مجزرة الغوطة: الفوضى بديل العدل/ صبر درويش
الفوضى بديل العدل، والمجزرة التي ارتكبت في محيط العاصمة دمشق، سوف تعلن تغيرات جذرية في قواعد اللعبة، لا لأنها المجزرة الأعنف منذ بدء ثورة السوريين، بل لأنها عرت النظام العالمي من كل مشروعية، وكشفت زيف خطابه الأخلاقي حول الديمقراطية وحقوق الانسان ‘المزعومة’.
الركاكة ماثلة أمامنا، من ‘قلق’ بان كي مون المبتذل؛ إذ على الضحية السورية، أن تقبل أولاً بلعب دور الضحية، وعليها ثانية أن تثبت للعالم الفاجر بأنها ضحية، وحيث أن الصورة لم تعد تكفي صار لا بد من المشاهدة بالعين المجردة، عسى الرأي العام المتحضر في أوروبا يقتنع أن هؤلاء هم أطفالنا وليسوا دمى أو ‘فبركات’ ومجسمات صنعت في قطر؛ موتنا اليوم بات عليه أن يكون بالعين المجردة.
لم تكن مجزرة الغوطتين اولى المجازر في سورية ولن تكون الأخيرة، ولكنها ستفتح باباً من العنف لن يغلق في الأمد القريب؛ إن مرور الجريمة هذا مرور الكرام، سيدفع السوريين إلى موجة من العنف قل نظيرها، فالأحقاد والغضب والرغبة بالثأر هي المشاعر المسيطرة اليوم على السوريين، وهي – ويا للأسف- البوصلة التي ستحدد مسار الأحداث المقبلة، لا لأنها المجزرة الأعنف، بل لأن صمت العالم كان هو الصادم في الأمر، وهو الأعنف من نوعه.
نعم الفوضى هي بديل العدل، وستشهد الأراضي السورية حجماً من الفوضى سيكون من الصعب التنبؤ بحجمه وطبيعة تجليه على الأرض؛ لقد افتتح السوريون باب التغيير على صعيد عالمي، فقد كشفت أحداث ما يجري على أرض السوريين بؤس النظام العالمي، فكما سقطت سابقاً منظومة عصبة الأمم المتحدة، تبدو الأمم المتحدة اليوم آيلة للسقوط على وقع تلكؤ العالم، وعلى رأسه دول الثماني النافذة حيال عنف يمارس على مدنيين، هم في التحليل الأخير جزء محسوب على البشرية، وليس على شيء آخر. ستشهد العاصمة دمشق، وغيرها من المدن موجة من العمليات الانتحارية، وسيليها سقوط العشرات من الضحايا المدنيين، وستستهدف أماكن تجمع الموالين لنظام الأسد، وسيسقط العشرات من القتلى، وسيرد هؤلاء بالمثل، وستبدأ موجة من العنف والعنف المضاد، سترمي بأي حل سياسي خارجا، وسيكون دماراً موجعاً لكل السوريين بدون استثناء، هذا ما أعلنته أكثر من تشكيلة عسكرية في الغوطة وخارجها، وهذا ما يتوعد به السوريون في الأيام القليلة القادمة.
في الغوطتين شاهدنا اليوم رجالاً يبكون بوجع، شاهدنا مقاتلين يزرفون الدمع أمام العجز الذي أصابهم، حيال خصم جبان، تقصد تماماً، نظام الأسد هو ولا أحد سواه من تقصد قصف المدنيين بسلاح محرم دولياً.
تركزت الموجة الأولى من القصف على بلدات حمورية وعربين وسقبا وزملكا وكفر بطنا، ثم توسع القصف ليطال باقي البلدات والمدن بدايةً من دوما وبعدها حرستا وأطراف جوبر وجسرين. ومن المعلوم أن المجموعة الأولى من البلدات، تعد حسب العرف العسكري أنها بلدات خطوط خلفية، أي أنها ليست جبهات للقتال، وهو الشيء الذي دفع سكان الغوطة إلى التجمع فيها، هنا سنشهد في بلدات حزة وحمورية وسقبا وكفر بطنا وجسرين ودوما أعلى نسبة تجمع للمدنيين في الغوطة، كما سنجد أغلب عوائل المقاتلين موجودين هنا بالذات، وهنا بالضبط تركز القصف وهنا سقطت النسبة الأعلى من الضحايا، حيث في حمورية وحدها سقط أكثر من 300 شهيد، وفي زملكا تجاوز العدد الـ 400شهيد. يقول ابو اليسر وهو أحد الاعلاميين في مدينة عربين: ‘وصل عدد الشهداء في عربين في الساعات الأولى من القصف إلى 40 شهيداً، من بينهم كان 23 طفلاً و17 امرأة، والعدد حتماً سيزداد ‘.
فقوات الأسد تقصدت عن سابق اصرار، تركيز القصف على المدنيين تحديداً، وهو شيء تؤكده احصائيات الضحايا، حيث اكثر من 25بالمائة منهم هم من الأطفال، وبما يزيد عن ذلك من النساء، بينما قلة منهم كانت من المقاتلين.
الرسالة إذاً واضحة، على المدنيين أن ينحازوا إلى طاغية دمشق ويكفوا عن دعم الثوار، الذين منعوا عبر أكثر من سنة ونصف أي تقدم لقوات الأسد داخل أسوار الغوطة؛ وحيث أن هذه الأخيرة فشلت بالتقدم شبراً واحدا باتجاه الشرق، كان لابد من سياسة عقابية تطال الحلقة الأضعف أي المدنيين، وتثير الهلع الكافي من وجهة نظر نظام الأسد كي يعيد الثوار حساباتهم.
لا أحد ينكر الان موجة الهلع والخوف الهستيري التي تجري بين سكان الغوطة الشرقية، ولا أحد ينكر أنها كانت ضربة موجعة لكل الثوار، وفي المقابل لا أحد ينكر أيضاً أن هذه الجريمة زادت من اصرار الشبان المقاتلين على الاستمرار في معركتهم كما حسمت خيار بعض المترددين في اوساطهم؛ ‘عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم’ هذا ما يردده الشبان في كل زاوية من الغوطة، إذ لعل هذا الحجم من الدمار يدفع التشكيلات المقاتلة إلى التوحد في كيان واحد، يجعل من القصر الجمهوري الهدف الأساسي لكل العمليات المقبلة، ولعل الحدث الجلل الذي اصاب السوريين يدفع بالقادة السياسيين إلى الاقتناع أن لا خيار أمامهم سوى أن يكونوا واحداً في مواجهة الطاغية.
تعيش سورية في هذه الأثناء نكبة حقيقية، تلملم جراح أبنائها، وترنو بعين الدهشة إلى عالم متخم بالعهر السياسي، حيث ترمى فلسفة حقوق الانسان إلى مزبلة التاريخ. العالم بعد اليوم حتماً سيتغير. على الأقل هذا ما بات يؤمن به السوريون.
كاتب من سورية
القدس العربي