراطية والمساءلة يداً بيد مع نهب المال العام…إلخ. ولعلنا نضيف حالة ثالثة تجمع بين البلدان المعنية هنا، هي رفض حكَّامها للإصلاح الجدِّي واللّعب عليه بهدف الحيلولة دونه، لأنه يحدّ من سلطاتهم الشاملة أو ما يقترب من ذلك وفق قانون “الاستبداد الرباعي”، أي القائل بالاستئثار بالسلطة والثروة والإعلام والمرجعية.
ومن حيث المبدأ، إذا كان الأمر قائماً على أساس هيمنة القانون الاستبدادي المذكور، فإن كل شيء يصبح ممكناً ومستباحاً أو قابلاً للاستباحة المفتوحة. وفي سبيل إيضاح ذلك، نأخذ مثالاً على ذلك ما يفعله الحكام في البلدان العربية المضطربة حالياً، مع خروج الناس إلى الشوارع. لقد أعلنوا استراتيجيتهم: العنف والقهر والاصرار على مواجهة المتظاهرين حتى بالسلاح والاعتقال والإذلال، بدلاً من الاعتذار لهم وإعلان مشروع للإصلاح الوطني الديمقراطي. لقد اتضح أن بعض القادة يفتقدون الحكمة والرؤية النقدية، بحيث يؤدي ذلك إلى كوارث اقتصادية وسياسية وأخلاقية، إضافة إلى نشوء احتمالات لأعمال عنف خطيرة مثل حروب أهلية وأخرى طائفية ومذهبية…إلخ، كما هو الحال الآن في ليبيا واليمن وبلدان أخرى قد تكون مرشحة للدخول في حقل هذه الحروب.
وإذا حاولنا ضبط مطالب المتظاهرين العرب، وجدنا أنها -على اختلافها بحسب الخصوصيات النسبية التي تحكمها- تتمثل في ما يلي: إسقاط العمل بمقتضى الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ، وتبييض السجون بإطلاق سجناء الرأي والضمير والسجناء السياسيين، إنتاج قانون أحزاب ديمقراطي ويستجيب لدواعي العصر، إطلاق حرية الإعلام والتعبير الحر عن الرأي، اعتقال من استخدم أسلحة نارية ضد المتظاهرين، البدء بالتحضير لعقد مؤتمر وطني من كل الأطياف السياسية والثقافية على نحو يحدد هذه الأطياف في المقولة التالية: مِنْ أقصى اليمين الوطني والقومي الديمقراطي إلى أقصى اليسار الوطني والقومي الديمقراطي، البدء بالتحضير لتفكيك دولة الأمن عبْر أمن الدولة المدنية الديمقراطية. تلك خريطة استراتيجية للمهمات القصوى الراهنة، التي بإمكانها أن تزيل الاحتقان المتصاعد في البلد والقابل لأن يكون مقدمة إلى ما يشعل الأخضر واليابس.. نعم هكذا الأمر.
الاتحاد